عرض مشاركة واحدة

الصورة الرمزية حفيد الكرار
حفيد الكرار
مشرف المنتدى الثقافي
رقم العضوية : 7208
الإنتساب : Jul 2007
المشاركات : 3,027
بمعدل : 0.47 يوميا

حفيد الكرار غير متصل

 عرض البوم صور حفيد الكرار

  مشاركة رقم : 2  
كاتب الموضوع : حفيد الكرار المنتدى : المنتدى الفقهي
افتراضي
قديم بتاريخ : 30-08-2013 الساعة : 01:35 AM


وسأعرض لاحقاً الرسالة الثانية التي أرسلتُها له بعد الحلقة الأخيرة من شهر رمضان المبارك في العام الماضي، والتي كان عنوانها (مشروع المرجعية الدينية وآفاق المستقبل).


ملاحظة :
هذه الرسالة أبقيتُها في طيِّ الكتمان عن عامة الناس ولم أنشرها لأنَّ هدفي كان يدور حول أمرين :

1- حفظ كرامة مراجعنا العظام وعلمائنا الكبار وعدم التعرض لهم بالإساءة.

2- استمرار برامج السيد كمال الحيدري التي تخدم مذهب أهل البيت عليهم السلام ويستفيد منها كثيرٌ من الناس.

ولم أنشر هذه الرسالة إلا بعد أن رأيتُ أنَّ حملة السيد الحيدري على المراجع لا تنتهي، مع وعوده السابقة بعدم التعرض لمثل هذه الأمور كما سيأتي بيانه لاحقاً إن شاء الله تعالى

الرسالة الثانية التي أرسلتُها إلى السيد كمال الحيدري بعد ما أثاره حول المرجعية الدينية


بعدما أثاره السيد كمال الحيدري في آخر حلقة من شهر رمضان المبارك سنة 1433هـ في برنامج مطارحات في العقيدة بتاريخ 17 - 8 - 2012م

http://www.youtube.com/watch?v=DXzrnXcU68s




فأرسلتُ له هذه الرسالة في ليلة الأحد بتاريخ 25 - 8 - 2012م الساعة 11:18 مساءً :

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
سماحة السيد

أرسلتُ لكم رسالة سابقة شرحتُ لكم فيها استياء الكثيرين من كلامكم عن المراجع والأعلمية، وشرحتُ فيها بعض الملاحظات التي ترد على كلامكم، وهذه رسالة أخرى – واعذروني على الإطالة فيها للأهمية - رأيتُ من الضروري أن أرسلها لكم من باب النصح، وما أريد بها إلا الخير، لكثرة ما سمعتُه من انتقادات، بل ولكثرة ما رأيتُه من استياء من كثير من الناس، ولا أخفي عليكم أنني منهم، وزاد هذا الاستياء بعد آخر حلقة في شهر رمضان المبارك والتي خصصتموها للكلام عن المرجعية، فتحولَّ البرنامج من برنامج يدافع عن مذهب أهل البيت عليهم السلام ويفتخر به الشيعة بمختلف تياراتهم وتوجهاتهم إلى برنامج يقسِّم الشيعة ويروِّج لمرجعية معينة.

وقد برَّرتم ما قلتموه في الحلقة التي فهم منها عامة الناس الإساءة للمراجع وللحوزة العلمية بأنكم لستم بصدد الانتقاص والإهانة لأحد، وأنكم تحترمون بقية الآراء، وهذا التبرير لم يكن مقنعاً للناس، ولا أخفي عليكم أنني أنا من الذين دافعتُ عنكم كثيراً في المنتديات وبعض الجلسات بعد صدور التسجيل المنسوب لكم في العام الماضي لم أستطع الدفاع والتبرير هذه المرة، لأنني لستُ مقتنعاً بالتبرير الذي قلتموه، فكيف لي أن أُقنع غيري بما لم أقتنع به؟


وهذا نصُّ كلامكم في تلك الحلقة التي أثارت الاستياء :

