|
عضو برونزي
|
رقم العضوية : 77639
|
الإنتساب : Mar 2013
|
المشاركات : 741
|
بمعدل : 0.17 يوميا
|
|
|
|
كاتب الموضوع :
alyatem
المنتدى :
المنتدى الفقهي
بتاريخ : 15-03-2013 الساعة : 12:55 PM
بعد عودتي من المستشفى أرسلت كافة التقارير إلى السيد محمد رضا السيستاني، وتحدثت معه بحدود الساعة الخامسة مساءً فأكّد لي وصول الاستشارات الطبية وأنه أرسلها إلى الطبيب المختص لدراستها، أما بالنسبة لموضوع (اختبار الجهد) فإنّ هذا أمر يمكن ترتيبه من خلال توفير الجهاز الخاص والإتيان به إلى منزل سماحة السيد، وقد دُرست هذه المسألة قبلاً، غير أنّ الطبيب المختص لا يرى صوابية ذلك، لأنّ سماحة السيد سوف يبذل جهداً كبيراً في هذا الفحص، آخذين بعين الاعتبار عمر سماحة السيد، وقد تكون الحالة بسيطة فلا يؤثّر اختبار الجهد عليه، ولكن ربما تكون الحالة خطيرة ويستتبع اختبار الجهد مضاعفات لا يمكن التكهّن بها ولذلك فهو لا ينصح بإجراء اختبار الجهد بل يفضّل إجراء عملية القسطرة.
مرّت عشرة أيام لم ينقطع خلالها التواصل مع النجف بخصوص المسألة. وفي هذه الفترة طلبنا استشارة طبية من اختصاصيّين في لندن أهمهم البروفسور Dewson وكان رأيه أنّ أهم خطوة في الوقت الحاضر تكمن في إجراء الأنجيوغرافي (القسطرة) والتي على ضوئها يمكن التكهّن بنوع العارض بصورة دقيقة وعلى حدّ تعبيره أنها كالأشعة أو التصوير بالرنين المغناطيسي لمريض العظام، ومن ثم يمكن تشخيص طريقة العلاج.
وخلال هذه الفترة اتصل بي الدكتور سمير العلم من مصر حيث كان في زيارة إلى هناك يستعلم عن حالة السيد الصحية فأخبرته أن لا جديد يذكر، وأننا بانتظار استكمال الاستشارات الطبية لنكوِّن تصوّراً مبدئياً عن الخطوة التالية.
في يوم الجمعة المصادف 23 / 7 / 2004 قدِم وفد طبي عراقي من بغداد إلى النجف وكان مكوَّناً من أربعة اختصاصيّين بينهم الدكتور حكمت الشعرباف، اختصاصيّ القلب المعروف، يرافقهم الدكتور مجيد المصطفى، وزاروا سماحة السيد السيستاني وأجروا له فحوصات أولية، بينها تخطيط للقلب، ورأوا أنّ الحالة غير مستعجلة ويمكن أن تؤجَّل إلى أسبوعين وفي حدّ أقصى إلى ثلاثة أسابيع وبعدها لا يمكن التكهّن بتداعيات الحالة لأنهم لا يستطيعون تشخيص ذلك إلاّ من خلال عملية القسطرة، وعلى ضوئها يمكن تشخيص طبيعة العلاج، وهذا ما أجمعت عليه كافة الاستشارات الطبية التي أشرنا إليها.
مكان الاستشفاء:
وفي التاريخ نفسه، بدأ التفكير الجدّي بالمكان الذي يمكن أن يتطبّب فيه سماحة السيد. فالموضوع معقّد من كافة جوانبه، وتتداخل فيه الجوانب الأمنية والسياسية والاجتماعية والصحية، وكان الأقرب إلى قلب سماحة السيد أن تتم العملية في إحدى مستشفيات بغداد ولكن هذه الرغبة عورضت بإشكالين:
الأول: أن الإمكانات الطبية لإجراء عملية القسطرة متوفّرة ولكن هذه العملية هي ليست هدفاً بحدّ ذاتها وإنما هي وسيلة أساسية ومباشرة لتشخيص الحالة وقد تكون الحالة بسيطة ويمكن معالجتها، كذلك يمكن أن تكون معقدة وتحتاج إلى عملية جراحية، وفي الحالة الثانية الإمكانات الطبية غير متوفرة، ولا يمكن المجازفة بالوضع الصحي لسماحة السيد، فضلاً عن تدني مستوى الرعاية الطبية والخشية من التلوث لفقدان التقنيات اللازمة.
