|
عضو برونزي
|
رقم العضوية : 77639
|
الإنتساب : Mar 2013
|
المشاركات : 741
|
بمعدل : 0.17 يوميا
|
|
|
|
كاتب الموضوع :
alyatem
المنتدى :
المنتدى الفقهي
بتاريخ : 14-04-2013 الساعة : 07:24 PM
والدة السيّد الصدر (رحمه الله) تشكو إلى الله ما نزل بولدها
لآل الصدر شجرة نسب تتصل بالإمام موسى بن جعفر عليه السلام ومنه إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، يتوارثها رجال الاسرة بعناية ودقة، ومن العجيب أن السيد الشهيد يتصل بجده الإمام موسى بن جعفر إما بمجتهد أو عالم فاضل، فكل رجال هذه الاسرة علماء أفاضل أو مراجع كبار. وهي ميزة فريدة قلما تتوفر لأسرة من الاسر.
أما النسب فهو:
شهيدنا العظيم آية الله العظمى السيد محمد باقر الصدر.
بن السيد حيدر، بن السيد إسماعيل، بن السيد صدر الدين، بن السيد صالح، بن السيد محمد، بن السيد إبراهيم شرف الدين، بن السيد زين العابدين، بن السيد علي نور الدين، بن السيد حسين، بن السيد محمّد، بن السيد حسين، بن السيد علي، بن السيد محمد، بن السيد تاج الدين، بن السيد محمد، بن السيد عبد الله، بن السيد أحمد، بن السيد حمزة، بن السيد سعد الله، بن السيد محمد، بن السيد علي، بن السيد عبد الله، بن السيد محمد، بن السيد طاهر، بن السيد الحسين، بن السيد موسى، بن السيد إبراهيم المرتضى، بن السيد الإمام موسى بن جعفر.
ولادة السيد الشهيد:
في كنف جده الإمام موسى بن جعفر في مدينة الكاظمية ولد شهيدنا الصدر يوم (25) ذي القعدة (1353 ه).
وهذا اليوم من الأيام المباركة، لما ورد من أن فيه دحت الارض، وفي ليلته ولد إبراهيم الخليل وعيسى بن مريم عليهما السلام، وشاء الله عزوجل أن يعد هذا الوليد المبارك إعدادا يؤهله فيه ليكون أمينا لرسله وحصنا لشريعته، ومثلا أعلى وقدوة صالحة لعباده، وليحمل من الآمال والطموحات والهموم ما هي بحجم هموم الأنبياء، ويسير على خطهم وخط خاتمهم محمد صلى الله عليه وآله وسلم.
والدته المحترمة:
هي السيّدة العابدة، الصالحة، التقيّة، الزاهدة، الحاجّة بتول بنت المرحوم آية الله الشيخ عبدالحسين آل ياسين، وكان أبوها وإخوتها جميعاً من الآيات العظام، ومن أكابر العلماء الأعلام رضوان الله عليهم أجمعين.
فأبوها هو آية الله الشيخ عبدالحسين آل ياسين أحد أعاظم فقهاء عصره، المعروف بالزهد والعبادة والتقوى. ولد في الكاظميّة، وتربّى في كنف جدّه المرحوم آية الله الشيخ محمّدحسن آل ياسين الذي كان من مفاخر علماء الشيعة، والذي أمضى الإمام صاحب الزمان نيابته عنه على ما ورد في قِصّة المرحوم الحاجّ علي البغداديّ المذكورة في مفاتيح الجنان.
وقد قال السيّد حسن الصدر في تكملة أمل الآمل عن الشيخ محمّد حسن آل ياسين:
«انموذج السلف، حسن التقرير، مضطلع في الفقه والاصول، خبير بالحديث والرجال، انتهت إليه الرئاسة الدينيّة في العراق بعد وفاة الشيخ العلّامة الأنصاريّ، كان المرجع العامّ لأهل بغداد ونواحيها وأكثر البلاد في التقليد، وكان المعروف بالفضل، له رسالة وكتب ...».
والمرحوم الشيخ عبدالحسين آل ياسين قد هاجر من الكاظميّة إلى سامرّاء، وتتلمذ على يد المجدّد الشيرازيّ، وبعد أن تُوفّي جدّه الشيخ محمّدحسن انتقلت إليه زعامة الشيعة في بغداد والكاظميّة، ثُمَّ هاجر إلى كربلاء، وتتلمذ على يد المرحوم السيّد إسماعيل الصدر، ووصل إلى مرتبة عالية من الاجتهاد، وعاد إلى الكاظميّة، وأصبح من مراجع الشيعة في التقليد، وتُوفّي في (18/ صفر/ 1351 ه) في الكاظميّة، ودفن في النجف الأشرف في مقبرة آل ياسين.