(ولذا عندما تجدون يخرجون على الفضائيات يميناً ويساراً ويقولون أن ملاك الأعلمية هو الفقه والأصول ومع الأسف الشديد يصدر هذا الكلام ممن إنسان يعتمد عليهم ويعتقد أنهم لهم رؤية صحيحة تبين أنهم لا .. يعيشون الحالة الكلاسيكية المتخلفة أيضاً!!!! أنه فقط الفقه والأصول، ماذا يشكِّل الفقه والأصول من المعارف الدينية؟ لا يشكِّل إلا خمسة إلى عشرة بالمئة.
المعارف الدينية (ليتفقَّهوا في الدين) ومن جزء الدين أعزائي ومن أهم المقدمات أن يكون العالم بالدين واقفاً على المباني الفلسفية، أن يكون العالم بالدين واقفاً على المباني والأصول العرفانية، أن يكون العالم بالدين واقفاً على المباني التفسيرية، وهذا هو المشروع الذي أطرحه وأؤكد عليه، أما من يخرج من هنا وهناك ويتكلم سواءً كانت على فضائية شيعية أو فضائية سنية واقعاً ليس لي إلا أن أقول لهم بيني وبين الله : أشفق عليكم أشفق عليكم أنكم تعيشون في هذا العصر، عصر الانفتاح، وعصر الفهم، وعصر التفتح، ومع ذلك إلى الآن تقولون أن المدار في الأعلمية هو الفقه والأصول، يعني أن المدار في الأعلمية كتاب الطهارة والنجاسة والحيض والنفاس!!!!!
أي امتياز لباب الطهارة والنجاسة والحيض والنفاس حتى يكون ميزان الأعلمية في الدين؟ بئساً لمثل هذا الفكر المتخلف.
الفكر الصحيح (ليتفقهوا في الدين) (ليتفقهوا في الدين) أعزائي، هذا هو الفكر الذي أتبناه وأدافع عنه، وهنا واقعاً أقدم تحدياً علمياً لكل من يقول خلاف هذا فليأتِ إلى هنا، الآن ننصب له مولانا هنا فليأتِ إلى هنا ويقدِّم كل أدلته...)
انتهى.


أقول يا سماحة السيد :

لاحظوا عدة أمور :

1- أنَّ هذا الكلام صَدَرَ بانفعال وغضبٍ شديدين.

2- أنَّ هذا الانفعال والغضب كانا مقرونَيْنِ بالتَّحدي.

3- أنكم وصفتم القائلين بهذا الرأي بأنهم يعيشون الحالة الكلاسيكية المتخلفة، وقلتم أيضاً في وصف فكرهم : بئساً لهذا الفكر المتخلف.فهل أنتم مقتنعون يا سيدنا بينكم وبين الله أنَّ هذه ليست إساءة؟ فلو طَلَبَ أحدٌ مني أن أهين المراجع لما أتيتُ بألفاظٍ أشدَّ من هذه، فإذا كنتُ أصف العلماء بأنهم ممن يعتمد الناس عليهم مع أنهم يعيشون الحالة الكلاسيكية المتخلفة، وأنهم يقولون أن مدار الأعلمية هو باب الطهارة والنجاسة والحيض والنفاس، وأن فكرهم هو فكر بائس متخلف!!!!

ثمَّ بعد هذا كلِّه أقول للناس أنني لم أقصد الإساءة؟!!!!!!

إنني أذكر أنكم في إحدى حلقات البرنامج منذ أشهر عندما قال أحد المتصلين (كمال الحيدري) دون أن يقول سيد أو شيخ، وصفتموه بسوء الأدب، واعتبرتم ذلك إساءة لكم، فإذا كان ذكر اسمكم دون إضافة لقب السيد أو الشيخ يُعَدُّ إساءة وسوء أدب، فكيف يكون وصف المراجع والعلماء بأنهم أصحاب فكر بائس متخلِّف لا يُعَدُّ إساءة؟!!!!!

ولا يخفى عليكم أيضاً إضافةً إلى ما تقدَّم أن استعمالكم لألفاظ (الطهارة والنجاسة والحيض والنفاس) يتضمَّن الإساءة أيضاً، وهذا هو الاستعمال الدارج لمن يريدون أن يستخفوا بعلماء الدين فيصفونهم مثلاً بأنهم علماء الحيض والنفاس.

وأما قولكم بأنكم عندما قلتُم أنها رؤية بائسة متخلفة لم تقصدوا من ذلك الإساءة أو التنقيص فلا يفيد، بل هي إساءة واضحة، وليس هذا تقييماً علمياً، وهذا يذكِّرني بما صدَرَ منذ سنوات من بعض طلبة العلم عندما قال عن الشهيد الصدر أنَّ فكره التقاطي، فلم تقبلوا بذلك وغضبتم لشخصٍ واحدٍ، وثار الكثيرون من طلبة الشهيد الصدر وعطَّلوا دروسهم بسبب هذه العبارة، فلماذا لا يكون وصف فكر الشهيد بأنه فكر التقاطي مجرد تقييم علمي لا يُقصد منه الإساءة؟ فوصف فكر السيد الشهيد بالالتقاطي يدعو للغضب ولا مجال فيه للتبرير، بينما وصف جميع مراجع الطائفة بأنهم أصحاب فكر بائس متخلف لا يُقصد منه الإساءة، فمن الواضح أنه كيلٌ بمكيالين.

