|
عضو فضي
|
رقم العضوية : 34252
|
الإنتساب : Apr 2009
|
المشاركات : 1,863
|
بمعدل : 0.32 يوميا
|
|
|
|
كاتب الموضوع :
الحوزويه الصغيره
المنتدى :
المنتدى الفقهي
التخلّي عن التكليف
بتاريخ : 22-12-2012 الساعة : 02:15 AM

اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم وفرجنا بهم يا كريم
عظم الله أجورنا بمصابنا بالحسين عليه السلام وجعلنا و إياكم من الطالبين بثاره مع وليه الإمام المهدي من آل محمد عليهم السلام
التخلّي عن التكليف
كلّ ما جاءت به الشريعة الإسلاميّة من "التكاليف" ليلتزم بها المسلمون كانت الغاية منه دائماً هي تحقيق "المصالح" ومنع "المفاسد"، فإذا قام المسلمون بما عليهم من التكاليف الشرعيّة فإنّ المجتمع الإسلاميّ سيتحرّك نحو الطهارة والتكامل المعنويّ في جميع مجالات الحياة.
أمّا إذا ترك المسلمون واجباتهم الشرعيّة ولم يعتنوا ولم يبالوا بالتكاليف التي أمر الله بها، فإنّ لذلك آثاراً سيّئة ونتائج مريرة تشمل عواقبها أيضاً جميع مجالات حياة المجتمع الإسلاميّ.
وتكليف كلّ مسلمٍ يتناسب من حيث الأهميّة والخطورة مع موقعه الدينيّ والاجتماعيّ الخاصّ به، فالذين لهم منزلة خاصّة ومقام رفيع، وينظر النّاس إليهم كقدوات، ويعنون بتصرّفاتهم عناية فائقة لأثرها البالغ في حياة المجتمع وفي تحديد مصيره، أولئك عليهم مسؤوليّات مضاعفة، ولتخلّيهم عن التكليف الشرعيّ عواقب أشدّ وخامة وخطورة من عواقب تخلّي الإنسان العادي عن أداء تكليفه، لذا فإنّ علماء الدين والوجهاء المرموقين والنافذين والمعتبرين لهم تكاليف أثقل من تكاليف سواهم، فإذا داهنوا وسكتوا إزاء الظلم والبدعة وتحريفات الحكومات الجائرة ذهبت دماء الشهداء الأطهار هدراً نتيجة ذلك، وأُضيعت جهود ومعاناة المجاهدين الأوائل الذين بنوا صرح المجتمع وأسّسوا قواعد حياته، وراجت البدع والمنكرات، وترسّخت جذور سلطة الظالمين واشتدّ طغيانهم.
يقول الإمام الحسين عليه السلام بصدد تقصير وضعف وتهاون العلماء المرتبطين ببلاط الحاكم الظالم أو الساكتين عن الحقّ في عصره، موبّخاً إيّاهم على ذلك:
"... لقد خشيتُ عليكم أيّها المتمنّون على الله أن تحلّ بكم نقمة من نقماته لأنّكم بلغتم من كرامة الله منزلة فضّلتم بها، ومن يعرف بالله لا تُكرِمون وأنتم بالله في عباده تُكرَمون، وقد ترون عهود الله منقوضة فلا تفزعون، وأنتم لبعض ذمم آبائكم تفزعون وذمّة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم محقورة! (مخفورة خ)، والعمي والبُكم والزُمن في المدائن مهملة لا ترحمون! ولا في منزلتكم تعملون ولا من عمل فيها تعينون! وبالإدّهان والمصانعة عند الظلمة تأمنون، كلّ ذلك ممّا أمركم الله به من النهي والتناهي وأنتم عنه غافلون! وأنتم أعظم النّاس مصيبة لما غلبتم عليه من منازل العلماء لو كنتم تسمعون (تسعون)، ذلك بأنّ مجاري الأمور والأحكام على أيدي العلماء بالله الأمناء على حلاله وحرامه، فأنتم المسلوبون تلك المنزلة، وما سُلبتم ذلك إلّا بتفرّقكم عن الحقّ واختلافكم في السُنّة بعد البيّنة الواضحة، ولو صبرتم على الأذى وتحمّلتم المؤونة في ذات الله كانت أمور الله عليكم تردّ وعنكم تصدر وإليكم ترجع، ولكنّكم مكّنتم الظلمة من منزلتكم، وأسلمتم أمور الله في أيديهم يعملون بالشبهات، ويسيرون في الشهوات، سلّطهم على ذلك فراركم من الموت وإعجابكم بالحياة التي هي مفارقتكم، فأسلمتم الضعفاء في أيديهم، فمن بين مستعبدٍ مقهور، وبين مستضعفٍ على معيشته مغلوب، يتقلّبون في الملك بآرائهم، ويستشعرون الخزي بأهوائهم، اقتداء بالأشرار، وجرأة على الجبّار! في كلّ بلدٍ منهم على منبره خطيب يصقع، فالأرض لهم شاغرة، وأيديهم فيها مبسوطة، والنّاس لهم خول لا يدفعون يد لامسٍ، فمن بين جبّار عنيد، وذي سطوة على الضعفة شديد، مطاعٍ لا يعرف المبدئ والمعيد، فيا عجباً! وما لي لا أعجب؟! والأرض من غاشٍّ غشوم ومتصدّق ظلوم، وعامل على المؤمنين بهم غير رحيم، فالله الحاكم فيما فيه تنازعنا، والقاضي بحكمه فيما شجر بيننا...".
