|
شيعي حسيني
|
رقم العضوية : 63250
|
الإنتساب : Dec 2010
|
المشاركات : 6,772
|
بمعدل : 1.30 يوميا
|
|
|
|
كاتب الموضوع :
عابر سبيل سني
المنتدى :
منتدى الجهاد الكفائي
بتاريخ : 19-08-2011 الساعة : 10:47 AM
لن أنتظر جثثاً تأتي
مع اقتراب وقت الظهر، كان عدد الجرحى آخذاً في الإزدياد"بدأنا نشم رائحة الدم، ونراه أكثر، شعرنا أن الموضوع بدأ يحمى، صار ترقبنا يتوجس الأسوأ" يروي بعض الحاضرين من الطاقم الطبي. لم يلبث الظهر طويلاً حتى كان الدخول المفجع لفرحان، وارتجاج المركز بمن فيه. أكثر من 15 دقيقة مرت بعد أن غادر الإسعاف خارجاً بفرحان نحو مستشفى السلمانية من أجل استصدار شهادة الوفاة، بقى خلالها الطاقم الطبي في ذهوله الذي لم يغادره بعد، الصياح ما يزال يغلب على الكلام، والصدمة تخيم على المكان.
حنين، بعد صمت مفجوع بمنظر فرحان تصرخ: " لن أبقى في المركز هنا وأنتظر الجرحى يأتون موتى، سأذهب إليهم حيث هم، لن أنتظر جثثاً تأتي" توجهت لأحد المسعفين: "غير قادرة على التحمل، خذني الآن، خذني إلى هناك مباشرة"كان المسعف يدخن سيجارته بقهر، أخذ نفساً عميقاً، نظر الى عيني إصرارها:اركبي، قال لها.
اقتربا من المواجهات، صارت حنين تقف وراء الصف الأول الذي يواجه قوات الشغب مباشرة بأيدٍ عزلاء. بدأ الطلق المطاطي في الهواء، على حاويات القمامة، صوت مخيف يخرج، الشباب يصرخون "الله أكبر"، يزدادون ولا ينقصون، يقتربون أكثر، تبدأ الغازات المسيلة للدموع تصير أكثف، حالات الإغماء تتزايد، الشباب يسحبون الحالات المصابة باتجاه حنين، يصير الطلق أكثر عنفاً، الضربات تصير مباشرة، الرصاص الانشطاري والمطاط (8). مع كل هجوم كان الشباب يتطافرون إلى داخل البيوت، ثم لا يلبثون أن يعودوا "لم يكونوا ينكسرون، لم يكونوا يكلون، كر وفر لا ينقطع"، يقول أحد الشهود.
هامش
إطلاق النار على أعزل في سترة بتاريخ 15 مارس
http://www.youtube.com/watch?v=MLbw5fCXOrw
من يسقط من الشباب يحمل في سيارة (بيك أب) وينقل إلى سيارة الإسعاف التي تقف في منطقة أبعد عن الشباب. رسمياً لا يسمح للإسعاف بالتجاوز إلى المناطق الخطرة، في هذه الأثناء كانت سيارات الإسعاف لا تسكت ذهاباً وإياباً.
الشباب الآن أكثر قرباً من رجال الأمن، الضرب صار أشد، وكذلك التساقط. المسعف يقول لحنين: دعينا نذهب، الوضع صار خطيراً جداً. حنين تجيبه: لكن الشباب يتساقطون. يجيبها: سيأتون بهم إلينا. يتجهان نحو الإسعاف الذي يقف بعيداً، في المسافة، تقف سيارة تقودها إحدى السيدات من نساء سترة، تقول لهم: اركبا سريعاً. يصعدان السيارة. السيدة تسأل حنين: أنت طبيبة؟تجيبها بنعم. تخبرها عن جرحى في أحد البيوت، يحتاجون إلى معالجة ولا يستطيعون الخروج بسبب المحاصرة الأمنية، تسألها إن كان بإمكانها المساعدة. كانت حنين تحمل معها عدة الإسعافات الأولية، ينطلقون جميعاً إلى هناك.
لمس الموت..
الإصابة رصاص إنشطاري (شوزن) في الوجه. قامت حنين بتسكير الجروح. الشاب يريد أن ينهي علاجه بسرعة كي يخرج مرة أخرى. يريد أن يعود ويخرج مرة ثانية. سيارات الأمن تحاصر البيت من الخارج، الوقت عصراً. أهل البيت أغلقوا الباب والمصابيح، يجلس الجميع في صالة البيت في صمت مريع"كنا نسمع أنفاس بعضنا" تخبر حنين. أخرجت دفتراً صغيراً من حقيبتها وبدأت تكتب "شعرت أنها ربما تكون النهاية" كان شريط اليوم يمر على ذاكرتها، وصورة والدتها التي صرخت باسمها قبل أن تغادر، راحت تكتب عن البيت الذي تجلس فيه الآن مرتاعة، كتبت لأهلها، كأنها الوصية"الله إذا لم يكتب لي أن أعيش بعدها، على الأقل هناك ما يبقى ليخبر عن لحظاتي الأخيرة" تروي المقربة عن ما سمعته من حنين.