وقد قلتُ لكم في الاتصال الهاتفي الذي جرى بيني وبينكم بعد الحلقة مباشرة أنَّ كلامكم هذا يلزم منه أن يكون جميع علمائنا متخلِّفين، فقلتُم لي أنَّ هذه ليست نظرة جميع الأعلام، وذكرتُم لي أسماء بعض الأعلام، وهم : الشيخ ناصر مكارم الشيرازي، والسيد محمد باقر الصدر، والسيد الخوئي، والسيد عبد الأعلى السبزواري، والسيد الخميني، والسيد الطباطبائي، وقلتُم أنَّ الدليل على أنهم لا يرونَ حَصْرَ الأعلمية في الفقه والأصول أنهم قد كتبوا مؤلفاتٍ في غير الفقه والأصول!!! فقلتُ لكم أن كتاباتهم في غير الفقه والأصول لا تدلُّ على أنهم يعتقدون بأن الأعلمية تشمل هذه الأمور التي كتبوا فيها.

ثم تفاجأتُ في آخر حلقةٍ أنكم عددتُم السيد الخوئي من الفئة التي تعتقد بالرؤية المخالفة لرؤيتكم!!!! ولذلك لن أحتاج إلى الاستدلال بكلام السيد الخوئي لأنكم سلَّمتُم بذلك، وسأتكلم عن بقية الأشخاص الذين ذكرتُموهم لي أو أكثرهم، وسأبدأ بأستاذكم السيد الشهيد محمد باقر الصدر قدس سره.


كلام السيد محمد باقر الصدر في الأعلمية والاجتهاد :

قال السيد الشهيد محمد باقر الصدر في (الفتاوى الواضحة ص107) تحت عنوان (التقليد) :
"5- إذا تعدد المجتهدون الذين تتوفر فيهم الشروط السابقة، وكانوا متّفقين في آرائهم وفتاواهم، فبإمكان المقلِّد أن يرجع إلى أي واحد منهم ولكن هذا مجرد افتراض نظري وليس واقعاً في الحياة العملية عادة، لأن الاجتهاد مثار للاختلاف بين المجتهدين غالباً. فإذا اختلفوا وعلم المقلِّد بأنهم مختلفون في آرائهم فلمن يرجع؟ ومن يقلّد؟
والجواب: أنه يرجع إلى
الأعلم في الشريعة، والأعرف والأقدر على تطبيق أحكامها في مواردها، مع فهم للحياة وشؤونها بالقدر الذي تتطلبه معرفة أحكامها من تلك الأدلة".


وقال في (ص115) تحت عنوان (الاجتهاد) :
"22- والاجتهاد على قسمين:
أحدهما كامل،
ويسمى ذو الاجتهاد الكامل بالمجتهد المطلق، وهو القدير على استخراج الحكم الشرعي من دليله المقرر في مختلف
أبواب الفقه.
والآخر ناقص، ويسمى ذو الاجتهاد الناقص بالمتجزئ، وهو الذي اجتهد في بعض المسائل الشرعية دون بعض فكان قديراً على استخراج الحكم الشرعي في نطاق محدود من المسائل فقط".

أقول : السيد محمد باقر الصدر يذهب إلى الرأي الذي وصفتموه بالفكر البائس المتخلف، فهو يقول بوضوح وصراحة أن المجتهد المطلق هو القدير على استخراج الحكم الشرعي في جميع أبواب الفقه، وليس القدير على استنباط المعارف العقائدية، وأن الأعلم هو الأعلم في الشريعة لا الأعلم في العقائد وغيرها من الأمور الخارجة عن الفقه، فكيف تتركون تعريفه الواضح والصريح للمجتهد المطلق وللأعلم وتتمسَّكون بأنَّه ألَّف (اقتصادنا) و (فلسفتنا) وأنه ألَّف في علوم القرآن!!!!!

إذاً فهذا ما يقوله الشهيد السيد محمد باقر الصدر، ومن المعلوم أنَّ السيد الشهيد له تلاميذ كُثُر، وكان أبرزُ تلاميذه ثلاثة أشخاص، وهم : السيد كاظم الحائري، والسيد محمود الهاشمي، والسيد الشهيد محمد الصدر المعروف بالصدر الثاني، وبروز هؤلاء وتميُّزهم على غيرهم في فهم مباني الشهيد الصدر قد سمعتُه من تسجيل مصوَّر للسيد محمد الصدر، وهو أمرٌ مشهور.

وسأعرض ما قاله هؤلاء الذي يُعتبرون أعمدة مدرسة السيد الشهيد.



