عرض مشاركة واحدة

هامة التطبير
عضو برونزي
رقم العضوية : 76190
الإنتساب : Nov 2012
المشاركات : 1,222
بمعدل : 0.27 يوميا

هامة التطبير غير متصل

 عرض البوم صور هامة التطبير

  مشاركة رقم : 3  
كاتب الموضوع : هامة التطبير المنتدى : منتـدى سيرة أهـل البيت عليهم السلام
افتراضي
قديم بتاريخ : 18-11-2012 الساعة : 05:54 PM


4- تأكيد المعصومين (عليهم السلام) وأمرهم لنا بإظهار الجزع على مصاب الحسين (عليه السلام) والذي هو أعلى درجة من الأسف بكثير بل جاء في بعض النصوص الشريفة التي تقدّم ذكرها قبل قليل في نفس هذا الفصل الحثّ على الهلع وهو أفحش الجزع. ولقد جزع وهلع إمامنا السجاد(عليه السلام) على مصاب أبيه (عليه السلام) كما حدثنا بذلك عن نفسه المقدّسة.

فما هي النتيجة بعد ذلك يا ترى؟

أظنّ أنّ الأمر بات واضحاً لذي عينين؛ أفبعد كل هذا؟! كيف يمكن الاستشكال على جراحةٍ محدودة وخروج مقدار محدود من الدم لا يسبّب أدنى ضررٍ للإنسان يفعله عشاق الحسين صلوات الله عليه في مواكب حزنهم وجزعهم عليه وعلى أهل بيته الأطهار وصحبه الأخيار؟!

ولكن ما عشت أراك الدهر عجبا!!!

ثالثاً- استحباب زيارة سيد الشهداء صلوات الله عليه مع الخوف على النفس ووجود المخاطر العظيمة:

والأحاديث والأخبار عن أهل بيت العصمة صلوات الله عليهم كثيرة وفيرة في هذا المضمون. وهاأنا ذاكر لك بعضاً منها:

1- (عن زرارة قال: قلت لأبي جعفر (عليه السلام): ما تقول فيمن زار أباك على خوف؟ قال: يؤمنه الله يوم الفزع الأكبر، وتلقّاه الملائكة بالبشارة، ويقال له: لا تخف ولا تحزن هذا يومك الّذي فيه فوزك).

جاء مروياً في:

1- كامل الزيارات طبعة طهران ب 45 ح 1 ص 135.

2- وسائل الشيعة ج 10 ب 47 ح 1 ص 356.

3- بحار الأنوار ج 101 ص 11.

2- (عن ابن بكير، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قلت له: إني أنزل الأرّجان وقلبي ينازعني إلى قبر أبيك، فإذا خرجت فقلبي وجل مشفق حتّى ارجع خوفاً من السلطان والسعاة وأصحاب المسالح، فقال: يا ابن بكير أما تحبّ أن يراك الله فينا خائفاً؟ أما تعلم أنه من خاف لخوفنا أظلّه الله في ظلّ عرشه، وكان محدّثه الحسين (عليه السلام) تحت العرش، وآمنه الله من أفزاع يوم القيامة، يفزع الناس ولا يفزع، فإن فزع وقّرته الملائكة وسكنت قلبه بالبشارة).

جاء مروياً في:

1- كامل الزيارات ب 45 ح 2 ص 135 و ص 136.

2- وسائل الشيعة ج 10 ب 47 ح 2 ص 356.

3- بحار الأنوار ج 101 ص 11.

3- (عن معاوية بن وهب، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال: يا معاوية لا تدع زيارة قبر الحسين (عليه السلام) لخوف، فإنّ من تركه رأى من الحسرة ما يتمنّى أنّ قبره كان عنده، أما تحب أن يرى الله شخصك وسوادك فيمن يدعو له رسول الله (صلى الله عليه وآله) وعليّ وفاطمة والأئمة (عليهم السلام)؟ أما تحب أن تكون ممن ينقلب بالمغفرة لما مضى ويغفر له ذنوب سبعين سنة؟ أما تحب أن تكون ممن يخرج من الدنيا وليس عليه ذنب يتبع به؟ أما تحب أن تكون غداً ممن يصافحه رسول الله (صلى الله عليه وآله)؟.

