الائمة (ع) إذا شاءوا أن يعلموا علموا، وأن قلوبهم مورد إرادة الله سبحانه إذا شاء شاءوه
بسم الله الرحمن الرحيم
وصل الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين
وللرد على ذلك نقول :
ومن قال ان الأئمة عليهم السلام لهم مشيئة وإرادة مستقلة عن ذات الله سبحانه وتعالى فهم (
عِبَادٌ مُّكْرَمُونَ * لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُم بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ * يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى وَهُم مِّنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ * وَمَن يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلَهٌ مِّن دُونِهِ فَذَلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ )
ولو قرأتم تفاسيرنا لهذه الآية علمتم موقفنا من علم الإمام ومشيئته هل هي مستقلة ام بإذن الله
الميزان في تفسير القرآن
قوله تعالى: «و ما تشاءون إلا أن يشاء الله إن الله كان عليما حكيما» الاستثناء من النفي يفيد أن مشية العبد متوقفة في وجودها على مشيته تعالى فلمشيته تعالى تأثير في فعل العبد من طريق تعلقها بمشية العبد، و ليست متعلقة بفعل العبد مستقلا و بلا واسطة حتى تستلزم بطلان تأثير إرادة العبد و كون الفعل جبريا و لا أن العبد مستقل في إرادة يفعل ما يشاؤه شاء الله أو لم يشأ، فالفعل اختياري لاستناده إلى اختيار العبد، و أما اختيار العبد فليس مستندا إلى اختيار آخر، و قد تكرر توضيح هذا البحث في مواضع مما تقدم.
و الآية مسوقة لدفع توهم أنهم مستقلون في مشيتهم منقطعون من مشية ربهم، و لعل تسجيل هذا التنبيه عليهم هو الوجه في الالتفات إلى الخطاب في قوله «و ما تشاءون إلا أن يشاء الله» كما أن الوجه في الالتفات من التكلم بالغير إلى الغيبة في قوله: «يشاء الله إن الله» هو الإشارة إلى علة الحكم فإن مسمى هذا الاسم الجليل يبتدىء منه كل شيء و ينتهي إليه كل شيء فلا تكون مشية إلا بمشيته و لا تؤثر مشية إلا بإذنه. انتهى
فالإحاطة الكلية بجميع عوالم الوجود وتمام مراتب الغيب و الشهادة هي من الأمور المختصة بذات الله سبحانه الذي لا شريك له ولا نظير . فهو سبحانه خالق كلّ شيء المحيط الذي المدبِّر الذي يكون علمه عين ذاته .
أما علم سائر المخلوقات الأخرى نسبتاً لعوالم الغيب فهو على درجات إذ الذي نستفيده من الروايات الكثيرة أنَّ بعض مراتب الغيب هي من مختصات الباريء تعالى ولا يستطيع كائناً من كان أن يطلع عليه سواء أكان ملكاً مقرّباً أو نبياً مرسلاً و ربما كان من مراتب العلم الخاص بالله هو الإطلاع على حقيقة وكنه الذات الإلهية المطلقة .
أما ما دون تلك المرتبة فإنَّ الله جعل لكل الأنبياء و الأئمة عليهم جميعاً صلوات الله وسلامه قدراً من الإطلاع على عالم الغيب يكون تبعاً لما تقتضيه مشيئته تعالى . وهذا الإطلاع يكون مصدره الوحي أو الإلهام .
أما الذي نقرأه من الآيات و الروايات التي تنفي علم الغيب عمّا سوى الله فأن المراد من العلم الذي تنفيه هو العلم الذاتي بمعنى أن العلم الذاتي بعوالم الغيب يكون مختصاً بالله دون غيره وأنّ الأنبياء و الأئمة ليس لديهم علم ذاتي من عند أنفسهم وإنما كل ما يعلمونه ويعرفونه هو بتعليمه سبحانه و تعالى لهم . ( يقول صاحب الغدير في ذلك : (( إنَّ علم هؤلاء كلهم بلغ ما بلغ محدود لا محالة كماً و كيفاً و عارض ليس بذاتي و مسبوق بعدمه ليس بأزلي و له بدء ونهاية ليس بسرمدي و مأخوذٌ من الله سبحانه و عنده مفاتيح الغيب لا يعلمها إلا هو )) الغدير ج5 ص53 . )
و ليس ثم شك أنَّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) و الأئمة ( عليهم السلام ) يحيط كل واحد منهم ببعض عوالم الغيب التي تحدثنا عنها كتب الأخبار و الأحاديث بكثرة ولكن كل علومهم هذه هي مما أفاضه الله سبحانه عليهم .