كلام السيد كاظم الحائري في الاجتهاد والأعلمية :

ورد في (الفتاوى المنتخبة ج2 ص21-22 كتاب الاجتهاد والتقليد) للسيد كاظم الحائري بعض الاستفتاءات المتعلقة بالاجتهاد والأعلمية:
مسألة (36):
هل يجوز التبعيض في التقليد بأن يأخذ فتواه مثلاً في الصلاة من مرجع والخمس من آخر؟
الجواب:
لا بدّ من تقليد أعلم الأحياء ويكون تقليده
في جميع أبواب الفقه

مسألة (37):
في الوقت الحاضر برز اتّجاه جديد في التقليد يخالف الشروط في الرسائل العمليّة، ومنها: أنّ الناس يقلِّدون من توجد فيه العدالة الاجتماعيّة والتضحية وبذل الغالي والنفيس في سبيل دينه ومذهبه، وهي نادراً ما تجتمع مع صفة الأعلميّة، إذ قد يكون الأعلم منزوياً لا يتحرّك في سبيل المصلحة الاجتماعيّة، فكيف تنظرون لمثل هذا الاتّجاه؟
الجواب:
يشترط في التقليد: الفقاهة والعدالة والأعلميّة لو عُرف الأعلم، وأمّا كفاءته الاجتماعيّة والسياسيّة وفي مسائل التضحية وما إلى ذلك فهذه شروط الولاية لا التقليد
فلو فرض أنّ الأعلميّة صارت في شخص والكفاءة في شخص آخر انفصل التقليد عن الولاية وصار التقليد للأوّل والولاية للثاني.

مسألة (42):
هل يعتبر الفقيه الأكثر تمرّساً وولوجاً بعالَم العرفان أقدر على إصابة الواقع في الحكم الشرعي؟ وهل يعتبر هذا مؤشّراً ونقطة تفضيل في الأعلميّة على غيره ممّن يقلّ عنه عرفاناً أو يفتقده؟
الجواب:
لم تجعل مراتب العرفان مقياساً لنا في الفقه.



كلام السيد محمود الهاشمي الشاهرودي في الأعلمية :

قال السيد محمود الهاشمي في (منهاج الصالحين ج1 ص11) :
"مسألة 9 : إذا علم أن أحد الشخصين أعلم من الآخر، فإن لم يعلم الاختلاف في الفتوى بينهما بالنحو المتقدم تخيّر بينهما، وإن علم الاختلاف وجب الفحص عن الأعلم حتى يتبيّن ويحتاط وجوباً في مدّة الفحص، وكذلك إذا لم يتمكن معرفة الأعلم ولو بحجة شرعية بالعمل بأحوط القولين، ولو كانت فتواهما معاً الزاميتين كما إذا أفتى أحدهما بالقصر والآخر بالتمام وجب العمل بهما معاً. ومع عدم إمكان الاحتياط – كما إذا كان أحدهما يفتي بحرمة شيء والآخر بوجوبه – يختار أحدهما إذا كان احتمال كونه الأعلم في كلّ منهما مساوياً مع الآخر، وإلّا اختار من يكون الاحتمال فيه أكبر.
ولابد وأن يعلم أنّ مقصودنا من الأعلمية من يكون الفاصل العلمي بينه وبين غيره معتداً به وكبيراً ومؤثّراً في
عملية الاستنباط الفقهي".



كلام السيد محمد الصدر (الصدر الثاني) في الاجتهاد والأعلمية :

قال السيد محمد الصدر في (الصراط القويم ص9 الاجتهاد والتقليد) :
"الاجتهاد هو ملكة الاستنباط أو القدرة الراسخة على معرفة جميع
الأحكام الشرعية
من أدلتها التفصيلية
. سواء مارس ذلك أم لا . والأعلمية هي صفة من كان أقوى في
الملكة وأدق في النظر والاستدلال . ولا دخل لسعة الاطلاع على المصادر في ذلك".