جاء مروياً في:

1- كامل الزيارات ب 40 ح 3 ص 127 و ب 45 ح 3.

2- وسائل الشيعة ج10 ب 37 ح 7 ص 321.

3- بحار الأنوار ج 101 ب 1 ح 30 ص 8.

وقد مرّ ذكر هذا الحديث بتمامه نقلاً عن الوسائل في الفصل الأول من هذا الكتاب.

4- عن محمد بن مسلم، عن الإمام الباقر (عليه السلام) أنّه سأله: (هل تأتي قبر الحسين (عليه السلام)؟ قلت: نعم على خوف ووجل، فقال (عليه السلام): ما كان في هذا أشدّ فالثواب فيه على قدر الخوف، ومن خاف في إتيانه آمن الله روعته يوم يقوم الناس لربّ العالمين، وانصرف بالمغفرة، وسلّمت عليه الملائكة، ورآه النبي (33) (صلى الله عليه وآله) وما يصنع، ودعا له، وانقلب بنعمةٍ من الله وفضل لم يمسسه سوء واتّبع رضوان الله) (34).

5- ما جاء في حديث قدامة بن زائدة، عن أبيه قال: (قال علي ابن الحسين (عليهما السلام): بلغني يا زائدة أنّك تزور قبر أبي عبد الله الحسين (عليه السلام) أحياناً؟ فقلت: إنّ ذلك لكما بلغك، فقال لي: فلماذا تفعل ذلك ولك مكان عند سلطانك الذي لا يحتمل أحداً على محبّتنا وتفضيلنا وذكر فضائلنا والواجب على هذه الأمة من حقّنا؟ فقلت: والله ما أريد بذلك إلاّ الله ورسوله، ولا أحفل بسخط من سخط، ولا يكبر في صدري مكروه ينالني بسببه، فقال: والله إنّ ذلك لكذلك؟ فقلت: والله إنّ ذلك لكذلك، يقولها ثلاثاً وأقولها ثلاثاً. فقال: أبشر ثم أبشر ثم أبشر).

وقد مرّ عليك يا قارئي العزيز هذا الحديث الطويل بتمامه في الفصل الأول من هذا الكتاب الذي بين يديك نقلاً عن كامل الزيارات ب 88 من ص 273 إلى ص 278، فراجعه مرةً أخرى وأخرى تغتنم إن شاء الله تعالى.

