هل نحن عشّاق الحسين
حسين عبد الله الجعفر
في كل عام نُهيّأ أنفُسنا لنلطم على الامام الحسين ع ونحزن على مصابه، ولكن هل فكرنا ماهي فلسفة اللطم؟ أم هي مجرد عادة او ظاهرة تتكرر سنوياً؟
ليس الهدف من اللطم هو إحمرار الصدر او توجيع القلب، فهناك لغة ترتسم في عاشوراء علينا الإنتباه لها.
فعندما نلطم الصدر فنحن نلطم الضمير الميت لكي نوقظه من سباته.
نلطم الصدر لكي نسقط الذنوب والنقط السوداء المتكدسة... ونسقط الأحقاد والكراهية المتعلقة في جدارن قلوبنا.
عندما نلطم على رؤوسنا فنحن نلطم تلك الأفكار السيئة والظنون البائسة والنيّات القاتلة لتسقط منه فتتبدل بفكر الحسين ع وبثقافته وإيمانه وتسامحه وأخلاقه.
عندما نضرب على أرجلنا نضربها لأنها قادتنا إلى معصية الله فنوقظها من نومها من أجل أن تعود إلى رشدها وتتوجه بنا إلى أماكن يحبها الله ورسوله ص .
عندما تدمع أعيننا لمصاب الحسين ع فنحن نغسلها وننظفها من تلك النظرات الشهوانية وتلك الأفلام الماجنة وتلك اللحظات التي غزت أعيننا محارم الآخرين وتعود بعدها نظيفة طاهرة نقية فتتمعن في خلق السموات والأرض.
عندما نرفع أيدينا أثناء اللطم فنحن نعلن إستسلامنا لله عزوجل وخضوعنا التام له ونعلنها أننا مع الحسين ع وأننا من أنصاره فنرفع أيدينا تلبية لنداء الحسين ع « لبيك يا حسين ».
اللطم لا يعني أنني قريب من الحسين ع والبكاء لايعني قبول العمل... فعمر بن سعد وغيره بكوا على الحسين ع ولكن القبول الحقيقي هو تطبيق منهج الحسين ع لا إستخدامه للتحريض ونشر الفتن والشبهات على المجتمع والمحاولة للتشفي من الآخرين وشعائر الحسين ع هي تلك الشعائر التي تتحقق من خلالها ثورة الحسين لا تلك الشعائر التي لا ترتبط بمنهج وسلوكيات الإمام الحسين ع .
هدف الحسين ع لم يكن لإضافة رصيد أحزان إلى قلوب المؤمنين، هدف الحسين ع هو توعية الناس من الظلم والظلام والإستبداد وفتح باباً من طريقه يتعرف الناس على كيفية المطالبة بحقوقهم.
الحسين ع فكر توعوي وثقافي تنموي، الحسين ع منهج تسامح وأخلاقي ولكم في ذلك موقفه الرحيم والمتعاطف مع الشّمر في واقعة النهروان.
قلب الحسين ع يتسع للجميع وقد دخل في ثورته السني والشيعي والمسيحي والعبد والشيخ الكبير والطفل الرضيع والنساء فهذا التكوين في واقعة الطف يحمل معاني سامية وقد شكّل الإمام الحسين ع انموذجاً للمجتمع الحقيقي الواقعي الناجح الوحدوي والصادق فلا يفرق بين الاديان ولا بين الطوائف ولا بين أطياف المجتمع ويرفض العنصرية والطائفية والطبقية البغيضة والحسين ع تقبل الرأي والرأي الآخر ولم يسّقط من أختلف معه في الرأي.
هكذا نعرف إذا كنا فعلاً عشّاق الحسين ع عندما تتجذر فينا قيم الحسين ع ومبادئه وأهدافه وعندما نشعر بالتغيير في أخلاقنا بعد أنتهاء موسم العزاء.