الثاني: إن الوضع الأمني في بغداد متدهور وبقاء سماحة السيد ولو لأيام معدودة في مكان ثابت قد يعرّض حياته الشريفة إلى خطر جدّي خصوصاً بعد أن شهدت بغداد عمليات تفجيرية وانتحارية كبيرة، ليس أقلّها تفجير مبنى الأمم المتّحدة.
وعلى ضوء ذلك، تمّ استبعاد خيار أن تكون بغداد محلاً لاستشفاء سماحة السيد، وطُرحت أفكار عديدة في أن يكون الاستشفاء في بعض دول الشرق الأوسط مثل: (الأردن، الكويت، الإمارات، لبنان، إيران) وفي الحقيقة تمّ التفكير مليّاً في كل هذه الدول، وكان لكل حالة أسباب مانعة قد تختلف عن الأخرى مع معرفتنا الأكيدة أن سماحة السيد سوف يكون محل ترحيب في كل هذه الأماكن.
ويمكن إجمال الأسباب المانعة بالآتي:
أولاً: إن سماحة السيد ليس مريضاً عادياً وبحكم دوره المهم ومواقفه الحاسمة في الوضع العراقي سوف يكون لسفره تداعيات سياسية، وفي بعض هذه البلدان لا نستطيع التحكم بمسألة أن تكون الرحلة طبية بحتة.
ثانياً: الضغط الاجتماعي والشعبي الكبير الذي سيتوافد على بعض هذه العواصم من قبل أطياف شيعية من كافة أنحاء العالم لسهولة الوصول إليها حيث يؤدي ذلك إلى حرج شديد لسماحة السيد خصوصاً وأن الاجتماع الشيعي العالمي موزَّع الاتجاهات والمشارب، ومن الطبيعي أن الزائر سوف يجمع بين عيادته لسماحة السيد وبين طرح الرؤى والأفكار والمشاكل، كلٌّ في منطقته وبلده، ولا يمكن تحديد الزيارات لأنّ ذلك يتعارض مع منهج المرجعية ومزاج سماحة السيد، كما أنها المرة الأولى التي يغادر فيها سماحة السيد العراق بعد عقود من الزمن، ولعلّها الفرصة الوحيدة لكثيرين ممَّن لا يستطيعون الذهاب إلى العراق للقاء سماحة السيد.
وكلّ ما ذكرته أمر طبيعي، وهو محل ترحيب عند سماحة السيد، ولكنني أشير إلى أنّ الوضع الصحي لسماحته لا يسمح بذلك وأنّه سوف يشكّل ضغطاً كبيراً عليه، وقد يؤثّر على حالته الصحية بشكل غير مباشر.
ثالثاً: إن الوضع الأمني في بعض هذه البلدان غير مضمون، ووجود الجماعات التكفيرية المتشددة ونشاطها المسلّح غير خافٍ على أحد، وقد قامت بأعمال انتحارية ضد أماكن حساسة. وعليه، فمن غير المعقول المجازفة بحياة سماحة السيد.
رابعاً: إن ذهاب سماحة السيد إلى بعض هذه البلدان للاستشفاء قد يكرّس مفهوماً خاطئاً طالما اتُّهِمَتْ به الطائفة الشيعية في العراق وهو تبعيّتها لبلد معيّن.
كل هذه الأمور إضافة إلى أمور أخرى لا حاجة إلى ذكرها هنا جعلت التفكير يتوجّه إلى خارج منطقة الشرق الأوسط وتحديداً إلى لندن....