ويقول قائد الثورة المعظّم في تحليل هذه المسألة، ضمن تقسيمه أفراد المجتمع إلى خواصّ وعوام، وأنّ العوام دائماً تبع للخواصّ وأنّ دور الخواصّ في المجتمع مهمّ جداً، فإذا لم يعمل الخواصّ بتكليفهم الحسّاس الخطير بسبب الميل إلى الدنيا وخوفاً على مواقعهم ومكانتهم، فإنّ مجرى التأريخ سيتغيّر، يقول سماحته:
"أولئك الذين يتركون طريق الله خوفاً على أنفسهم، ولا يقولون الحقّ حيث ينبغي أن يقولوه لأنّهم سيتعرّضون للخطر، أو يتخلّون عن طريق الله خوفاً على مناصبهم أو أموالهم، أو حبّاً وتعلّقاً بأولادهم وعوائلهم وأقربائهم وأصدقائهم، أولئك إذا كانوا الكثيرين فحينئذٍ واويلاه! حينئذٍ سيتوجّه الحسين بن عليّ عليهما السلام إلى مذبح كربلاء، سيجرُّ إلى مقتله، وسيستولي اليزيديّون على الأمر، وسيحكم بنو أميّة البلاد والأمّة التي أوجدها الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ألف شهر، وستستبدلُ الإمامة بالمُلك والسلطنة.
حينما تكون حال الخواصّ المحسوبين على صفّ الحقّ هكذا، أو تكون حال أكثريّتهم القاطعة هكذا، حيث يؤثرون دنياهم على كلّ شيء، فهم من الخوف على النفس، ومن خوف فقدان المنصب والمقام، ومن خوف النبذ والطرد، أو من خوف العزلة والوحدة، مستعدّون للقبول بحاكميّة الباطل، فلا يقفون في وجهه، ولا يدافعون عن الحقّ، ولا يلقون بأنفسهم في الخطر، حينما تكون حال الخواصّ هكذا فسوف تكون بداية المآل شهادة الحسين بن عليّ عليهما السلام بتلك الصورة الفجيعة، وخاتمتها سيطرة بني أميّة على الحكم، ثمّ بني العبّاس، ثمّ سلسلة من السلاطين والملوك في عالم الإسلام إلى اليوم...
كان هذا هو وضع ذلك الزمان، كان الخواصُّ قد استسلموا، وما كانوا يريدون التحرّك.
لذا حينما استولى يزيد على الحكم، وكان شخصاً من الممكن الخروج عليه ومقاتلته، إذ كان معروفاً ومشهوراً بفسقه وحماقاته واستهتاره، وكلّ من يُقتل في الحرب ضدّ يزيد لا يمكن أن يُغَطّى أو يعمّى على دمه لأنَّ يزيد كان وضعه متفسّخاً مفضوحاً جدّاً... من أجل هذا قام الإمام الحسين عليه السلام بنهضته...
ولمّا قام الإمام الحسين عليه السلام مع كلّ تلك العظمة والقداسة التي كانت له في المجتمع الإسلاميّ لم يتقدّم إليه كثير من الخواصّ لينصروه! أنظروا إلى أيّ درجة ساءت حال المجتمع بسبب هؤلاء الخواصّ؟! الخواصّ الذين هم على استعداد لتفضيل دنياهم بسهولة على مصير العالم الإسلاميّ خلال قرون طويلة آتية!...
كلّ هؤلاء حينما يواجهون بشدّة وضغط وقهر من الجهاز الحاكم يرون أنّ أرواحهم وسلامتهم وراحتهم ومقامهم وأنفسهم في خطر لا محالة يتراجعون، فإذا تخلّى الخواصّ وتنصّلوا عن تكليفهم وعهودهم والتزاماتهم تخلّى وتنصّل تبعاً لهم عوامُ النّاس أيضاً.
أنظروا إلى أسماء أولئك الذين كتبوا الرسائل إلى الإمام الحسين عليه السلام من الكوفة ودعوه إلى القدوم إليهم، وتأمّلوا فيهم! هؤلاء الذين كتبوا الرسائل هم الخواصّ، هؤلاء أيضاً جزء من طبقة الخواصّ تلك! طبقة زبدة المجتمع والمرموقين فيه!...
إنّ الذي يُنجي التأريخ من المسار الخاطئ، وينجي القيم من السقوط ويحفظها هو تصميم الخواصّ في الوقت المناسب، وتشخيص الخواصّ في الوقت المناسب، وتنكّرهم للدنيا في اللحظة المناسبة، وقيامهم وإقدامهم لله في اللحظة المناسبة.
ينبغي القيام بالحركة اللازمة في اللحظة اللازمة، فإذا تركتم الوقت المناسب يمضي فليس ثمّ فائدة إذن.
هذه هي السُنّة الإلهيّة، حينما تخاف من الدم، وتخاف من بذل ماء الوجه، وتخاف من المال، وتخاف من أجل العائلة، وتخاف من أجل الأحبّة، ونخاف من أجل راحتنا وسلامة عيشنا، ومن أجل كسب وتجارة، ومن أجل العثور على مسكن هو أوسع من مسكنٍ سابقٍ غرفةً واحدة، إذا لم نتحرّك بسبب الخوف على هذه الأشياء فمن المعلوم حينذاك أن لو نهض عشرة أئمّة كالإمام الحسين عليه السلام فإنّ جميعهم سيستشهدون، وجميعهم سيبادون، كما استشهد أمير المؤمنين عليه السلام، وكما استشهد الإمام الحسين عليه السلام.
أيّها الخواصّ! أيّها الخواصّ! يا طبقة الخواصّ! يا أعزّائي، أنظروا أين أنتم؟"
نسألكم الدعاء
|
|
|
|
|