6- (عن الأصمّ (35) قال: حدّثنا هشام بن سالم، عن أبي عبد الله (عليه السلام) في حديث طويل، قال: أتاه رجل فقال له: يا ابن رسول الله هل يُزار والدك؟ قال: فقال نعم ويصلّى عنده، وقال: يصلى خلفه ولا يتقدّم عليه، قال: فما لمن أتاه؟ قال: الجنة إن كان يأتمّ به، قال: فما لمن تركه رغبةً عنه؟ قال: الحسرة يوم الحسرة، قال: فما لمن أقام عنده؟ قال: كلّ يوم بألف شهر، قال: فما للمنفق في خروجه إليه والمنفق عنده؟ قال: درهم بألف درهم، قال: فما لمن مات في سفره إليه؟ قال: تشيّعه الملائكة، وتأتيه بالحنوط والكسوة من الجنّة، وتصلّي عليه إذا كفّن وتكفّنه فوق أكفانه، وتفرش له الرّيحان تحته، وتدفع الأرض حتّى تصوّر من بين يديه مسيرة ثلاثة أميال، ومن خلفه مثل ذلك، وعند رأسه مثل ذلك، وعند رجليه مثل ذلك، ويفتح له باب من الجنّة إلى قبره، ويدخل عليه روحها وريحانها حتى تقوم الساعة، قلت: فما لمن صلّى عنده؟ قال من صلّى عنده ركعتين لم يسأل الله تعالى شيئاً إلا أعطاه إيّاه، قلت: فما لمن اغتسل من ماء الفرات، ثمّ أتاه؟ قال: إذا اغتسل من ماء الفرات وهو يريده تساقطت عنه خطاياه كيوم ولدته أمه، قال: قلت: فما لمن يجهز إليه ولم يخرج لعلّةٍ تصيبه؟ قال: يعطيه الله بكلّ درهم أنفقه مثل أُحُد من الحسنات، ويخلف عليه أضعاف ما أنفقه، ويصرف عنه من البلاء مما قد نزل ليصيبه، ويدفع عنه، ويحفظ في ماله، قال: قلت: فما لمن قتل عنده، جار عليه سلطان فقتله؟ قال: أول قطرة من دمه يغفر له كلّ خطيئة، وتغسل طينته التي خلق منها الملائكة حتى تخلص كما خلصت الأنبياء المخلصين، ويذهب عنها ما كان خالطها من أجناس طين أهل الكفر، ويغسل قلبه ويشرح صدره ويملأ إيماناً فيلقى الله وهو مخلص من كلّ ما تخالطه الأبدان والقلوب، ويكتب له شفاعة في أهل بيته وألف من إخوانه، وتولّى الصلاة عليه الملائكة مع جبرائيل وملك الموت، ويؤتى بكفنه وحنوطه من الجنّة، ويوسّع قبره عليه ويوضع له مصابيح في قبره ويفتح له باب من الجنّة وتأتيه الملائكة بالطرف من الجنّة، ويرفع بعد ثمانية عشر يوماً إلى حظيرة القدس، فلا يزال فيها مع أولياء الله حتى تصيبه النفخة التي لا تبقي شيئاً. فإذا كانت النفخة الثانية وخرج من قبره كان أوّل من يصافح رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأمير المؤمنين والأوصياء (عليهم السلام) ويبشّرونه ويقولون له: الزمنا، ويقيمونه على الحوض فيشرب منه ويسقي من أحبّ. قلت: فما لمن حبس في إتيانه؟ قال: له بكل يوم يحبس ويغتم فرحة إلى يوم القيامة، فإن ضرب بعد الحبس في إتيانه كان له بكلّ ضربةٍ حوراء وبكلّ وجع يدخل على بدنه ألف ألف حسنة ويمحى بها عنه ألف ألف سيّئة، ويرفع له بها ألف ألف درجة، ويكون من محدّثي رسول الله (صلى الله عليه وآله) حتى يفرغ من الحساب، فيصافحه حملة العرش ويقال له: سل ما أحببت. ويؤتى ضاربه للحساب فلا يسأل عن شيء ولا يحتسب بشيء ويؤخذ بضبعيه حتى ينتهي به إلى ملك يحبوه ويتحفه بشربةٍ من الحميم، وشربةٍ من الغسلين، ويوضع على مقالٍ في النار فيقال له: ذق ما قدّمت يداك فيما أتيت إلى هذا الذي ضربته، وهو وفد الله ووفد رسوله ويؤتى بالمضروب إلى باب جهنّم فيقال له: انظر إلى ضاربك والى ما قد لقي فهل شفيت صدرك، وقد اقتصّ لك منه؟ فيقول: الحمد لله الذي انتصر لي ولولد رسوله منه).

وقد جاء هذا الحديث مروياً في:

1- كامل الزيارات ب 44 ح 2 ص 133 و ص 134.

2- بحار الأنوار ج 101 ص 79.

3- مستدرك الوسائل ج 2 ص 209 الطبعة الحجرية.

بيان:

بعد ذكر هذه الروايات والأحاديث التي لا يحتاج فهمها ومعرفة فحواها إلى جهدٍ جهيد، اُلخّص الكلام في النقاط التالية:

1- الروايات المتقدمة كلها منقولة من كتاب كامل الزيارات الذي يعتبر بين المحققين من العلماء والفقهاء والمحدّثين أنه من أوثق كتب الطائفة وأعلاها منزلة وأشدّها اعتباراً (36).

