|
عضو جديد
|
رقم العضوية : 81005
|
الإنتساب : Jun 2014
|
المشاركات : 28
|
بمعدل : 0.01 يوميا
|
|
|
|
كاتب الموضوع :
جعفر صادق الحسيني
المنتدى :
منتدى العقائد والتواجد الشيعي
الخيار الأتمّ لرواية (فيجفلون عنه إجفال الغنم) 4
بتاريخ : 13-04-2025 الساعة : 01:27 PM
راء- هم النجباء والأبدال والأخيار والحكماء، ففي خبر جابر الجعفي قال: قال أبو جعفر عليه السلام: (يُبايع القائم بين الركن والمقام ثلاثمائة ونيف عدّة أهل بدر، فيهم النجباء من أهل مصر، والأبدال من أهل الشام، والأخيار من أهل العراق، فيقيم ما شاء الله أن يقيم). الغيبة للطوسي:497/ح502، البحار:52/ 334/ب27/ح64. وبتفاوت في دلائل الإمامة:466/ 450/ح54، والمعجم الكبير للشيخ سليمان بن أحمد الطبراني:23/ 295، وعقد الدرر في أخبار المنتظر:141/ب4/ف2/ح135، والمستدرك على الصحيحين للشيخ محمد بن عبد الله الحاكم النيسابوري:4/ 478، ومعجم أحاديث الإمام المهديّ عليه السلام:1/ 508/ح348.
وفي هذا المدار روى حذيفة عن رسول الله صلّى الله عليه وآله أنّه قال: (إذا كان عند خروج القائم، يُنادي مُنادٍ من السماء: أيّها النّاس، إنّ الله قَطَع عنكم مدّة الجبّارين، وَوَلّى خير أُمّة محمّد صلّى الله عليه وآله وسلّم فألحقوا بمكّة، فيخرج النجباء من مصر، والأبدال من الشام، وعصائب العراق، رهبان بالليل ليوث بالنّهار، كأنّ قلوبهم زُبَر الحديد، فيبايعونه بين الركن والمقام). الاختصاص المنسوب للشيخ المفيد:208، عنه البحار:52/ 304/ب26/ح73.
وبتفاوت بسيط روى أبو الطفيل عن الإمام علي عليه السلام أنّه قال: (إذا قام قائم آل محمّد جمع الله له أهل المشرق وأهل المغرب، فيجتمعون كما يجتمع قزع الخريف، فأمّا الرفقاء فمن أهل الكوفة، وأمّا الأبدال فمن أهل الشام). تاريخ مدينة دمشق للشيخ ابن عساكر الدمشقي:1/ 297، وينابيع المودّة لذوي القربى للشيخ سليمان بن إبراهيم القندوزي:2/ 434/ب73، والمعجم الموضوعي لأحاديث الإمام المهدي عليه السلام للشيخ علي الكوراني:276.
يذكر أنّ من الأحاديث التي ألمحت إلى هذا الجانب حديث أم سلمة عن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، في حديث خسف البيداء، قال: (فإذا رأى النّاس ذلك أتاه أبدال الشام وعصائب أهل العراق، فيبايعونه بين الركن والمقام). سنن أبي داوود للشيخ سليمان السجستاني:6/ 344/كتاب المهديّ/ح4286، بتحقيق الشيخ الأرنؤوط، والحاوي للفتاوي للشيخ عبد الرحمن السيوطي:2/ 126.
وروى أبو بصير عن الإمام الصادق، في حديث طويل نأخذ لقطة منه، قال عليه السلام: (في السنة التي يظهر فيها أمر الله عزّ وجلّ، وهم النجباء والقضاة والحكّام على النّاس ... ولكن هذه العدّة التي يخرج الله فيها القائم عليه السلام، هم النجباء والقضاة والحكّام والفقهاء في الدّين، يمسح بطونهم وظهورهم فلا يشتبه عليهم حكم). دلائل الإمامة للطبري:562/ 526/ح130، منتخب الأثر:490.
