|
عضو برونزي
|
رقم العضوية : 5808
|
الإنتساب : Jun 2007
|
المشاركات : 949
|
بمعدل : 0.15 يوميا
|
|
|
|
كاتب الموضوع :
أبو باقر
المنتدى :
المنتدى العقائدي
بتاريخ : 11-08-2007 الساعة : 03:29 AM
القسم الثاني:
معنى التطهير والرجس
ثم انه بعد إن انتهينا من الحديث عن موضوع الآية ، الذي هو { أهل البيت } نتحدث الآن عن محمولها ، الذي هو { التطهير } ، فانه وان كان واردا في الآية بلفظين ، هما : { يذهب عنكم الرجس } و { يطهركم تطهيرا } ، لكننا الآن نغض النظر عن الفرق بينهما ، ونعتبر إن محصلهما واحد .
فان الطهارة يدور أمرها بين أمرين : إما إن تكون بمعنى مطلق الطهارة ، التي تنطبق على الكثير ، بما فيها الطاهرات المتدنية أو القليلة . وإما إن تكون بمعنى الطهارة المطلقة ، التي لا تنطبق إلا على أعلى المقامات من الطهارة . والمعنى الثاني هو الذي ينبغي إن نفهمه ، لأنه المناسب مع ارتفاع شانهم ، وخاصة بعد إن نلتفت إلى إن كل مرتبة من الكمال لها نحو من التطهير سببا أو مسببا . فنقول : طهر فوصل إلى هذه المرتبة من الكمال . أو نقول : وصل إلى هذه المرتبة من الكمال ، فاستحق الطهارة التي تناسبه . فإذا وصل الفرد إلى أقصى مراتب الكمال وأصبح خير الخلق كلهم أجمعين ، فانه يستحق الطهارة المطلقة والمركزة . ونحن لا نفهمها أكيدا ، لأننا لم نعيشها ، وإنما نرى بعض أثارها ، إذ كنا نعقل ونفهم بعض أثارها من المعصومين (ع) .
وإما الرجس فبالعكس ، فإننا نفهم منه مطلق الرجس لا الرجس المطلق ، فعندما نقول : { ليذهب عنكم الرجس } فالمراد مطلق الرجس أي اذهب عنكم كل رجس ، وأي رجس ، لكي تحصل الطهارة المطلقة . فلو فسرناها بالرجس المطلق ، لكان المعنى إن الرجس المطلق ذهب وزال ، وإما ما هو أدنى منه فهو موجود ، ولا دليل على نفيه ، فبقرينة إننا نفهم التطهير المطلق ، فلابد إن نفهم مطلق الرجس .
ونحتاج هنا إلى إن نحمل فكرة عن معنى الطهارة وإذهاب الرجس من خلال مقدمتين :
المقدمة الأولى : إن خلقة البشر عموما فيها خير وشر ، كما دل عليه تعالى : { و هديناه النجدين } فالشر مركوز في النفس البشرية وجدانا وعيانا .
بل بمعنى آخر فان عالم الإمكان كله لا يخلو من شر وحد وقصور وتقصير ، بمعنى دقي أو عقلي أو باطني . لا اقل من فهم معنى الاستقلالية لنفسه وللأسباب أيضا ، وهو كذب صريح وباطل كامل وكل ذلك وعلى كل المستويات مما يراد تطهير أهل البيت عنه ، بعد إن كانوا بمقتضى خلقتهم الأصلية ينبغي إن يكونوا متصفين به ، لأنهم من البشر ومن عالم الإمكان .