2- متون هذه الروايات تدلّ بوضوحٍ على:

أ- جواز بل استحباب إلحاق الضرر بالنفس لو استلزم ذلك في سبيل زيارة سيد الشهداء صلوات الله عليه.

ب - عظيم الثواب والأجر، وعظيم المنزلة والزلفى والقرب من الله سبحانه وتعالى بسبب ما يتحمّله الإنسان من أضرار تلحق به أو مخاطر عظيمة قد تودي بحياته في سبيل زيارة أبي عبد الله الحسين المظلوم صلوات الله وسلامه عليه) (37).

3- البعد الأهم في ملاك تشريع الزيارة الحسينية المقدّسة كما يبدو من كلمات المعصومين (عليهم السلام) هو بعد تربوي عقائدي: تربوي من حيث العبرة والأسوة الحسينية بكل كمالها وحقّها وهداها، وعقائدي من حيث تمتين وتشديد الرابطة الصحيحة بين الجماهير وقادتهم الربانيين وإذكاء شعلة الحق بإحياء القضية الحسينية، إضافةً لما يترتب على ذلك من عظيم الأجر والثواب، وتضاعف الحسنات، ومحو السيئات، وغفران الذنوب، وتوفيق الطاعة والعمل الصالح، ودفع البلاء في الدين والدنيا؛ لذا كان هذا الحثّ الأكيد من المعصومين (عليهم السلام) للتوجّه إلى زيارة سيد الشهداء صلوات الله عليه ولو استلزم ذلك قتل النفوس كما مرّ علينا في الأحاديث والروايات الشريفة التي ذكرت قبل قليل. فإذا جاز قتل النفس وتحمّل الأضرار والمخاطر الكبيرة في سبيل إحياء أمر الحسين (عليه السلام) بل يظهر الاستحباب بشكلٍ واضح من تلكم الروايات والأخبار. فما قيمة الضرر الهيّن على فرض وجوده في التطبير حزناً وجزعاً على سيد شباب أهل الجنّة صلوات الله وسلامه عليه إذاً؟! وما قيمة الاستهزاء والسخرية في مقابل ما يفعله الظالمون من تنكيل وتعذيب وتقتيل في سبيل إحياء أمر آل محمّد صلوات الله عليهم جميعاً؟! الجواب عندكم أيها المنصفون..

زبدة المخض:

من قصة يوسف (عليه السلام) القرآنية عرفنا جواز بل رجحان الإضرار بالنفس حتى درجة فقدان البصر شوقاً وحزناً على أولياء الله وما يجرى عليهم.

ومن خطبة أمير المؤمنين (عليه السلام) عرفنا جواز بل رجحان الموت أسفاً لأجل ما يجري من الأذيان والمحن على رعايا الدولة الإسلامية وان كانوا من أهل الذمة كما صار في واقعة غزو الأنبار من قبل أصحاب معاوية لعنة الله عليه وعليهم.

ومن أحاديث استحباب زيارة سيد الشهداء (عليه السلام) مع الخوف عرفنا جواز بل رجحان تحمل البلايا والمخاطر العظيمة حتى درجة القتل في سبيل ذلك.

فهل يبقى لذي قول مقال؟!

وهل بعد ذلك إلا القول بجواز بل رجحان واستحباب التطبير حزناً وجزعاً على أبي عبد الله صلوات الله وسلامه عليه؟!


وفي جوّ الإستدلال أيضاً:

شواهد ومؤيّدات

أ- من موارد الإدماء:

(عن مسلم الجصّاص قال: دعاني ابن زياد لإصلاح دار الإمارة بالكوفة، فبينما أنا أجصصّ الأبواب وإذا أنا بالزعقات قد ارتفعت من جنبات الكوفة، فأقبلت على خادم كان معنا فقلت: مالي أرى الكوفة تضجّ؟ قال: الساعة أتوا برأس خارجي خرج على يزيد، فقلت: من هذا الخارجي؟ فقال: الحسين بن علي (عليهما السلام) قال: فتركت الخادم حتّى خرج ولطمت وجهي حتّى خشيت على عيني أن تذهب، وغسّلت يدي من الجصّ وخرجت من ظهر القصر وأتيت إلى الكناس. فبينما أنا واقف والناس يتوقّعون وصول السبايا والرؤوس إذ قد أقبلت نحو أربعين شُقّة تحمل على أربعين جملاً فيها الحرم والنساء وأولاد فاطمة (عليها السلام) وإذا بعليّ بن الحسين (عليهما السلام) على بعير بغير وطاء، دماً وأوداجه تشخب ، وهو مع ذلك يبكي ويقول:

يـــا أمــة السوء لا سقياً لربعكم يـــا أمّـــة لـــم تــــراع جدّنا فينا

لـــو أنّـــنا ورســــول الله يجمعنا يـــــوم القـــيامة ما كنتم تقولونا

بنـــي أمـية ما هذا الوقوف على تـــلك المــصائب لا تلبون داعينا

تصــــفّقون عـــلينا كفّــــكم فرحاً وأنتـــم في فجاج الأرض تسبونا

أليـــس جـــدّي رسول الله ويلكم أهدى البريّــة من سبل المضلّينا

يا وقعة الطـفّ قد أورثتني حزنا والله يهتك أســــتار المســـــيئينا

قال وصار أهل الكوفة يناولون الأطفال الذين على المحامل بعض التمر والخبز والجوز، فصاحت بهم أمّ كلثوم وقالت: يا أهل الكوفة إنّ الصدقة علينا حرام وصارت تأخذ ذلك من أيدي الأطفال وأفواههم وترمي به إلى الأرض، قال كل ذلك والناس يبكون على ما أصابهم. ثمّ إنّ أمّ كلثوم أطلعت رأسها من المحمل، وقالت لهم: صه يا أهل الكوفة تقتلنا رجالكم، وتبكينا نساؤكم؟ فالحاكم بيننا وبينكم الله يوم فصل القضاء. فبينما هي تخاطبهنّ إذا بضجّة قد ارتفعت، فإذا هم أتوا بالرؤوس يقدمهم رأس الحسين (عليه السلام) وهو رأس زهريّ قمريّ أشبه الخلق برسول الله (صلى الله عليه وآله) ولحيته كسواد السبج (38) قد انتصل منها الخضاب، ووجه دارة قمرٍ طالع والريح تلعب بها يميناً وشمالا فالتفت زينب فرأت رأس أخيها فنطحت جبينها بمقدّم المحمل، حتّى رأينا الدّم يخرج من تحت قناعها وأومأت إليه بحرقة وجعلت تقول:

يــــا هــلالاً لمّـــا استتمّ كمالا غـــــاله خســــفه فأبدا غروبا

ما توهّمت يا شقــــيق فؤادي كان هذا مقدّراً مكتوبــا) (39)

وفي الزيارة المفجعة التي يقرأها زوّار العقيلة (عليها السلام) حين المثول بين يدي ضريحها المقدّس في مشهدها المبارك:

(السلام عليك يا من نطحت جبينها بمقدّم المحمل إذ رأت رأس سيد الشهداء، ويخرج الدم من تحت قناعها ومن محملها بحيث يرى من حولها الأعداء).

2- (عن إبراهيم بن أبي محمود قال: قال الرضا (عليه السلام): إنّ المحرّم شهر كان أهل الجاهلية يحرّمون فيه القتال فاستحلّت فيه دماؤنا، وهتكت فيه حرمتنا، وسبي فيه ذرارينا ونساؤنا، وأضرمت النيران في مضاربنا، وانتهب ما فيها من ثقلنا، ولم ترع لرسول الله حرمة في أمرنا. إنّ يوم الحسين أقرح (40) جفوننا، وأسبل دموعنا، وأذلّ عزيزنا بأرض كرب وبلاء، أورثتنا الكرب والبلاء إلى يوم الانقضاء، فعلى مثل الحسين فليبك الباكون فإنّ البكاء عليه يحطّ الذنوب العظام.

