|
عضو جديد
|
رقم العضوية : 73770
|
الإنتساب : Aug 2012
|
المشاركات : 11
|
بمعدل : 0.00 يوميا
|
|
|
|
كاتب الموضوع :
ali alasady
المنتدى :
منتـدى سيرة أهـل البيت عليهم السلام
بتاريخ : 16-02-2013 الساعة : 10:06 PM
ونعني هنا نوعية الحاكم الأعلى الذي يتولى رئاسة الدولة العالمية العادلة بعده (عليه السلام) ونواجه بهذا الصدد أطروحتين رئيسيتين:
الأطروحة الأولى:القول بالرجعة، أي الالتزام برجوع الأئمة المعصومين (عليهم السلام) إلى الدنيا ليمارسوا الحكم بعد المهدي (عليه السلام).
الأطروحة الثانية: حكم الأولياء الصالحين بعد المهدي (عليه السلام).
وقد ورد في إثبات كل من الأطروحتين عدد من الأخبار، لا بد من سماع المهم منها، وعرضها على القواعد والقرائن العامة، لنختار في النهاية إحدى الأطروحتين.
القول بالرجعة:
حين ننظر إلى المفهوم على سعته، يحتمل أن يكون له أحد عدة معان:
المعنى الأول:ظهور المهدي (عليه السلام) نفسه، فإنه قد يصطلح عليه بالرجعة، باعتبار رجوعه إلى الناس بعد الغيبة، أو باعتبار رجوع العالم إلى الحق والعدل بعد الانحراف. وهذا المعنى حق صحيح، إلا أن اصطلاح الرجعة عليه غير صحيح، لأنه يوهم المعاني الأخرى الآتية التي هي محل الجدل والنقاش، ونحن في غنى عن هذا الاصطلاح بعد إمكان التعبير عن ظهور المهدي (عليه السلام) بمختلف التعابير.
المعنى الثاني:رجوع بعض الأموات إلى الدنيا، وإن لم يكونوا من الأئمة المعصومين (عليه السلام). وخاصة من محض الإيمان محضاً ومن محض الكفر محضاً.
المعنى الثالث:رجوع بعض الأئمة المعصومين (عليهم السلام) كأمير المؤمنين علي (عليه السلام) والحسين. وربما قيل برجوع النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أيضاً. وهم يرجعون على شكل يختلف عن حال وجودهم الأول في الدنيا من حيث الترتيب ومن حيث الفترة الزمنية أيضاً.
المعنى الرابع: رجوع كل الأئمة (عليهم السلام) بشكل عكسي، ضد الترتيب الذي كانوا عليه في الدنيا، فبعد المهدي (عليه السلام) أبوه الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) وبعده يظهر أبوه الإمام علي الهادي (عليه السلام) وهكذا. ويمارسون الحكم في الدنيا ما شاء الله تعالى حتى إذا وصل الحكم إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) كان هو دابة الأرض، وكانت نهاية البشرية بعد موته بأربعين يوماً.
والمعنيان الأخيران، قائمان على الفهم الإمامي للإسلام كما هو واضح. كما أن المعاني الثلاثة الأخيرة هي التي وقعت محل الجدل والنقاش في الفكر الإسلامي.
وينبغي لنا أولاً: أن نسرد الأخبار الدالة على ذلك، ونحن نختار نماذج مهمة ولا نقصد الاستيعاب.
أخرج المجلسي في البحار بالإسناد عن محمد بن مسلم قال سمعت حمران بن أعين وأبا الخطاب يحدثان جميعاً –قبل أن يحدث أبو الخطاب ما أحدث-: أنهما سمعا أبا عبد الله (عليه السلام) يقول:
أول من تنشق الأرض عنه ويرجع إلى الدنيا الحسين بن علي. وإن الرجعة ليست بعامة، وهي خاصة. لا يرجع إلا من محض الإيمان محضاً أو محض الكفر محضاً.
وبهذا الإسناد عن بكير بن أعين، قال: قال لي من لا أشك فيه، يعني أبا جعفر (عليه السلام): أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وعلياً سيرجعان.
وفي رواية أخرى عن أبي عبد الله (عليه السلام) في قول الله عز وجل.
(ويوم نحشر من كل أمة فوجاً). فقال: ليس أحد من المؤمنين قتل إلا سيرجع حتى يموت، ولا أحد من المؤمنين مات إلا سيرجع حتى يقتل.
