عرض مشاركة واحدة

الصورة الرمزية حفيد الكرار
حفيد الكرار
مشرف المنتدى الثقافي
رقم العضوية : 7208
الإنتساب : Jul 2007
المشاركات : 3,027
بمعدل : 0.47 يوميا

حفيد الكرار غير متصل

 عرض البوم صور حفيد الكرار

  مشاركة رقم : 2  
كاتب الموضوع : حفيد الكرار المنتدى : المنتدى الفقهي
افتراضي
قديم بتاريخ : 10-12-2013 الساعة : 09:16 PM


الأُستاذ جوادي:
البحث قد ورد مرحلةً أخرى، فقد كان البحث في المرحلة الأولى، هل أن المعاد عند الفلاسفة الإسلاميين منحصر بالمعاد الروحي، أو أنه روحي وجسماني أيضاً؟
وقلنا: إنّ كلاهما معاد في الفلسفة الإسلامية، فإن للإنسان في القيامة روح وبدن.
وأمّا المرحلة الثانية: فالبحث في أنه هل الجسم (الذي قلنا: بأنه المحشور في القيامة) مادي أو غير مادي؟
صدر المتألّهين قائل هنا بأن الجسم صوري لا مادي، وهذا هو نظر المحدثين أيضاً، وإن لم يصرحوا به في قالب الاصطلاح.
وتوضيح الموضوع هو أنه قد ذُكرت خصوصيات في الأحاديث وكلمات المحدّثين بالنسبة إلى الجنة وأهلها، ولازمها هو أن الجسم صوري لا مادي، فمثلاً لو سئل المحدّثون إن أهل الجنة إذا أرادوا استطلاع بعضهم عن أخبار البعض الآخر ــ وكان كل واحد منهم في غرفة ــ هل يحتاجون الانتقال المكاني والحركة؟
فسوف يكون جوابهم: لا.
ثم هل يحتاجون في قطف الثمار إلى حركة من مكانهم؟
فسيقولون: لا.
وهل يحتاج شواء اللحم إلى تهيئة مقدمات الصيد، والحركة من مكان لآخر؟
سيقولون: لا، بل بمجرد إرادتهم لحماً مشوياً سوف يحضر عندهم.
فموجودات عالم الدنيا تحتاج إلى مقدمات حتى يتحقق لها ذلك، ولكن نظام الآخرة نظام: كن فيكون( ). فهنا لا يحتاج الشيء إلى طيّ المراحل الوجودية الخاصة. وليس في البين حركة وتدرّج، ويسمون هكذا موجود، الموجود الصوري غير المادي. ومع أنه جسم، ولكنه ليس جسم مثل الجسم الدنيوي في كيفية تكوّنه وفي آثاره. وإن شئت أن تقول: جسم مادي، ولكن ليس فيه أثر من آثار الجسم المادي الدنيوي.
والخلاصة: فما هو مسلّم وثابت، والاعتقاد به لازم، هو جسمانية المعاد، ولكن اختصاصه بكونه ماديّاً أو صورياً ليس من الضروريات. ومما يؤيد هذا الأمر كلام الشيخ جعفر كاشف الغطاء في كتاب كشف الغطاء، يقول:
«المبحث الثالث: في المعاد الجسماني.
ويجب العلم بأنه تعالى يعيد الأبدان بعد الخراب، ويرجع هيئتها الأُولى بعد أن صارت إلى التراب...».
إلى أن قال: «ولا يجب المعرفة على التحقيق التي لا يصلها إلاّ صاحب النظر الدقيق، كالعلم بأن الأبدان هل تعود بذواتها أو إنما يعود ما يماثلها بهيئاتها...»( ).
والذي يظهر من هذا الكلام أنّه لا يلزم التحقيق أو العلم بأن الأبدان في المعاد تعود إلى حالتها المادية، أو تكون على هيئة الأبدان وصورتها، وكل واحد من الاحتمالين وارد، والاحتمال الثاني «إنما يعود ما يماثلها» هو الوجه الذي اختاره الملا صدرا.