أمّا إخوتها فهم:
1- آية الله العظمى شيخ الفقهاء والمجتهدين الشيخ محمّدرضا آل ياسين، كان استاذاً ومرجعاً في عصره في النجف الأشرف، تُوفّي في سنة (1370 ه)، ودفن في مقبرة آل ياسين.
2- المرحوم الإمام المجاهد الشيخ راضي آل ياسين، كان من أكابر علماء الإماميّة في الكاظميّة، وهو صاحب تأليفات كثيرة منها كتاب (صلح الحسن).
3- المرحوم آية الله الورع التقي الشيخ مرتضى آل ياسين، كان من أكابر علماء الإماميّة، ومرجعاً للتقليد في النجف الأشرف.
يقول الشيخ محمد رضا النعماني تلميذ ومساعد الامام الشهيد قدس:
لقد اطلعت على بعض خصوصيات المرحومة والدة السيد الشهيد (محمد باقر الصدر (قدس) من خلال معايشتي لها فوجدتها والله مثال التقوى، امتلأت روحها حبا لله تعالى ورسوله وأهل بيته صلى الله عليه وعليهم، وحتى في الأيام الأخيرة من حياتها كان عشقها لأهل البيت ولأمير المؤمنين عليه السلام يطغى على ما كانت تعاني من آلآم وأمراض فتخرج مستعينة بابنتها البارة الشهيدة بنت الهدى (رحمها الله) لزيارة قدوتها وإمامها رغم ما كانت تعاني من صعوبة كبيرة في مشيتها.
وكانت لا تفارق القرآن، فهي رفيقته في كل وقت تتلوه آناء الليل وأطراف النهار، وكلما انتهت منه عادت إليه.
وكانت دائمة الذكر لله تعالى، تلهج بتسبيحه وتحميده، وما انقطعت عن ذلك حتى فارقت نفسها المطمئنة برحمة ربها بدنها الطاهر، ولقيت ربها راضية مرضية، وكانت في فترة الحجز نموذجا رائعا في الصبر والثبات والاتكال على الله عزوجل، فلم تتململ يوماً مما كان يصيبها بسبب الحجز من فقد الدواء الذي كان به قوام حياتها، بل كانت تتظاهر بالصحّة والسلامة لتشعر السيد الشهيد بعدم أهمية المعاناة الكبيرة التي تعيشها، رحمها الله وأسكنها الفسيح من جناته...
وكانت والدته تحثه على الدراسة في الحوزة واختيار حياة الطلبة...
كان السيد الشهيد (رحمه الله) في كلّ يوم يجلس إلى والدته (رحمها الله) يؤنسها بحديثه ويخفّف عنها من آلام ما تعاني من أمراض ومشاكل صحيّة، ويخفّف من قلقها عنه، فقد كانت (رحمها الله) تشعر بقلق كبير على سلامته ولها إحساس بأنّ السلطة سوف لن تتركه على أيّ حال، فكان (رضوان الله عليه) يدخل إلى قلبها بكلّ الوسائل ليبدّد هذه المشاعر أو يقلّل من سطوتها، فكان في كلّ يوم يجلس معها في غرفتها ومعه كتبه ودفاتره ويبقى معها - في أكثر الأحيان - حتّى العصر يكتب ويعدّ أبحاثه وغير ذلك، واستمرّ على ذلك حتّى اليوم الأخير قبل اعتقاله ومن ثمّ استشهاده.
وكانت رحمها الله تحدّثه عن والده وتحاول أن تغرس في نفسه أن يكون مثله.
ويصفها الشيخ الكوراني بأنها: كانت في ذلك الوقت تقرأ كتب التاريخ وتعدّ من المثقّفات.
ويقول الشيخ علي آل اسحق: كانت (رحمها الله) - حتّى بعدما كبر- تنتظر رجوع السيد محمد باقر الصدر إلى الدار، فإذا تأخّر انتظرته عند الباب وفتحت له فور وصوله.
ويذكر الشيخ زهير الحسّون أنّ والدة السيّد الصدر (رحمة الله) أحسّت ذت مرّة أنّ ابنها في خطر ما، فبعثت مستفسرةً إلى مكان تواجده، فتبيّن أنّ مدير أمن النجف كان عنده.
ولمّا سُئِلت السيّدة بنت الهدى (رحمها الله) عن الأمر قالت: «إنّ جسم أمّي داخل البيت لكنّ شعورها وقلبها مع السيّد أينما ذهب».