ثمّ قال (عليه السلام): كان أبي إذا دخل شهر المحرّم لا يرى ضاحكاً وكانت الكآبة تغلب عليه حتّى يمضي منه عشرة أيام، فإذا كان يوم العاشر كان ذلك اليوم يوم مصيبته وحزنه وبكائه ويقول: هو اليوم الذي قتل فيه الحسين صلى الله عليه) (41).

3- ومما جاء في زيارة الناحية المقدّسة، حيث يقول إمام زماننا (عليه السلام): (فلئن أخّرتني الدّهور، وعاقني عن نصرك المقدور، ولم أكن لمن حاربك محارباً، ولمن نصب لك العداوة مناصباً، فلأندبنّك صباحاً ومساء، ولأبكين لك بدل الدموع دماً، حسرةً عليك، وتأسّفاً على ما دهاك، وتلهّفاً حتّى أموت بلوعة المصاب، وغصّة الاكتئاب) (42).

4- وعن بحار الأنوار لشيخنا المجلسي (ره):

(إنّ آدم لمّا هبط إلى الأرض لم ير حوّا فصار يطوف الأرض في طلبها فمرّ بكربلا فاغتمّ وضاق صدره من غير سبب، وعثر في الموضع الّذي قتل فيه الحسين، حتّى سال الدّم من رجله، فرفع رأسه إلى السماء وقال: إلهي هل حدث منّي ذنب آخر فعاقبتني به؟ فإنّي طفت جميع الأرض، وما أصابني سوء مثل ما أصابني في هذه الأرض. فأوحى الله إليه يا آدم ما حدث منك ذنب، ولكن يقتل في هذه الأرض ولدك الحسين ظلماً فسال دمك موافقة لدمه، فقال آدم: يا ربّ أيكون الحسين نبيّاً؟ قال: لا، ولكنه سبط النبيّ محمّد، فقال: ومن القاتل له؟ قال: قاتله يزيد لعين أهل السماوات والأرض. فقال آدم: فأيّ شيء أصنع يا جبرائيل؟ فقال: العنه يا آدم فلعنه أربع مرّات ومشى خطوات إلى جبل عرفات فوجد حوّا هناك) (43).

5- وعنه أيضاً:

(إنّ إبراهيم (عليه السلام) مرّ في أرض كربلا وهو راكب فرساً فعثرت به وسقط إبراهيم وشجّ رأسه وسال دمه، فأخذ في الاستغفار وقال: إلهي أيّ شيء حدث مني؟ فنزل إليه جبرائيل وقال: يا إبراهيم ما حدث منك ذنب، ولكن هنا يقتل سبط خاتم الأنبياء، وابن خاتم الأوصياء، فسال دمك موافقة لدمه. قال: يا جبرائيل ومن يكون قاتله؟ قال: لعين أهل السماوات والأرضين، والقلم جرى على اللّوح بلعنه بغير إذن ربّه فأوحى الله تعالى إلى القلم إنّك استحققت الثناء بهذا اللّعن. فرفع إبراهيم (عليه السلام) يده ولعن يزيد لعناً كثيراً وأمّن فرسه بلسان فصيح فقال إبراهيم لفرسه:

أيّ شيء عرفت حتّى تؤمّن على دعائي؟ فقال: يا إبراهيم أنا أفتخر بركوبك عليّ فلما عثرت وسقطت عن ظهري عظمت خجلتي وكان سبب ذلك من يزيد لعنه الله تعالى) (44).

6- وعنه أيضاً كذلك:

(إنّ موسى كان ذات يوم سائراً ومعه يوشع بن نون، فلمّا جاء إلى أرض كربلا انخرق نعله، وانقطع شراكه، ودخل الحسك (45) في رجليه، وسال دمه، فقال: إلهي أيّ شيء حدث منّي فأوحى إليه أنّ هنا يقتل الحسين (عليه السلام) وهنا يسفك دمه، فسال دمك موافقة لدمه فقال: ربّ ومن يكون الحسين؟ فقيل له: هو سبط محمّد المصطفى، وابن عليّ المرتضى. فقال: ومن يكون قاتله؟ فقيل: هو لعين السمك في البحار، والوحوش في القفار، والطير في الهواء. فرفع موسى يديه ولعن يزيد ودعا عليه وأمّن يوشع بن نون على دعائه ومضى لشأنه) (46).