وقال في كتاب (ما وراء الفقه ج1 ص26-27) تحت عنوان (الأعلمية في الاجتهاد) :
"ويراد بها أن يكون واحد ممن اتصف بالاجتهاد المطلق أو أكثر يتصف بدقة في النظر وسداد في الرأي وسعة في الاطلاع أكثر من غيره.
ونحن هنا لا مجال للدخول في حكم وجوب تقليد الأعلم بنحو الفتوى أو الاحتياط أو عدم وجوبه، فإن هذا وتفريعاته موكول إلى الفقه نفسه، وإنما ينبغي الحديث هنا عن أمرين:
الأول: في كيفية تحقق الأعلم. بمعنى أن الفرد بأي شيء يجب أن يكون متفوقاً. ليكون هو الأعلم.
الثاني: في الحكمة المعلومة لنا من الحكم بوجوب تقليد الأعلم.
الأمر الأول: لا يخفى أن المسائل الفقهية نفسها ومقدماتها التي تتوقف عليها عديدة. لا تكاد تقع تحت الحصر. من أهمها على سبيل المثال:
1- علم الرجال الذي يتحدث عن حال الرواة.
2- علم الأصول مباحث الألفاظ.
3- علم الأصول مباحث الأصول العملية.
4- الفهم العرفي والسيرة العقلانية.
5- تفسير بعض الآيات القرآنية، أعني آيات الأحكام.
ومن الواضح أن الأفراد يختلفون في استيعابهم ودقتهم في فهم أمثال هذه الأمور: فلربما يكون أحدهم أذكى وأدق وأسلط في بعض هذه الأمور ويكون الآخر متميزاً في البعض الآخر. ومعه فكيف يتعين الأعلم؟
وجواب ذلك على أحد مستويين:
المستوى الأول: أن يكون احد الفقهاء هو المتميز في كل الأمور أو الأعم الأغلب فيها، بحيث لا يساويه الآخرون بكل تأكيد، ومعه يكون من الواضح كونه مصداقاً للأعلم.
المستوى الثاني: أن ننظر إلى المقدمات التي يتوقف عليها الاستنتاج الفقهي أكثر من غيرها. وهو بشكل أساسي يتعين في علم الأصول، فإنه باب عظيم للعمق والدقة. بخلاف علم الرجال وغيره فإنه مهما كان عميقا لم يبلغ ذلك المستوى بأي حال.
إذن، من الواضح القول أن من كان هو الأعمق والأدق في علم الأصول أو في المهم من أبوابه أو في الأغلب منها. هو الذي يتعين للأعلمية دون غيره".

أقول : هذه أقوال أبرز تلامذة السيد محمد باقر الصدر، وقد عبَّروا عنها بعبارات مختلفة، واتفقوا على مضمون واحد، وهو أن مدار الأعلمية هو في استنباط الأحكام الشرعية الفقهية، وأن الاجتهاد هو القدرة على استنباط الأحكام الشرعية الفقهية، ولا علاقة لذلك بأن يكون أعلم في العقائد أو العرفان أو الفلسفة أو غيرها من العلوم، وهو رأي أستاذهم السيد محمد باقر الصدر.

فهل هؤلاء جميعاً من أصحاب الفكر البائس المتخلف؟ هل هؤلاء جميعاً يعيشون الحالة الكلاسيكية المتخلفة؟

وقد رأيتُ في بعض المواقع أنَّ الكثيرين من مقلدي السيد الصدر الثاني قد استاءوا من كلامكم، والسبب في ذلك أن السيد محمد الصدر يقول أنَّ مدار الأعلمية أن يكون الفقيه أعلم في علم أصول الفقه، وعرضوا تسجيلاً مصوَّراً للشهيد الصدر الثاني يصرِّح فيه بذلك، وكلامه في كتاب ما وراء الفقه واضحٌ جداً، فلا علاقة للمعارف العقائدية ولا المباني الفلسفية ولا المباني العرفانية بالأعلمية، بل هي منحصرة في علم أصول الفقه، فمن كان أعلم في الأصول فهو الأعلم الذي يجب تقليده.

ومن المعروف أيضاً عن الشهيد الصدر الثاني أنه أرشد الناس إلى الرجوع بعده للسيد كاظم الحائري الذي لا يرى الفلسفة والعرفان وغيرها مقياساً للاجتهاد والأعلمية.




كلام الشيخ ناصر مكارم الشيرازي في الأعلمية :

ورد في كتاب (الفتاوى الجديدة ج1 ص9 السؤال1 أحكام التقليد) هذا السؤال والجواب :
(السّؤال 1):
إذا كان الفقيه محيطاً بعلوم أخرى غير الفقه والأصول فهل يكون ذلك مرجحا له في مقام التقليد؟
الجواب:
لا تعتبر الإحاطة بعلوم أخرى غير الفقه والأصول مرجحاً لفقيه على فقيه إلّا العلوم المؤثرة في فهم الأحكام أو تنقيح الموضوعات.