ساعة ونصف، كان الصمت والرعب هما سيدا المكان، في هذه الأثناء جاء اتصال هاتفي من مركز سترة الصحي، يُخبر أن قوات الأمن قد حاصرت المركز بالكامل وأن قوات مكافحة الشغب اقتحمت المركز، طلبت حنين أن يقوم أحد بإيصالها للمركز. السيدة تخبرها أنها ستأخذها بنفسها، لكن ترجوها الانتظار حتى يصير الوضع خارج المنزل أكثر أماناً. ينظر البعض عبر النافذة، لا سيارات أمن قريبة من البيت فيقررون الخروج.
في الطريق الآن، قليل من الضوء بقى قبل حلول الظلام، والشوارع فارغة من الناس والسيارات. ليست سوى السيارة التي تقودها السيدة التي وصفتها حنين بالحديدية "شعرت أن لها دقات قلب ثابتة، وأن أدرينالين الخوف لا يعرف طريقه إلى قلبها" سيدة ثلاثينية، تجوب الشوارع المهددة بالموت، فيما أبناؤها خرجوا قبلها يواجهونه.
طائرات الهوليكوبتر تحلق في أجواء المكان، السيارة تمر عبر (زرانيق ودواعيس) وممرات داخلية في المنطقة، المكان كله رائحة الغازات المسيلة للدموع. لم تكن المسافة بعيدة، لكنها كانت طويلة جداً ومتعثرة ومخيفة، في أحد الشوارع الفرعية، يتفاجؤون بسيارات أمن تسير متتابعة، كان عددها 12 سيارة، تأتي من الجهة المقابلة. الجميع جمد في مكانه فيما قامت السيدة التي تقود السيارة بلف السيارة على شكل الحرف U، وركنتها جانباً وأنزل الجميع من فورهم رؤوسهم تحاشياً للطلقات المباشرة. الغريب، أن سيارات الجيب مرت مسرعة دون توقف فيما يبدو أنها متجهة لمهمة مستعجلة. لم يصدق الجميع ما حدث، وأنهم نجوا، تنفسوا الصعداء، بهدوء قالت السيدة (الستراوية): الآن نستطيع مواصلة طريقنا.
من ينقذ الإسعاف؟
الشوارع كانت حالة من الفوضى العارمة، حاويات القمامة ملقاة في كل صوب، والأحجار متناثرة هنا وهناك. رن الهاتف، أجابت السيدة. التفتت نحو حنين تسألها: هناك جرحى في أحد البيوت؟ لم تتردد حنين.
قرعوا جرس الباب، فُتح لهم، الدماء كانت طريق حنين للداخل دون أن يقودها أحد. في الداخل كانت تنتظرها أربع حالات: كسر في الركبة، شوزن في الذراع، شوزن في الوجه بما فيها العين، شوزن في المؤخرة. الأول: أزالت حنين الشوزن من المناطق القريبة من العين والفم، وقامت بسد الجروح السطحية الباقية.
أما الأخير، فقد كان ينزف بكثرة، كان دمه هو المسال طوال البيت، تجنبت حنين نزع الشوزن من مؤخرته، لأن انتزاعه يعني المزيد من النزف، ورأت أن بقاء الشوزن مؤقتاً سيعمل بمثابة سد مؤقت للجرح حتى يتم نقله للمركز.
المسعف اتصل بآخر ليأتي لأخذ الحالات ونقلها، كان الظلام قد نزل. وصل الإسعاف، قال لنا: فلنخرج بسرعة، الهوليكوبتر تراقب، ركب 5 من الجرحى، و3 من الطاقم الطبي. الإسعاف اكتظ بالعدد لا مكان للوقوف أو الجلوس، وبينما حنين تقفل باب الإسعاف من الخلف، لمحت سيارة أمن قادمة، الإسعاف تحرك بسرعة مجنونة بحثاً عن مهرب. الهوليكوبتر تلاحقهم من السماء وسيارة الأمن من الخلف. الجميع في توتر ورعب، البعض كان يتشهد، البعض يقرأ آيات قرآن، حنين صارت تردد: وجعلنا من بين أيديهم سداً ومن خلفهم سداً، الجميع قام يردد بصوت واحد. شعر الجميع أن ساعة الموت قد وصلت، وأن كل شيء قد شارف على الانتهاء.
دقائق مرت كأنها ساعات، أخذ السائق نفساً وقال: خلاص يبدو أننا ضيعناهم. تنفس الجميع، لكن قلوبهم لم تتوقف عن ضرب طبولها على صدورهم المرعوبة. ليست إلا دقائق، حتى يتفاجأ الجميع بسيارة أمن تأتي من الأمام، تلحقها أربع أخريات، تحاصر سيارة الإسعاف. أوقف السائق السيارة. أطفأ المصابيح، صمت مرعب، ثم قال: أنا آسف سامحوني.
|
|
|
|
|