فان قلت : فان المراد تطهير أرواحهم (ع) ابدأنهم ، وهي مطهرة أصلا . وبتعبير أخر إن التطهير على قسمين : تطهير مادي ، وتطهير معنوي ، فالتطهير المادي يخص البدن ، والتطهير المعنوي يخص الروح . فإما التطهير المادي فهو شيء جيد ، وهو نعمة من نعم الله ، ولكنه ليس برئيسي ، وليس خاصا بهم ، فكثير من الناس أصحاء الأجسام ومعتدلي المزاج والعقل من الناحية البدنية فالتطهير تطهير معنوي فهو يخص الروح . فحينئذ نقول الروح طاهرة . وتطهيرها من تحصيل الحاصل ، وهو محال .
جوابه : إن هذا جهل بمعنى الروح ، وانأ لا أريد إن أعطي معنى الروح ، وإنما أريد إن أقول بان هذا الذي قلناه ، وهو إن النفس فيها جانب الخير وجانب الشر ، فإنما هو بالجانب الروحي من الإنسان لا في الجانب الجسدي . إذن فالروح ليست منزهة عن الشر كما زعم السائل . فإذا كانت غير منزهة عن الشر فلا باس إن يشملها التطهير .
فان قلت : فان بالتطهير يزول الجانب السيئ من الروح بعد إن كان مركوزا بالخلقة ، فحينئذ تتغير خلقتهم الروحية والمعنوية عن البشر . فيبقى في أرواحهم عنصر الخير فقط ، في حين إن باقي الناس فيهم عنصر الخير وعنصر الشر ، إذن فسوف تصبح خلقة هؤلاء مختلفة عن البشر ، والحال إن القران الكريم يقول : { إنما إنا بشر مثلكم } فنعرف من بطلان الملزوم بطلان اللازم إذن فهذا المعنى غير صحيح .
قلنا : إن هذا سوء فهم ، فليس المراد من التطهير تغيير الخلقة ، فجانب السوء يبقى مركوزا فيهم ، لكي لا يحصل فيهم نقص فيكونون اقل من غيرهم . وإنما المراد قطع معلولاته ونتائجه ، فالبعض يستعملون جهاتهم السيئة ، ولكن هؤلاء ليسوا كذلك ، فان هذه النتائج قد عصموا عنها بإرادة الله سبحانه وتعالى .
فان قلت : فما مزيتهم عن الباقين ، ولماذا حصل ذلك لهم دون غيرهم .
قلنا : إن ذلك لمزيتين نعرفهما على الأقل :
الأولى : انه اقتضت الحكمة الأزلية خلق الكون بشكل هرمي ، فكلما صعدنا قل العدد ، وكلما نزلنا ازداد ، وذلك لضبط العلل العليا في الكون وترتيبه ، فنحن نؤمن بالصادر الأول ، لان مقتضى الحكمة وجوده .
فالمهم إن تلك الموجودات الأولى والعليا هي أرواح المعصومين (ع) وهي أفضل الخلق لأنها الأقرب في تسلسل العلل إلى الله سبحانه ، وهي الفاعلة في الكون ، فكان مقتضى الحكمة تطهيرها لمنعها من الخيانة ، رحمة بها ورحمة بمعلولاتها ونتائجها .
الثانية : قضية الميثاق ، فانه قد حصل تجلي لله عز وجل هناك { لا بالمعنى البصري بل بالمعنى المعنوي أو القلبي }.
وسأل البشر أجمعين : { الست بربكم } ؟ وفي حدود فهمي إن جوابه لم يكن في زمان واحد ، وفي رتبة واحدة ، فكلما كان السوء في الإنسان أكثر كان جوابه أبطأ ، وكلما كان خيره أكثر كان جوابه أسرع . وأول من بادر بالجواب هو رسول الله (ص) وأمير المؤمنين (ع) ثم الأمثل فالأمثل .
فان قلت : لماذا خلق الله سبحانه وتعالى روحا ذات ردائه عالية لتبطئ بالجواب ؟ .
قلنا : انه يمكن إن يجاب عليه بجوابين :
الأول : إننا لو تنزلنا عن الهرمية ، فإننا نقول إن عالم الإمكان عبارة عن علل ومعلولات متدرجة ، فكل شيء مادي أو روحي في أي مرتبة ، أو بأي عالم من العوالم ، يوجد بحسب عليته وبمقتضى صفات عليته ، وكل علة توجد بمقدار ما تستحقه .