رسالة لمن تهمه الرسالة: إختلاف الرأي معك لا يعني خروجي من الدّين والتدين ولايعني أن تقوم بتوزع شهادات حسن سيرة وسلوك على من يتطابق رأيه معك وتسحبها ممن يخالفك الرأي. فهذا النهج يرفضه الإمام الحسين ع ... «هل تفهم ما أقول؟»
لنكن رسل سلام ومحبة ووحدة متماسكة في أيام عاشوراء الأليمة لكي نقول بعدها «نحن عشاق الحسين».
كيف نقرأ الحسين
السيد علي عبد المحسن السلمان
تتباين القراءات الشخصية لثورة وشخصية الامام الحسين ع وخاصة لدى النخب الثقافية وان اتفقت على القواسم المشتركة لتلك الشخصية التي لا يختلف فيها اثنان. لقد اخذت هذه الشخصية ابعاداً كثيرة قلما تجتمع في شخصية ما، بحيث يصعب على المتابع الوقوف على محتواها والوصول الى اعماق كينونتها، لا نها شخصية انطوت على ثورة انسانية، لا ولن تتكرر في تاريخ الانسانية قاطبة من حيث الاهداف والمقاصد.
ولكي لا نطيل على القارئ نوجز بعض تلك القراءات في نقاط:
1 - قراءة تاريخية:
لقد اخذت شخصية الامام الحسين ع طابعاً متميزاً في تراجم السيرة والتاريخ التي دونت شخصيته كشخصية بارزة في طيات الكتب والمصادر التاريخية وكحركة وثورة اسلامية، حالها حال الحركات الاسلامية والثورات الاخرى، ابتدأت لكي تنتهي كما ابتدأ وانتهى غيرها، كما في ثورة التوابين وثورة عمر المختار الثقفي وغيرها، فلم تتميز عن غيرها من حيث الهدف والغاية، وهذه الرؤية تتبناها بعض الفرق الاسلامية كحدث تاريخي ضمن الاحداث التي جرت في الحقب الماضية لا اكثر ولا اقل.
2 - قراءة منهجية فكرية:
انها رؤية ثقافية لحركة الامام الحسين ع وثورته من منظور منهجي وخط اصلاحي فكري، ولقد اخذت هذه الرؤية صدى واسع في الفكر الثقافي الاسلامي فهي تضع ثورته والتي لم تكتمل فصولها «حتى يخرج مهديها» ضمن الرسالة السماوية المنزلة على قلب جده ص بخطة مرسومة على اساس الامتداد «حسين من وانا من حسين» في تمثيل شامل للنهج الاسلامي ولذا نجد ان ثورته عكست ملامح نهجه من ولادته الى استشهاده ارثاً يتجدد نهضوياً مع تعاقب الاجيال في فكر حر ثوري جديد، فأينما تجد وقائع الظلم تجد وهج الثورة الحسينية يضئ ساحات غسق تلك الوقائع ويزيح الستار عن فجر الحرية والكرامة. ان مفردة الثورة الحسينية تعني للسائرين على خطاها نهجاً وخطاً خطه الحسين ع بدمه الطاهر فهو يختزل بالإمكانيات الرسالية جميع قوى الرسالات السماوية وان تباينت الصور واختلفت المواقف لان ثورته تبنت جميع مناهج الحركات الاصلاحية برمتها لا نها اخذت في تجلياتها صوراً حية لتضحياته ومبادئه وقيمه.
3 - قراءة جهادية:
وتعتبر هذه القراءة طريقة تحقق بها الامة عزتها وكرامتها وذلك بتقديم الغالي والنفيس في سبيل كيانها ووجودها، انها الرؤية الحقيقية لشخصية نضالية تحمل فكراً تناغي به جميع قضايا التحرر والاباء بغض النظر عن الفوارق المذهبية او العقدية، لان شخصيته تناشد اهداف البشرية جمعاء كما في دعوة جده الرسول الاكرم ص.