ومن النصوص التي تساعد على أن نجعلها ضمن هذه البيئة رواية الأصبغ بن نباته عن أمير المؤمنين، في حديث، قال عليه السلام: (هو المهديّ الذي يملأها قسطاً وعدلاً كما مُلئت ظلماً وجوراً، تكون له حَيرَة وغَيبة يضلّ فيها أقوام ويهتدي فيها آخرون. فقلت: يا أمير المؤمنين، فكم تكون تلك الحيرة والغيبة؟ فقال: سبت من الدهر. فقلت: إنّ هذا لكائن؟ فقال: نعم، كما أنّه مخلوق. قلت: أُدرك ذلك الزمان؟ فقال: أنّى لك يا أصبغ بهذا الأمر؟ أُولئك خيار هذه الأُمّة مع أبرار هذه العترة. فقلت: ثمّ ماذا يكون بعد ذلك؟ قال: ثمّ يفعل الله ما يشاء، فإنّ له إرادات وغايات ونهايات). غيبة النعماني:69/ب4/ح4.
وهذه الرواية كغيرها من الروايات التي لوّحت إلى تبعيد بعض أصحاب الأئمّة من معاصرتهم لفترة ظهور الإمام المهديّ المنتظر والتيئيس من إدراك زمنه. كما أنّها وصفت المعاصرين لزمنه المقتدين به بخيار هذه الأُمّة.
وبناء على ما تقدّم خطّ قلم الشيخ خليل رزق التالي: <<كان أصحاب الإمام عجّل اللّه تعالى فرجه الشّريف الذين سيخرجون معه ويكونوا أوّل المبايعين له صنفاً، ونوعا آخر من النّاس.
فهم كما وصفتهم الروايات: الصلحاء والنجباء والفقهاء، المطيعون لأمره عجّل اللّه تعالى فرجه الشّريف، المشتاقون للشهادة بين يديه في سبيل اللّه عزّ وجل>>. الإمام المهديّ (ع) واليوم الموعود للشيخ خليل رزق:431.
زاي- لم يسبقهم الأوّلون ولا يُدركهم الآخرون، ففي الخبر المروي عن الإمام علي عليه السلام، وقد سأله رجل عن الإمام المهديّ عليه السلام، فقال: (فيجمع الله تعالى له قوماً قزع كقزع السحاب، يؤلّف الله بين قلوبهم، لا يستوحشون إلى أحدٍ، ولا يفرحون بأحدٍ يدخل فيهم، على عدّة أصحاب بدرٍ، لم يسبقهم الأوّلون، ولا يُدركهم الآخرون، إهـ). المستدرك على الصحيحين:4/ 554، وعقد الدرر:128/ ب4/ف1/ح110.
في هذا البعد وهذا الصوب كتب بعضهم ما نصّه: <<فهؤلاء- من حيث المزايا والمؤهّلات- ليس لهم نظير في الماضي، ولا يكون لهم مثيل في المستقبل، وقد قرأت قول الإمام أمير المؤمنين عليه السلام: (لم يَسبقهم الأوّلون، ولا يُدركهم الآخرون)>>. الإمام المهديّ من المهد إلى الظهور:491-492، مستقبل البشريّة في زمن حكومة المهديّ (عج) العالميّة:308.
س- أسماؤهم مكتوبة على سيوف تنزل من السماء، ففي خبر أبان بن تغلب قال: كنت مع جعفر بن محمّد عليه السلام في مسجد بمكّة وهو آخذ بيدي، فقال: (يا أبان، سيأتي الله بثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً في مسجدكم هذا، يعلم أهل مكّة أنّه لم يخلق آباءهم ولا أجدادهم بعد، عليهم السيوف، مكتوب على كلّ سيف اسم الرجل واسم أبيه وحليته ونسبه، ثمّ يأمر منادياً فينادي: هذا المهديّ يقضي بقضاء داود وسليمان، لا يسأل على ذلك بيّنة). غيبة النعماني:327-328/ب20/ح5.
ونظيره خبر أبان الآخر عنه عليه السلام قال: (سيبعث الله ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً إلى مسجد بمكّة، يعلم أهل مكّة أنّهم لم يولدوا من آبائهم ولا أجدادهم، عليهم سيوف مكتوب عليها ألف كلمة، كلّ كلمة مفتاح ألف كلمة، ويبعث الله الريح من كلّ وادٍ تقول: هذا المهديّ يحكم بحكم داود ولا يُريد بيّنة). غيبة النعماني:328-328/ب20/ح7.