الثاني : في حدود فهمي إن الله عز وجل يخلق كل الاحتمالات ، كشخص طويل وآخر قصير وشخص ابيض وآخر اسمر وهكذا . فانه يخلق كل الاحتمالات إبرازا لقدرته . ولا يمكن إن يكون اثنان في نفس الشكل بالضبط ، فلابد من الاختلاف قليلا أم كثيرا ، بفرق جسدي أو فرق نفسي أو فرق عقلي أو أي شيء آخر . حينئذ نقول : انه ابرز قدرته في إن خلق البعض وجعل جانب الخير فيهم كثيرا ، وكذلك خلق البعض وجعل جانب الخير وجانب الشر متساويين ، وخلق البعض وجعل جانب الشر فيهم كثيرا ، فلابد إن توجد كل هذه الاحتمالات فكانت النتيجة إن الناس اختلفوا في سرعة الجواب في عالم الميثاق .
فان قلت : فلماذا أجابوا قبل غيرهم ؟ .
قلنا : هذا باعتبار اختيارهم ووعيهم ومعرفتهم ، ولا يبعد القول : إن التطهير حاصل مسبقا ، إذ لا يوجد مانع يوجب التأخير ، بينما يوجد هذا المانع في الآخرين ، والآية الكريمة أعربت عن طهارة قديمة لا في عصر نزول الآية ، وإلا وجب إن نقول بعدم طهارتهم قبل ذلك ، أو عدم عصمتهم ، وكل ذلك باطل .
الخطوة الأخرى بهذا الصدد : إن نفس الدليل على الاختيار في الدنيا ، يمكن تطبيقه على عالم الميثاق ، فلا يخطر في الذهن أنهم قالوا ذلك مجبورين أو مسيرين ، كلا ، فالذي نطق ، نطق باختياره أو الذي سكت ، سكت باختياره ، ولذا حملهم الله المسؤولية ، أي مسؤولية قول { بلى } ، أي انه يقول لنا الله تعالى : انك قلت { بلى } ومع ذلك عصيت .
فهذه المسألة موجودة ، وستبقى في ذممنا إلى الأبد مادمنا موجودين .
فكما إن الدليل على الاختيار في عالم الدنيا هو إننا نقول : إن الاختيار لو لم يكن موجودا ، لبطل الثواب والعقاب ، أي بطلت المسؤولية الأخلاقية ، واشتغال الذمة بالتكاليف ، ولكنها لم تبطل أي يوجد ثواب وعقاب وتكاليف ، إذن يعرف من بطلان التالي بطلان المتقدم . فلو كان هناك جبر لبطلت المسؤولية .
ونحن قلنا قبل قليل : بان الله تعالى يحملنا مسؤولية { بلى } ، التي قلناها ، فلو كان جبرا لما حملنا مسؤوليتها ، لأننا عندئذ نكون كالقلم بيد الكاتب ، والعصا بيد الضارب .
فالاختيار كان موجودا عند الناس بما فيهم الأئمة (ع) ، وكلما كان الفرد أعلى وأوعى وافهم وأكثر إدراكا للواقعيات ، فانه سيبادر إلى الجواب أسرع .
الخطوة الأخرى بهذا الصدد : انه نتج من ذلك ، إن النبي (ص) هو أول من أجاب ، ثم من بعده المعصومون (ع) فذلك يعني أنهم معصومون من ذلك الحين ، فلو لم يكونوا معصومين لكان حالهم حال غيرهم .
وكذلك ، فأنهم إنما كانوا معصومين لأنهم كانوا أطهارا ، إذن فالطهارة التي يريد إن يطهرهم بها كانت قبل ذلك العالم الذي سألهم فيه { الست بربكم } ، فهم في أعلى الهرم بالتكوين منذ أول الخلق ، سواء اعتبرناه قديما ، أو اعتبرناه حادثا .
