عرض مشاركة واحدة

الصورة الرمزية alyatem
alyatem
عضو برونزي
رقم العضوية : 77639
الإنتساب : Mar 2013
المشاركات : 741
بمعدل : 0.17 يوميا

alyatem غير متصل

 عرض البوم صور alyatem

  مشاركة رقم : 3  
كاتب الموضوع : alyatem المنتدى : المنتدى الفقهي
افتراضي
قديم بتاريخ : 15-03-2013 الساعة : 03:18 AM


علاقة السيّد الصدر بطلابه: المشاريع التربوية والعلاقات الأبوية والبرامج التثقيفية المعاصرة

ويستمر السيد الهاشمي في الكلام:

وحيث إنّ أستاذنا الشهيد صاحب فكرٍ منظّم ويعمل وفق طرق مبرمجة، فقد اعتمد في علاقته مع طلاّبه برنامجاً محدّداً، وهذه المسألة وإن خفيت علينا في بداية الأمر، إلاّ أنّنا سرعان ما اكتشفنا لاحقاً أنّه قد وضع لكلّ شيء خطّة مناسبة وبرنامجاً محدّداً، فقد وضع إلى جانب درسه التقليدي في الفقه والأصول صباحاً وعصراً برامجَ خاصّةً وفي غاية الأهميّة وفق الأسلوب التقليدي نفسه، ولم ندرك أهميّة هذه البرامج إلاّ لاحقاً، حيث أدركنا عظمة الدور الذي لعبته في توعيتنا وتربيتنا.

من باب المثال: أنتم تعلمون كثرة العطل في الحوزة عادةً، حيث كانت تعطّل في كلّ مناسبات ولادات [الأئمّة] ووفيّاتهم، وكان الشهيد الصدر يستثمر هذه العطل ـ باستثناء بعضها كمناسبة عاشوراء ومناسبة الأربعين ـ للحديث عن تاريخ الأئمّة وتاريخ الإسلام، وما يرتبط بذلك من رؤى يجب على العالِم المعاصر أن يتعرّف عليها ويضطلع بها ويعيَها، فكان يجعل من صاحب المناسبة محوراً يدير حوله رحى حديثه، وقد أسفر ذلك عن مجموعة من المحاضرات ربّما نافت على المائة
.

سؤال:
هل تمّ تسجيل هذه المحاضرات؟

السيد الشاهرودي:
نعم، لقد تمّ تسجيلها، وتمّ طبع بعضها، وكان بعض الطلاّب اللبنانيّين قد أخذ هذه المهمّة على عاتقه وتجشّم عناءها. وكان الشهيد الصدر نفسه قد طلب تسجيلها ثمّ تدوينها وعرضها عليه لمراجعتها ثمّ طبعها، إلاّ أنّ ذلك لم يتمّ وللأسف الشديد(1)، وكان قد بحث حول سيرة وحياة كل الأئمّة تقريباً بحثاً مفصّلاً.

وانطلاقاً ممّا ذكرته لتوّي من أنّه كان يتمتّع بذهنيّة منظّمة، فقد عمد إلى تقسيم سيرة وحياة الأئمّة (ع) إلى عدّة مراحل، وهدف بشكل رئيس إلى تسليط الضوء على الدور السياسي الذي لعبوه في قيادة العالم الإسلامي وحفظ ميراث رسول الله (ص) والتصدّي للانحراف الذي غزا هذا العالم من الداخل والخارج وفي تثبيت خط رسول الله (ص) وبقيّة الأئمّة الأطهار (ع) ، وكانت هذه التعبيرات قد جرت على لسانه في مناسبات سابقة. لقد دارت معظم أبحاثه في هذا الفلك، وكان ـ بفضل ثقافته التاريخيّة الجيّدة ـ يعتمد في الغالب على الروايات والمستندات والنقولات التاريخيّة المثبتة في المصادر المعتبرة.

لقد كانت هذه الأبحاث بالفعل أبحاثاً لطيفة يفوحُ منها عطرُ الحياة، وقد خصَّ أمير المؤمنين (ع) بثلاث أو أربع محاضرات متكاملة، إلى جانب موضوعات أخرى تناول فيها صلح الإمام الحسن (ع) وفلسفته، نهضة الإمام الحسين (ع) وفلسفتها.




وبعد أن قسّم في هذه المحاضرات الأدوار التي لعبها الأئمّة إلى أربعة، قام بمعالجة الأسباب التي يُمكن أن تفسّر وتبرّر تنوّع الأدوار هذا، وقام بتنظيمها وترتيبها بشكل لطيف.


كان هذا برنامجاً نظّمه الشهيد الصدر إلى جانب البرنامج الرسمي المعمول به في الحوزة، وأدار عجلته بشكلٍ هادئ.


