عرض مشاركة واحدة

الصورة الرمزية alyatem
alyatem
عضو برونزي
رقم العضوية : 77639
الإنتساب : Mar 2013
المشاركات : 741
بمعدل : 0.17 يوميا

alyatem غير متصل

 عرض البوم صور alyatem

  مشاركة رقم : 5  
كاتب الموضوع : alyatem المنتدى : منتـدى سيرة أهـل البيت عليهم السلام
افتراضي
قديم بتاريخ : 15-03-2013 الساعة : 02:05 PM


وهناك وجه ثالث لحمل العيال، وهو: كما كانت العرب عليه من أنّهم إذا أرادوا أن يستميتوا في الحرب، ويصبروا للطعن والضرب، جعلوا الحريم خلفهم، واستقبلوا العدوّ، فأمّا الحتف أو الفتح، ويستحيل عندهم النكوص أو الفرار، وترك الحريم للذلّ والإسار، ويشهد لهذا عدّة وقائع لا تغيب عن الضليع في تاريخ العرب(38)، عليه حَمَلَ العيال كي يستميت أصحابه دونها، وينالوا درجة السعادة بالشهادة كما فعلوا.
وهناك وجه رابع لعلّه أوجه من تلك الوجوه، وأقربها إلى الحقيقة، وإنْ كانت للحسين(ع) ملحوظة وراء التعبّد والانقياد والرضا والتسليم للمشيّة القاهرة، وكانت سياسة عن فلسفة نظرية، وتدابير بشرية، فهي هذه الملاحظة التي سوف نبديها ونشير إليها على الجملة حيث لا سعة للتفصيل.
تقول أيّها الناقد: « إنّ الحسين(ع) كان يعلم أنّه يقتل »..
نعم، وأنا أقول كذلك، بل يعلم أنّ جميع مَنْ معه مِن الرجال، بل وكثير من الأطفال يُقتلون حتّى الرضيع(39)، ولا يفلت إلاّ وَلَدهُ زين العابدين من أجل العلّة والمرض.
فلمّا عَلِمَ ذلك كُلّه، وَعَلِمَ أنّ بني أُميّة وأشياعهم سوف يموّهون، بل كانوا قد موّهوا على المسلمين أنّ الحسين(ع) خارج على إمام زمانه، وهو يزيد المنصوب بالنصّ عليه بالاستخلاف من الخليفة الذي قبله وهو معاوية، فالحسين(ع) بخروجه باغ، وحكم الباغي القتل {فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ} (40)، فتكون هذه الفتوى وهذا التمويه أعظم على الحسين مِن قتله.
وهذا الطلاء المبهرج، وإنْ كان لا يخفى على العارفين والنياقدة، ولكنّهم بالضرورة خاضعون للسلطة، قد شملتهم الذلّة، وأخملتهم القلّة، وألجمهم الخوف والتقيّة، سيّما بعد الفراغ من أمر الحسين (ع)، فلا رحمة لأحد بعده ولا حرمة، والناس كما قال هو سلام الله عليه يوم الطفّ، وكما هو حالهم اليوم: « عبيد الدنيا، والدين لعق على ألسنتهم »(41)، فمن ذا يقدر أن ينبس(42) بالحقيقة، فضلاً عن الإصحار(43) بها، وسيوف يزيد وابن زياد فوق أرؤسهم، وأموالهم نصب أعينهم؟!
وتعلم كيف يلعب الرجاء والخوف في النفوس، فحينئذ فلا يمرّ حول أو حولان إلاّ وقد سجّل التاريخ أنّ الحسين (ع) ـ وأستغفر الله ـ باغ عات وقد قُتل بحكم شريعة جدّه.
وبَعّدَ الناقدُ فريتَه بقوله: هلاّ بايع كما بايع أخوه الحسن (ع) ودفع عن نفسه وأهله القتل؟!
كيف؟! وقد قال بعض النواصب في القرون الوسطى: إنّ الحسين قتل بسيف شريعة جدّه.
وهذه عند الحسين ـ وهو عَلَمُ الحقّ، ومنارُ الهُدى، وجسمُ روحِ الغيرة والإباء ـ رزيّة لا رزيّة فوقها، ومصيبة لا مصيبة أعظم منها.
فعلى من يعتمد الحسين(ع) في دفع هذه الغائلة(44)، وتفنيد هذه الضلالة، وإنقاذ المسلمين من هذه الورطة المهلكة؟!
أَعَلى رجال وكلّهم سوف يقتلون معه بعلم منه؟!
أم على زين العابدين، وهو أسير مشغول بعلّته، وقتله أهون عليهم من قتل ذبابة؟!
فمَن يقوم للحسين بهذه المهمّة بعد قتله؟!
ومَن ذا يقرع بالحجّة، ويوضح المحجّة، ويكشف الحقيقة، ويتعقّب القضية، ويخطب في النوادي الحاشدة، والجوامع الحافلة، تلك الخطبة البليغة، والحجج الدامغة؟!