لماذا لندن؟
لم تنقطع دوّامة التفكير لحظة واحدة، وبدأت الخيارات تنحسر... ومن عواصم أوروبا كان التوجّه المنطقي يؤدّي بنا إلى لندن.
والعنوان الذي صدّرتُ به هذا المقطع من كلامي استعرته من صحفي إيراني كتب مقالة عجيبة غريبة في إحدى الصحف الإيرانية إبّان وجودنا في لندن وكانت تحتوي على كلّ شيء إلاّ الحقيقة!!! وكان عنوانها: ( چـرا لندن).
ولعل من أهم أسباب اختيار لندن مكاناً لاستشفاء سماحة السيد هو:
أولاً: إن الفريق الطبي العراقي الذي زار سماحة السيد في يوم 23 / 7 / 2004 أجمع على ترجيح لندن محلاً للاستشفاء، ذلك لأن المدرسة الطبية العراقية تنتمي من الناحية العلمية إلى المدرسة البريطانية، حتى أنّ طبيب السيد الخاص هو خريج جامعات بريطانيا، وهذا الإجماع منشؤه اعتقاد هؤلاء الأطباء بالطب البريطاني وتقدّمه العلمي.
ثانياً: إن عدداً كبيراً من مراجع الدين والشخصيات العلمية كانوا يقصدون لندن على الدوام للأسباب الصحية، وأذكر هنا على سبيل المثال لا الحصر، رحلة المرجعين الكبيرين السيد محسن الحكيم والسيد أبو القاسم الخوئي (قدس سرهما)، وآخر من قصدها هو المرجع الشيخ الميرزا جواد التبريزي (قده) والمرجع الشيخ محمد الفاضل اللنكراني (قده).
وفي هذا السياق كان من الطبيعي أن يعالج سماحة السيد السيستاني هناك.
ثالثاً: إن وجود الجالية العربية المسلمة بكثافة في لندن وخصوصاً الجالية العراقية، ووجود كوادر طبية مهمة هناك، شجّع على اختيار لندن. وهنا أشير إلى أنّ الفريق الطبي الذي أشرف على استشفاء سماحة السيد في لندن كان في أغلبه من العراقيين المخلصين لسماحته وأصدقائهم العرب، مما ساهم في تبديد الكثير من الهواجس التي كانت تشغل تفكيرنا بأن يتعرض سماحة السيد لاعتداء طبي في تلك الفترة!!
وأذكر هنا بإكبار وتقدير الدكتور هشام الحسن ورفيقه الدكتور محمود البربير وقبلهم وبعدهم الدكتور مجيد المصطفى وآخرين لم يتوانوا عن الإشراف على دقائق الأمور وتفاصيلها، فكانوا يدقّقون بوصفات الدواء وطبيعة الأدوية، وشاركوا في اتخاذ القرارات الحاسمة مع الأطباء البريطانيين بما يمليه واقع الحال.
وفي الحقيقة، فإنّ هذه الحالة لا يمكن أن تتيسّر في عاصمة غير لندن.
كيفية السفر:
وعلى هذا الأساس اتخذ سماحة السيد قرار الانتقال إلى لندن لغرض العلاج. وبدأنا التفكير في الصيغة المناسبة لتنفيذ الأمر بالشكل المناسب، فالمسألة كانت غاية في التعقيد، وكنّا نفكر في مكتب سماحة السيد في الجهة الرسمية التي نفاتحها لترتيب عملية الانتقال، وكيفيتها، وآلية أخذ تأشيرات الدخول إلى بريطانيا، أمن داخل العراق أم من خارجه؟ والجهة التي تتصدى لذلك، والطريق الذي نسلكه للوصول إلى لندن في ظل عدم وجود خط طيران مباشر من بغداد إلى لندن.
وبعد تأمُّل وتفكير تَقرَّر مفاتحة الدكتور موفق الربيعي بالموضوع بصفته مستشار الأمن الوطني في الحكومة العراقية، وبالفعل فقد اتصل به السيد محمد رضا السيستاني في يوم السبت 24 / 7 / 2004، وتبين أنه خارج العراق فترك له خبراً.