وحاصل ذلك أنّ المحدِّثين قالوا ــ طبقاً للروايات الواصلة ــ : إنّ الجنة نشأة: (كن فيكون)، وهناك كل شيء يوجد فإنه يوجد بإرادة الإنسان، فمثلاً فوران عين الماء بإرادة الإنسان، ونور المؤمن يضيء ــ طبعاً لنفسه ــ القيامة، وهذه النشأة بالاصطلاح الفلسفي هي النشأة الصورية، ففي هذه الدنيا تعتمد النفس على البدن، وهناك يعتمد البدن على النفس، وقد نقلت رواية في ذيل الآية الكريمة: يَوْمَ تُبَدَّلُ الأَرْضُ غَيْرَ الأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ إبراهيم: 48، عن أبي أيوب الأنصاري، قال:
«أتى النبي  حبر من اليهود وقال: أرأيت إذ يقول الله: يَوْمَ تُبَدَّلُ الأَرْضُ غَيْرَ الأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ، فأين الخلق عند ذلك؟ قال: «أضياف الله لن يعجزهم ما لديه»( ).
الأُستاذ سيدان:
إن نتيجة ما تفضلتم به من إيضاح هي أنّ ما صرّح به الآخوند ملا صدرا من أنّ الجسم المحشور ليس هو الجسم المادي العنصري، بل الجسم الصوري، هو عينه مراد المحدثين، وإن كانوا لم يتكلموا فيه طبقاً للاصطلاح الوارد، ولكن بما أنهم بينوا الآثار والخواص التي هي ليست آثار وخواص الجسم المادي، من قبيل: عدم التدرج في الوجود، وعدم الاحتياج للفاصلة الزمانية في التحقق بالإرادة، فإذن محتوى كلام المحدثين هو مقصود صدر المتألهين.
وهنا أقول:
أولاً: إجراء المصالحة بين المحدّثين والملا صدرا، وأن مراد كليهما أمر واحد، بمعنى أنه لا اختلاف بين العلماء في كيفية الجسم المحشور، ويُستفاد من وجود تنافٍ مع كلمات أهل الفن في طريقة طرح الموضوع.
يقول المرحوم الميرزا أحمد الآشتياني في كتاب «لوامع الحقائق»، بعد إثبات استقلال الروح وتجرّدها: «وهذا مما اتفقت عليه كلمة الأعلام وحكماء الإسلام. وما ينبغي البحث عنه في المقام أمران:
الأمر الأول: في ثبوت أصل المعاد بحكم العقل القطعي، وتأييد الآيات والروايات.
الثاني: إنه بعد ما ثبت بحكم العقل والنقل لزوم المعاد ويوم الجزاء، وقع البحث في أن ما ينتقل إليه الأرواح في القيامة الكبرى ويوم الحساب، هل هو عين الأبدان الدنيوية البالية العنصرية، بشمل شتاتها وجمع جهاتها بأمره تبارك وتعالى، كما يقتضيه الاعتبار، حيث إن النفس خالفت أو أطاعت وانقادت لمّا كانت بتلك الجوارح، فحسن المجازاة وكمال المكافاة بأن يكون المجازى عين من أطاع أو عصى، أم لا، بل تنتقل إلى صورة مجردة تعليمية ذات امتداد نظير القوالب المثالية والصور المرآتية»؟
وقال بعد ذلك:
«ما وقع التصريح به في القرآن الكريم هو الأول، كما في جواب سؤال إبراهيم  حيث قال: رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِـي الْمَوْتَى البقرة: 260، وقوله تعالى في جواب: أَيَحْسَبُ الإِنسَانُ أَلَّن نَجْمَعَ عِظَامَهُ * بَلَى قَادِرِينَ عَلَى أَن نُّسَوِّيَ بَنَانَهُ القيامة: 3 ــ 4، وقوله عز شأنه في جواب سؤال: مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ * قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ يس: 78 ــ 79، وغير ذلك من الآيات».
ثم يضيف بعد ذلك:
«ولكنّ جماعة من أهل الحكمة المتعارفة ذهبوا ــ لشبهة عرضت لهم ــ إلى الثاني، ولا بدّ لنا من حلّها ودفعها بعون الله تعالى»( ).
وجاء بعد ذلك بخلاصةٍ لمسلك الملا صدرا وانتقده.