تصوّر ذلك العصر مليّاً، واستوسع التأمّل في تلك الأوضاع، وانظر هل كان من الممكن أن يقوم بشيء من ذلك أكبر رجل باسل؟!
وهب أنّ الممكن أن يفادي رجلٌ بنفسه للحقّ وإبداء الحقيقة، ولكن هل يمهلوه إلى أن يستوفي الغرض ويبلغ الغاية؟!
أَوَليس عبد الله بن عفيف الأزدي، ذلك البصير الذي ذهبت عيناه، واحدة يوم الجمل والأُخرى بصفّين ; نعم، ذهبت عيناه، ولكن فتح الله له في قلبه عشرة عيون، وسقط الجهاد عنه بيده، ولكن جاهد في لسانه بعشرة أسياف إلى أن أحرز الشهادة في هذا السبيل.
فإنّه لمّا سمع خطبة ابن زياد على منبر الكوفة بعد قتل الحسين(ع) وهو يقول: « الحمد لله الذي نصر أمير المؤمنين يزيد وأشياعه، وقتل الكذّاب ابن الكذّاب »، نهضت به الحمية والحماية للحقّ، وفادى بنفسه في ذلك الحشد الرهيب، فقام وقطع عليه خطبته قائلا له: « إنّ الكذّاب ابن الكذّاب أنت ومن استعملك يا عدوّ الله، تقتلون أولاد النبيّين وتتكلّمون بهذا الكلام على منابر المسلمين.
فغضب ابن زياد وقال: من هذا المتكلّم؟!
فقال: أنا المتكلّم يا عدوّ الله!
أتقتل الذرّيّة الطاهرة الّذين أذهب الله عنهم الرجس وتزعم أنّك على دين الإسلام؟!
وا غوثاه! أين أولاد المهاجرين والأنصار لينتقموا من طاغيتك اللعين ابن اللعين على لسان محمّد(ص) (45)؟!
فازداد غضب ابن زياد حتّى انتفخت أوداجه، وقال: عَلَيَّ به!
فقام الجلاوزة فأخذوه، وقامت الأشراف من الأزد عشيرته فخلّصوه، وانطلقوا به إلى منزله ».
ولكن هل خلص ونجا من ذلك الطاغية؟! وهل كان آخر أمره إلاّ أن أُحضر بين يديه فضرب عنقه صبراً وصلب جثمانه في السبخة(46) في قصّة طويلة، وما ظفر ابن زياد به إلاّ بعد حرب سجال وتحريش منه خبيث بين اليمانية والمضرية على قاعدة التفرّق(47).
نعم، ما أنكر على ابن زياد إلاّ عبد الله بن عفيف رضوان الله عليه، وإلاّ ذلك الصحابي الضعيف بكلّ مواقع الضعف، ألا وهو زيد بن أرقم، فإنّه حين رأى رأس الحسين(ع) بين يدَي بن زياد وهو يضربه بعوده، قال له: « ارفع عودك عن هاتين الشفتين! فوالله لطالما رأيت رسول الله(ص) يقبّلهما.
ثمّ بكى زيد، فقال له ذلك الخبيث: أتبكي لما فتح الله للأمير؟! لولا أنّك شيخ قد خرفت وذهب عقلك لأخذت الذي فيه عيناك!
فخرج زيد وهو يقول: ملَكَ عبدٌ حرّاً، أنتم يا معشر العرب عبيد بعد اليوم، قتلتم ابن بنت رسول الله وأَمَّرْتُم ابن مرجانة »(48).
ولا أستحضر مُنْكِراً على ابن زياد غير هذين الرجلين، وكلماتهما وإنْ كانت ذات قيمة ثمينة في مثل تلك الأيّام العصيبة والمواقف الرهيبة، ولكن أيّ شيء لها من التأثير؟!
وما ميلها في تلك التيارات الجارفة والزوابع القاصفة؟!
وهل هي إلاّ كلمات قيلت وذهبت أدراج الرياح؟!
وهل كانت تكفي لإيجاد بواعث الثورة، وتكوين الانقلاب على بني أُميّة وتحرير النفوس وغليان الأفكار وتأجيج النار لطلب الثار؟!
كلاّ ثمّ كلاّ، فإنّ الأمر يحتاج إلى أكثر من ذلك، يحتاج إلى المثابرة والتعقيب في الخطب الرنانة والكلمات المهيّجة، وتشهير المثالب والمساوئ، ونقد السيّئات ونعيها على تلك الدولة الغاشمة والسلطة الظالمة والحكومة الجائرة.
فإنّ بهذا ومثله تتكوّن في الأُمّة روح ثورة وانفجار يكتسح ظلم الظالمين، وتقتلع عروق الجور والاستبداد.
قل لي برأيك أيّها الناقد، أيّ رجالات ذلك العصر كان يقدر على القيام بتلك المهمّة، ويقوى على النهوض بذلك العبء؟!
أليس قصارى أمره مهما كان من البسالة والجرأة أن يقول الكلمتين والثلاث، فيقال: خذوه فاقتلوه فاصلبوه في السبخة أو في الكناسة؟!