وقال في كتاب (عقائدنا ص108) تحت عنوان (باب الاجتهاد مفتوح دائماً) :
"إنّنا نعتقد أن باب الاجتهاد في جميع مسائل الشرع مفتوح ، ويحقّ لجميع الفقهاء الكبار استنباط الأحكام الإلهية من المصادر الأربعة المذكورة ووضعها بتناول من ليست له القدرة على الاستنباط ، حتى وإن اختلفت آراؤهم مع الفقهاء السابقين ؛ ونعتقد أنّ من يفتقر إلى الرأي الفقهي عليه أن يرجع إلى الفقهاء الأحياء العارفين بقضايا الزمان والمكان، ويقلّدهم،
ونعتبر أن من البديهيات رجوع غير المتخصصين في الفقه إلى المتضلّعين في هذا العلم، حيث نطلق على هؤلاء الفقهاء لقب "مراجع التقليد
" ، ولا نجيز تقليد الفقيه الميّت ابتداءً ؛ ولا بدّ للناس من تقليد الفقهاء الأحياء ليكون الفقه في حركة وتكامل مستمرين".

أقول : هذا هو رأي الشيخ ناصر مكارم الشيرازي، وهو مخالفٌ لما تقولونه، وهو أحد الأشخاص الذين قلتم أنَّهم يتبنَّون ما تعتقدون به في الأعلمية.




كلام السيد عبد الأعلى السبزواري في الأعلمية :

قال السيد عبد الأعلى السبزواري في (مهذب الأحكام ج1 ص28-29) :"السادس: قد استقصي بحمد الله طرق الاستدلال على المسائل الفقهية، وما يرد عليها من الإِشكالات وما يجاب عنها وسائر ما هو لازم للفحص الاجتهادي في كتب المتقدمين فكيف بالمتأخرين فضلاً عن متأخري المتأخرين واللازم الإِحاطة بها إحاطة فهم وتدبر، فإن كان المراد بالأعلم من أحاط بكلِّها وبالعالِم من أحاط ببعضها فيرجع إلى بحث المتجزي والمطلق ، وإن كان المراد به مَن يقدر أن يزيد على ما أتوا به (رضوان الله عليهم) فهو من لزوم ما لا يلزم.
وفيه : إنّ المراد بالأعلمية الأجود فهماً والأحسن تعييناً للوظائف الشرعية
كما يأتي إن شاء الله تعالى . ولا دخل لذلك بما ذكر نعم ، كثرة الإِحاطة بالأدلة والمسائل لها دخل في حصول مرتبة الأعلمية لا أن تكون عينها كدخل أمور أخرى فيها".


وقال في (ص34) :
"الأعلمية من الموضوعات العرفية ومحتملاتها في المقام أربعة:
الأول : أن يكون أكثر علماً من غيره . وهو باطل ، إذ لا دخل لجملة كثيرة من العلوم.
الثاني : أن يكون أكثر استحضاراً للفروع الفقهية ومسائلها . وهو باطل أيضاً ، إذ ربَّ غير مجتهد يكون أكثر اطلاعاً وحفظاً للفروع الفقهية من المجتهد.
الثالث : أن يكون أقرب إصابة للواقع وهو باطل أيضاً ، إذ لا يمكن لأحد الاطلاع على ذلك إلا لعلّام الغيوب.
الرابع : أن يكون أجود فهماً وأحسن تعييناً للوظائف الشرعية ، وهذا هو المتفاهم منها عرفاً في المقام وغيره مما جرت سيرة العقلاء من الرجوع إلى الأعلم فيه".




كلام العلامة الطباطبائي صاحب الميزان في الاجتهاد وسعة دائرته :


قال العلامة الطباطبائي في كتاب (الإسلام الميسر ص326-327، مؤسسة أم القرى للتحقيق والنشر) :
"إن العالم الذي يمارس استنباط الأحكام الشرعية عن طريق الاستدلال يسمّى "مجتهداً" ويُسمّى عمله "اجتهاداً". والذي يرجع إلى المجتهدين في الأحكام يسمّى "مقلداً"، وتُسمّى العملية "تقليداً".
علينا أن نذكّر أن التقليد يقتصر على دائرة العبادات والمعاملات وسائر الأحكام الدينية العملية. أما في مضمار أصول الدين، وهي أمور اعتقادية فلا يمكن الثقة برأي الآخرين مطلقاً والاكتفاء بالتقليد. لأنّ ما هو مطلوب في أصول الدين هو الإيمان والعقيدة وليس العمل، ولا يسع الإنسان أبداً أن يفترض أن إيمان الآخر هو إيمانه.
ولا نستطيع أن نقول إن الله واحد لأن آباءنا أو علماءنا قالوا ذلك؛ وإن الحياة ما بعد الموت حقّ لأنّ جميع المسلمين يؤمنون بذلك.
من هنا كان واجباً على كل إنسان مسلم أن يؤمن بأصول دينه عن طريق الدليل، وإن اكتسب ذلك الدليل صيغة بسيطة".