في الساعة العاشرة ليلاً اتصل الدكتور موفق بالسيد محمد رضا السيستاني، الذي وضعه بأجواء الوعكة الصحية المُلمّة بسماحة السيد والقرار المتّخذ بنقله إلى لندن، وذكّره بمسألتين:
الأولى: ضرورة الحفاظ على السرية الكاملة.
الثانية: إن سماحة السيد لا يرغب بالاستعانة بأية إمكانات تابعة لقوات الاحتلال في كل ما تستدعيه عملية الانتقال. كما لا يرغب بأي تدخل مادي من أي جهة رسمية أو غيرها. إنما المطلوب هو المساعدة بأخذ تأشيرات الدخول إلى بريطانيا، وعملية الانتقال.
وسأله عن إمكانية استئجار طائرة، وعن كيفية انتقال العراقيين من بغداد إلى لندن، فأجابه أنّ ذلك يتم عبر الخطوط الجوية الأردنية ثمّ طلب وقتاً ليستفسر ويجيب بشكل دقيق.
سأل الدكتور موفق الربيعي: هل تنوي إخبار أحد غيري من مسؤولي الدولة؟ فأجاب السيد محمد رضا: لا نرى ضرورة في ذلك.
فطلب الدكتور موفق مهلة يومين ليتشاور مع المسؤولين المعنيين، وأشار إلى إمكانية أخذ تأشيرات الدخول إلى بريطانيا من سفارتها في بغداد.
ومن تلك الليلة بدأ التفكير الجدي بالأسماء التي يفترض أن ترافق سماحة السيد في رحلته بعد إيعاز سماحته إلى ضرورة الاقتصار في الوفد على من هو ضروري، وتقرّر أن يكون من الداخل كل من السيد محمد رضا والدكتور مجيد المصطفى، وأحد العاملين في مكتب سماحة السيد وقد تمّ التراجع عن سفر الأخير في اللحظات الأخيرة بعد ما تأكد أنه لا ضرورة في سفره ومن الخارج السيد مرتضى الكشميري والسيد جواد الشهرستاني والسيد محمد علي الرباني مدير مكتب سماحة السيد في مدينة مشهد الرضا(ع) وأنا.
في يوم الأحد 25 / 7 / 2004 اتصلت بالدكتور سمير العلم وأخبرته بآخر المستجدات حول وضع سماحة السيد الطبي، وأبدى مرة أخرى استعداده المفتوح لتقديم المساعدة بأية صورة نراها مناسبة.
في صباح يوم الاثنين 26 / 7 / 2004، أخبرني السيد محمد رضا أنه تحدث في الليلة الماضية مع السيد مرتضى الكشميري، ووضعه بأجواء الوضع الصحي لسماحة السيد والتفكير بنقله إلى لندن.
ثم تحدثتُ مع السيد محمد رضا عن أفضل الطرق الممكنة للانتقال، وكان الاتفاق على أن الأفضل هو الانتقال المباشر من بغداد إلى لندن من دون المرور ترانزيت بأيٍّ من عواصم البلدان القريبة كعمّان والكويت وبيروت لوجود تعقيدات كثيرة على المستويات الأمنية والشعبية والرسمية عند المرور بها، ولكن إذا اضطررنا للانتقال عبر دولة قريبة فقد تقرّر أن يتم ذلك عبر لبنان، ووافق سماحة السيد على الاستعانة برئيس مجلس النواب اللبناني الأستاذ نبيه بري في هذا الموضوع.
وفي هذه الأثناء كان الدكتور موفق الربيعي قد اقترح أن يُنقل سماحة السيد بطائرة أردنية خاصة إلى عمّان ومنها إلى لندن، ولكن الاقتراح لم يحظ بالموافقة، إذ كان تركيز سماحة السيد أن تتمّ العملية بإمكانات ذاتية بحتة.
|
|
|
|
|