|
عضو برونزي
|
رقم العضوية : 77639
|
الإنتساب : Mar 2013
|
المشاركات : 741
|
بمعدل : 0.17 يوميا
|
|
|
|
كاتب الموضوع :
alyatem
المنتدى :
المنتدى الفقهي
بتاريخ : 15-03-2013 الساعة : 05:18 AM
ويقول الباحث الاسلامي وأحد الذين أرّخوا لحياة الشهيد الصدر رحمه الله بصورة منهجية، السيد محمد الحسيني في كتابه (الإمام الشهيد السيّد محمّد باقر الصدر دراسات في سيرته ومنهجه) ص 145: تحت عنوان (مفسرا) :
لقد كان السيد الشهيد «قده» مفسراً ذا أفق بعيد ومنهج تفسيري جديد انعكست فيه المعالم ذاتها التي تقدّم ذكرها والتي تتميز بها مدرسة الشهيد «قده».
وقد يبدو غريباً لأول وهلة وصف السيد الشهيد «قده» مفسراً لمن يجعل إطلاق هذا الوصف وعدمه مرتبطاً يدور مدار التصنيف في علم التفسير، فالشهيد «قده» لم يصنّف تفسيراً سوى ما خلّفه للأمة الإسلامية من كتابات ومقالات ومحاضرات، بيد إنها كافية لأن تضعه في مقدمة علماء التفسير؛ لأنه صاحب مدرسة جديده في التفسير وهو (التفسير الموضوعي) الذي أشاد معالمه «قده» إلى جانب آرائه القيّمة المتناثرة هنا وهناك.
ولذلك سأعمد إلى اقتطاف ما سجّله السيد الشهيد «قده» من التفاتات رائعة في تفسير القرآن الكريم.
ويضيف الحسيني في ص 149:
وقد تناول السيد الشهيد «قده» بعض الآيات القرآنية بالتفسير في مناسبات مختلفة ضمن بحوث مختلفة أو محاضرات ألقاها على طلبته، وان مراجعة هذه التفاسير يظهر النفس القرآني المتمّيز في فهم الآيات المباركات. نذكر كنموذج منها:
في كتابه «فدك في التاريخ" الذي صنفه وهو في السابعة عشرة من عمره الشريف وفي تفسير قوله تعالى وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِن وَرَائِي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا فَهَبْ لِي مِن لَّدُنكَ وَلِيًّا* يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا يؤكد السيد «قده» حقيقة أن الإرث المقصود في الآية هو ارث المال لا ارث العلم كما يدعيه البعض، ليصح الاستدلال به في مقام إثبات ارث الزهراء من أبيها بشأن قضية فدك، ولذلك يعمد السيد «قده» إلى إثبات هذه الحقيقة ولكن بأسلوب فلسفي هذه المرة فيقول:
«.. والإرث في الآية بمعنى ارث المال؛ لأنه هو الذي ينتقل حقيقة من الموروث إلى الوارث، وأما العلم والنبوة فلا ينتقلان انتقالًا حقيقيا، وامتناع انتقال العلم على نظرية اتحاد العاقل والمعقول واضح كل الوضوح، وأما إذا اعترفنا بالمغايرة الوجودية بينهما فلا ريب في تجرّد الصور العملية وإنها قائمه بالنفس قياماً صدورياً بمعنى إنها معلولة للنفس، والمعلول الواحد بحسب الذات - لا بمجرد الاتصال فقط - متقوم بعلته ومرتبط الهوية بها فيستحيل انتقاله إلى علّة أخرى، ولو افترضنا أن الصور المدركة أعراض وكيفيات قائمة بالمدرك قياماً حلولياً فيستحيل انتقالها؛ لاستحالة انتقال العرض من موضوع إلى موضوع كما برهن عليه في علم الفلسفة، سواء أقلنا بتجردها أو بماديتها، بأن اعترافنا باشتمال الصور المدركة على الخصائص العامة للمادة من قابلية الانقسام ونحوها. وإذن فالعلم يستحيل انتقاله في حكم المذاهب الفلسفية الدائرة حول الصور العلمية جميعاً» [فدك في التاريخ ص134]
وقد حاول بعض المفسرين أن ينتصر للخليفة الأول ففسّر كلمة الإرث في كلام زكريا بإرث النبوة لأن يحيي «ع» لم يرث مال أبيه لاستشهاده في حياة أبيه، فيجيب السيد الشهيد «قده» على هذا الاعتراض بأنه متوجه على كلا التفسيرين؛ لأن يحيى كما انه لم يرث مال أبيه كذلك لم يخلفه في نبوته، وان ما يثبت له من النبوة لم يكن وراثياً. أما عن مطلوب زكريا فيقول السيد الشهيد «قده» انه سأل ربه وارثاً يرثه بعد موته ولذا قال: وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِن وَرَائِي أي بعد موتي فان كلامه يدل بوضوح على انه أراد وارثاً يخلفه ولم يرد نبياً يعاصره وإلا لكان خوفه من الموالي بعد وفاته باقياً فلابد على كل تقدير أن نوضّح الآية على أسلوب يسلم عن الاعتراض وهو أن تكون جملة يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ جواباً للدعاء بمعنى (إن رزقتني ولداً يرث) لا صفة ليكون زكريا قد سأل ربه ولياً وارثاً، فما طلبه النبي من ربه تحقق وهو الولد، وتوريثه المال أو النبوة لم يكن داخلًا في جملة ما سأل ربه وإنما كان لازماً لما رجاه في معتقد زكريا». [فدك في التاريخ ص136]
ويضيف السيد الحسيني في ص 171: تحت عنوان:
مع الشهيد الصدر مؤرخاً
لم تصرف مشاكل الفقه والأصول الشهيد الصدر «قده» عن الخوض في ميادين المعرفة الآخرى فاتسعت اهتمامات الشهيد لتشمل اكثر حقول العلم والمعارف الإنسانية، ومن ذلك ميدان التاريخ ليسجل روائع أفكاره وآرائه التي توصل إليها «قده».
