|
عضو برونزي
|
رقم العضوية : 54354
|
الإنتساب : Aug 2010
|
المشاركات : 254
|
بمعدل : 0.05 يوميا
|
|
|
|
كاتب الموضوع :
فارس اللواء
المنتدى :
المنتدى العام
بتاريخ : 13-12-2012 الساعة : 03:40 PM
فتاوى التكفير
إن من أشد ما ابتُليَتْ به هذه الأمة ما يسمى بالمنهج التكفيري، هذا المنهج الذي وضع نصب عينيه تنقية الأمة كما يزعم أتباعه مما التصق بها وهو ليس منها وفق مزاعم وافتراءات وسوء فهم وغير ذلك مما يثير الإشكالات سواءٌ على مستوى العقيدة والإيمان أو على مستوى المنهج والسلوك، أو على مستوى المصالح والسياسات. يضع التكفيريون شروطاً وضوابط للإيمان ومن لا تنطبق عليه هذه الشروط والضوابط فهو خارج عن الملة بزعمهم.
وإذا كانت سيرة النبي محمد (صلي الله عليه وسلم) هي السعي لتكثير سواد المسلمين، وعدم محاسبة الناس على سرائرهم، وعدم آخذهم إلا بما ظهر منهم، ولو كان النبي يعلم منهم خلافه بوحي أو إلهام أو غير ذلك، فقد عرّفَ جبريل عليه السلام مرسلاً من ربه عز وجل، عرف النبي بأسماء المنافقين في المدينة، وجعل النبي (صلي الله عليه وسلم) ذلك السر عند أحد الصحابة وهو حذيفة بن اليمان الذي أوصاه النبي بعدم فضح هؤلاء إلا لضرورة خاصة حددها عليه الصلاة والسلام، ووضع قاعدة للتعامل مع المنافقين الذين يظهرون الإيمان ويبطنون الكفر مفادها الحديث الشريف: "بيننا وبينهم الصلاة، من تركها فقد كفر".
ولم يرضَ عليه الصلاة والسلام أن ينتقم من بعض من خالفوه وآذوه منهم أُبَيّ بن سلول، الذي تقدم ابنه المؤمن الصادق عبد الله يقول يا رسول الله دعني أضرب عنقه فرفض النبي ذلك قائلاً: "لا يقال أن محمداً يُقَتِّلُ أصحابه".
إن شروط الكفر واضحة في كتاب الله وفي سنة النبي الأكرم (صلي الله عليه وسلم) وهي إنكار الخالق عز وجل وإنكار رسالة محمد (صلي الله عليه وسلم) وتكذيب آية أو أكثر من كتاب الله وإنكار ما هو معلوم من الدين بالضرورة. وشروط الإيمان أيضاً معروفة وقد حددها حديث جبريل عليه السلام الذي حدد فيه أركان الإيمان وأركان الإسلام وبيّن أنّ من أركان الإيمان أنْ تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره من عند الله، وبيّن أن أركان الإسلام هي شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله وإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان وحج البيت من استطاع إليه سبيلاً. إن إضافة أي شرط أو قيد على ما ذكره رسول الله هي أمر مرفوض، وليس ذلك لأحد من الناس.
ونحن اليوم نسمع عن فتاوى يُقْدم أصحابها على تكفير علماء من كبار العلماء في الأمة في مختلف مذاهبها لرأي رأوه أو لحكم حكموا به أو لاجتهاد اجتهدوا فيه، ربما كان خاطئاً أو مصيباً، وترى البعض يقدم على تكفير آخرين لأنه يختلف معهم في وجهة نظر أو في قضية من فروع هذا الدين، أو في قضية سياسية أو اجتماعية أو غير ذلك. وأخطر ما في منهج التكفير قيام البعض بتكفير طائفة من المسلمين يُعدُّ أتباعها بمئات الملايين، بناءً على مسائل خلافية، تقبل الاختلاف أصلاً لأنها ليست من أصول الدين، بل هي من المسائل الخاضعة لتغيير الزمان أو المكان أو استناداً إلى روايات صحت عند البعض ولم تصح عند البعض الآخر، أو بناءً على اعتقادات تتعلق بالمذهب ولا تتعلق بالدين، أو بناءً على افتراءات تاريخية غير ثابتة، أو في الاختلاف بالنظر إلى أحداث تاريخية تتعلق بالحكم أو الإمارة أو غير ذلك من الأمور المتروكة للناس ترى فيه رأيها تحت قاعدة الشورى "وأمرهم شورى بينهم".
إن هذا المنهج التكفيري مناقض للرسالة التي جاء بها النبي(صلي الله عليه وسلم) ولسيرة هذا النبي، وقد رأينا من ينحدر بالفتوى في هذا المجال إلى مستوى متدنٍ جداً وغير مقبول أبداً كالفتاوى التي ابتلى بها الفلسطينيون بعد نشوب الصراع بين حركة فتح والسلطة الفلسطينية من جهة وحركة حماس من الجهة الأخرى، تلك الفتاوى التي راح مطلقوها يكفّرون بعضهم بعضاً ويبيحون دماء بعضهم البعض إذكاءً لنار الفتنة والاقتتال بين الأهل والإخوة وهم جميعاً تحت مقصلة العدو الصهيوني التي لا تميز بين فلسطيني وآخر، بل تسعى لقطع رقاب الجميع.
وكذلك منها تلك الفتاوى التي حكمت بكفر الشيعة أو السنة في العراق وأفغانستان وباكستان حيث أدت هذه الفتاوى ـ الفتنة ـ إلى أن يعمد أطراف الصراع بتفجير أنفسهم في المساجد والحسينيات بل وفي الأسواق والمدن والقرى لقتل أكبر عدد من الناس لا لجريمة ارتكبوها وإنما لتطهير الأرض منهم كما يزعم التكفيريون.
لقد حصدت هذه الفتاوى مئات الآلاف من أرواح المسلمين كباراً وصغاراً رجالاً ونساءً وأطفالاً، وكل هذه الدماء هي في أعناق مطلقي هذه الفتاوى الذين أعمى قلوبهم الحقد وامتلأت صدورهم بالضغينة فاتبعوا أهواءهم وضلوا عن سبيل الله.
إن المنهج التكفيري هو منهج التنفير من الدين،وبدل أن يسعى هؤلاء التكفيريون لهداية الناس إلى ما يعتقدونه حقاً فإنهم يسعون إلى قتلهم، وكأن هدف المؤمن هو قتل الكفار وليس هدايتهم وإرشادهم ودعوتهم ليؤمنوا بربهم، فكيف بالمسلمين المصلين؟!.
إن واجب كل مسلم هو مناهضة هذا المنهج لأنه لن يؤدي إلى خير بل هو حتماً سيؤدي إلى مزيد من التقاتل وهدر الأرواح وهتك الأعراض وزيادة حالات البؤس والشقاء. إن رب العزة تبارك وتعالى لم يعطِ النبي (صلي الله عليه وسلم) وهو أعدل الخلق حق محاكمة الناس على عقائدهم ولا على سرائرهم، بل أُمر بتذكيرهم فقال تعال: ﴿فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنتَ مُذَكِّرٌ * لَّسْتَ عَلَيْهِم بِمُصَيْطِرٍ﴾(الغاشية: 21/22). وقال: ﴿وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لآمَنَ مَن فِي الأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ﴾(يونس/99).
|
|
|
|
|