وظاهره أنّهم جميعاً ليسوا من أهل مكّة، على حدّ تعبير الصدر في تاريخ ما بعد الظهور:286.
وتضاهيه بعض النصوص، من قبيل الخبر المروي عن ابن أبي حمزة عن صادق العترة عليه السلام قال: (إذا قام القائم نزلت سيوف القتال، على كلّ سيف اسم الرجل واسم أبيه). غيبة النعماني:252/ب13/ح45.
ومن قبيل ما أخرجه الشيخ الصدوق في كماله بسند معتبر عن أبان بن تغلب قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: (سيأتي في مسجدكم ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً- يعني مسجد مكّة-، يعلم أهل مكّة أنّهم لم يلدهم آباؤهم ولا أجدادهم، عليهم السيوف مكتوب على كلّ سيف كلمة تفتح ألف كلمة، فيبعث الله تبارك وتعالى ريحاً فتنادي بكلّ وادٍ: هذا المهديّ يقضي بقضاء داود وسليمان عليهما السلام، ولا يُريد عليه بيّنة). كمال الدّين:2/ 608-609/ب58/ح19.
وكتب مصطفى الحيدري مبيّناً: <<أنّ (يعني) من الراوي.
قوله: (تُفتح ألف كلمة) يعني إنّ هذه الكلمة التي هي كناية عن قاعدة كليّة يستخرج منها ألف مسألة، وهذا من قبيل قول أمير المؤمنين عليه السلام: (علّمني رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم ألف باب من العلم، يُفتح لي من كلّ باب ألف باب)>>. بشارة الإسلام:347.
وعن معنى قوله عليه السلام: (يعلم أهل مكّة) عبّر الشيخ البحراني بما لفظه: <<كناية عن أنّهم لا يعرفونهم بوجه>>. عوالم العلوم:4/ 72 هامش.
ش- يُعلّمون النّاس القرآن في مسجد الكوفة، ففي رواية جعفر بن يحيى عن أبيه عن الإمام الصادق عليه السلام أنّه قال: (كيف أنتم لو ضرب أصحاب القائم عليه السلام الفساطيط في مسجد كوفان، ثمّ يخرج إليهم المثال المستأنف، أمر جديد، على العرب شديد). الغيبة للنعماني:334/ب21/ح6،البحار:52/ 365/ب27/ح142.
الفسطاط: خيمة كبيرة.
وقد يتساءل البعض حول ماهيّة الكتاب وماذا يتضمّن بحيث يجعل النّاس تنفر وتجفل وتبتعد هاربة من محضر إمام الأُمّة وحكيم الخليقة ولا يبقى معه إلّا الطائفة المخلصة؟
وقد أُجيب عن ذلك بوجوه متفاوتة، أحدها: اعتبر هذا الكتاب هو الذي ورد الكلام عنه في النصوص بمفاد: أنّ القائم عليه السلام يُبايع على كتاب جديد، على العرب شديد. يراجع: غيبة النعماني:271/ب14/ح24 و:263/ب14ح13 و:238-240/ب13/ح18-23 وح28 و:201/ب11/ح1.
وفي هذا السياق روى أبو بصير عن الإمام الباقر عليه السلام، في حديث طويل، قال: (فيكون أوّل من يضرب على يده ويبايعه جبرئيل وميكائل، ويقوم معهما رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم وأمير المؤمنين، فيدفعان إليه كتاباً جديداً، هو على العرب شديد، ... فيقولون له: اعمل بما فيه). البحار:52/ 307/ب26/ح81.
جدير بالذكر أنّ هذا المعنى ورد في مصادر أهل الجمهور أيضاً، فقد ذكرت منابعهم الحديثيّة أنّ مع المهديّ الفاطمي كتاب على العرب شديد.
ثانيها: يحتمل البعض أنّ فيه لعن أئمّة المخالفين، أو وجود أحكام جديدة. راجع: مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول للمجلسي:26/ 36.
وبعضهم يرفض الأوّل باعتبار أنّ الإمام لا يتصرّف بما يفرّق به الجمع ويبعثر ما يلمّ به الشمل.