ويقول المرحوم الميرزا محمّد تقي آملي في تعليقه على شرح (منظومة درر الفوائد) ــ بعد التوضيح والتعليق على مختار المصنف ــ يقول:
«هذا غاية ما يمكن أن يقال في هذه الطريقة، ولكنّ الإنصاف أنه عين انحصار المعاد بالروحاني، لكن بعبارة أخفى فإنه بعد فرض كون شيئية الشيء بصورته، وأنّ صورة ذات النفس هو نفسه، وأن المادة الدنيوية لمكان عدم مدخليتها في قوام الشيء لا يحشر، وأن المحشور هو النفس، غاية الأمر إمّا مع إنشائها لبدن مثالي قائم بها قياماً صدورياً مجرداً عن المادة ولوازمها إلاّ المقدار، كما في نفوس المتوسّطين من أصحاب الشمال أو أصحاب اليمين، وإمّا بدون ذلك أيضاً كما في المقربين، (ولعمري) إن هذا غير مطابق مع ما نطق عليه الشرع المقدس على صادعه السّلام والتحية»( ).
وكذلك قال المرحوم الآقا السيد أحمد الخوانساري في العقائد الحقة:
«ثم إنّ البدن المحشور يوم النشور البدن العنصري، كما هو صريح الآيات والأخبار.
وقد يقال: إن المحشور ليس البدن العنصري. بل، البدن المثالي المنشأ بإنشاء النفس بإذن الله تعالى، المختلف باختلاف الملكات الحاصلة في الدنيا، وفي المقام شبهات تدعوا إلى القول المذكور»( ).
ثم جاء بعد ذلك بآيات وروايات تدل على أن المحشور هو الأبدان العنصرية، ثم قال: «قد اختار بعضٌ الحشرَ بالأبدان المثالية بتقريب:
أنّ الإنسان بعد الموت ينشأ بإذن الله بدناً بلا مادة، مناسباً للملكة الحاصلة في زمان حياته»( ).
وثانياً: ما ذُكر في هذا البيان بوصفه إثباتاً لوحدة المسلكين معاً، من قبيل: عدم التدرج والتكوّن بالإرادة و..، قابل للنقد. وهو أن مثل هذه الآثار لا دلالة فيها على عدم المادية، وأن المحشور هو الصورة المحضة. إذ من الممكن أن تكون هذه الأجزاء المادية الدنيوية ــ في شرائط خاصة ــ تترتب عليها آثار خاصة أخرى غير الآثار الدنيوية.
وهناك حوادث كثيرة من قبيل: إحضار عرش بلقيس عند حضرة سليمان على نبينا وآله وعليه السلام مقدار أقل من طرفة العين( )، شاهدة على عدم تنافي مثل هذه الحوادث والخصوصيات مع كونها ماديةً أصلاً. ومجرّد الاستبعاد لا يمكن أن يكون دليلاً على العدم، فالمؤثرات والخصائص التي اكتشفت اليوم للمادة، أدت إلى تحوّلٍ في الاختراعات من قبيل: التلفزيون؛ والهاتف؛ وغيرها.
وعلى كل حال، فهذا المعنى يؤيد أن صِرْف الاستبعاد لا يمكنه أن ينفي أي احتمال في المادة.
وثالثاً: إن البحث الأساسيّ هو أن المحشور في العالم الآخر هل هو الإنسان بمكوّناته المادية؟
بمعنىً آخر؛ هل تتعلق الروح بهذا البدن المادي أو أن متعلّق الروح مجرّد صورة من بدن الإنسان؟
إن خصوصيات نِعَم الجنة لم يدر حولها كلام، وإنما الذي وقع فيه البحث، واستبعده المنكرون للمعاد في عصر نـزول آيات القرآن هو: هل يمكن إحياء هذه العظام مرةً أخرى بعد رميمها؟
]قال تعالى:[ وَضَرَبَ لَنَا مَثَلاً وَنَسِـيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَـامَ وَهِيَ
رَمِيمٌ يس: 78.
وقال الله تعالى في جوابهم: قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ يس: 79.
وقال ]تعالى[: أَيَحْسَبُ الإِنسَانُ أَلَّن نَجْمَعَ عِظَامَهُ * بَلَى قَادِرِينَ عَلَى أَن نُّسَوِّيَ بَنَانَهُ القيامة: 3 ــ 4.
فالبحث لم يكن في أنه هل يمكن للروح صنع صورةً كصورة البدن (من قبيل: الصورة الخيالية)، أم لا؟
الأُستاذ جوادي:
صرّح الملا صدرا بأنك إذا رأيت الجسم المحشور سوف تقول: إنّه فلان.
والخلاصة: إنّ الإنسان هو الإنسان.