7- وفي كامل الزيارات:

(عن محمّد بن سنان - عمّن ذكره - عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إنّ إسماعيل الّذي قال الله تعالى في كتابه: (واذكر في الكتاب إسماعيل إنّه كان صادق الوعد وكان رسولاً نبياً)(47)، لم يكن إسماعيل بن إبراهيم (عليهما السلام)، بل كان نبياً من الأنبياء، بعثه الله إلى قومه فأخذوه فسلخوا فروة رأسه ووجهه، فأتاه ملك عن الله تبارك وتعالى فقال: إنّ الله بعثني إليك فمرني بما شئت، فقال: لي أسوة بما يصنع بالحسين) (48).

8- ومنه أيضاً:

(عن سماعة بن مهران، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إنّه كان لله رسولاً نبياً تسلّط عليه قومه فقشروا جلدة وجهه وفروة رأسه فأتاه رسول من ربّ العالمين فقال له: ربّك يقرؤك السلام ويقول: قد رأيت ما صنع بك؛ وقد أمرني بطاعتك، فمرني بما شئت، فقال: يكون لي بالحسين أسوة) (49).

وسنرى أحاديث أخرى عن المعصومين (عليهم السلام) في هذا المضمون في الفصل السادس من هذا الكتاب في طوايا كلمات علماء وفقهاء ومراجع الأمة، كقول الإمام الصادق (عليه السلام): (على مثل الحسين فلتشق الجيوب، ولتخمش الوجوه، ولتلطم الخدود)، ولا يخفى فإنّ لازمة خمش الوجوه هو الإدماء. وكذلك ما جاء منقولاً عن الإمام السجاد (عليه السلام) أنّه (كان إذا أخذ إناءً ليشرب يبكي حتى يملأه دماً)، وغير ذلك ممّا استدلّ به علماء الأمة وفقهاؤها واستشهدوا به.

ب - من موارد إلحاق الضرر بالنفس حتى الموت المؤيّدة بتقرير المعصوم (عليه السلام) ورضاه:

1- خطبة وصف المتقين في نهج البلاغة الشريف أشهر من نارٍ على علم بين أهل العلم وأهل الدين من خاصّتهم وعامّتهم. فلندقّق النظر في قصة هذه الخطبة. وإليك نصّ ما ذكره الشريف الرضي (ره) في نهج البلاغة:

(روي أنّ صاحباً لأمير المؤمنين (عليه السلام) يقال له همام كان رجلاً عابداً فقال له: يا أمير المؤمنين، صف لي المتقين حتى كأني أنظر إليهم. فتثاقل (عليه السلام) عن جوابه ثم قال: يا همام اتق الله وأحسن فـ (إنّ الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون) (50).

فلم يقنع همام بهذا القول حتى عزم عليه، فحمد الله وأثنى عليه، وصلّى على النبي (صلّى الله عليه وآله) ثم قال (عليه السلام):

أمّا بعد .. .. إلى آخر الخطبة الشريفة.

قال: فصعق (51) همام صعقة كانت نفسه فيها. فقال أمير المؤمنين (عليه السلام): أما والله لقد كنت أخافها عليه. ثم قال: أهكذا تصنع المواعظ البالغة بأهلها؟) (52).