ثالثها: يعتقد البعض أنّه الكتاب الذي فيه العهد بعدم الاستتابة وعدم المهادنة، واستدلّ له بخبر زرارة عن الإمام الصادق عليه السلام،في حديث تناول تلك المسألة، فقال: (إنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم سار في أُمّته بالمنّ، كان يتألّف النّاس، والقائم يسير بالقتل، بذاك أُمر في الكتاب الذي معه أن يسير بالقتل ولا يستتيب أحداً، ويل لمن ناواه). غيبة النعماني:237/ب13/ح14، البحار:52/ 353/ب27/ح109.
وأشير إليه في معتبر جابر الجعفي عن الإمام الباقر عليه السلام حيث جاء فيه: (ومعه عهد من رسول الله صلّى الله عليه وآله قد توارثته الأبناء عن الآباء). غيبة النعماني:291/ب14/ح67.
ومعتبر محمد بن مسلم عن الإمام أبي جعفر عليه السلام، في حديث، قال: (وكذلك القائم عليه السلام إذا قام يبطل ما كان في الهدنة ممّا كان في أيدي النّاس ويستقبل بهم العدل). تهذيب الأحكام للشيخ الطوسي:6/ 154/ب70/ح1، والبحار:52/ 381/ب27/ح192.
وخبر أبي بصير قال: قال أبو جعفر عليه السلام: (يقوم القائم بأمر جديد، وكتاب جديد، وقضاء جديد، على العرب شديد، ليس شأنه إلّا السيف، ولا يستتيب أحداً، ولا تأخذه في الله لومة لائم). غيبة النعماني:238-239/ب13/ح19. ونظيره في غيبة النعماني:263-264/ب14/ح13.
وخبر الثمالي عن الإمام الباقر عليه السلام،في حديث، قال: (يقوم بأمر جديد، وسنّة جديدة، وقضاء جديد، على العرب شديد، ليس شأنه إلّا القتل، ولا يستتيب أحداً، ولا تأخذه في الله لومة لائم). غيبة النعماني:240/ب13/ح22.
وخبر أبي بصير عن صادق العترة،في حديث، قال عليه السلام: (والله لكأنّي أنظر إليه بين الركن والمقام يُبايع النّاس على كتاب جديد، على العرب شديد، وقال: ويل لطغاة العرب من شرّ قد اقترب). غيبة النعماني:200/ب11/ح1.
يظهر من الخبر أنّ الشرّ المرتقب متوجّه إلى طغاة العرب. وقد يعضد هذا الاستظهار ما رواه الحارث الهمداني قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام: (بأبي ابن خير الإماء- يعني القائم عليه السلام من ولده عليه السلام-، يسومهم خسفاً، ويسقيهم بكأس مُصْبرة، ولا يعطيهم إلّا السيف هرجاً، فعند ذلك تتمّنى فجرة قُريش لو أنّ لها مفاداة من الدُّنيا وما فيها ليغفر لها، لا نكفّ عنهم حتّى يرضى الله). غيبة النعماني:235/ب13/ح11.
واختار هذا الوجه السيّد عبد الأعلى السبزواري في تعليقه على كتاب البحار:1/ 414.
ضرورة أنّ هذه الاجراءات وإقامة الحدود لا تعني أنّ الإمام سوف لن يقبل التوبة النصوحة من التائب في كلّ حال. وعليه، فلا ينبغي الخلط بين الأمرين، ويدلّ على ما قلناه خبر بشير النبّال عن الإمام الصادق، في حديث، قال عليه السلام: (ويح هذه المرجئة إلى من يلجؤون غداً إذا قام قائمنا؟ ... من تاب تاب الله عليه، ومن أسرّ نفاقاً فلا يبعد الله غيره، ومن أظهر شيئاً أهرق الله دمه، إهـ). غيبة النعماني:294/ب15/ح1.
ننتقل الآن معكم إلى المحاولات العلاجيّة لتأويل رواية كمال الدّين وتمام النعمة.