وأمّا الحوادث، من قبيل: قضية آصف بن برخيا وإحضاره عرش بلقيس، وغيرها، فهي لا تنافي المادية؛ إذ العرش أحضر ــ في نهاية المطاف ــ عند سليمان على نبينا وآله وعليه السلام، ولا وجود لعرش آخر في المكان الأول، وبقي مكانه خالياً، أمّا في الجنة ففي الوقت الذي يقطف المؤمن الفاكهة، لا يبقى موضعها خالياً على الشجرة، بمعنى أنه لا ينقص من الشجرة شيء.
وهذا الأمر لا يتلائم مع كون الفاكهة عنصراً مادياً، كما أن حدوث جسم في مورد ما في هذا العالم يحتاج إلى تدرج وحركة مهما كان زمانها سريعاً، حتى ولو كان أقلّ من طرفة العين. ولكنه بالنتيجة يحتاج إلى الزمان، بخلاف فاكهة الجنة ونِعَمِها، فهي تظهر بمجرد الإرادة.
الأُستاذ سيدان:
لا أستحضر فعلاً مستنداً شرعياً يدل على أنه ولو بمدة قليلة جداً
تظهر فاكهة أخرى موضع الفاكهة المقتطفة. وعلى هذا الفرض، لا منافاة أيضاً مع المادية؛ لأنه بالقدرة القاهرة للحق توجد في ذات الآن فاكهة في موضع الفاكهة التي وصلت إلى المُنعَم عليه، لا أنه لا تقل الفاكهة أصلاً. مضافاً إلى أن هذا الأمر ليس هو مورد البحث الأصلي، فمورد البحث هو: هل أن المحشور في القيامة هو الأجزاء العنصرية والمادية لبدن زيد؟ يعني أن الأعضاء التي كان يمتلكها زيد في الدنيا، هل يمتلكها في الآخرة؟ أو أنه لا يوجد من الأجزاء العنصرية لزيد ــــ ولو بتغييرٍ في عوارضها وشرائطها ــ شيء أصلاً، وإنما نفس زيد مع ما يوجده هو؟
الأُستاذ جوادي:
جاء في الآية المباركة: يَوْمَ تُبَدَّلُ الأَرْضُ غَيْرَ الأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ إبراهيم: 48، في ذلك اليوم تبدل الأرض التي فيها أجزاء بدن الإنسان بأرض أخرى، وبحسب بعض الروايات، تبدل بقطعة خبز يأكلها الناس، وفي بعض الروايات تبدل بأرض لم يُعص فيها.
الأُستاذ سيدان:
أرى أنّ محور البحث يدور حول هذا التساؤل: ما هو المستفاد من البيان القرآني في مسألة الحشر؟
أفلا يستفاد أن من أجزاء هذا العالم تُخلق الأبدان مرتين؟ فإذن لا معنى للصورة بانفرادها.
الأُستاذ جوادي:
قلنا: إنّ زيداً يحشر مع الروح والجسد، ومع تمام خطوط أنامله، ويُدلي بشهادته.
الأُستاذ سيدان:
إذا كان يحشر مع عين تلك الأجزاء، فلماذا تكون الصورة بانفرادها؟
الأُستاذ جوادي:
هل أن القيامة مع الدنيا عالم واحد أو عالمان؟ هناك آيات تدل على التعدد، من قبيل:
وَنُنشِئَكُمْ فِي مَا لا تَعْلَمُونَ الواقعة: 61.
يَوْمَ تُبَدَّلُ الأَرْضُ غَيْرَ الأَرْضِ إبراهيم: 48.
الأُستاذ سيدان:
هما عالمان، ولكن ليس مقتضى الإثنينية أن العالم البعدي صورة ولا مادة له.
الأُستاذ جوادي:
نُقلت رواية في الوافي بهذا المضمون:
عن أبي الحسن  قال: «إن الأحلام لم تكن فيما مضى في أول الخلق وإنما حدثت».
فقلت: وما العلة في ذلك؟
فقال: «إنّ الله عزّ ذكره بعث رسولاً إلى أهل زمانه فدعاهم إلى عبادة الله وطاعته. فقالوا: إن فعلنا ذلك فما لنا فوالله ما أنت بأكثرنا مالاً ولا بأعزّنا عشيرة.
فقال: إن أطعتموني أدخلكم الله الجنّة، وإن عصيتموني أدخلكم الله النار.
فقالوا:وما الجنة والنار؟ فوصف لهم ذلك.
فقالوا: متى نصير إلى ذلك.
فقال: إذا متّم.
فقالوا: لقد رأينا أمواتنا صاروا عِظاماً ورُفاتاً، فازدادوا لـه تكذيباً وبه استخفافاً، فأحدث الله عزّ وجلّ فيهم الأحلام، فأتوه فأخبروه بما رأوا وما أنكروا من ذلك.