المقدمة الثانية : إننا نلتفت إلى المفعول المطلق في الآية ، أو التأكيد في الآية : { يطهركم تطهيرا } فلماذا قال { تطهيرا } ؟ .
جوابه من مستويين :
المستوى الأول : مستوى المعلول : وهو إن نقول : إن هذا هو دليل على عمق التطهير وكثرته وتركيزه في نفوسهم إلى حد قد يبدو إن ماهيتهم تختلف ، مع العلم إن الخلقة الأصلية لا تختلف ، فاصل الخلق فيه ما في الكون من مصالح ومفاسد ، ولكن الفاسد يقف ويبطل علمه تماما ، وتكون كل مراتب وجودات الأئمة (ع) طاهرة ، إذن فعمق التطهير مهم جدا .
المستوى الثاني : مستوى العلة ، فان الله عز وجل قادر على كل شيء ولكن مع ذلك نستطيع إن نقول ولو مجازا ، إن هذا الشيء صعب ومعقد في غاية التعقيد .
أليس إن الله تعالى يفتخر بوجود نور علي بن أبي طالب (ع) ، فهو يفتخر إن قدرته استطاعت إن تخلق نورا متكاملا إلى هذه الدرجة من التكامل ، فالعلة ينبغي إن تكون بالغة القدرة حتى تستطيع إن توجد شيئا من هذا القبيل .
ولذا فانه قد يقال : إن زكريا (ع) أشكل نفس الإشكال الذي أشكلته امرأة إبراهيم (ع) على الملائكة ، حينما بشروه بيحيى ، وهو نبي معصوم .
فان جوابه : انه معصوم ، ولكنه لم يطهر الطهارة التي عند أهل البيت (ع) ، ولو كان واحدا من أهل البيت (ع) لما أشكل ، فان العصمة مراتب ، والتطهير مراتب .
فان قلت : انه تطهير الإعمال ، أي يوفقكم للإعمال الحسنة ، ويردكم عن الإعمال القبيحة .
قلنا : إن ذلك إن كان بالإرادة التكوينية ، للزم الجبر ، أي يجبرهم على الإعمال الصالحة ، وترك الإعمال القبيحة ، وهو قبيح عقلا ، وان كان ذلك بالإرادة التشريعية ، أي يعطيكم تشريعات طيبة ومنتجة ، يأمركم بالطاعات وينهاكم عن المعاصي . فان هذا ليس خاصا بهم ، وإنما هو عام لكل البشر ، فكلهم مسئولون إمام الله تعالى إن يعملوا الحسن ويتركوا القبيح .
نعم ، حينما تطهر العلة يطهر المعلول ، أو قل : حينما تطهر النفس يطهر العمل ، وتطهير الإعمال حاصل ولكن ليس بالمباشرة ، وإنما لسببها وعلتها . وإذا طهرت العلة ولم يعمل الإنسان إلا العمل الصالح ، لا يكون ذلك جبرا ، وإنما يصل الإنسان إلى درجة بحيث يرى المعاصي بدرجة من القذارة فلا يقترب إليها إطلاقا .
يبقى الالماع إلى شيء قلما يلتفت إليه ، وهو إن الآية الكريمة قالت : { ليذهب } ولم تقل { إن يذهب } فلماذا حصل ذلك ؟ .
جوابه إن نقول : إن إلام هنا بمعنى { إن } والحروف يستعمل بعضها في محل بعض مجازا كما قلنا ذلك في علم الأصول . فنقول : زيد يريد ليذهب أي يريد إن يذهب ، وهو معقول على أي حال . ولكن لو تنزلنا عن ذلك فيكون المراد إن الله يريد شيئا لكم لكي يكون هو سبب التطهير ، فلنا إن نتساءل عن ذلك الشيء ما هو ؟ .