ومن البرامج الأخرى التي أدار رحاها في العطل الدراسيّة الأطول مدى ـ من قبيل عطلة شهر رمضان المبارك والعطلة الصيفيّة ـ سلسلةٌ من الدروس الفقهيّة المقارنة التي ألقاها على طلاّبه، من قبيل الدروس التي ألقاها في شهر رمضان المبارك [عام 1387هـ = 1966] حول فقه المعاملات مقارناً بالمباحث الحقوقيّة المعاصرة(2) التي عالجها الأستاذ السنهوري وأمثاله، وكان يستشهد بهذه الكتب وينقل منها ويشجّع طلاّبه ويحضّهم على مطالعتها.

لم يكن أستاذنا الشهيد يؤول جهداً في توسيع الأفق الذهنيّة والفكريّة لطلاّبه، وكان يسعى إلى كسر الطوق الذي قد يأطرّ اهتماماتهم ضمن أبحاث الحوزة المعهودة، محاولاً إخراجهم إلى أفق أكثر رحابةً، حيث الاهتمام بالأبحاث المعاصرة. ومن الأبحاث التي تعرّض لها أيضاً فقه الحكومة الإسلاميّة، إضافةً إلى الأحكام الفقهيّة الكبرى المرتبطة بالمجتمع.


وإلى جانب هذه الأبحاث، كان لأستاذنا مجلسٌ أسبوعي ـ وأحتمل أنّه كان يوم الأربعاء ـ يبحث فيه الفلسفةَ الإسلاميّة وفقاً لمذهبه المعرفي الجديد ورؤيته الخاصّة، وبعد أن فرغ من بحث الاستقراء، تناول بالبحث الفلسفةَ الإسلاميّة على ضوء ما انتهى إليه من نتائج مرتبطة بالاستقراء، وقام بهذا الصدد بتحضير مجموعة من الأبحاث، ثمّ دوّنها وراح يتداولها مع سبعة أو ثمانية من طلاّبه الذين يثق بهم ويعتمد عليهم من أهل الدقّة والرأي الملمّين بمبانيه ومنظومته الفكريّة، إلاّ أنّ ذلك كان على أعتاب الثورة الإسلاميّة فلم يقدّر لهذه الأبحاث الاستمرار. وكان هذا البحث من الأعمال الرئيسيّة والمهمّة التي شرع بها.


طبعاً، كانت انطلاقة الشهيد الصدر في البحث حول الاستقراء من بحث الأصول، ثمّ سرعان ما خرج عن إطار الدرس المتعارف، فعالجه على هامش درس الأصول وبشكل مستقلٍّ عنه، إلى أن انتهى إلى ما انتهى إليه(3)، وكان حريصاً على أخذ عطاءات الفلسفة المعاصرة بعين الاعتبار، فكان يتابع على سبيل المثال فلسفة هيجل ضمن آخر ما نشر حوله في الشرق والغرب.

وقد استطاع في الفترة الأخيرة من حياته الحصول على كتاب مفصّل يشتمل بين دفّتيه على ترجمة لأدقّ أفكار فيلسوف الدياليكتيك المعروف هيجل، إلى جانب أفكار كارل ماركس، الذي كان وأنجلز من طلاّبه، وقد استفاد الأخيران من فكرة الدياليكتيك وأدخلاها إلى الأبحاث التاريخيّة ووظّفاها هناك. فبحثُ الدياليكتيك والجدل ينحدر من هيجل الذي تناوله من بعده الفلسفي، بينما وظّفه طالباه: ماركس وأنجلز في تفسير التاريخ والمجتمع. لقد امتازت أفكار هيجل بصعوبتها، ولم يكن فهمها متيسّراً للجميع، وكان أستاذنا الشهيد مهتمّاً بمتابعتها، وقد أُمّن له مؤخّراً هذا الكتاب الضخم، الذي كان أحد طلاّب هيجل في مجال الفلسفة قد تجشّم عناء جمعه وتنظيمه في حياة أستاذه، وكان من الكتب المعتبرة في هذا المجال، وكان السيّد الصدر منكبّاً على مطالعته، وكثيراً ما يزيّنه بحواشيه، ويأتي لنا منه بمطالب يطرحها في درسه المذكور، حيث كان يسعى إلى فتح الأفق أمام أذهان طلاّبه.

وإلى جانب الأبحاث العصريّة والاجتماعات وجلسات الاستفتاء التي كان يفوح منها جميعاً عبق العلم والفكر والتنظير، والتي كانت مفعمةً بالسؤال والجواب، كان لديه مجالس أخرى، وهي عبارة عن مجالس الدرس المعهودة. وقد شكّلت هذه المجالس وسوحُ اللقاء أرضيّةً مناسبةً وخصبةً لتنمية الطلاّب وإنباتهم نباتاً حسناً وترشيدهم من مختلف الجهات والحيثيّات.