أقول : هذا هو رأي العلامة الطباطبائي، فالاجتهاد عنده هو استنباط الأحكام الشرعية عن طريق الاستدلال، والتقليد هو الرجوع إلى المجتهدين في هذه المسائل، بل ويصرِّح بأنَّ التقليد يقتصر على دائرة العبادات والمعاملات وسائر الأحكام الدينية العملية. ولا يخفى أن قوله (العملية) هو قيد احترازي عن (العلمية).



كلام السيد الخميني في الاجتهاد ومقدماته وكيفية تحصيلها:

قال السيد الخميني في (الاجتهاد والتقليد ص9-11) :"
الأمر الثاني: بيان مقدمات الاجتهاد موضوع جواز العمل على رأيه – بحيث يكون مثاباً أو معذوراً في العمل به عقلاً وشرعاً – هو تحصيل الحكم الشرعي المستنبط بالطرق المتعارفة لدى أصحاب الفن، أو تحصيل العذر كذلك،
وهو لا يحصل إلا بتحصيل مقدمات الاجتهاد، وهي كثيرة:
منها:
العلم بفنون اللغة العربية بمقدار يحتاج إليه في فهم الكتاب والسنة، فكثيراً ما يقع المحصل في خلاف الواقع، لأجل القصور في فهم اللغة وخصوصيات كلام العرب لدى المحاورات، فلا بد له من التدبر في محاورات أهل اللسان، وتحصيل علم اللغة وسائر العلوم العربية بالمقدار المحتاج إليه.
ومنها:
الأنس بالمحاورات العرفية وفهم الموضوعات العرفية، مما جرت محاورة الكتاب والسنة على طبقها، والاحتراز عن الخلط بين دقائق العلوم والعقليات الرقيقة وبين المعاني العرفية العادية، فإنه كثيراً ما يقع الخطأ لأجله، كما يتفق كثيراً لبعض المشتغلين بدقائق العلوم – حتى أصول الفقه بالمعنى الرائج في أعصارنا – الخلط بين المعاني العرفية السوقية الرائجة بين أهل المحاورة المبني عليها الكتاب والسنة، والدقائق الخارجة عن فهم العرف.بل قد يوقع الخلط لبعضهم بين الاصطلاحات الرائجة في العلوم الفلسفية أو أدق منها، وبين المعاني العرفية، في خلاف الواقع لأجله.
ومنها:
تعلم المنطق بمقدار تشخيص الأقيسة، وترتيب الحدود، وتنظيم الأشكال من الاقترانيات وغيرها، وتمييز عقيمها من غيرها، والمباحث الرائجة منه في نوع المحاورات، لئلا يقع في الخطأ، لأجل إهمال بعض قواعده. وأما تفاصيل قواعده ودقائقه الغير الرائجة في لسان أهل المحاورة، فليست لازمة، ولا يحتاج إليها في الاستنباط.
ومنها: - وهو من المهمات – العلم بمهمات مسائل أصول الفقه، مما هي دخيلة في فهم الأحكام الشرعية.
وأما المسائل التي لا ثمرة لها، أو لا يحتاج في تثمير الثمرة منها إلى تلك التدقيقات والتفاصيل المتداولة، فالأولى ترك التعرض لها، أو تقصير مباحثها والاشتغال بما هو أهم وأثمر.

فمن أنكر دخالة علم الأصول في استنباط الأحكام، فقد أفرط، ضرورة تقوم استنباط كثير من الأحكام بإتقان مسائله، وبدونه يتعذر الاستنباط في هذا الزمان، وقياس زمان أصحاب الأئمة بزماننا مع الفارق من جهات".

إلى أن قال في (ص12) :
"فطالب العلم والسعادة لا بد وأن يشتغل بعلم الأصول بمقدار محتاج إليه – وهو ما يتوقف عليه الاستنباط -
، ويترك فضول مباحثه أو يقلله، وصرف الهم والوقت في مباحث الفقه، خصوصاً فيما يحتاج إليه في عمله ليلاً ونهاراً.
ومنها:
علم الرجال بمقدار يحتاج إليه في تشخيص الروايات، ولو بالمراجعة إلى الكتب المعدة له حال الاستنباط.
وما قيل: من عدم الاحتياج إليه، لقطعية صدور ما في
الكتب الأربعة، أو شهادة مصنفيها بصحتها جميعاً، أو غير ذلك، كما ترى
.ومنها
- وهو الأهم الألزم – معرفة الكتاب والسنة، مما يحتاج إليه في الاستنباط ولو بالرجوع إليهما في حال الاستنباط،
والفحص عن معانيهما لغة وعرفاً، وعن معارضاتهما والقرائن الصارفة بقدر الإمكان والوسع، وعدم التقصير فيه، والرجوع إلى شأن نزول الآيات وكيفية استدلال الأئمة (عليهم السلام) بها.
والمهم للطالب المستنبط الأنس بالأخبار الصادرة عن أهل البيت، فإنها رحى العلم، وعليها يدور الاجتهاد، والأنس بلسانهم وكيفية محاوراتهم ومخاطباتهم، من أهم الأمور للمحصل...".