الهوامش
----------
(38) انظر: تاريخ الطبري 1 / 476 ـ 482 أحداث معركة ذي قار، و ج 2 / 166 أحداث غزوة حنين سنة 8 هـ.
(39) انظر: مقتل الحسين ـ لابن أعثم الكوفي ـ: 140، تاريخ الطبري 3 / 332، الملهوف على قتلى الطفوف: 168 ـ 169.
(40) الحجرات: 9.
(41) انظر: تحف العقول: 174، مقتل الحسين ـ للخوارزمي ـ 1 / 337، كشف الغمّة 2 / 32.
(42) نَبَسَ ينبسُ نبساً: وهو أقلّ الكلام: وما نبس، أي: ما تحرّكت شفتاه بشيء، وما نبس بكلمة ; أي: ما تكلّم. انظر: لسان العرب 14 / 20 مادّة « نبس ».
(43) الإصحار: المجاهرة بالشيء، وأبرز له ما في نفسه صَحاراً: أي: جاهره به جهاراً. انظر: لسان العرب 17 / 289 مادّة « صحر ».
(44) الغائلة: الحِقد الباطن. انظر: لسان العرب 10 / 161 مادّة « غيل ».
(45) هنا إشارة إلى تفسير الآية الكريمة: {وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي القُرْآنِ} الإسراء 17: 60، التي نزلت في بني أُميّة الّذين طغوا في البلاد وأكثروا فيها الفساد، وقد نقلت ذلك كتب التفسير والحديث والتاريخ، انظر مثلا: تفسير الثعلبي 6 / 111، تفسير ابن جزيّ الكلبي 2 / 174، تفسير القرطبي 10 / 183 ـ 184، تفسير الفخر الرازي 20 / 239، زاد المسير 5 / 40 ـ 42، البحر المحيط 6 / 54 ـ 55، تفسير ابن كثير 3 / 48، تفسير البيضاوي 1 / 575، الكشّاف 2 / 455، الدرّ المنثور 5 / 309 ـ 310، تفسير غرائب القرآن ـ للنيسابوري ـ 4 / 361 ـ 362، فتح القدير 3 / 238 ـ 240، فتح الباري 8 / 508 ح 4716، عمدة القاري 19 / 30، لباب النقول في أسباب النزول ـ بهامش تفسير الجلالين ـ: 235، مجمع البيان 6 / 250، شرح نهج البلاغة 9 / 220 و ج 12 / 81، مسند أحمد 2 / 522، مجمع الزوائد 5 / 240 ـ 241، تاريخ الطبري 5 / 621 حوادث سنة 284 هـ، الخلفاء الراشدون ـ للذهبي ـ: 209 و 210، البداية والنهاية 6 / 176 ـ 177 و 182، تاريخ الخلفاء ـ للسيوطي ـ: 16.
(46) السبخة: أرضٌ ذات ملح ونَزّ، وجمعها سِباخ.انظر: لسان العرب 6 / 148 مادّة « سبخ ».
(47) انظر: أنساب الأشراف 3 / 413 ـ 415، تاريخ الطبري 3 / 337، مقتل الحسين ـ لابن أعثم الكوفي ـ: 152 ـ 156، مقتل الحسين ـ للخوارزمي ـ 2 / 58 ـ 62، الردّ على المتعصّب العنيد: 44، الكامل في التاريخ 3 / 436.
(48) انظر: أنساب الأشراف 3 / 412 ـ 413، تاريخ الطبري 3 / 336، مقتل الحسين ـ للخوارزمي ـ 2 / 58 ـ 62، الردّ على المتعصّب العنيد: 44، الكامل في التاريخ 3 / 436، أُسد الغابة 2 / 21 ترجمة الإمام الحسين، البداية والنهاية 8 / 152.




من مواضيع : alyatem 0 هل أن كنوز الطالقان في أفغانستان أم في إيران؟!!
0 زيارة قرية المنتظرين للحجة(عجل الله فرجه الشريف) في مدينة طالقان
0 حق اليقين.. في تنزيه أعراض النبيين
0 الرد التحريري على السيد حسن الكشميري
0 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء
رد مع اقتباس