وفي رواية أخرى عنه (عليه السلام) يقول فيها:
فلم يبعث الله نبياً ولا رسولاً ردهم جميعاً إلى الدنيا حتى يقاتلوا بين يدي علي بن أبي طالب أمير المؤمنين (عليه السلام).
وفي رواية أخرى عن حمران عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال:
إن أول من يرجع لداركم الحسين (عليه السلام)، فيملك حتى تقع حاجباه على عينيه من الكبر.
وعن أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: انتهى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) وهو نائم في المسجد، وقد جمع رملاً ووضع رأسه عليه. فحركه برجله ثم قال: قم يا دابة الله. فقال رجل من أصحابه: يا رسول الله، أ نسمي بعضنا بعضاً بهذا الاسم؟ فقال: لا والله ما هو إلا له خاصة، وهو الدابة التي ذكر الله في كتابه: (وإذا وقع القول عليهم أخرجنا لهم دابة من الأرض تكلمهم، أن الناس كانوا بآياتنا لا يوقنون). ثم قال: يا علي، إذا كان آخر الزمان أخرجك الله في أحسن صورة، ومعك ميسم تسم به أعدائك.. إلى أن قال: فقال الرجل لأبي عبد الله (عليه السلام): إن العامة تزعم أن قوله: (ويوم نحشر من كل أمة فوجاً) عنى في القيامة، فقال أبو عبد الله (عليه السلام): فيحشر الله يوم القيامة من كل أمةٍ فوجاً ويدع الباقين؟ لا. ولكنه في الرجعة. وأما آية القيامة: (وحشرناهم فلم نغادر منهم أحداً).
وعن الحسن بن الجهم، قال: قال المأمون للرضا (عليه السلام): يا أبا الحسن ما تقول في الرجعة؟ فقال: أنها الحق. قد كانت في الأمم السالفة ونطق بها القرآن.وقد قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): يكون في هذه الأمة ما كان في الأمم السالفة حذوا النعل بالنعل والقذة بالقذة. وقال (عليه السلام): إذا خرج المهدي من ولدي، نزل عيسى بن مريم فصلى خلفه. وقال (عليه السلام) إن الإسلام بدأ غريباً وسيعود غريباً، فطوبى للغرباء. قيل: يا رسول الله، ثم يكون ماذا؟
قال (صلى الله عليه وآله وسلم): ثم يرجع الحق إلى أهله.
وعن عبد الله بن سنان، قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام) قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم):
لقد أسرى بي ربي عز وجل فأوحى إلي من وراء حجاب ما أوحى وكلمني بما كلم وكان مما كلمني به... يا محمد: علي آخر من أقبض روحه من الأئمة (عليهم السلام) وهو الدابة التي تكلمهم... الخبر.
وفي البحار أيضاً عن الإرشاد: روى عبد الكريم الخثعمي عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال:
إذا آن قيام القائم مطر الناس جمادى الآخرة وعشرة أيام من رجب لم تر الخلائق مثله. فينبت الله به لحوم المؤمنين وأبدانهم في قبورهم، وكأني أنظر إليهم مقبلين من قبل جهينة، ينفضون شعورهم من التراب.
وقال المجلسي بعد سرده للأخبار:
اعلم يا أخي أني لا أظنك ترتاب بعدما مهدت وأوضحت لك في القول بالرجعة التي أجمعت الشيعة عليها في جميع الأعصار واشتهرت بينهم كالشمس في رابعة النهار... وكيف يشك مؤمن بحقية الأئمة الأطهار فيما تواتر عنهم من مأتي حديث صريح، رواها نيف وأربعون من الثقات العظام والعلماء الأعلام، في أزيد من خمسين من مؤلفاتهم، ثم عدهم المجلسي واحداً واحداً.
وهذا الكلام من المجلسي يواجه عدة مناقشات:
المناقشة الأولى:أن إجماع الشيعة وضرورة المذهب عندهم، لم تثبت على الإطلاق، بل المسألة عندهم محل الخلاف والكلام على طول الخط. والمتورعون منهم يقولون: أن الرجعة ليست من أصول الدين ولا من فروعه ولا يجب الاعتقاد فيها بشيء بل يكفي إيكال علمها إلى أهله. فهل في هذا الكلام –وهو الأكثر شيوعاً- اعتراف بالرجعة.