ولقد كان الإمام الصدر «قده» شغوفاً بالتاريخ منذ صباه، فعالج مشكلة تاريخية من أعقد مشكلات التاريخ وهو في السابعة عشرة [مقدمة للمباحث الاصولية للحائري ص 64] من عمره وقيل في الحادية عشرة [مجلة الجهاد ص 28 عدد/ 14/ سنة 1401 هـ في حديث للسيد نورالدين الأشكوري] ولم [يقصد] يومئذ من تأليفه إلا الاحتفاظ به كمذكر لحياته الفكرية ومؤرخاً لتلك المرحلة من عمره الشريف - كما أوضحه السيد في مقدمة كتابه - ولكنه سرعان ما تقع عليه عيون ممن حوله فيرغبون في طبعه ونشره، فيذعن لرغبتهم وتحقيقاً لأمنيتهم ليظهر كتاب "فدك في التاريخ" ليبدد كل الأبحاث والدراسات التي سبقته ويحتل الصدارة في المكتبة الإسلامية بأسلوبه الموضوعي وحجته البالغة في تحقيق مسألة الخصومة التاريخية بين الخليفة الأول والزهراء (ع) بنت رسول الله «ص» التي لم تعهد المكتبة التاريخية تحقيقاً بمثل هذا التحقيق ومحاكمة بمثل هذه المحاكمة.
وقد كشف الشهيد «قده» عن حقائق تاريخية عدة في كتابه "فدك في التاريخ" وأماط اللثام عنها بلهجة علمية وأسلوب موضوعي، فتناول «قده» اكثر من محور في كتابه بما له دخل في معالجة أمر الخصومة فبحث بأروع ما يمكن معالم سياسية الخليفتين الأول والثاني تجاه أهل البيت وأوضح الأسس التي تقوم عليها [راجع فدك في التاريخ ص 69] وأسهب البحث بشكل لم يسبق له مثيل في أمر السقيفة [فدك ص 53] وكذلك عالج بحثاً من أهم البحوث التاريخية وهو أمر الفتوحات الإسلامية [راجع فدك ص 38] فألقى عليها الأضواء الكاشفة، وفي كل هذه الأبحاث تجرد عن المواقف المسبقة والعواطف الجياشة التي قد تودي بالباحث إلى متاهات مظلمة.
ولم يقتصر الشهيد «قده» على بحث الحقائق التاريخية ودراستها بلغة تاريخية صرفة، فهو المؤرخ الواعي الذي لا يسلم بالحقائق التاريخية بعيداً عن القرآن والسنة والعقل والذوق العام، فقد تناول السيد الشهيد «قده» الحديث الذي رواه الخليفة الأول في مقام رد الزهراء «ع» بالبحث والتحقيق فذكر عدة احتمالات في [راجع فدك في التاريخ ص 116] تفسير الحديث بما يبطل الاستدلال بالحديث الذي رواه الخليفة الأول لصالحة وبذلك يفقد الخليفة الأول حجته في خصومته مع الزهراء «ع».
وكذلك تناول السيد الشهيد «قده» تفسير آيات الإرث التي احتجت بها الزهراء في مقام إثبات ارث الأنبياء بشكل يؤيد دعوى الزهراء ويدحض التبريرات والتأويلات التي حاكها بعض المفسرين [فدك في التاريخ ص 134].
والحقيقة أن كتاب (فدك في التاريخ) بحث تأريخي استعمل فيه الشهيد «قده» أدوات المعرفة من تفسير وتحليل للحديث وفقه وفلسفة بما لا يجعله مجرد سرد تأريخي محض.