أقول : هذا هو رأي السيد الخميني في الاجتهاد ومقدماته، وهو متفقٌ مع رأي بقية الأعلام، وهو كما لا يخفى من الطراز الأول في العقائد والفلسفة والعرفان كما أنه من الطراز الأول في الفقه والأصول، ومع ذلك لا يذكر المباني الفلسفية ولا المباني العرفانية ولا المباني التفسيرية ولا المعارف الاعتقادية في تحصيل مراتب الاجتهاد.

ولذلك قلتُ لكم أنَّ وصفكم لما قاله الأعلام بأنه فكر بائس متخلف يعني أن كل علمائنا متخلفون فكرياً.


ولا بأس أن أذكر لكم ما قاله السيد السيستاني في الأمور التي لا بدَّ من توفرها في الأعلم.
قال السيد السيستاني في تعليقه على العروة الوثقى (ج1 ص13 مسألة 17) :
"عمدة ما يلاحظ فيه الأعلمية أمور ثلاثة:
"الأوّل"
العلم بطرق إثبات صدور الرواية، والدخيل فيه علم الرجال وعلم الحديث بما له من الشؤون كمعرفة الكتب ومعرفة الرواية المدسوسة بالاطلاع على دواعي الوضع... ومعرفة النسخ المختلفة وتمييز الأصح عن غيره والخلط الواقع بين متن الحديث وكلام المصنفين ونحو ذلك...
"الثاني"
فهم المراد من النص بتشخيص القوانين العامة للمحاورة وخصوص طريقة الأئمة عليهم السلام في بيان الأحكام ولعلم الأصول والعلوم الأدبية والاطلاع على أقوال من عاصرهم من فقهاء العامة دخالة تامة في ذلك.
"الثالث"
استقامة النظر في مرحلة تفريع الفروع على الأصول".

أقول: هل مثل هذا التفصيل في الأعلمية يُطلق عليه بأنه فكر بائس متخلف، فكم فرق بين هذا البيان والتفصيل الذي يرى أن علم الحديث وعلم الرجال ومعرفة الكتب ومعرفة النسخ المختلفة وتمييز الأصح منها عن غيره وعلم الأصول والعلوم الأدبية والاطلاع على أقوال فقهاء العامة الذين عاصروا الأئمة كلها لها دخالة في الأعلمية وبين قول الشهيد الصدر الثاني بأنَّ الأعلم هو من كان أعلم في علم أصول الفقه، بل لو بحثتُم في جميع كتب السيد الشهيد محمد باقر الصدر فلن تجدوا هذه الشمولية في بيان ما يجب توفره في الأعلم كما طرحه السيد السيستاني.

فحسب موازينكم أي الفكرين هو الأولى بأن يوصف بأنه فكر بائس متخلف؟


هذه كلمات الأعلام في هذه المسألة، وكلهم يقولون بخلاف ما تقولونه، فكان ينبغي أن تقولوا أن هذا رأيكم الخاص، لا أن تقولوا أنكم لا تنفردون بهذا الرأي، وتصوِّروا للناس أنَّ هذا هو رأي جملة من الأعلام ومنهم السيد الخميني والسيد محمد باقر الصدر وغيرهم، فينبغي التصحيح وإفهام الناس بأن هذا ليس رأي بقية العلماء.

توقيع : حفيد الكرار
أبا حسن لو كان حبك مدخلـي
جهنم كان الفوز عندي جحيمها
فكيف يخاف النار من بات موقنا
بأن أميــــــــــرالمؤمنين قسيمها
من مواضيع : حفيد الكرار 0 المستضعف في الكتاب والسنة، المستطرف في بيان حقيقة وحكم المستضعف
0 تراث الشيعة القرآني - 7 أجزاء
0 المبادئ العامة لدرس القرآن وتفسيره
0 الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) و مناوئوه - الشيخ محمد جعفر الطبسي
0 القرآن و العقل, تفسير بديع في أسلوبه - السيد نور الدين الحسيني العراقي - 3 مجلدات
رد مع اقتباس