لقد حاول البعض توجيه الرواية توجيهاً ضعيفاً، حيث قال الكوراني: يُفهم من الرواية أنّ هذا الامتحان من المهديّ عليه السلام لمدى وعي أصحابه وتحمّلهم يكون بعد أن يفتح العالم ويوزّعهم حُكاماً على البلاد، وأنّ القصد من الاختبار إعدادهم لمرحلة جديدة كالانفتاح على السماء والآخرة مثلاً>>. معجم أحاديث الإمام المهدي عليه السلام:4/ 21. وألمح إلى ذلك في المعجم الموضوعي:361.
وهذا النمط من المقاربة في التكييف ممجوج، لكونه أشبه بالترقيع الشاذً منه إلى الإصلاح المقبول والرفّ المعقول.
أضف إلى ذلك أنّ امتحان وعيهم وتحمّلهم ينبغي أنّ يكون سابقاً على زمن الظهور، وهذا ما حكاه غير واحد. على أنّ إجفالهم وجولانهم في الأرض، كما سنسمع من السيّد الصدر، يصطدم مع ما ذُكر من مقاربة.
ومن المهمّ أن يتحدّد زمن الحدث (يجفلون)، من أجل تلمّس ملامحه وارتسام صورة واضحة عنه.
وبطبيعة الحال فإنّ زمنه لا يمكن أن يكون قبل الفتح العالمي والاستقرار السلطوي، وذلك لما سردناه في تضاعيف البحث عن مرتبة إيمانهم وطبيعة إخلاصهم، كما يُستبعد أن يكون بعده، لأنّ جلّ أفراد (313) متواجدون ساعتئذٍ في مراكزهم العالميّة يمارسون وظيفتهم بشكل وآخر كنقباء وحكّام وقضاة خارج الكوفة وحواليها في المناطق القريبة والبلدان النائية. وفي هذه البيئة كتب الصدر الآتي: <<وبعد أن يستتبّ الحكم العادل للمهديّ (ع) على البسيطة، سيكون هؤلاء الخاصّة في العالم موزّعين على مجموع الكرة الأرضيّة>>. تاريخ ما بعد الظهور:269.
هذا، ولوجود الإشكال الواضح في هذه الجزئيّة من الرواية ذهب الأستاذ علي الزيدي للقول: <<إن صحّت الرواية فإنّ التفرّق تفرّق طاعة، وليس تفرّق معصية أو لعقوبات يستحقّونها، وذلك لأنّ هؤلاء ال (313) أصحاب من طراز خاصّ وقد تربّوا التربية الإلهيّة المكثّفة التي جعلت منهم أصحاب همم تزول لها الجبال، وتفنى تحت أقدامهم الأمور الثقال>>. أسئلة معاصرة حول الإمام المهدي:71. بيد أنّه ذكر في ص78 وما بعدها وص92 خلاف ما بسطه، بل انطلق بعد ذلك بهمّة لهدمه حيث صرّح بوجود التناقض في متن الرواية.
وكيف ما يكن، فإنّنا نتحفّظ على كلمة (تفرّق طاعة)، إذ لا يوجد في المتن، ولو على نحو الإشارة، ما يُفهم منه هذا المعنى، بل إنّ ما طرحه السيّد الصدر في هذا الشأن، كما سيأتي، هو بالضدّ تماماً من التعبير الذي صاغه الزيدي وعلى نقيض وصفه، بل إنّ ما جاء في أحد المستندات يوحي بأنّ لفظة (الإجفال) لها معنى غير محبّذ، ونستلف ههنا قطعة وردت في رواية عبد الأعلى الجبلي أو الحلبي وفيها يقول الرجل الذي هو من صلب أبيه للإمام: (إنّك لتجفل النّاس إجفال النعم، أفبعهد من رسول الله صلّى الله عليه وآله أم بماذا؟). تفسير العياشي:2/ 58/ح.49، البحار:52/ 343/ب27/ح91.
في المقابل يرى السيّد محمّد الصدر أنّ الخبر غير قابل للإثبات التاريخي كما جاء في تاريخ ما بعد الظهور:525.
وكذلك قرّر الزيدي في أسئلة معاصرة حول الإمام المهدي:78.