يقول السيّد محمّد باقر الحكيم (رحمه الله):
«كان (السيد محمد باقر الصدر رحمه الله) يكنّ لأمّه الحُبَّ والاحترام بدرجة عالية جدّاً، حيث كان يلتزم تجاهها بنظام قاسٍ من الإخبار لها عن جميع حركاته وسكناته، ممّا كان يلفت نظر القريبين له، وكنتُ في البداية أثير لديه التساؤل عن ذلك، حيث كانت وسائل الاتّصال مثل التلفون مفقودة في ذلك الوقت، فيلتزم شخصيّاً بنظامٍ حديديٍّ في الأوقات والمواعيد والذهاب والإياب بسبب ذلك، ولكنّه كان في ذلك يستجيب لطلبها وإلحاحها بسبب عاطفتها القويّة وشفقتها الفائقة وما لاقته من فقدٍ للأولاد والزوج.
كما كان يأخذه الاضطراب الشديد شفقةً وخوفاً عليها عندما كانت تصاب بنوبات من ضيق التنفّس المتكرّرة التي تصبح في الحالات العادية أمراً عاديّاً بسبب تكرارها، ولكنّه بقي (رضوان الله عليه) يحسّ بذلك إلى آخر عمره حبّاً بها وشعوراً بالمسؤوليّة تجاهها وشفقةً عليها، وذلك تعبيراً عن العواطف المتأجّجة في نفسه تجاه الأشخاص الذين يحبّهم ...
كما كان يكنّ الاحترام الكبير لأخيه الكبير بالرغم من تفوّق الشهيد الصدر العلمي عليه واعتراف أخيه له بذلك، مع أنّ أخاه الكبير كان من فضلاء الحوزة العلميّة المعروفين بالفضل والاجتهاد وانشغال الشهيد الصدر بصورة دائمة بالعمل العلمي. ولم يكتفِ بذلك الاحترام، حتّى أنّه كان يشعر ويقوم بمسؤوليّة الرعاية لأخيه الكبير ويقوم تجاهه بذلك من رعاية ماديّة واجتماعيّة ومعنويّة له ولعائلته، حيث كانت تشمله رعاية البيت كلّه الماديّة والتفكير بشأنه وموقعه الاجتماعي.
وكان للشهيد الصدر (رضوان الله عليه) الدور الرئيس في تهيئة ظروف انتقاله إلى مدينة الكاظميّين ورعاية وضعه الاجتماعي فيها هناك وتسديده بالقول والعمل والزيارة والإسناد، وكان أخوه يبادله الحُبَّ والاحترام الفائقين بحيث يشعر الإنسان بوحدتهما مع وجود الفوارق العديدة في شخصيّتهما الذاتيّة وطريقة العمل والتفكير وأسلوب الحياة الاجتماعيّة والشخصيّة».
تقول السيّدة فاطمة أم جعفر الصدر:
«كانت (والدة السيد الشهيد الصدر) حليفة المصحف الشريف وسجّادة الصلاة؛ لم تستغن عنهما يوماً، ولم تنقطع عن الذكر ما أمكنها ... كانت أم الشهيد تخيط ملابسها السوداء بيدها، وبوسائلها اليدويّة البسيطة: الخيط والإبرة لا غير. وكان الشهيد كثيراً ما يلاطفها، ويحاول أن يخفّف عنها أحزانها الدائمة.
كان يقول لها: تعزّي بنا، فنحن اليوم بجوارك، ونحن الذين بقينا لك. لقد اجتهد كثيراً للتغيير من وضعها النفسي. وإدخال السرور على قلبها، وخاصّة بعد افتقادها ابنها السيّد إسماعيل، وأودع التراب وهي حيّة ترزق. على أنّها لم تجزع ولم تعترض على قدر الله، لكنّ هذا شاق على قلب الأم. وفي الأخير تعلّقت أكثر، وصبّت كلّ آمالها على السيّد الشهيد وأخته بنت الهدى اللذين ما فتئا يحاولان التعويض عليها، إلى أن أجرى الله مقاديره بحسب ما شاء، وله الحمد».
ويقول السيّد محمود الخطيب:
« كانت (والدة السيد محمد باقر الصدر) قمّةً في التقوى والورع، وكيف لا تكون كذلك وهي بنت ذلك البيت العريق الذي أنجب العلماء والمفاخر من الرجال العظام من آل ياسين. كان (رحمه الله) كثير الاحترام والتقدير لوالدته، فلقد شاهدته مرّات عديدة إذا أراد السفر لزيارة الإمام الحسين (عليه السلام) يستأذن منها ويقول لها: أنا ذاهبٌ لزيارة سيّد الشهداء (عليه السلام)، تقول له: كان الله معك يا ولدي، ثمّ يجلس على ركبتيه ويقبّل يديها فتضع المصحف الشريف على رأسه وتقول له: كتب الله لك السلامة، أسألك الدعاء».