جوابه : احد أطروحات :
منها : الطاعة أو التكاليف المشددة ، أي إنما يريد طاعتكم المناسبة لشأنكم ليذهب عنكم الرجس .
إلا انه يلزم منه عدم وجود الطهارة الأبعد حصول الطاعة بأي واحد من مستوياتها ، وهذا ينافي عصمتهم الذاتية ، وولادتهم على العصمة ، أو قل عصمة أرواحهم قبل ابدأنهم .
ومنها : إن الأفعال على مستويات ولا اقل على مستويين : مستوى ظاهري ومستوى باطني . فان الذي تكلمنا عنه في الأطروحة السابقة هو الطاعات الظاهرية ، ولكن هناك إعمال باطنية كثيرة ، فكلما كانت النفس اطهر فسوف تكون إعمالها اكبر وأحسن .
فان قلت : فإننا سوف ننتهي إلى نفس النتيجة ، أي إن الطهارة مترتبة على الإعمال ، ولكنها الإعمال الباطنية وليست الظاهرية .
قلنا : إننا إذا تكلمنا بالمستوى الدنيوي ، فإننا نقول : إن الإعمال الباطنية موجودة من حين ولادة الإمام ، أو قل : منذ إن فتح عينه على الدنيا . فتكون نتيجة هذا الكلام ، انه لم يولد معصوما . ولكننا نتجاوز عالم الدنيا إلى ما قبل الدنيا ، فان محمد بن عبد الله ( ص) ، ليس هو هذا الرجل الذي يأكل ويمشي فقط ، وإنما الأصل فيه هو روحه العليا والتي هي المخلوق الأول . فحينئذ نسأل : هل إن تلك الروح كانت عاطلة قبل ولادة النبي (ص) ؟ .
جوابه : كلا ، فان لها عملان :
الأول : ذكر الله تعالى ، كما نصت على ذلك بعض الروايات . فنقول : إن هذا العمل هو الذي حقق له الطهارة .
الثاني : تسلطه على الإدارة التكوينية للخلق ، وهذا أيضا منصوص عليه في الروايات . فان الله تعالى خلق السماوات والأرض من نوره ، وأعطاه السلطة والإدارة لها .
ومنها : إننا نقول إن المقدر هو الوجود ، أي وجودهم ، فيكون المعنى : { إنما يريد الله إن يوجدكم ليذهب عنكم الرجس } ، وكلاهما رحمة ، فوجودهم رحمة ، وتطهيرهم أيضا كذلك .
وهذا شيء في نفسه جيد ، إلا إننا إذا التفتا إلى الأطروحات التيه لوجدناها أرجح .
ومنها : إن ننظر إلى مرتبتهم التكوينية المعنوية العالية . فيكون المعنى : { إنما يريد الله لكم هذه المرتبة ليذهب عنكم الرجس } ، وهذه المرتبة ملازمة مع التطهير باصطلاح المنطق . وبتعبير أخر : يوجدكم في تلك المرتبة ليذهب عنكم الرجس ويطهركم تطهيرا .
ومنها : إننا لا نلحظ قضية منزلتهم التكوينية ، وإنما نلحظهم لمجرد أنهم اقرب إلى الله تعالى ممن سواهم ، فيكون المعنى : { يريد الله إن يقربكم منه ليطهركم تطهيرا } .
فان قلت : فان القران الكريم بعضه قرينة على بعض ، فإذا نظرنا إلى الآيات السابقة ، وجدناها تؤكد على الإعمال والتكاليف الصعبة كقوله تعالى : { وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى } ، فلذا أراد الله تعالى إقناعهم بذلك فبرر الحكمة من هذه التكاليف ، وهو انه إنما كلفهم بها لتترتب عليها الطهارة .