كيف يتعامل الشهيد مع التاريخ
لم يكن الشهيد الصدر «قده» من هواة التأليف والتصنيف ولذلك لم يترك في اكثر الحقول التي طرق أبوابها سوى مصنف أو اكثر وعدة بحوث متناثرة ومحاضرات في مناسبات مختلفة ومن ذلك حقل التاريخ الذي ترك فيه الشهيد كتابه "فدك في التاريخ" وبحوثاً ومحاضرات تاريخية قدّر لها أن تكون مصادر للبحث التاريخي.
ومن ذلك كله نسترق التعامل الصدري مع التاريخ والتعرف على مظاهر على التعامل.
يشترط «قده» إن يكون المؤرخ موضوعياً يتجرد من عاطفته ولا يقتفي أثرها ويلبي ايعازاتها؛ لأن الموضوعية إن كانت شرطاً في كل المحاكمات العلمية فأنها في المحاكمات التاريخية أوضح لذلك يقول السيد الصدر «قده»:
«إذا كان التجرد عن المرتكزات والأناة في الحكم والحرية في التفكير شروطاً للحياة الفكرية المنتجة، وللبراعة الفنية في كل دراسة عقلية مهما يكن نوعها ومهما يكن موضوعها، فهي أهم الشروط الأساسية لإقامة بناء تأريخي محكم لقضايا أسلافنا ترتسم فيه خطوط حياتهم التي صارت ملكاً للتأريخ، ويصور عناصر شخصياتهم التي عرفوها في أنفسهم أو عرفها الناس يومئذ فيهم، ويتسع لتأملات شاملة لكل موضوع من موضوعات ذلك الزمن المنصرم، يتعرف بها على لونه التاريخي والاجتماعي ووزنه في حساب الحياة العامة أو في حساب الحياة الخاصة التي يعني بها الباحث وتكون مداراً لبحثه كالحياة الدينية والأخلاقية والسياسية إلى ذلك غير ذلك من النواحي التي يأتلف منها المجتمع الإنساني بشرط أن تستمر هذه التأملات كيانها النظري من عالم الناس المنظور، لا من عالم تبتدعه العواطف والمرتكزات وينشئه التعبد والتقليد، لا من خيال مجنح يرتفع بالتوافه والسفاسف إلى الذروة ويبني عليها ما شاء من تحقيق ونتائج، لا من قيود لم يستطع الكاتب أن يتحرر عنها ليتأمل ويفكر كما تشاء له أساليب البحث العلمي النزيه» [فدك في التاريخ ص 34]
ولكن لماذا كل هذه الشروط وقد انصرم ذلك الزمن ومضى دون رجعة فقد يكون بودّ بعض الباحثين أن يغفر لأسلافه ذنوبهم وخطاياهم وقد يحلو له أن لا يأتي على ذكر شيء من سيئاتهم أو يحاول تبريرها أو تأويلها؟!
يرى السيد الشهيد «قده» إن المؤرخ ليس حراً في أن يغفر لأسلافه تحت ضغوط العاطفة والتعبد والتقليد؛ لأنه إن فعل ذلك فانه سيزوّر التاريخ ويشوّه صورته.
نعم! يحق له أن يكتب رواية يتيه فيها في عالم العواطف والخيال الخصب، وليكتب ما يشاء ويغفر ما يشاء ويحسن ما يشاء فان ذلك ملكه.
يقول السيد الشهيد:
«فإذا كنت تريد أن تكون حراً في تفكيرك، ومؤرخاً لدنيا الناس لا روائياً يستوحي من دنيا ذهنه ما يكتب فضع عواطفك جانباً أو إذا شئت فاملأ بها شعاب نفسك فهي ملكك لا ينازعك فيها أحد، واستثن تفكيرك الذي بها تعالج البحث فإنه لم يعد ملكك بعد أن اضطلعت بمسؤولية التاريخ وأخذت على نفسك أن تكون أميناً، ليأتي البحث مستوفياً لشروطه قائماً على أسس صحيحة من التفكير والاستنتاج» [فدك في التاريخ ص 35]
وغالباً ما تتصف الكتابات التاريخية بالتّجرد التاريخي المحض بل تخالف أحياناً أولى البدهيات العقلية والشرعية، أما الشهيد الصدر «قده» فتجده المؤرخ الفقيه الذي يطعمك التاريخ مشوباً بالفقه كما يبدو ذلك في مسائل تاريخية عديدة، ففي بحثه لحكم الخليفة الأول وقضائه في أمر الخصومة مع الزهراء يطرح على بساط البحث مسألة من أدق المسائل الفقهية ألا هي (مسألة جواز قضاء الحاكم بعلمه أو عدم جواز ذلك) فردَّ على أساطين العلماء فيما تعارفوا عليه وما اشتهر على ألسنتهم.
ثم يذكر السيد الحسيني ما اوردناه من كلام السيد كاظم الحائري ونقلناه آنفا.
|
|
|
|
|