فقال: إن الله عزّ وجلّ أراد أن يحتجَّ عليكم بهذا، هكذا تكون أرواحكم إذا متّم، وإن بليت أبدانكم تصير الأرواح إلى عقاب حتى تبعث الأبدان»( ).
بلى، إن الرواية مرتبطة بعالم البرزخ.
الجلسة الرابعة ــــــــــ
تحليل معمّق للنظرية الصدرائيّة في المعاد..
الأُستاذ سيدان:
خلاصة ما طرح لحدّ الآن، أن الميزان الواقعي في بحث المعاد عبارة عن الوحي، ويثبت من طريق الأدلة الشرعية والآيات والروايات مع قطعية الدلالة والسند.
وقد قال الملا صدرا: إن المعاد جسماني، وقد تمّ عرض موارد بوصفها شاهداً على هذا المدّعى. ولكن قيل: اتضح ــ بالالتفات إلى قسم صريح من كلماته ــ أن مراده من الجسم ليس ما فهمه الفقهاء والمحدثون؛ لأن البدن عندهم هو البدن العنصري الترابي والذي تتعلّق به الروح، مثل هذه الدنيا، والحال أن الآخوند يعتبر البدن منشأ النفس وصورة بلا مادة، طبقاً للأصل الذي أسّسه وهو: «شيئية الشيء بصورته».
وأنتم تفضلتم: إنّ هذا الكلام يقولـه المتكلمون استشهاداً بالآثار والخواص التي أثبتوها للجسم الأُخروي، من قبيل: عدم البعد الزماني والمكاني و... .
وأنا قلت: يبدو مما طرحه القوم من إيضاحات أن هاتين المدرستين متعارضتان فيما بينهما، والدليل الذي أقيم لإثبات وحدتهما وتوافقهما، فضلاً عن دعوى الاتحاد ــ وإن كان ذلك ممكناً ــ هو أن هذه الأجزاء في شرائط العالم الآخر تتبدل حالاتها وخواصها، كما هو الحال في هذا العالم، إذ تختلف الأجزاء المادية بلحاظ الخواص والآثار، كالحجر، والهواء، والكلور، والتي تختلف فيما بينها من حيث اللطافة والكثافة وكثير من حالاتها الأخرى.
وتفضلتم بأن فاكهة الجنة في ذات الوقت الذي تتناولها يد المتنعّمين لا يخلو موضعها؛ وهذا لا يتلائم مع المادية العنصرية، وقلنا: ما الإشكال في أن تحلّ فاكهةٌ محلّ المقطوفة، بدلاً عن أن لا تقلّ أصلاً، وفي غير هذه الصورة لابد أن نقول: بأنها مجرّدة، ثم إنكم طرحتم بعض الآيات، من قبيل: يَوْمَ تُبَدَّلُ الأَرْضُ غَيْرَ الأَرْضِ إبراهيم: 48. وَنُنشِئَكُمْ فِي مَا لا تَعْلَمُونَ الواقعة: 61.
ومن المناسب الآن، وللمرة الثانية التأمل في عبارات القوم كي نتبيّن أن كلاً المدرستين على خلاف مع الأخرى.
1 ــ مدرسة صنفٍ من المحدّثين والفقهاء المرتكز في أذهان العموم أنهم المتشرعة، القائلين: إن الأبدان العنصرية التي هي من أجزاء هذا العالم، هي التي تعود.
2 ــ مدرسة صدر الدين الشيرازي.
بعد هذه المرحلة نقول: لأجل فهم حقيقة إحدى المدرستين، لا بد من
الرجوع إلى ما يختص بها مباشرة، وفي هذه المرحلة نأتي ببعض الآيات التي
يُفهم منها جيداً كلام المحدثين، ولا يمكن ــ لوضوحها ــ الاستعانة بآيات أخرى، من قبيل: وَنُنشِئَكُمْ فِي مَا لا تَعْلَمُونَ، ويَوْمَ تُبَدَّلُ الأَرْضُ غَيْرَ الأَرْضِ؛ لأن المستفاد من الآية الأولى ليس سوى: أن عالماً جديداً بعد هذا العالم وما فوق عالم الدنيا، لا يعرف الناس وضعه وكيفيته، وهذا الأمر لا يتنافى مع كونه مادياً.