أمّا تعامله الأخلاقي، فهو مبعثٌ للعجب في الحقيقة، ينحدرُ منه ليتجلّى لك في شدّة تواضعه وتجافيه عن مقاعد الكِبر، وسعيه الحثيث نحو تربية الطلاّب وامتحانهم وابتلائهم وتذكيرهم، محاولاً في ذلك تقديم النموذج الذي يُحتذى به ويُضرب على قالبه. وكان شديد الأدب في تعامله، في تواضعه ولين جناحه، في ذهابه وإيابه، مع أساتذته وأقرانه، وكان يسعى إلى إبراز هذا الأدب وتسليط الضوء عليه. وخلاصة الكلام أنّه كان يحاول دائماً تربية الآخرين.


أمّا مضمار البحث السياسي، فقد كان يلجه واثق الخطى ويعالج مسائله بشكل مفصّل، وكان يتعامل مع موقف النظام العراقي إزاء الحوزة العلميّة والمرحوم السيّد الحكيم بكل دقّة وحساسية؛ وقبل استلام البعثيّين للحكم [عام 1968م]، كان للسيّد الحكيم مكتبات إسلاميّة عامّة منثورة في أغلب المحافظات، وكانت تعرف بمكتبات السيّد الحكيم [اضغط هنا] . لقد كانت هذه المكتبات تحمل عنوان المكتبة ولكنّها كانت في الواقع بالنسبة إلى طلاّب الجامعات والعلماء المتواجدين في تلك المناطق بمثابة المراكز التي تنتظم فيها الصفوف لإعلام ناشئة المسلمين بما يجول حولهم في العالم، ولممارسة أعمال الدعوة والتبليغ.

إلى جانب ذلك، فقد عرفت النجف وكربلاء احتفالاً ومهرجاناً سنويّاً ضخماً يقام في الأولى في الثالث من شعبان حول الإمام الحسين (ع) ، وفي الثانية في الثالث عشر من رجب حول الإمام علي (ع) ، وكان يتمّ ـ قبل الموعد المقرّر لإقامة المهرجان ـ استكتاب علماء المسلمين لتقديم مقالاتهم في المؤتمر، وكانت تؤلّف بهذه المناسبات الكتب وتُمنح الجوائز في مهرجانات حافلة تحتشد فيها وفود العلماء؛ إذ كانت العادة أن يتواجد أساتذة الجامعات وعلماء النجف الأشرف من ذوي المكانات والمراكز الخاصّة. وكان احتفال النجف يُعقد في مركزٍ من مراكزها العلميّة، بينما يقام احتفال كربلاء في حسينيّة أهالي طهران، فكان الاثنان يعقدان بالقرب من حرم النجف وكربلاء اللتين كانتا تعيشان في هاتين المناسبتين أجواء خاصّةً وتشهدان ظروفاً استثنائيّة.

هوامش
----------
1 ـ يكتب السيّد الصدر إلى السيّد محمّد الغروي: «وأمّا محاضراتنا حول الأئمّة فلا ينبغي أن تطبع الآن؛ لأنّ في نيّتي أن أكتبها على شكل بحوث صغيرة تدريجاً من قبيل بحث حول الولاية وحول المهدي إن شاء الله تعالى» انظر: أحمد عبد الله أبو زيد، محمّد باقر الصدر.. السيرة والمسيرة في حقائق ووثائق 3: 382، دار العارف، بيروت، 2007م.


2 ـ نشرت هذه المحاضرات مؤخّراً في العدد 1 [ص35 - 71 المنشور في محرم 1426] و[العدد] 2 [ص11 - 32 المنشور في ربيع الثاني 1426] من مجلّة (الاجتهاد والتجديد) تحت عنوان (شبكة الملكيّات.. تحليل البنيات العقلائيّة لأنظمة المال والملك والحق) [اضغط هنا] ، تدوين السيّد عبد الغني الأردبيلي، صياغة وتحقيق الشيخ حيدر حب الله، وتنشر قريباً بإذن الله في المجلّد الحادي والعشرين من موسوعة (تراث الشهيد الصدر) عن المؤتمر العالمي للإمام الشهيد الصدر.
3 ـ نشرت هذه الأبحاث مؤخّراً في مجلّة (المنهاج)، الأعداد: 41، 42، 43 [اضغط هنا] ، بصياغة وتحقيق مترجم هذا المقال [أحمد ابو زيد] .



من مواضيع : alyatem 0 هل أن كنوز الطالقان في أفغانستان أم في إيران؟!!
0 زيارة قرية المنتظرين للحجة(عجل الله فرجه الشريف) في مدينة طالقان
0 حق اليقين.. في تنزيه أعراض النبيين
0 الرد التحريري على السيد حسن الكشميري
0 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء
رد مع اقتباس