قال الإمام الصادق (عليه السلام) : إنا نحن نتوارث الكمال والتمام اللذين أنزلهما الله على نبيه ( عليه السلام ) في قوله : * ( اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الاسلام دينا ) * والأرض لا تخلو ممن يكمل هذه الأمور التي يقصر عنها غيرنا . قال الكاظم(عليه السلام) : فلما سمع ذلك هشام من أبي انقلبت عينه اليمنى فاحولت واحمر وجهه ، وكان ذلك علامة غضبه إذا غضب ، ثم أطرق هنيئة ، ثم رفع رأسه فقال لأبي : ألسنا بنو عبد مناف نسبنا ونسبكم واحد ؟ فقال أبي : نحن كذلك ، ولكن الله ( جل ثناؤه ) اختصنا من مكنون سره وخالص علمه ، بما لم يختص أحدا به غيرنا . فقال : أليس الله ( جل ثناؤه ) بعث محمدا ( صلى الله عليه وآله ) من شجرة عبد مناف إلى الناس كافة ، أبيضها وأسودها وأحمرها ، من أين ورثتم ما ليس لغيركم ؟ ورسول الله مبعوث إلى الناس كافة ، وذلك قول الله ( تبارك وتعالى ) : * ( ولله ميراث السموات والأرض ) * إلى آخر الآية ، فمن أين ورثتم هذا العلم وليس بعد محمد نبي ولا أنتم أنبياء ؟ فقال : من قوله ( تعالى ) لنبيه ( عليه السلام ) : * ( لا تحرك به لسانك لتعجل به ) * فالذي أبداه فهو للناس كافة ، والذي لم يحرك به لسانه ، أمر الله ( تعالى ) أن يخصنا به من دون غيرنا . فلذلك كان يناجي أخاه عليا من دون أصحابه ، وأنزل الله بذلك قرآنا في قوله ( تعالى ) : * ( وتعيها أذن واعية ) * فقال رسول الله لأصحابه : سألت الله ( تعالى ) أن يجعلها أذنك يا علي ، فلذلك قال علي بن أبي طالب ( صلوات الله عليه ) بالكوفة : علمني رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ألف باب من العلم يفتح من كل باب ألف باب ، خصه به رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) من مكنون علمه ما خصه الله به ، فصار إلينا وتوارثناه من دون قومنا . فقال له هشام : إن عليا كان يدعي علم الغيب ، والله لم يطلع على غيبه أحدا فمن أين ادعى ذلك ؟ فقال أبي : إن الله ( جل ذكره ) أنزل على نبيه كتابا بين فيه ما كان وما يكون إلى يوم القيامة ، في قوله : * ( ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شئ وهدى ورحمة وبشرى للمسلمين ) * (النحل 16 : 89) . وفي قوله : * ( كل شئ أحصيناه في إمام مبين ) * (يس 36 : 12) . وفي قوله : * ( ما فرطنا في الكتاب من شئ ) * (الأنعام 6 : 38) . وفي قوله : * ( وما من غائبة في السماء والأرض إلا في كتاب مبين ) * (النمل 27 : 75) ... إلى آخر الرواية .. فلاحظ كيف يستشهد الإمام بالقرآن الكريم لبيان حقيقة هذا العلم لديهم وحقا فمن تدبر في الآيات الأخيره وخاصة آية ( كل شيء احصيناه في إمام مبين ) لاحظ كلمة كل شيء ولم يستثني رب العاملين شيئا وأحصيناه أي أودعناه .. في امام مبين .. وهذا الإمام هو علي عليه السلام حسب أقوال المفسرين .. فإن كان الله سبحانه وتعالى خصهم بهذه الميزة فمن نكون نحن حتى نعترض على الله فيما خصة لأنبيائه وأوليائه .
والحمد لله رب العالمين
وصل الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين