|
شيعي حسيني
|
رقم العضوية : 72513
|
الإنتساب : May 2012
|
المشاركات : 7,601
|
بمعدل : 1.63 يوميا
|
|
|
|
كاتب الموضوع :
nad-ali
المنتدى :
المنتدى الإجتماعي
بتاريخ : 22-12-2012 الساعة : 11:36 PM
وقد ضرب مثلاً رائعاً
العُرف "؛عندما يكون سخاً ...كربلاء انموذج
كربلاء، وليدة المجتمع المسخ
وعند الوصول إلى أكبر واقعة تاريخية لعبت فيها البرمجة الجماعية السلبية دورها، وتكونّت في زمن قصير لتُحدث على إثرها أكبر فاجعة بشرية في التاريخ. تلك هي واقعة كربلاء، إذ لم تمضي بحسب السنوات ما يقارب الخمسين سنة بعد وفاة آخر الأنبياء وسيد الرسل محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)، حتى تقع مثل هذه الحادثة التي تكشف واقعاً خطيراً وبرمجة شيطانية متجذرّة في مجتمعات “مسلمة”!
هي واقعة استشهاد حفيد الرسول وابن ابنته فاطمة الزهراء (عليها السلام) الإمام الحسين بن علي بن أبي طالب (عليه السلام)، ومع ورود الكثير من النصوص الدينية في شأنه وعظم منزلته، إلا أن طريقة قتله من قبل جيش يدّعي أنه مسلم أو عربي تُبيّن مقدار حقد دفين ووحشية غير متناهية.
فالإمام الحسين (عليه السلام) قد ثار لأجل إرجاع ميزان الإسلام إلى نصابه بعد تهديد واضح ووقح بقلب الطاولة من قبل يزيد بن معاوية بن أبي سفيان على منهج الحكم في الإسلام من المدرستين معاًً، مدرسة أهل البيت (عليه السلام) والتي تؤمن بوجود نص للأئمة بعد النبي الأكرم ولها أدلتها وحججها، ومدرسة أهل السنة والجماعة التي تؤمن بمدأ الشورى في الحكم الإسلامي.
ذلك العُرف الأموي المتأصل في المجتمع العراقي والشامي ساهم بدرجة كبيرة في التمهيد لوقوع الفاجعة بتلك المعركة، وأما الأغرب من ذلك فهو انصهار الجيش الأموي عبر برمجة وحشية متصاعدة، ليقدّم كل تلك الصور الدموية في أبشع ما يمكن.
وما يُثير الغرابة أكثر أن هؤلاء من قبائل عربية، وللعرب شيم وأخلاق في الحروب حتى لو لم يكونوا مسلمين، إلا أن ما يرصده التاريخ ويقدمه يُبين أن الجيش الأموي بقيادة عمر بن سعد قد تنصّل من كل شيمة عربية وإنسانية فضلاً عن انسلاخه التام من الإسلام انسلاخاً لا شك فيه.
ومع وجود كل تلك العقلية الجمعية لجيش قوامه لا يقل عن 30 ألف، نلحظ أفراداً خرجوا عن طوق البرمجة وباتوا أحراراً، من بينهم الحر بن يزيد الرياحي الذي كان بمثابة جنرال في جيش ابن سعد، بالإضافة إلى أفراد آخرين انقلبوا على الجيش الأموي وانضموا إلى معسكر الحسين عليه السلام، بعد معرفة ضلال هذا الجيش وأهدافه التي لا تنتمي لا إلى دين أو ضمير إنساني سليم.
كل ذلك يقدم صور شتّى للعُرف المتولّد من الإعلام الأموي المكثف الذي اعتمد الترغيب والترهيب مع إضافات “مقدسة” عبر تحريض ديني مُزيّف، لتكون جريمة قتل الإمام الحسين مبررة ومقبولة بل ومطلوبة عند المجتمع -المسلم- آنذاك. كل ذلك من أجل الحفاظ على السلطة وإبقاءها في اليد الأموية، والتي مهّد الطريق لذلك معاوية بن أبي سفيان عبر غسيل الأدمغة للمجتمع الشامي وتهيئة الأجواء وتطعيمها بنفس النهج مع خليط التدليس وشراء الذمم في المجتمع العراقي.
والقاريء لواقعة الطف يرى أن استخدام المفردات في خطاب الجيش الأموي يكتسب طابعاً دينياً ممسوخاً في محاولة إعطاء الصبغة المقدسة للقتال وتبرير للمجزرة التي سيقدم عليها الجيش الأموي حينها.
فترى بعضاً من جنود هذا الجيش يخاطب معسكر الحسين بمفردات دينية ويوصمه بالخروج من الدين تارة وبعدم قبول الصلاة التي طلب الإمام الحسين إيقاف الحرب لإقامتها تارة أخرى، وغيرهامن الحوارات التي تكشف حجم التضليل السياسي والديني الممزوج بالتزييف والتبرير لإسالة الدم، وليس للاعتقال على أقل تقدير للإمام الحسين (عليه السلام)، بل ويتعدّى الأمر القتل ليكون التمثيل بجسد حفيد الرسول الأكرم من خلال رفع رأسه الشريف ورؤوس أهل بيته وأصحابه على الرماح، والمسير بها من كربلاء إلى الشام. بالإضافة إلى تلك البربرية يتم سبي نسائه بطريقة مذلة ، ليُسقط كل ذلك هويتيّ المجتمع آنذاك: إسلامه وعروبته. بل أن العقل المسيحي استنكر هذه الفعلة عبر حوارات ومواقف تُبيّن حجم الوحشية التي ارتكبها النظام الأموي في كربلاء وما بعدها.
وبالتالي تمت التعرية التامة للمجتمع القابل بالحكم الأموي، ذلك المجتمع الذي ربّى وحشاً بداخله وبرضاه، لتكون النتيجة تمزيقاً لهويته وتركه مشوهاً بعد أن كان السبب في رسم نقلة تاريخية خطيرة جرّاء قبوله بالعُرف الذي قدمته السلطة الأموية له آنذاك.
تلك عوامل شكّلت العُرف الجديد الذي بات “هُلامياً” غير معروف الملامح، فبعد قبول وترحاب بالتغيير السياسي المستند على نهج الرسول الأكرم من خلال حفيده الإمام الحسين (عليه السلام) والذي دعموه عبر ارسال الرسائل والكتب إليه بالقدوم وقبول الدعم له بالتغيير، صار الأمر مختلفاً ومعكوساً بالإنهزام تارة وبالإنقلاب على الأمر تارة أخرى، كحال بعض من راسله وبعد ذلك انضم إلى الجيش الأموي وقاتله.
خمسون عاماً فقط لا غير، كافية للسماح بمجزرة رهيبة أن تحدث لحفيد الرسول وفي مجتمع -مسلم-، وتكتسي طابعاً دينياً وسياسياً تبرره السلطة الأموية وتنتشي به عَلَنَاً دون اعتراض مؤثر من أحد حينها. وكأنّ المجتمع المسلم آنذاك في سُكرة غريبة وعُرفٍ لا يمكن الفكاك منه.
وكما هو خط الحسين باقٍ ومستمر في عناوين الإباء والتضحية وطلب العدالة للإنسان، كذلك هو الخط الأموي باقٍ يتمثّله ممن يتخذ الوحشية في التعامل مع المخالف والبربرية دينه ومذهبه، ليكون الذبح والتقتيل والتنكيل والتزييف رايته التي يسير عليها، وهو أمر مشهود حتى يومنا هذا. فخط الصراع بين الحق والباطل لا يتوقف، وهابيل وقابيل لم يموتا، بل يتمثّلان في كل مرة بخط وصراع وتدافع.
فعند انتشار العُرف السياسي المصلحي المكتسي بالطابع المقدّس، يتحول الأمر بمثابة وجود “عجل السامري” في محراب كل مسجد.
وهذه هي خطورة أن نجعل نمو العرف يأخذ مساره دون الرعاية أو التدقيق في برنامجه الغذائي أو السلوكي، لنكتشف بعد حين أن ما نما من عرف بين ظهرانينا كان “مِسخاً” لا يمكن إيقافه، نتيجة تضخمّّه وتجذّره في نفوس الناس.
يتبع..
|
|
|
|
|