بل إنّ الأستاذ الزيدي رفع من مستوى نقده له مّعلناً أنّه: <<متناقض في متنه مع الكثير من الأحاديث المتواترة القائلة بأنّ أصحاب الإمام المهديّ عليه السلام يحملون من القابليات ما تؤهّلهم لأنّ يكونوا خير معين للإمام وبلا أيّ تأخير أو تلكّؤ>>. أسئلة معاصرة حول الإمام المهدي:79.
وفي تكملة نقد هذه الجهة قال الصدر عن عبارة (يجولون): << وليتهم إذ يهربون منه يكتفون بترك المجتمع أو الانصراف إلى العبادة أو الأعمال الخيريّة الصغيرة، لكنّهم يجولون في الأرض طلباً للناصرين لهم والمدافعين عنهم، ليكوّنوا جبهة معارضة ضدّ الإمام عليه السلام، أو بما ينوون مناجزته القتال إذا استطاعوا. ولكنهّم سيفشلون في مهمّتهم فشلاً ذريعاً، لأنّ عدل المهدي وهيبته وصحّة عقيدته وقانونه يكون قد سبق إلى كلّ القلوب والعقول فلم يبق في العالم أحد إلّا تابع المهديّ. ويسترسل فيقول: فيتفرّق النّاس عنهم بعد أن يعرف النّاس مقاصدهم المنحرفة، ولا يستطيع هؤلاء أن يجدوا في البشريّة مؤيّداً ولا ناصراً>>. تاريخ ما بعد الظهور:523-524.
وبتعابير مقاربة سطّر الزيدي الجمل التالية: << إنّ أولئك قد عصوا وتنمّروا وجالوا البلدان من أجل حشد الجموع ضدّ إمامهم، فهل من المعقول مثل أولئك يبقون في دائرة الحبّ الإلهيً>>. أسئلة معاصرة حول الإمام المهدي:87.
ثمّ إنّه ذكر انطباعه لما ترشّح من بعض النصوص الدالّة على فشل جميع المذاهب الأرضيّة والدساتير الوضعيّة فقال: <<إذن والحال هذه لا يبقى أيّ مذهب لم يطرح فكره ونهجه قبل ظهوره الشريف، وأصحابه ال (314) يعرفون ذلك على أتمّ المعرفة، فما الداعي بعدها الذي يحعلهم يجولون في الأرض ويبحثون فيها ليجدو مذهباً يكون لهم سنداً يستندون عليه ضدّ الإمام سلام الله عليه؟>>. أسئلة معاصرة حول الإمام المهديّ.92.
وأثناء تناوله لفقرة (فيكفرون به) قال: <<وهذا يعني كفرهم بالله تعالى، لأنّهم كفروا بالذي نصّبه الله تعالى إماماً على النّاس أجمعين، وهم قبل أن يستخرج الكتاب من قبائه من أشدّ الأصحاب يقيناً بإمامته وحجيّته عليهم، كونهم خلاصة البشريّة في الإخلاص والإيمان، وعاشوا ما عاشوا من أجل هذا اليوم وحضورهم بإمامهم وقائدهم، فكيف يتخلّون عنه وعن مبادئهم وعن تربيتهم المعمّقة والمركّزة بهذه السهولة>>. أسئلة معاصرة حوا الإمام المهديّ:92.
هذه الإشكالات وما يشاكلها هي التي تقف إمام رواية كمال الدّين وتمام النعمة.
نعم، طبق رواية الكافي لا نرى في المتن مخالفة تستحقّ التوقّف عندها، لكونها تتحدّث عن الجموع الغفيرة وشرائح المجتمع وطوائفه المُرحّبة بالنظام الجديد. وبطبيعة الحال فإنّ عقيدة جمهور النّاس غير متينة وآراء عامّة الشعوب غير مبنيّة على أدلّة قويمة، ولذا تجدها سريعة التحوّل خفيفة التنقّل، قلوبها متغيّرة وأفكارها متقلّبة، والمتتّبع للأخبار والسيرة يعلم أنّه لا غرابة في ذلك ولا شائبة، حيث ورد ما يؤيّد ذلك في روايات زمن الظهور، ففي رواية إبراهيم بن عبد الحميد قال: أخبرني من سمع أبا عبد الله عليه السلام يقول: (إذا خرج القائم عليه السلام خرج من هذا الأمر من كان يرى أنّه من أهله، ودخل فيه شبه عبدة الشمس والقمر). غيبة النعماني:332/ب21/ح1.