ان الحركة الجهادية تأتي ضمن مراتب الايمان بالنهج والفكر الحسيني الثوري، فتكون انعكاساً واقعاً ميدانياً لذلك الفكر والسير على ذلك الخط، لذا تتخذ الحركات المقاومة السابقة منها واللاحقة من وقائع وفجائع الطف ما يسكن آلامها ويضمد جراحها، فلها في الحسين ع وما اصابه قدوة واسوة يهون مقابلها ما تلاقيه من احن ومصائب، ومن جهة اخرى ترى تلك الحركات التحررية ان الانتصار مقرون بالإرادة والعزيمة على نيل المطالب واسترداد الحقوق بل وكسر قيود الهيمنة والاستكبار، وهذا ما نراه في شخصية ممن اخذوا من الحسين ع مظلوميته للانتصار وهو المحرر من نير الاستعمار البريطاني لشبه القارة الهندية غاندي الذي وضع وبنى اسس نجاح ثورته على اسس ثورة كربلاء فأدرك نجاحها وانتصارها، والامثلة على ذلك كثيرة مما لا تسعه هذه العجالة.
4 - قراءة عاطفية:
اخذت قراءة فاجعة الامام الحسين ع العاطفية مساحة كبيرة غطت على باقي القراءات الاخرى لما لهذه القضية من صدق هول ما حدث وفجائع ووحشية ما جرى والذي يندى له الجبين، مما جعل منها محكاً ومعياراً حقيقياً يعرض في مقابلها كل ما تبتلى وتصاب به البشرية جمعاء، لهذا انبرت الاقلام بتفجعها وحنينها شعراً ونثراً تروي فضائع تلك المصيبة والواقعة، فحركت المشاعر الانسانية نحوها وزادت في تظلمها، فاستحكمت وطغت على فسيفساء ومفردات جوانب تلك الرزية، ولهذا كانت هذه القراءة قاسم مشترك بين الجميع زماناً ومكاناً. وللحق ان يقال ان هذه القراءة هي اساس القراءات السابقة وذلك تجسيداً لقول الرسول الكريم ص «ان لابني الحسين حرارة في قلوب المؤمنين لا تنطفئ ابداً»
5 - القراءة الجامعة:
وهي القراءة التي ضمت جميع جوانب تلك الثورة وتلك الشخصية من جميع الزوايا وهي القراءة الصحيحة. انها الرؤية الشاملة التي حوت كل المعطيات والابعاد في اتزان تام، فهي تراه تاريخاً يختصر جميع القماقم والرموز وتراه فكراً نيراً وطريقاً ونهجاً يكمل التاريخ مسيره به، وتراه دماً خالداً يستنهض الحق في نفوس اصحابه ويثير الرعب في قلوب الطغاة، وتراه رحمة جده ص ينبوعاً يتدفق حناناً عطفاً ورحمة وهو مثخن في جراحه حتى مع الد اعدائه.
عاشوراء الحسين (ع) قراءة متعددة
محمد محمد المبارك
نهض الإمام الحسين ع وثار لهدف عظيم وسامي إلا وهو إعلاء الحق وكلمته التي هي كلمة الله تعالى وتخليد الإسلام ليبقى راسخا في هذه الأرض وعلى مر العصور ولهذا الهدف العظيم ولمكانته العظيمة استحق الإمام الحسين ع أن يكون عظيما وخالدا في الأزمان وعلى الألسن.
يقول الرسول الأعظم ص «حسين مني وأنا من حسين أحب الله من أحب حسينا» [1] .
وقال الإمام الشافعي: ذبيح بلا جرم كأن قميصه*** صبيغ بماء الأرجوان خضيب [2] .
وقال الشاعر الكبير أحمد شوقي: -
في مهرجان الحق ويوم الدم*** مهج من الشهداء لم تتكلم
يبدو على هاتور نور دمائها***كدم الحسين على هلال محرم[3]
وقال الرئيس الراحل «حافظ الأسد» «تمر العصور والدهور والإمام الحسين خالدا في ذاكرة الأحرار الذين ينشدون الحرية لشعوبهم» [4] .