مثال ذلك: عالم رحم الأُم بالنسبة إلى الدنيا بعد الولادة، صحيح أنّ الخطاب توجه إلى الطفل في رحم أمّه من أنك ستقدم إلى عالم آخر، ولا تستطيع الآن إدراكه، والحال أنّ كليهما عالم مادي وعنصري.
وكذلك قول الحق تعالى: يَوْمَ تُبَدَّلُ الأَرْضُ غَيْرَ الأَرْضِ، فقد فسرت في الروايات بمعنى لا ينافي المادية، ويلزم الالتفات إلى هذه النقطة وهي: إنّ ما كان بعيداً عن الأفكار الإنسانية، وما وقع محلاً لاستبعاد المنكرين، هو هذا المعاد الذي يقول به المحدثون، وهو أنه من هذه العظام الرميمة يُحيي البدن أيضاً، وإلاّ لم يُستبعد خلع كساء الروح، كما يقتضيه مسلك الآخوند ]ملا صدرا[: بأن الروح تخلع هذا الكساء المادي، وينقطع تعلّقها بالبدن العنصري، فما كان غير مستساغ، هو هذا المعنى الظاهر والمتفق عليه من البدن المادي.
الأُستاذ جوادي:
إذا أردنا تنظيم مبحث المعاد، سيكون بهذا الترتيب:
1 ــ المعاد كما يكون روحانياً يكون جسمانياً، وهو محلّ اتفاق الطرفين.
2 ــ هل أن جسم ذلك العالم مركب من الهيولى والصورة، أو أنه صورة بلا هيولى؟
والبحث الثاني ليس مطروحاً عند طبقات الناس، وكذلك المحدثين؛ لأن مسألة الهيولى والصورة ليست مسألة عرفية أو معنونةً في الأحاديث.
إذن، اتفق كلا الطرفين في البحث الأول على أن ما يثبته الوحي للجسم الأخروي ثابت، وما ينفيه عنه فهو منفي، ولا موضع للعقل قبال الوحي، فلا ينفي ما أثبته الشرع لهذا الجسم، ولا يثبت ما نفاه الشرع عنه.
والخلاصة: إن تمام الصفات والخصوصيات التي أطلقت في الكتاب والسنّة على الجسم الأخروي، يرتضيها أي حكيم إسلامي ويعتقد بها.
وأمّا البحث الثاني فهو بحث عقلي صرف، ولا يتعامل معه المحدّث بما هو محدث، فهو خارج عن دائرة عمله، ولا يستطيع إثبات ذلك أو نفيه، والفيلسوف بما أن لديه نظرته الشاملة للكون، فله حق التفكير وإبداء الرأي في كل موجود في أي مكان كان.
إن أساس إثبات الهيولى (المادة) للجسم من الجوانب التجريبية والفيزيائية الحديثة غير قابل للنفي أو الإثبات، كما أنّ ذلك لم يُتعرض له في الحديث أيضاً، والجسم بما أنه تدريجي الوجود في هذا العالم، فهو يتبدل ويتكامل، وطبيعي يمكن إثبات أن يكون له إحراز. ولكن بما أن في ذلك العالم لا يوجد زمان، إذ يُطوى فيه بساط الزمن، يقول الحكيم: فلا طريق لي لإثبات الهيولى، إنّ الذي أقوله: إنه لا يوجد زمان؛ وذلك لأن الزمان يتشكل من حركة الأرض أو الشمس، وهناك لا توجد أرض، فَدُكَّتَا دَكَّةً وَاحِدَةً الحاقة: 14.
وأمّا ذكر الزمان في أدلتنا الشرعية، فهو مماشاة لجري ألسنتنا، فهناك لا توجد حركة، فإذن لا يوجد زمان، هي نشأة كُن فَيَكُونُ. وهنا يقول الفيلسوف: بأي شيء يمكن إثبات الهيولى؟!
وأمّا ما تفضلتم به من أن أمر الاستبعاد هو رجوع الأبدان، فنقول: إن ما كان مشكلاً غير قابل الفهم للناس، هو تجر الروح واستقلالها؛ لأنهم كانوا يظنون أنّ الإنسان يضمحل مع بدنه: أَئِذَا ضَلَلْنَا فِي الْأَرْضِ أَئِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ السجدة: 10.
فقال الله ]تعالى[ في جوابهم: قُلْ يَتَوَفَّاكُم مَّلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ السجدة: 11. يعني أن المسألة مسألة التوفّي والقبض لا الفوت والضياع.