بل سيعاني جيش الإمام المهديّ ومناصريه من هذا وغيره، فبعضهم سيفزعه هول منظر القصاص وتطبيق الجزاء، ومنهم من سيسيء الظنّ بخطّة الإمام، ومنهم من سيضمر نفاقاً لحين توفّر فرصة الفرار، وإليكم بعض القطات والمؤشّرات المثبتة لهذا التصوّر، ففي رواية أبي الجارود عن الإمام الباقر عليه السلام جاء فيها أنّ الإمام المهديّ عليه السلام يقول لأصحابه المتوّجه بهم إلى عاصمته العراقيّة ألا لا يحملنّ رجل منكم طعاماً ولا شراباً ولا علفاً، فيقول أصحابه: إنّه يُريد أن يقتلنا ويقتل دوابنا من الجوع والعطش). غيبة النعماني:244/ب13/ح28.
كأنّ الرواية تُشير إلى انتهاء الحضارة والتقنيّة ورجوع البشريّة إلى وسائلها القديمة.
على أيّه حال، فإنّ قانون الغربلة مستمرّ، وهذا اللون من الابتلاء قد ذكره القرآن المجيد في سورة آل عمران:179 وسورة العنكبوت:1-2، والدساتير المعصوميّةفي غير واحد من الأخبار، ومن النماذج العترويّة المؤكّدة له معتبر معمّر بن خلّاد عن الإمام أبي الحسن عليه السلام حيث ذكر أنّ النّاس تُفتن ثمّ تخلص كما يخلص الذهب. راجع: غيبة النعماني:210/ب12/ح2.
وجاء في خبر أبي بصير عن أبي عبد الله الصادق عليه السلام أنّه كما أُبتلي أصحاب طالوت بالنهر، سيبتلى أصحاب القائم بمثله. راجع: غيبة النعماني:331/ب20/ح13، وغيبة الطوسي:472/ح491، والبحار:52/ 332/ب27/ح56.
في المحصلّة النهائيّة لا يستحسن إطلاق الكلمات الحادّة والعبارات الخشنة وإصدار الأحكام القاسية وما إلى ذلك بحقّ العدّة المؤمنة المهذّبة أو الميل إليه، والحال أنّنا مرتادون، أي: طالبون لجهة الحقّ راغبون لضفة الصواب قاصدون لناحية الصدق، ومن كان همّته هكذا وغايته لا تعدو غيرها يلزمه أن يكون منصفاً في تقييمه معتمداً طريقة تنقيح المواضيع وتحقيق المسائل وتنضيج المباحث ليبني على الشيء مقتضاه بصورة علميّة وموضوعيّة.
وبالجملة: لا يُقبل من بعض الباحثين التشكيك بأصحاب الإمام المنتظر الخلّص رضي الله عنهم والطعن في صلابة إيمانهم به وصرامة طاعتهم له وثباتهم على التسليم له.
في الختام نُنبّه طالب العلم الساعي بجدّ للوصول إلى الحقيقة المرجوّة على أن لا يتجاوز في نهاية مطاف بحثه القاعدة الدرائيّة القائلة: (خذ بما اشتهر بين أصحابك ودع الشاذ النادر)، لكون موروثنا الروائي طافحاً، تصريحاً تارة وتلميحاً تارة أخرى، بمدح العدّة المُعدّة الثابتة، مشيداً بمواقفهم وحسن انقيادهم لتعاليم إمامهم.
وقد حاولت العمل على إبراز هذه الجنبة وعمدت إلى إبانة هذه الجهة في هذه الرسالة الزاخرة بالمستندات والمّطعّمة بالشروحات، وأرجو أن أكون قد وفّقت لذلك، راجياً العفو عن الهفوات غير المقصودة، والأخطاء غير المتعمّدة.
والحمد لله ربّ العالمين على نعمه وتوفيقاته والصلاة والسلام على سيّد المرسلين الحبيب الأمين وعلى آله الطيّبين الطاهرين.
جعفر صادق البصري
|
|
|
|
|