تعليق:

قول سيد الأوصياء عليه أفضل الصلاة والسلام:

(أما والله لقد كنت أخافها عليه) يُشعرنا بأنّ هماماً كان متوقّعاً منه أن يكون الذي منه كان، حيث وقع مغشياً عليه وفارقت روحه الدنيا. وهذا يدلّ بنحو مؤكّد على جواز الإقدام على ما يلحق الضرر بالنفس ولو إلى درجة الموت مع العلم المسبق أو الظن الشديد قبل الشروع في بعضٍ من الحالات المعنوية كالتي كان الحديث عنها في هذه الواقعة. وقوله (عليه السلام): (أهكذا تصنع المواعظ بأهلها؟) تقرير واضح وإمضاء بيّن لحالة همام رضوان الله تعالى عليه بل هو في الحقيقة مدح بليغ وبيان جزل لسموّ المقام المعنوي والدرجة الإيمانية لهمام ومن كان مثله. وخلاصة القول هي: جواز بل رجحان إلحاق الضرر بالنفس ولو كان ذلك إلى درجة الموت في بعضٍ من الحالات المعنوية، فهمام رضوان الله تعالى عليه سمع أوصاف المتقين فصعق صعقة كانت نفسه فيها. فكيف لو سمع بما جرى على إمام المتقين وسيدّهم وحجة الله البالغة عليهم سيد الشهداء صلوات الله عليه:

(.. .. ولما ضعف الحسين (عليه السلام) عن القتال وقف يستريح فرماه رجل بحجر على جبهته فسال الدم على وجهه، فأخذ الثوب ليمسح الدم عن عينيه، رماه آخر بسهم محدّد له ثلاث شعب وقع على قلبه فقال: بسم الله وبالله وعلى ملّة رسول الله ورفع رأسه إلى السماء وقال: الهي إنّك تعلم أنهم يقتلون رجلاً ليس على وجه الأرض ابن بنت نبي غيري!! ثم أخرج السهم من قفاه وانبعث الدم كالميزاب فوضع يده تحت الجرح فلما امتلأت رمى به نحو السماء وقال: هوّن عليّ ما نزل بي أنه بعين الله فلم يسقط من ذلك الدم قطرة إلى الأرض! ثم وضعها ثانياً فلما امتلأت لطخ به رأسه ووجهه ولحيته وقال: هكذا أكون حتى ألقى الله وجدي رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأنا مخضّب بدمي.. .. .. وأعياه نزف الدم فجلس على الأرض ينوء برقبته فانتهى إليه في هذا الحال مالك بن النسر فشتمه ثم ضربه بالسيف على رأسه وكان عليه برنس فامتلأ البرنس دما فقال الحسين (عليه السلام): لا أكلت بيمينك ولا شربت وحشرك الله مع الظالمين.. .. فصاح الشمر: ما وقوفكم وما تنتظرون بالرجل وقد أثخنته السهام والرماح؟! احملوا عليه!

وا أســـــــــفاه حـــــملوا عــــليـــه مــــن كــــل جــــــانبٍ أتــــوا إليـه

قــــد ضــــربوا عــــاتقه المطــهرا بـضربةٍ كبى لها على الثرى (53)

وضربه زرعة بن شريك على كتفه الأيسر، ورماه الحصين في حلقه، وضربه آخر على عاتقه، وطعنه سنان بن أنس في ترقوته ثم في بواني صدر رماه بسهمٍ في نحره، وطعنه صالح بن وهب في جنبه. وأقبل الفرس يدور حوله ولطّخ ناصيته بدمه فصاح ابن سعد دونكم الفرس.. .. فلما أمن الطلب أقبل نحو الحسين يمرّغ ناصيته بدمه ويشمّه ويصهل صهيلاً عالياً.. قال أبو جعفر الباقر (عليه السلام) كان يقول: (الظليمة، الظليمة، من أمةٍ قتلت ابن بنت نبيها) وتوجّه نحو المخيم بذلك الصهيل.. .. ثم صاح بن سعد بالناس: انزلوا إليه وأريحوه فبدر إليه شمر فرفسه برجله وجلس على صدره، وقبض على شيبته المقدّسة، وضربه بالسيف اثنتي عشرة ضربة، واحتزّ رأسه المقدّس!!!!!


من مواضيع : هامة التطبير 0 أبو الفضل العباس عليه السلام.
0 أسد.
0 كربلاء الشموخ.
0 الإمام الحسين عليه السلام.
0 أهل البيت عليهم السلام.
رد مع اقتباس