وإنما اعترف بالرجعة وأخذ بها، نتيجة لهذه الأخبار التي ادعى المجلسي تواترها، إذاً، فالرأي المتخذ حولها –ولا أقول الإجماع- ناتج من هذه الأخبار، ولا يمكن أن تزيد قيمة الفرع على الأصل.
المناقشة الثانية:أنه من الواضح أن مجرد نقل الرواية لا يعني الالتزام بمضمونها والتصديق بصحتها، من قبل الناقل أو الراوي. إذاً فهؤلاء الأربعون الناقلون لهذه الروايات لا يمكن أن نعدهم من المعترفين بالرجعة.
المناقشة الثالثة:أن هؤلاء الرواة الاثنين والأربعين الذين عددهم المجلسي لم يجتمعوا في جيل واحد. فلو رويت أخبار الرجعة من قبل أربعين شخصاً في كل جيل حتى يتصل بزمن المعصومين (عليهم السلام)، لكانت أخبار الرجعة المتواترة. ولكن يبدو من كلام المجلسي نفسه، وهو أوسع الناس إطلاعاً في عصره، أن مجموع الناقلين أربعون راوياً. فلو أخذنا المعدل وهو عملية لا مبرر لها الآن، لرأينا أنه يعود إلى كل جيل حوالي أحد عشر مؤلفاً، لأن المجلسي عاش في القرن الحادي عشر الهجري. وهو عدد لا يكفي التواتر.
المناقشة الرابعة:إن عدداً من المؤلفات التي ذكرها المجلسي، لم تثبت عن مؤلفيها، أو لم تصلنا عنهم بطريق صحيح مضبوط، أو أن روايته عن مؤلفه ضعيفة أساساً. كتفسير علي بن إبراهيم، وكتب أخرى لا حاجة إلى تعدادها.
المناقشة الخامسة:إن الروايات التي نقلها هؤلاء، ليست كلها صريحة وواضحة، وسنعرف عما قليل أنها مشوشة قد لا تدل على الرجعة أصلاً وقد تدل على الرجعة بالمعنى العام المشترك بين الاحتمالات الثلاثة السابقة، وقد تدل على واحد منها بعينه وتنفي الاحتمالات الأخرى...وهكذا.
إذاً، فالتواتر المدعى ليس له مدلول معين، ومعنى ذلك: أن الأخبار لم تتواتر على مدلول بعينه. وسنحاول إيضاح هذه النقطة أكثر.
ومعه، فكلام المجلسي يحتوي على شيء من المبالغة في الإثبات على أقل تقدير وأما مناقشات مداليل الأخبار، فنشير إلى المهم منها:
المناقشة الأولى:عدم اتحاد الأخبار بالمضمون. فإن مداليلها مختلفة اختلافاً شديداً. حتى لا يكاد يشترك خبران على مدلول واحد تقريباً.
والمداليل التي تعرب عنها الأخبار عديدة:
المدلول الأول:رجوع من محض الإيمان محضاً ورجوع من محض الكفر محضاً.
المدلول الثاني:رجوع كل مؤمن على الإطلاق. لأنه إن كان قد مات فهو يرجعه ليقتل، وإن كان قد قتل فيرجع ليموت.
المدلول الثالث:رجوع الأنبياء جميعاً.
المدلول الرابع: رجوع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم).
المدلول الخامس:رجوع أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام).
المدلول السادس: رجوع الحسين بن علي (عليه السلام).
المدلول السابع:رجوع جماعة من كل أمة.
المدلول الثامن: رجوع عدد من المؤمنين في الجملة.
المدلول التاسع: رجوع بعض الأئمة المعصومين (عليهم السلام) إجمالاً.
المدلول العاشر: رجوع الحق إلى أهله، وهو ليس قولاً بالرجعة كما عرفنا.
وليس شيء من هذه المداليل متواتر في الأخبار بكل تأكيد.
نعم، هناك مدلول مشترك إجمالي بين الإخبار الدالة على المداليل التسعة الأولى.
وهو رجوع بعض الأموات إجمالاً إلى الدنيا قبل يوم القيامة. وهو ما تتسالم عليه كثير من الأخبار. ومن هنا يكون قابلاً للإثبات، إلا أنه لا ينفع القائلين بالرجعة.
المناقشة الثانية:إن الالتزام بصحة المداليل التسعة جميعاً، أي القول بصحة الرجعة على إطلاقها، مما لا يكون، لضعف الأخبار الدالة على كثير منها. وأما الالتزام بها إجمالاً، بالمعنى الذي أشرنا إليه، فهو لا ينفع القائلين بالرجعة، لأن القول بالرجعة من الناحية الرسمية يتضمن أحد المعاني الثلاثة التي ذكرناها في أول الفصل. وهذا المعنى الإجمالي لا يعني ولا واحداً منها، بل ينسجم مع افتراضات أخرى كما هو واضح.
فهي لا تتعين في حدوثها بعد وفاة المهدي (عليه السلام) مباشرة، ولا أنها على نطاق واسع.
ولا تتعين في أحد المعصومين (عليهم السلام) ولا من محض الإيمان محضاً، ولا غير ذلك.
نعم، هناك مداليل تتكرر في الأخبار، وأوضحها رجوع الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) بصفته دابة الأرض التي نص عليها القرآن الكريم. إن هذه المداليل لا ترد عليها هذه المناقضة، وهي قابلة للإثبات من زاويتها.
المناقشة الثالثة:إن القول بالرجعة يتخذ سمة عقائدية، فإنه على تقدير صحته يعتبر أحد العقائد –وإن لم يكن من أصولها- وليس هو من الفروع والتشريعات على أي حال.
وقد نص علماء الإسلام بأن العقائد لا تثبت بخبر الواحد وإن كان صحيحاً ومتعدداً. ما لم يبلغ حد التواتر، وقد علمنا أن الأخبار في المداليل التسعة والمعاني الثلاثة غير متواترة، فلا تكون الأخبار قابلة لإثبات أي منها حتى لو كان المضمون متكرراً في الأخبار، ما لم يصل إلى حد التواتر.
وأما المضمون الإجمالي المتواتر، فقد عرفنا أنه لا ينفع القائلين بالرجعة، وسنزيد هذا إيضاحاً.
المناقشة الرابعة:إن المعنى الخير من المعاني الأربعة التي ذكرناها أولاً، وهو رجوع الأئمة المعصومين (عليهم السلام) بشكل عكسي، لعله من أكثر أشكال الرجعة تقليدية ورسوخاً في الأذهان المعتقدة بها. وقد وجدنا أنه ليس هناك ما يدل عليها على الإطلاق ولا خبر واحد ضعيف بل ليس هناك أي خبر يدل على رجوع جميع الأئمة المعصومين على التعيين، ولو بشكل مشوش، إلا بحسب إطلاقات أعم منهم بكثير، ككونهم ممن محض الإيمان محضاً..
بل أن هناك ما يدل على نفي هذا المعنى التقليدي، كقوله في الخبر: أول من تنشق الأرض عنه ويرجع إلى الدنيا الحسين بن علي.. فإنه لو صح ذلك لكان أول من يرجع هو الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) وليس الحسين (عليه السلام).
وأما دلالة القرآن الكريم على الرجعة: فأما أن نفهمه على ضوء الأخبار المفسرة له، وأما أن نفهمه مستقلاً.
أما فهمه على ضوء الأخبار، وهو باستقلاله غير ظاهر بذلك المعنى، فهذا لا يعدو قيمة الخبر الدال على هذا الفهم، ويواجه نفس الإشكالات التي واجهناها في الأخبار.
ومن ثم يكون من اللازم الاستقلال في فهم الآيات.
وإذا نظرنا إلى الآيات المذكورة للرجعة، وجدنا لكل منها معنى مستقلاً لا يمت إلى الرجعة بصلة، حتى بذلك المعنى الإجمالي العام، أي أنها لا تدل على إحياء بعض الموتى قبل يوم القيامة، ولا أقل من احتمال ذلك المسقط لها عن الاستدلال على الرجعة.
وقد استدل البعض بأكثر من ثلاثين آية في هذا الصدد، وهو تطرف ومبالغة في الاستدلال بكل تأكيد، وإنما نود أن نشير هنا إلى ثلاث آيات فقط تعتبر هي الأهم بهذا الصدد، لنرى مقدار دلالتها على الرجعة:
الآية الأولى: قوله تعالى:
(قالوا ربنا أمتنا اثنتين وأحييتنا اثنتين، فاعترفنا بذنوبنا، فهل إلى خروج من سبيل).
وطريقة فهم الرجعة منها: أن الآية تشير إلى حياتين وموتين للناس. ونحن لا نعرف إلا حياة واحدة وموتاً واحداً، فأين الثاني منهما؟ وجوابه: أن ذلك إنما يكون في الرجعة فإنها تتضمن حياة ثانية وموتاً بعدها، فإذا أضفناها إلى الحياة المعاصرة والموت الذي يليها، كان المجموع اثنين اثنين.
غير أن هذا الفهم إنما يكون صحيحاً بأحد أسلوبين:
الأسلوب الأول:أن تصح الأخبار الدالة عليه. قد عرفنا مناقشتها.
الأسلوب الثاني:أن يكون فهماً منحصراً، بحيث لا يوجد مثله أو أظهر منه في سياق الآية. فإن وجد ذلك، لم يمكن الاعتماد على هذا الفهم.
وهذه الآية تتضمن معاني محتملة غير الرجعة.
المعنى الأول:أن يكون الموت يشير إلى ما قبل الميلاد، حال وجود النطفة مثلاً.
وأن تكون الحياة الثانية هي الحياة في يوم القيامة. فإذا أضفناها إلى الحياة والموت المعهودين كانا كما قالت الآية الكريمة.
المعنى الثاني:أن يكون المشار إليه هو حياة وموت آخر يكون في عالم البرزخ أي أن الميت يحيا بعد موته إلى عهد قريب من يوم القيامة. ثم يموت بنفخة الصور الأولى حين يصعق من في السماوات والأرض. وأما الأحياء ليوم القيامة فهو زمن التكلم وكأنه غير داخل في الحساب.
إلى معاني أخرى محتملة. ولعل أكثرها ظهوراً هو المعنى الأول، دون معنى الرجعة والمعاني الأخرى ـ فلا تكون الآية دالة على الرجعة بحال.
ولعل أوضح ما يقرب المعنى الأول على معنى الرجعة هو أن المعنى الأول عام لكل الناس، والرجعة خاصة ببعضهم، وظهور الآية هو العموم.
الآية الثانية:قوله تعالى:
(ويوم نحشر من كل أمة فوجاً).
وقد أشار أحد الأخبار التي سمعناها إلى طريقة فهم الرجعة من هذه الآية. إن الله تعالى يحشر في يوم القيامة الناس جميعاً، لا أنه يحشر بعضاً ويدع بعضاً. وهو المشار إليه في قوله تعالى (وحشرناهم فلم نغادر منهم أحداً)، وما دامت الآية التي نتكلم عنها تشير إلى حشر البعض دون الكل (من كل أمة فوجاً) إذاً فهي لا تشير إلى حشر يوم القيامة، وإنما تشير إلى حشر آخر هو الحشر في الرجعة. وإنما سمي حشراً باعتبار أنه يتضمن الحياة بعد الموت لجماعات كثيرةّ، مشابهاً من هذه الجهة لحشر يوم القيامة.
ونحن إذا نظرنا إلى الآية الكريمة باستقلالها، لم نجدها دالة على الرجعة بحال ولا أقل من احتمال معنى آخر بديل لمعنى الرجعة، لا تكون الآية دالة عليه أقل من دلالتها على معنى الرجعة.
وهذا المعنى هو الحشر التدريجي. فإن الحشر والحساب في يوم القيامة له أحد أسلوبين محتملين:
الأسلوب الأول:الحشر الدفعي أو المجموعي. بمعنى أن يحشر الناس كلهم من أول البشرية إلى آخرها سوية، ويحاسبون على أعمالهم.
وهذا هو المركوز في الأذهان عادة، غير أنه ليس في القرآن ما يدل عليه، وترد عليه بعض المناقشات لسنا الآن في صددها.
الأسلوب الثاني:الحشر التدريجي، جيلاً بعد جيل أو ديناً بعد دين أو مجموعة بعدد معين بعد مجموعة وهكذا. وحتى يتم حساب الدفعة الأولى تحشر الدفعة الثانية وهكذا.