جوابه من عدة وجوه :
الوجه الأول : إن التطهير إذا كان منوطا بالعمل ، فان عمل الإنسان لا ينتهي إلى آخر حياة الإنسان في الدنيا ، فتكون النتيجة : إن التطهير سوف يكون في حال الاحتضار ، وهذا القول باطل .
الوجه الثاني : ما قلناه من الشك في قرينيه هذه الآيات السابقة ، للشك أصلا في مكان وجود هذه الآية الكريمة هنا .
الوجه الثالث : تغيير الضمير ، فانه قال : { عنكم } ولم يقل { عنكن } ، ولو أراد التكاليف الخاصة بالأزواج لقال : { عنكن } . كما قال : { وقرن في بيوتكن ولا تبرجن } إذن يظهر بوضوح إن المخاطب أشخاص آخرون غيرهن . فلا توجد لأفعالهم ذكر في الآيات السابقة لتكون قرينة . وهذا يدل على إن هناك تغييرا أساسيا للسياق قد حصل ، هذه العروة الوثقى ينبغي التمسك بها .
الوجه الرابع : إن التطهير المشار إليه في الآية الكريمة شديد ومركز ومهم ، وهذا يعرف من الدال عليه ، أي من سياق الآية ، وسياق الآية مشدد فالمدلول وهو التطهير مشدد ، وبتعبير آخر إننا نعرف شدة عالم الثبوت من شدة عالم الإثبات والبيان . وهذا يتضح من عدة كلمات مثل : { إنما } التي تفيد الحصر ، وكذلك { تطهيرا } الذي هو المفعول المطلق ، وكذلك التكرار المعنوي الذي هو { يذهب عنكم الرجس } و { يطهركم تطهيرا } . فهذا التركيز هو تركيز إعلامي لأجل معرفة إن التطهير ألثبوتي الواقعي مركز جدا .
وهذه الأمور لا تكون بالأفعال مهما كثرت ، بل بإرادة الله سبحانه وتعالى المباشرة . لأننا إذا قلنا : بان الإعمال هي المنتجة للتطهير ، فان الإنسان العامل حال عمله غير طاهر بهذا المعنى ، أي إن فيه شيء من النقص والرجس ، فالعمل ناتج من شخص ناقص ورجس ، فكيف يكون هذا العمل موصلا إلى الطهارة المطلقة والمركزة . وإنما هي رحمة وفيض ابتدائي من قبل الله تعالى .
فان قلت : فان عمل الفرد الاعتيادي هو كذلك ، ولكن عمل المعصومين ليس كذلك ، فانه يوصل إلى درجات عالية جدا .
قلنا : إن الأمر كذلك بعد تطهيرهم ، ولكن مفروض الأطروحة هو إن عملهم ينتج التطهير ، أي أنهم غير مطهرين في ألمرتبة السابقة على العمل .
نعم ، الأفعال تنتج تطهيرا بمقدار ما ، إلا انه قليل . ولو بقى الحال عليه لكان العبد من الخاسرين ، ولذا قيل : { القدم الأول من العبد والباقي من الرب } .
وقال : { يا من دل على ذاته بذاته } وقال : { خذني إليك بجذبة توصلني إليك } . وقال : { ما جعلت طريقا إلى معرفتك إلا بالعجز عن معرفتك } . إذن فالعبد عاجز عن ذلك تماما وإنما كل ذلك بالفيض الإلهي والرحمة المباشرة .
مضافا إلى انه لو كانت الزوجات مشمولات لنال الصالحات منهن ذلك كخديجة الكبرى وأم سلمه مع العلم اليقين بعدمه . بل هن كغيرهن في عدم التطهير ، والخبر يدل على ذلك وهو إبعاد أم سلمه عن الكساء . فإذا علمنا إن نتيجة هذا التطهير هو العصمة ، لزم القول بعصمتهن . أو دلالة القران الكريم على ذلك ، ولم يقل بذلك احد ، فنعرف من بطلان التالي بطلان المقدم .
|
|
|
|
|