تقول السيدة فاطمة ام جعفر الصدر:
في يوم السبت 19 جمادى الاولى 1400 ه، نعق نذير الشؤم عندما طرق الباب بعد ظهر ذلك اليوم الكئيب مدير أمن النجف، وطلب من الشهيد مرافقتهم إلى بغداد. سألهم رضوان الله عليه عن الأمر؟
فأجابوا: إنه أمرٌ بالاعتقال [وكان الاعتقال الرابع والاخير]. فاستمهلهم دقائق ليودع أهله. ورفضوا، بحجة أن الأمر بسيط؟ ولن يطول فراقه للبيت، وأصرّ هو على موقفه قائلًا: إن ذلك لن يضرّكم .. ولم يروا بُداً من الرضوخ، إذ أن الشهيد لم ينتظر موافقتهم، فدخل البيت لفوره واتجه أمام ناظرينا جميعاً بينما نحن في وجوم وذهول إلى حيث اغتسل غسل الشهادة .. بتلك النية تحديداً، ثم خرج وصلى بين يدي الله ركعتين، ثم إنه اتجه إلى والدته المذهولة والمكروبة، وأخذ يدها وضمها إلى صدره بين يديه، ثم رفعها إلى فيه يلثمها في حنوٍّ، حادباً على أمِّه، يرجو الرضا والدعاء وطلب التسديد. ثم احتضن جميع من في البيت يضمهم ويقبلهم فعلمنا من خلال تصرفه أنه الوداع الأخير.
كان الموقف مأساوياً محزناً بكل تفاصيله، غير أن اللحظات الأكثر إيلاماً وتفجعاً هو عندما أراد احتضان ابنته الثانية ابنة الخامسة عشرة فإنها لم تحتمل ذلك وأشاحت بوجهها، واتجهت نحو الجدار وأحنت رأسها عليه وهي تتنشغ في بكاء مرير، فأحاطها الأب الشهيد بذراعيه وصار يناجيها:
(حلوتي، إن أصحاب عيسى (ع) نشروا بالمناشير، وعلقوا بالمسامير على صلبان الخشب، وثبتوا من أجل موت في طاعة. لاتكترثي يا صغيرتي. فكلنا سنموت. اليوم أو غداً. وإن أكرم الموت القتل. بنيتي أنا راض بما يجري علي، وحتى لو كانت هذه القتلة ستثمر ولو بعد عشرين سنة، فأنا راض بها ...)!. وبهذه الكلمات انفجر ما كان مكبوتاً في النفوس، فتحاتن الدمع زفراتٍ من الآماق، وللقلوب رجيعُ وَلْوَلةٍ خفّاق.
وأخيراً حان دوري للوداع .. ووقف إمامي أمامي، شامخاً شاخصاً ببصره إليّ .. وجمد الدم في عروقي، وتصلّبت عيناي على محيّاه المشرق الوقور، فرأيته قد استنار وجهه، واعتدلت قامته! أين منه ذلك الوهن، وانحناء الظهر، الذي لازمه أياماً وأياماً؟
اقترب مني وقال لي هامساً: يا «أخت موسى»: بالأمس أخوك، واليوم النديم والشريك والحبيب. اليوم أنا .. لك الله يا جنتي. ويا فردوسي، تصبّري، إنما هي البيعة مع الله، قد بعناه ما ليس بمرجوع، وهو قد اشترى سبحانه .. ياغريبة الأهل والوطن .. حملك ثقيل .. ولك العيال.
أسألكِ الحِلّ .. فأولئك هم سود الأكباد على بابكِ ينتظرون، وما من مفر .. أنا ذاهب .. وعند مليك مقتدر، لنا لقاء. و .. خرج .. فكان الرحيل.
بعد ساعة من رحيله معهم، صعدت المرحومة أمّه وكانت قد تعدّت سن الثمانين فوق السطح بعد أن جددت وأسبغت الوضوء، لتشكو إلى الله ما لاقت .. وقد كانت تفعل ذلك في كل مرة يعتقل فيها الشهيد. وفي هذه المرة .. جلست فوق السطح، جاثية [وعملت بما هو مذكورٌ في كتاب (مفاتيح الجنان) حول دعاء الأم لولدها لكشف البلاء]، مستقبلة للقبلة، ناشرة شعرها، كاشفة جيبها، ضارعة إلى ربِّها في مشهد مؤثر يذوب له الجلمود، تتوسل أن يعيد إليها ولدها، ترجو أن يثمر توسلها، كما أثمر سابقاً واستجيب لها ذاك الدعاء [كانت رحمها الله تقول في سجودها: (اللهم ربي أنت أعطيتنيه، وأنت وهبته لي. اللهم فاجعل هبتك اليوم جديدة انك قادر مقتدر)]، ما كانت تعلم أن القدر المحتوم في هذه المرة قد تنزّل، وأن السماء قد حسمت أمر الشهيد، فقد اشتاق الملأ الأعلى لمحمد باقر، كما الأم تشتاق إليه.
|
|
|
|
|