والحكيم لا يقول: إنه ليس هناك أرض، وإنما يقول: إن الأرض تتبدل، ومن تلك الأرض المبدّلة تتفجر الأنهار، والأعمال التي في هذه النشأة عَرَض، هي في تلك النشأة جوهر، فكل ما في الأرض يتبدل.
والخلاصة: إنّ الذي يجب أن يثبته المحدِّث هو أن الجسم هناك مركب من الهيولى والصورة، ويثبت الزمان والحركة والتدريج، وإذا لم تثبت هذه، فسيكون الجسم بلا مادة.
الأُستاذ سيدان:
صحيح أن المحدّث لا علاقة له بالهيولى والصورة، ولا يطرح البحث بهذا الشكل، ولكن ليس مصبّ الكلام هو: هل إن جسم عالم الآخرة له هيولى أم لا؟ في حين أن وجود الهيولى في هذا العالم هو مورد بحث أيضاً، وليست قانوناً طبيعياً.
مضافاً إلى ذلك ــ وطبق ما قاله بعض أهل الفن ــ إنّ تعلّق الصورة بشيء لا يتوقّف على وجود الهيولى، فيمكن أن تكون شرائط ذلك العالم شرائط لا تحتاج معها إلى الهيولى، في حين أن الجسم الذي له جهة مادية، تعرضه الصورة، ولكنه في الوقت نفسه تكون له هيولى نظير ما تخيّله بعضهم من أن النور جزء من الشرائط الحتميّة للحياة، ولكن قد ردّت هذه النظرية فيما بعد، وعرفوا أن النور قد يوجب القضاء على بعض الحيوانات في قعر البحر.
وإذا تجاوزنا ذلك، فالمهم هو محتوى البحث ــ وبغضّ النظر عن الاصطلاح ــ وهو هل أن الأجزاء الوجودية لهذا العالم موجودة في العالم البعدي أم لا؟
وهل أن جوهر هذا العالم وحقيقته تعود في العالم البعدي أم لا؟
والمتوفون من الأفراد لهم نفس وجسد، فهل هذه الأجزاء ــ بهذا المعنى في هذا العالم ــ تعود في ذلك العالم أم لا؟
وما هو المستفاد من أدلة الوحي؟
المستفاد ــ صراحةً ــ من أقوال صدر المتألّهين هو: إن ما كان من الأجزاء المادية والعنصرية لهذا العالم لا تحقق له في ذلك العالم. وبهذا البيان يُجاب عن شبهة نقصان أجزاء الأرض، وشبهة الآكل والمأكول.
الأُستاذ جوادي:
لا يقول صدر المتألهين: إن أجزاء هذا العالم لا تحقق لها هناك، وإنما يقول: حتى خطوط الأصابع تعود هناك، ولكن خطوط الأصابع عند خلقها على نحوين:
نحوٌ مع علة قابلة، يعني الاستعداد لأجل التبديل والتدرج الفاعلي.
ونحوٌ مع علة فاعلة فقط، يعني بمجرد الإرادة.
ففي هذا العالم تحتاج خطوط الأصابع إلى هاتين العلتين، ولكن في الآخرة تكون الحاجة فقط للعلّة الفاعلة، وهي إرادة الحق تعالى.
الأُستاذ سيدان:
يعني هل أن الأجزاء الوجودية لـ «زيد»، والتي كانت معه في هذا العالم، توجد في ذلك العالم بالإرادة؟
الأُستاذ جوادي:
نعم، هو كذلك.
الأُستاذ سيدان:
فهل إنّ أجزاء يدي هذه موجودة هناك بغير هذه الهيئة؟
الأُستاذ جوادي:
نعم، موجودة.
الأُستاذ سيدان:
إذن، على هذا فالجسم المحشور يكون من هذه الكرة الأرضية؛ لأن أجزاء اليد موجودة في الأرض، والحال أنه ]الملا صدرا[ صرّح: بأن المحشور ينهض من هذه الأرض، ويقولون بأنه جسم، فهناك مجرد إبداع وإنشاء النفس، لا جسم هذا العالم، وفي مرحلة الإيجاد فقط، ليست هناك حاجة إلى التدرج.
الأُستاذ جوادي:
إنه جسم هذا العالم، ولكنه منقطع الارتباط بهذه الأرض.
