تتميم
المفطرات المذكورة إنما تفسد الصوم إذا وقعت على وجه العمد والاختيار ، وأما مع السهو وعدم القصد فلا تفسده ، من غير فرق في ذلك بين أقسام الصوم من الواجب المعين والموسع والمندوب . فلو أخبر عن الله ما يعتقد أنه صدق فتبين كذبه أو كان ناسيا لصومه فاستعمل المفطر أو دخل في جوفه شئ قهرا بدون اختياره لم يبطل صومه ، ولا فرق في البطلان مع العمد بين العالم والجاهل ، نعم لا يبعد عدم البطلان في الجاهل القاصر غير المتردد بالإضافة إلى ما عدا الأكل والشرب والجماع من المفطرات ، وفي حكمه المعتمد في عدم مفطريتها على حجة شرعية .
------------------------------
بعد أن فرغ من تعداد المفطرات وذِكر ما يتعلق بكل واحد منها ، ذكراً تتميماً تعرض فيه الى حكم عام لكل المفطرات ، وهو أن ما تقدم من المفطرات إنما تبطل الصوم بشرط أن تصدر عن عمد واختيار بحيث يتعمد الصائم فعل المفطر باختياره قاصداً للإفطار ، بخلاف ما إذا كان غير قاصد للإفطار كالساهي و الناسي كما لو نسي أنه صائم فشرب الماء فإنه وإن تعمد الشرب ولكن لم يقصد الإفطار لنسيان الصوم ، وكمن اعتقد أن المائع الخارجي مضاف فارتمس فيه فتبين أنه ماء - بناء على مفطرية الارتماس وعدم لحوق المضاف بالماء فيه - فهو غير قاصد للإفطار وإن تعمد الارتماس ، وكما لو أخبر عن الله تعالى او المعصومين عليهم السلام ما يعتقد أنه صدق فتبين كذبه فهو وإن كان عامداً في إخباره الا أنه غير قاصد للإفطار لاعتقاده صدق الخبر ، ففي جميع ذلك ونحوه هو وإن كان قاصداً للفعل الا أنه غير قاصد للإفطار
وبخلاف ما إذا كان فعل المفطر ليس باختياره بل قهراً كما لو زلت قدمه فارتمس في الماء بغير اختياره وكسبق المني بفعل موجبه مع الوثوق بعدم الخروج ، وكما إذا وُجر الماء في حلقه بغير اختياره ونحو ذلك فلا يبطل الصوم لعد صدور المفطر عن اختيار وإرادة
نعم لا بد من استثناء البقاء على الجنابة فإن مفطريته لا تختص بالعمد بل تشمل النسيان أيضاً كما تقدم في المسألة (988) وكذا يبطل الصوم في النومة الثانية والثالثة مع وجود النية للغسل وعدم العمد بالبقاء على الجنابة كما تقدم في المسألة (993) ، كما لا بد من استثناء بعض موراد وجوب القضاء دون الكفارة كالمضمضة ومن استعمل المفطر بعد طلوع الفجر جاهلاً بطلوعه و سبق المني بفعل موجبه إذا لم يكن قاصداً و لا من عادته كما سيأتي إن شاء الله في آخر الفصل الثالث فيجب في هذه الموارد القضاء رغم عدم العمد في الإفطار ، لكن هذه استثناءات من القاعدة دل الدليل عليها .
وعموماً القاعدة وهي عدم بطلان الصوم بفعل المفطرات الا مع العمد والاختيار محل اتفاق ولا خلاف فيها بلا فرق بين أقسام الصوم سواء الواجب المعين كصوم رمضان أو الموسع أي غير المعين كالقضاء او الصوم المندوب فلا يبطل شيء من الصوم بفعل المفطرات الا مع العمد والاختيار .
ثم إنه لا فرق في بطلان الصوم بفعل المفطر عن عمد واختيار بين العالم بالحكم والمفطرية والجاهل به فمن احتقن بالمائع عن عمد واختيار بطل صومه وإن كان جاهلاً بمفطريته للصوم ، فالعلم بالمفطرية ليس شرطاً في بطلان الصوم ووجوب القضاء ، نعم هو شرط في وجوب الكفارة فلا تجب الكفارة على من ارتكب المفطر الا مع العلم بمفطريته كما سيأتي أول الفصل الثالث إن شاء الله تعالى ، أما البطلان ووجوب القضاء فإنه يشمل كل من ارتكب المفطر عن عمد واختيار سواء كان عالماً بأنه من المفطرات أو لا ، فالجاهل بالمفطرية كالعالم بها في بطلان صومه ووجوب القضاء عليه بفعل المفطر وإن اختلف عنه في عدم وجوب الكفارة عليه والإثم .
ثم إن شمول الحكم للجاهل هل يعمّ كلا قسميه القاصر والمقصر أم يختص بالمقصر ؟
الجواب / المعروف هو الشمول فسواء كان الجاهل قاصراً او مقصراً فحكمه حكم العالم في بطلان الصوم بفعل المفطر عن عمد واختيار فمن احتقن بالمائع عامداً مختاراً جاهلاً بمفطريته بطل صومه سواء كان قاصراً في جهله بمفطرية الاحتقان بالمائع او مقصراً .
الا أن السيد الماتن فصّل في المسألة ، وحاصل التفصيل : أن المفطر إن كان هو الأكل او الشرب او الجماع فلا فرق حينئذٍ بين القاصر والمقصر فكلاهما كالعالم في بطلان الصوم بفعل أحد هذه المفطرات الثلاثة ، أما في باقي المفطرات فالحكم بالبطلان مختص بالجاهل المقصر دون القاصر فمن احتقن بالمائع جاهلاً بمفطريته إنما يبطل صومه إن كان مقصراً في جهله وأما إذا كان قاصراً ومعذوراً في جهله بمفطرية الاحتقان بالمائع فصومه حينئذٍ صحيح الا إذا كان متردداً أي شاكاً في المفطرية قبل فعله فإن فعله حينئذٍ بطل صومه .
قوله ( وفي حكمه المعتمد في عدم مفطريتها على حجة شرعية ) أي وفي حكم الجاهل القاصر في عدم بطلان صومه بفعل المفطرات في غير الأكل والشرب والجماع من اعتمد على حجة شرعية في عدم مفطريتها ، فمن قامت عنده حجة شرعية على عدم مفطرية الحقنة بالمائع او تعمد القيء ففعل فصومه صحيح كالجاهل القاصر .
خلاصة الكلام /
إنما يبطل الصوم - بجميع أقسامه - بفعل المفطرات بشرطين :
الأول / العمد بأن يقصد الإفطار مع عدم قصد الإفطار كما في السهو و النسيان
الثاني / الاختيار بأن يصدر الفعل عن إرادة ورغبة فلا يبطل الصوم بفعل المفطر قهراً .
ولا فرق في بطلان الصوم بفعل المفطر مع العمد والاختيار بين العالم بكونه مفطراً والجاهل به