فقد تكون الآية التي نحن بصددها دالة على هذا الأسلوب من الحشر. حيث يقول: (ويوم نحشر من كل أمة فوجاً). لأن حشر الجيل الواحد يتضمن أن يعود إلى الحياة جماعة من كل مذهب ودين من كل أمة) كما كان عليه الحال في الدنيا. وهو لا يريد إهمال الآخرين، بل هو يشير إلى دفعة واحدة من الحشر التدريجي، وأما الدفعات الأخرى فيأتي دورها تباعا. ولن تكون مهملة بدليل قوله تعالى: (وحشرناهم فلم نغادر منهم أحداً) أي أن الحشر التدريجي سيستوعب في النتيجة كل البشرية من أولها إلى آخرها.
إّذاً، فكلتا الآيتين تشيران إلى يوم القيامة، ولا تمت إلى الرجعة بصلة، ولا أقل من احتمال ذلك بحيث تكون دلالتها على الرجعة غير ظاهرة.
الآية الثالثة:
(وإذا وقع القول عليهم أخرجنا لهم دابة من الأرض تكلمهم أن الناس كانوا بآياتنا لا يوقنون).
وطريقة دلالتها على الرجعة بأحد أسلوبين:
الأسلوب الأول:أن حادثة خروج دابة الأرض تكون عند الرجعة، فهي تخرج مع الراجعين لتقوم بوظيفتها بينهم.
إلا أن هذا الأسلوب غير صحيح بكل وضوح، لأن الآية لا تشير إلا إلى خروج دابة الأرض، وأما أنها تخرج في جيل طبيعي أو في جيل الرجعة، فهذا ما لا تشير إليه الآية إليه بحال.
الأسلوب الثاني:أنها تشير إلى رجعة دابة الأرض نفسها، أعني حياتها بعد الموت، فهي تشير إلى رجعة شخص واحد لا أكثر. وإذا أمكن ذلك في شخص أمكن في عديدين.
وهذا يتوقف على أن نفهم من (دابة الأرض) أنها إنسان سبق له أن عاش في هذه الحياة. وفي الآية قرينة على بشرية هذه الدابة وهي قوله: (تكلمهم) فإن الكلام يكون من البشر دون غيره. ويتوقف على أن نفهم من قوله: (أخرجنا) معنى؛ أرجعنا إلى الحياة بعد الموت، لا أن هذا الإنسان يولد في حينه. وقد يجعل قوله تعالى: (أن الناس كانوا لا يوقنون) دليلاً على ذلك، لأن الآية إنما تكون بالرجوع بعد الموت، وأما و كان يولد في زمانه، لما حدثت الآية، وقد قامت الأخبار التي سمعنا طرفاً منها، بتعيين هذا الإنسان بالإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام).
والإنصاف أن فكرة الأسلوب الثاني هي المستفادة من الآية الكريمة. فدابة الأرض هو إنسان بعينه، وقوله أخرجنا دال على الإيجاد غير الطبيعي لا على مجرد الولادة. إذاً، فالآية الكريمة دالة على رجعة هذا الإنسان.
غير أنها لا تدل على أي معنى آخر للرجعة، لا العام ولا الخاص، ومن المحتمل بل المؤكد أن هناك مصلحة في حكمة الله تعالى لرجوع دابة الأرض، لا تتوفر لأي بشر آخر، ومعه لا يمكن القول بالتعميم منه إلى رجعة أي شخص آخر. ومجرد الإمكان في قدرة الله تعالى، وهو مما لا شك فيه، لا يدل على الوقوع الفعلي.
وإّذا وصلنا إلى هذه النتيجة، استطعنا أن نستنتج نتيجة أخرى مهمة، هي التوحيد بين مدلول القرآن ومدلول الأخبار. فإننا عرفنا أن الأخبار لا يمكنها أن تثبت إلا المعنى الإجمالي الذي يناسب أن يكون هذا الراجع واحداً لا أكثر. وهذا صالح للانطباق على ما دل عليه القرآن الكريم من رجعة دابة الأرض. فإن هذا المعنى الإجمالي لم يثبت انطباقه بدليل كاف إلا على دابة الأرض فيتعين فيه، بعد ضم الدليلين إلى بعضهما.
ومعه، فلم يثبت أي معنى من معاني الرجعة ولا احتمالاتها السابقة، وإنما لا بد لنا كمسلمين، أن نبتعد بخروج دابة الأرض التي نطق بها القرآن الكريم. وفي الإمكان أن نسمي ذلك بالرجعة إلا أنه على خلاف اصطلاحه
|
|
|
|
|