يقول في مسألة شبهة الآكل والمأكول:
إن مجازاة المجرم في هذا العالم لها تبرير بأي نحو كان، وهكذا هناك أيضاً، فمثلاً: لو سرق شخص في هذا العالم في سن العشرين، وبعد عدة سنوات، وعندما وصل إلى سن الكهولة، قدّم إلى محكمة العدل الإسلامية، فهنا تقطع أنامله، والحال أن جميع جسمه وأعضاءه قد تبدل؛ لأن شيئية الشيء بصورته، وهذا الأمر نفسه في عالم الآخرة، فإنه توجد مرتبة واحدة من الأجزاء الوجودية لهذا العالم في ذلك العالم.
الأُستاذ سيدان:
إذا تقرر وجود مرتبة واحدة من الأجزاء الوجودية في ذلك العالم، فلا معنى لقطع ارتباطه، يقول الآخوند ]صدر المتألهين[: لا أثر لأجزاء زيد الوجودية والتي ابتلعتها الأرض، بل هي النفس، فإنه يتم إيجاد صورة لا ارتباط لها بالمادة الأرضية أصلاً، والحال أن هذا الكلام لا يقول به المحدثون.
ومرة أخرى نستذكر ما طرحناه خلال البحث من كلمات أكابر أهل الفن فلتراجع، وكذا ما أوردنا من كلمات صدر المتألهين.
الأُستاذ جوادي:
عندنا نوعان من المادة:
أحدهما: المادة التي لا تستطيع أن تكون كاملةً، فليس لها تكامل وتدرّج.
ثانيهما: المادة التي لها القابلية على التكامل، ولهذا يقول أهل جهنم: رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا السجدة: 12.
أرجعنا إلى ذلك العالم لنتكامل بالعمل الصالح.
الأُستاذ سيدان:
أخيراً، هل إن أجزاء زيد الوجودية موجودة في ذلك العالم أم لا؟
الأُستاذ جوادي:
نعم، هي موجودة، ولكن منقطعة عن المادة.
الأُستاذ سيدان:
الأجزاء الوجوديّة لزيد مساوية، مع كونها مادية، والحال أن الآخوند ]ملا صدرا[ قال: إن أجزاء زيد الوجودية، والتي تصبح جزءاً من البدن لا ربط لها بهذا العالم، وإنما النفس تُنشئ صورةً متناسبة مع الصفات.
الأُستاذ جوادي:
إحدى عقائدنا هي: إن الأرض تشهد في العالم الآخر، ومسلّم أن الأرض تتبدل إلى أرض أخرى، يَوْمَ تُبَدَّلُ الأَرْضُ غَيْرَ الأَرْضِ إبراهيم: 48. إذن، لا بد أن يتبدل ارتباط زيد بهاتين الأرْضَين.
الأُستاذ سيدان:
فهل إن معنى تبدل الأرض هو: أن الأرض تعدم أساساً، أو أن الأرض نفسها تتبدل مع تغيير الشرائط والأوضاع بنوع آخر ووضع آخر؟
والخلاصة: إذا كان مراد الملا صدرا هو أن هناك مادة أرضية، ولو بصورة أخرى، فيأتي أيضاً إشكال نقصان أجزاء الأرض.
فعليه، لا بد أن يقول: لا وجود للأجزاء الأرضية والعنصرية في ذلك العالم، كما صرّح بذلك، ولا يمكن استفادة مدّعى صدر المتألّهين من ظواهر الأدلة الشرعية، فإنه معنىً خَطَرَ في ذهنه، فإذا غار فقيه في تحقيق أدلة المعاد من الآيات والروايات، كما يغور في الفروع وروايات الأحكام، فإنه لا يستفيد ذات المعنى الذي استفاده صدر الدين الشيرازي.
فعليه، لا يوجد عندنا من ظواهر الأدلة موضوع يفيد ما أفاده( ).
يتبع

توقيع : حفيد الكرار
أبا حسن لو كان حبك مدخلـي
جهنم كان الفوز عندي جحيمها
فكيف يخاف النار من بات موقنا
بأن أميــــــــــرالمؤمنين قسيمها
من مواضيع : حفيد الكرار 0 المستضعف في الكتاب والسنة، المستطرف في بيان حقيقة وحكم المستضعف
0 تراث الشيعة القرآني - 7 أجزاء
0 المبادئ العامة لدرس القرآن وتفسيره
0 الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) و مناوئوه - الشيخ محمد جعفر الطبسي
0 القرآن و العقل, تفسير بديع في أسلوبه - السيد نور الدين الحسيني العراقي - 3 مجلدات
رد مع اقتباس