نعم، فكثيرا أستقرؤا حريتهم وثورتهم من فكر الإمام الحسين ع وثورته، فكيف نقرأ عاشوراء من جوانبها المتعددة؟
فمثلا أذا أردنا أن نقرأها على أنها قضية تاريخية وقد وقعت في زمان معين ولأشخاص معينين، فهل أقرأها على أنها حدثت بين من يمثل الحق والباطل، فإذا كانت كذلك فكيف نقول بإن كل منهما مأجور ونترضى عن الطرفين؟ أليس في ذلك تناقض إلا يحدث ذلك شك وريبة في النفس؟ ومتى كان من يمثل الباطل مأجورا؟.
وفي الحقيقة أنه لا يمكن أن أجمع في قلبي العدو والصديق، أن فلسفة الترضي عن المؤمن وغيره والمحق وخلافه لهي فلسفة غير الصادقين. ثم هل نقرأ عاشوراء على أنها مأساة تستنهض فينا الدمعة والعبرة وتستثير عواطفنا أو أقرأها أنها عِبرة ورسالة تستنهض فينا الجهاد والمطالبة بالحق وإثبات الحقيقة.
نقول أن نهضة الامام الحسين ع هي رسالة العبرة والعِبرة هي للبكاء على الإمام الحسين «فمن بكى وأبكى واحدا فله الجنة، ومن تباكى فله الجنة» [5] والعبرة لاستلهام دروس الكفاح والجهاد في سبيل الله «أني ما خرجت أشرا ولا بطرا ولا ظالما ولا مفسدا وإنما خرجت أريد الإصلاح في أمة جدي» [6] . وهل أستطيع قراءة عاشوراء على أنها صراع بين فئتين على أهداف مختلفة، فئة همها الكرسي والسلطة وفئة أخرى همها الاصلاح في الامة والنهوض بها إلى بر الأمان في الدنيا والآخرة.
والواقع أن واقعة الطف هي ملحمة تمثل ذلك كله، تمثل كل قيم ومبادئ الخير تمثل التضحية وتمثل الفداء في سبيل الله. وواقعة كربلاء هي بكل الابعاد ملحمة دينية وإنسانية عظيمة فالإمام الحسين ع فيها هو ذلك الإنسان الذي ينشد التكامل الدنيوي والآخروي للمؤمن الذي ضحى من أجله للعيش بكرامة وعزة الاسلام المحمدي الأصيل، وبهذه التضحية رسم الإمام الحسين ع الطريق واضحا جليا وبعد تضحيته ع استرد الإسلام عافيته «إن صح التعبير» ليعود الإسلام عزيزا ومن أجل هذا كانت مقولة «الإسلام محمدي الوجود حسيني البقاء».
ومن أجل هذا أيضا تربع الإمام الحسين ع في قلوب المؤمنين لأنه سبب آخر بعد جده ص لإنقاذهم من الضلالة وهو سبب استمرار سعادتهم بما أعطاهم من دروس وأنار لهم الطريق المستقيم الذي لن يستطيع أحد إطفائه ﴿ ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون ﴾ [7] .
1 النيسابوري، الامام الحافظ أبي عبد الله محمد بن عبدالله الحاكم - المستدرك على الصحيحين - دراسة وتحقيق مصطفى عبد القادر عطا - ج 3 ص 195 - دار الكتب العلمية - بيروت.
2 دخيل، علي محمد علي - أروع ما قيل في الامام الحسين ع - ص 57 - ط، 1، 1424هـ - دار المرتضى - بيروت.
3 زميزم، سعيد رشيد - الإمام الحسين ع شاغل الدنيا - ص16 - ط، 1، 1431هـ، مؤسسة البلاغ - بيروت.
4 نفس المصدر ص 64.
5 المجلسي، العلامة المولى الشيخ محمد باقر - بحار الأنوار - ج44 ص 288 - ط، 3، 1403هـ - مؤسسة الوفاء - بيروت.
6 حيدر، العلامة الشيخ أسد - مع الحسين في نهضته - ص 68 - ط، 3، 1399هـ - دار التعارف للمطبوعات - بيروت.
7 سورة التوبة\ آية: 32