نكمل على بركة الله ثم ان رسول الله صلى الله عليه واله قال معاشر الناس ان الله عز وجل لم يكن يذركم على ما أنتم عليه حتى يميز الخبيث من الطيب وما كان الله ليطلعكم على الغيب، معاشر الناس أنه مامن قرية إلا والله مهلكها بتكذيبها وكذلك مهلك القرى وهي ظالمة كما ذكر الله عز وجل وهذا أمامكم ووليكم وهو مواعد والله يصدق وعده، معاشر الناس قد ضل قبلكم أكثر الأولين والله فقد أهلك الأولين وكذلك الآخرين، معاشر الناس أن الله قد أمرني ونهاني وقد أمرت عليا ونهيته وعليه الأمر والنهي من ربه عز وجل فاسمعوا لأمره وانتهوا لنهيه وصيروا الى مراده ولا يتفرق بكم السبل عن سبيله أنا صراط المستقيم الذي آمركم باتباعه ثم علي من بعدي ثم ولدي من صلبه أئمة يهدون بالحق وبه يعدلون ثم قرأ صلى الله عليه واله: الحمد لله. الى آخرها، وقال في نزلت وفيهم نزلت ولهم عمت وإياهم خصت وعمت أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون، ألا ان حزب الله هم الغالبون، ألا إن أعدائهم أهل الشقاق العادون واخوان الشياطين الذين يوحي بعضهم الى بعض زخرف القول غرورا ألا أن أوليائهم الذين ذكرهم الله في كتابه المؤمنون فقال: " لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله " - الى آخر الآية. ألا ان أوليائهم الذين وصفهم جل وعز " ولم يلبسوا ايمانهم بظلم اولئك لهم الأمن وهم مهتدون ". ألا ان اوليائهم الذين آمنوا ولم يرتابوا، ألا ان اولياءهم الذين قال الله عز وجل: " يدخلون الجنة بغير حساب "، ألا ان اعداءهم يصلون سعيرا، ألا ان اعداءهم الذين يسمعون لجهنم شهيقا وهي تفور ولها زفير كلما دخلت امة لعنت اختها حتى إذا اداركوا فيها جميعا - الآية، ألا ان اعدائهم الذين قال الله عز وجل: " كلما القي فيها فوج سألهم خزنتها ألم يأتكم نذير قالوا بلى قد جاءنا نذير فكذبنا " - الآية، ألا ان اولياءهم الذين يخشون ربهم لهم مغفرة واجر كبير، معاشر الناس انني نبي وعلي وصي، أن خاتمة الأئمة منا القائم المهدي، ألا أنه الظاهر على الدين، ألا أنه المنتقم من الظالمين. ألا أنه فاتح الحصون وهادمها، ألا وأنه فاتح كل قبيلة من الشرك، ألا أنه مدرك بكل ثار لأولياء الله عز وجل، ألا أنه الناصر لدين الله، ألا أنه الغراف من بحر عميق، ألا أنه يسم كل ذي فضل بفضله وكل ذي جهل بجهله، ألا أنه خيرة الله ومختاره، ألا أنه وارث كل علم والمحيط بكل فهم، ألا أنه المخبر عن ربه والمشبه لأمر ايمانه، ألا انه الرشيد، ألا أنه المفوض إليه، ألا أنه الباقي حجة ولا حجة بعده ولا حق إلا معه ولا نور إلا عنده، ألا انه لا غالب له ولا منصور عليه، ألا أنه ولى الله في أرضه وحكمه في خلقه وأمينه في سره وعلانيته، معاشر الناس قد بينت لكم وافهمتكم وهذا علي يفهمكم بعدي، ألا وان عند انقضاء خطبتي ادعوكم الى مصافقتي على بيعته والاقرار به ثم مصافقته بعد يدي ألا أني قد بايعت الله وعلي قد بايعني وانا آخذكم بالبيعة له عن الله عز وجل فمن نكث فانما ينكث على نفسه - الآية. معاشر الناس ان الحج والعمرة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر - الآية، معاشر الناس حجوا البيت فما ورده أهل بيت إلا نموا وانسالوا ولا تخلفوا عنه إلا اهتزوا وافترقوا، معاشر الناس ما وقف بالموقف مؤمن إلا غفر الله له ما سلف من ذنبه الى وقت ذلك فإذا انقضت حجته استونف علمه، معاشر الناس الحجاج معانون ونفقاتهم مخلفة والله لا يضيع أجر المحسنين، معاشر الناس حجوا بكمال الدين والنفقة ولا تنصرفوا عن المشاهد إلا بمؤنة واقلاع، معاشر الناس اقيموا الصلاة وآتوا الزكاة كما أمركم الله فان طال عليكم الامد فقصرتم أو نسيتم فعلي وليكم ومبين لكم ما لا تعلمون " ألا أن الحلال والحرام اكثر من أن احصيهما واعرفهما فأمر بالحلال وانهى عن الحرام في مقام واحد وأمرت أن أتخذ البيعة عليكم والصفة لكم بقبول ما جئت به عن الله عز وجل في علي أمير المؤمنين والأئمة من بعده الذين هم مني ومنه امة قائمة فيهم خاتمها المهدي الى يوم القيامة الذي يقضي بالحق، معاشر الناس فكل حلال دللتكم عليه أو حرام نهيتكم عنه فأني لم ارجع عن ذلك ولم ابدل، ألا فأذكروا ذلك واحفظوا وتواصوا به ولا تبدلوه، ألا وأني اجدد القول، ألا فأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة وآمروا بالمعروف وانهوا عن المنكر ألا وان رأس الامر بالمعروف ان تنتهوا الى قولي وتبلغوه من لم يحضر وتأمروه بقبوله وتنهوه عن مخالفته فأنه أمر من الله عز وجل ومني، معاشر الناس القرآن يعرفكم أن الأئمة من بعده ولده وعرفتكم انهم مني ومنه حيث يقول الله عز وجل: " وجعلها كلمة باقية في عقبه " ولن تضلوا ما تمسكتم بهما " معاشر الناس التقوى التقوى واحذروا الساعة كما قال الله عز وجل: " ان زلزلة الساعة شئ عظيم " واذكروا الممات والحساب والموازين والمحاسبة بين يدي رب العالمين والثواب والعقاب فمن جاء بالحسنة أفلح فله عشر مثلها " ومن جاء بالسيئة فلا يجزى إلا مثلها فمن جاء بالسيئة فليس له في الجنان من نصيب، معاشر الناس أنكم اكثر من أن تصافحوني بكف واحد وامرني الله عز وجل ان آخذ من السنتكم الاقرار بما عقد لعلي أمير المؤمنين ومن جاء بعده من الأئمة مني ومنه على ما أعلمتكم ان ذريتي من صلبه فقولوا بأجمعكم انا سامعون مطيعون راضون منقادون لما بلغته عن أمر ربي وأمر علي أمير المؤمنين وولده من صلبه من الأئمة على ذلك قلوبنا وانفسنا والسنتنا وأبداننا، على ذلك نحيا ونموت ونبعث لا نغير ولا نبدل ولا نشك ولا نرتاب ولا نرجع عن عهد ولا ميثاق ونعطي الله ونعطيك وعليا أمير المؤمنين وولده الأئمة الذين لهم ذكر من صلبه منن الحسنين يعني الحسن والحسين الذين قد عرفتكم مكانهما مني ومحلهما عندي ومنزلتهما من ربي عز وجل فقد أديت ذلك اليكم وانهما لسيدا شباب أهل الجنة وانهما لامامان بعد أبيهما علي وانا أبوهما قبله فقولوا اعطينا الله بذلك وأنت وعليا والحسن والحسين والأئمة الذين ذكرت عهدا وميثاقا مأخوذا لأمير المؤمنين من قلوبنا وانفسنا والسنتنا ومصافقة أيدينا من أدركها بيده وأقر بهما بلسانه لا ينبغي بدلا ولا يرى الله عز وجل منهما حولا ابدا اشهدنا الله وكفى به شهيدا وأنت به علينا شهيد وكل من استطاع ممن ظهر واستتر وملائكة الله وجنوده وعبيده والله اكبر من كل شهيد، معاشر الناس ما تقولون فأن الله يعلم كل صوت وخافية كل نفس فمن اهتدى فلنفسه ومن ضل فأنما يضل عليها ومن بايع فأنما يبايع الله يد الله فوق ايديهم، معاشر الناس فاتقوا الله وبايعوا عليا أمير المؤمنين والحسن والحسين والأئمة كلمة باقية يهلك الله من غدر ويرحم من وفى " ومن نكث فأنما ينكث على نفسه ومن اوفى بما عاهد عليه الله فسيؤتيه اجرا عظيما "، معاشر الناس قولوا الذي قلت لكم وسلموا على علي بامرة المؤمنين وقولوا سمعنا واطعنا غفرانك ربنا واليك المصير، وقولوا الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا ان هدانا الله، معاشر الناس ان فضائل علي بن أبي طالب عند الله عز وجل وقد انزلها في القرآن اكثر من احصيها في مقام واحد فمن انبأكم بها فصدقوه، معاشر الناس من يطع الله عز وجل ورسوله وعليا والأئمة الذين ذكرتهم فقد فاز فوزا مبينا عظيما، معاشر الناس السابقون السابقون الي مبايعته وموالاته والسلام عليه بأمرة المؤمنين اولئك الفائزون في جنات النعيم، معاشر الناس قولوا ما يرضي الله عنكم من القول فان تكفروا أنتم ومن في الأرض جميعا فلن يضر الله شيئا اللهم اغفر للمؤمنين واعطب الكافرين والحمد لله رب العالمين، فناداه القوم، نعم سمعنا واطعنا على امر الله ورسوله بقلوبنا والسنتنا وايدينا وتداكوا على رسول الله وعلي عليه السلام بأيديهم، فكان اول من صافق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الأول وثانيه وثالثه ورابعه وخامسه وباقي المهاجرين والأنصار وباقي الناس على قدر منازلهم الى ان صليت العشاء والعتمة في وقت واحد وواصلوا البيعة والمعانقة ثلاثا ورسول الله يقول كلما بايع قوم: الحمد لله الذي فضلنا على جميع العالمين وعن أبي سعيد الخدري لما صدر النبي صلى الله عليه واله من حجة الوداع نزل بغدير خم وأمر بالصلاة جامعة ثم أمر ان يرتب له منبرا من حدوج الأباعر فصعده صلى الله عليه واله وقال: يا أيها الناس أني مسؤل وانكم مسؤلون فبما أنتم قائلون قالوا نشهد انك قد بلغت ونصحت وجاهدت فجزاك الله خيرا، فقال أليس تشهدون أن لا إله إلا الله وان محمدا عبده ورسوله وان جنته حق وناره حق والبعث بعد الموت حق، قالوا بلى نشهد بذلك قال اللهم اشهد، ثم قال ايها الناس ان الله مولاي وأنا مولى المؤمنين وأنا أولى بهم من أنفسهم قالوا اللهم بلى، فقال اللهم اشهد حتى قالها ثلاثا ثم أخذ بيد علي فقال: من كنت مولاه فهذا علي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله، ثم قال: أني فرطكم وأنكم واردون علي الحوض حوض ما بين بصرى الى صنعا فيه عدد النجوم قد حان من فضة وأني سائلكم حين تردون علي الحوض عن الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي فاستمسكوا بهما ولا تضلوا وأنه نبأني اللطيف الخبير انهما لن يتفرقا حتى يردا علي الحوض، ثم نزل عن المنبر وقال: ايها الناس هنئوني بابن عمي وسلموا عليه بامرة المؤمنين، فأقبل الأصحاب يسلمون عليه الف وثلاثمائة رجل وأقبل عمر بن الخطاب يسلم عليه فقال بخ بخ لك يا علي أصبحت مولاي ومولى كل مؤمن ومؤمنه وعن حذيفة بن اليمان رحمه الله في خبر طويل أخذنا منه موضع الحاجة قال: ان الله عز وجل أمر رسوله ص في سنة عشر من مهاجرته من مكة الى المدينة أن يحج هو ويحج الناس معه فأوحى إليه بذلك: " وأذن بالناس في الحج يأتوك رجالا وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق " فأمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم المؤذنين فأذنوا في أهل السافلة والعالية: ألا أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قد عزم على الحج في عامه هذا ليفهم الناس حجهم ويعلمهم مناسكهم فيكون سنة لهم الى آخر الدهر، قال فلم يبق أحد ممن دخل في الاسلام إلا حج مع رسول الله ص لسنة عشر ليشهوا منافع لهم ويعلمهم حجهم ويعرفهم مناسكهم، وخرج رسول الله بالناس وخرج بنسائه معه وهي حجة الوداع فلما استتم حجهم وقضوا مناسكهم وعرف الناس جميع ما احتاجوا إليه وأعلمهم أنه قد أقام ملة إبراهيم عليه السلام وقد ازال عنهم جميع ما أحدثه المشركون بعده ورد الحج الى حالته الأولى ودخل مكة فأقام بها يوما واحدا فهبط عليه جبرئيل الأمين فقال يا محمد اقرأ من رب العالمين: " بسم الله الرحمن الرحيم الم أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين. أم حسب الذين يعملون السيئات أن يسبقونا ساء ما يحكمون "، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يا جبرئيل وما هذه الفتنة فقال يا محمد ان الله يقرؤك السلام ويقول لك: أني ما أرسلت نبيا قبلك إلا أمرته عند انقضاء أجله ان يستخلف على امته من بعده من يقوم مقامه ويحيي سنته واحكامه فالمطيعون لله فيما يأمرهم به رسول الله هم الصادقون " والمخالفون على أمره هم الكاذبون وقد دنى يا محمد مصيرك الى ربك وجنته وهو يأمرك أن تنصب لأمتك من بعدك علي ابن أبي طالب وتعهد إليه فهو الخليفة القائم برعيتك وامتك إن اطاعوه وأن عصوه وسيفعلون ذلك وهي الفتنة التي تلوت عليها الآى فيها وأن الله عز وجل يأمرك ان تعلمه جميع ما علمك وتستحفظه جميع ما استحفظك واستودعك فأنه الأمين المؤتمن، يا محمد أني اخترتك من عبادي نبيا وأخترته لك وصيا " قال فدعا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عليا عليه السلام فخلى به يومه وليلته واستودعه العلم والحكمة التي آتاه إياها وعرفه ما قال جبرئيل عليه السلام وكان ذلك في يوم عايشة بنت أبي بكر فقالت يا رسول الله: لقد طال استخلاؤك بعلي منذ اليوم، قال فأعرض عنها رسول الله صلى الله عليه واله فقالت لم تعرض عني يا رسول الله بأمر لعله يكون لي صلاحا، فقال ص: صدقت وايم والله أنه لأمر صلاح لمن اسعده الله بقبوله والأيمان به وقد امرت بدعاء الناس جميعا إليه وستعلمين ذلك إذا قمت به في الناس، قالت يا رسول الله ولم لا تخبرني به الآن لأتقدم بالعمل ولآخذ بما فيه الصلاح، قال سأخبرك به فأحفظيه الى أن اؤمر بالقيام في الناس جميعا فأنك أن حفظتيه حفظك الله في العاجلة والآجلة جميعا وكان لك الفضيلة بسبقه والمسارعة الى الأيمان بالله ورسوله ولو ضيعته وتركتيه رعاية ما القى اليك منه كفرت بربك وحبط أجرك وبرئت منك ذمة الله وذمة رسوله وكنت من الخاسرين ولم يضر الله ذلك ولا رسوله فضمنت له حفظه والأيمان به ورعايته، فقال أن الله تعالى أخبرني أن عمري قد انقضى وأمرني أن انصب عليا للناس علما وأجعله إماما فأستخلفه كما أستخلف الأنبياء من قبلي أوصياءها وأنا صائر الى أمر ربي وآخذ فيه بأمره فليكن هذا الأمر منك تحت سويداء قلبك الى أن يأذن الله بالقيام به فضمنت له ذلك واطلع الله نبيه على ما يكون منها فيه ومن صاحبتها حفصة وأبويهما فلم تلبث أن أخبرت حفصة وأخبرت كل واحدة منهما أبويهما فاجتمعا فأرسلا الى جماعة الطلقاء والمنافقين فخبراهم بالأمر فأقبل بعضهم على بعض وقالوا: ان محمد يريد أن يجعل هذا الأمر في أهل بيته كسنة كسرى وقيصر الى آخر الدهر ولا والله ما لكم في الحياة من حظ أن افضى هذا الأمر الى علي ابن أبي طالب وأن محمدا عاملكم على ظاهركم وأن عليا يعاملكم على ما يجد في نفسه منكم فأحسنوا النظر لأنفسكم في ذلك وقدموا آراءكم فيه ودار الكلام فيما بينهم وأعادوا الخطاب وأجالوا الرأي فأتفقوا على أن ينفروا بالنبي ناقته على العقبة فتحالفوا وتعاقدوا على ذلك وكان من عزم رسول الله أن يقيم عليا عليه السلام وينصبه للناس بالمدينة إذا قدم فسار رسول الله يومين وليلتين فلما كان اليوم الثالث أتاه جبرئيل بآخر سورة الحجر فقال اقرأ: " ولنسألنهم أجمعين عما كانوا يفعلون، فأصدع بما تؤمر واعرض عن المشركين، إنا كفيناك المستهزئين " قال ورحل رسول الله ص وأعد السير مسرعا على دخول المدينة لينصبه علما للناس فلما كانت الليلة الرابعة هبط جبرئيل في آخر الليل فقرأ عليه: " يا أيها الرسول بلغ ما انزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس إن الله لا يهدي القوم الكافرين " وهم الذين هموا برسول الله فقال أخي جبرئيل أعد السير مجدا فيه لأدخل المدينة فأعرض ولايته على الشاهد والغائب فقال له جبرئيل ان الله يأمرك أن تعرض ولاية علي غدا إذا نزلت منزلك فقال صلى الله عليه واله نعم يا جبرئيل غدا أفعل ان شاء الله تعالى وأمر رسول الله بالرحيل من وقته وسار الناس معه حتى نزل بغدير خم وصلى بالناس وأمرهم أن يجتمعوا إليه ودعا عليا " ع " ورفع رسول الله يد علي اليسرى بيده ورفع صوته بالولاء لعلي على الناس أجمعين وفرض طاعته عليهم وأمرهم أن يختلفوا عليه وخبرهم أن ذلك عن أمر الله عز وجل وقال لهم: ألست اولى بالمؤمنين من انفسهم قالوا بلى يا رسول الله فقال صلى الله عليه وآله وسلم: من كنت مولاه فهذا علي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وأنصر من نصره واخذل من خذله ثم أمر الناس أن يبايعوه، فبايعه الناس جميعا ولم يتكلم منهم أحد وقد كان أبو بكر وعمر تقدما الى الجحفة فبعث وردهما ثم قال لهما النبي صلى الله عليه واله متجهما لهما يابن أبي قحافة ويا عمر بايعا عليا بالولاية من بعدي فقالا: أمر من الله ومن رسوله فقال ص وهل يكون مثل هذا من غير أمر الله ورسوله نعم أمر من الله ومن رسوله، فبايعا عليا ثم أنصرفا، وسار رسول الله باقي يومه وليلته حتى إذا دنوا من العقبة تقدمه القوم فتواروا في ثنية العقبة وقد حملوا معهم دبابا وطرحوا فيها الحصى، قال حذيفة فأمرني رسول الله أن اقود ناقته وعمار يسوقها حتى إذا صرنا في رأس العقبة ثار القوم من ورائنا ودحرجوا الدباب بين قوائم الناقة فذعرت وكادت ان تنفر برسول الله صلى الله عليه واله فصاح بها النبي: ان اسكني وليس عليك بأس فأنطقها الله تعالى بلسان عربي فصيح فقالت: والله يا رسول الله ما أزلت يدا عن مستقر يد ولا رجلا عن موضع رجل وأنت على ظهري، فتقدم القوم ليدفعوا الناقة فأقبلت انا وعمار فضرب وجوههم بأسيافنا وكانت ليلة مظلمة فولوا هاربين فقلت فقلت يا رسول الله من هؤلاء القوم الذين يريدون ما ترى فقال يا حذيفة هؤلاء المنافقون في الدنيا والآخره فقلت ألا تبعث إليهم يا رسول الله رهطا فيأتون برؤوسهم فقال إن الله أمرني أن أعرض عنهم وكره أن يقول الناس دعا أناسا إلى دينه فاستجابوا له فقاتل بهم حتى ظهر على عدوه ثم أقبل عليهم فقتلهم، ولكن دعهم يا حذيفة فإن الله لهم بالمرصاد وسيمهلهم قليلا ثم يضطرهم إلى عذاب غليظ وسماهم لي وقد كان فيهم أناس أكره أن يكون منهم فأمسكت عن ذلك فقال صلى الله عليه واله: كأنك شاك يا حذيفة في بعض من سميت إرفع رأسك إليهم فرفعت طرفي إلى القوم وهم وقوف على الثنية فبرقت برقة فأضاءت جميع ما حولنا وثبتت البرقة حتى خلتها الشمس الطالعة فنظرت إلى القوم وإذا هم كما قال رسول الله صلى الله عليه واله أربعة عشر رجلا تسعة من قريش وخمسة من سائر الناس وهم أبو بكر وعمر وعثمان وطلحة وعبد الرحمن بن عوف وسعد بن أبي وقاص وأبو عبيدة بن الجراح ومعاوية بن أبي سفيان وعمر بن العاص هؤلاء من قريش وأما الخمسة الأخر فأبو موسى الأشعري والمغيرة ابن شعبة الثقفي واوس بن الحدثان البصري وأبو هريرة وأبو طلحة الأنصاري، قال حذيفة فانحدرنا من العقبة وقد طلع الفجر فنزل رسول الله وتوضأ وانتظر أصحابه حتى انحدروا من العقبة واجتمعوا فرأيت القوم بأجمعهم وقد دخلوا مع الناس وصلوا خلف رسول الله فلما انصرف من صلاته نظر إلى أبي بكر وعمر وأبي عبيدة يتناجون فأمر مناديا ونادى في الناس لا يجتمع ثلاثة نفر من الناس يتناجون فيما بينهم بسر، وارتحل رسول الله صلى الله عليه واله من منزل العقبة فلما نزل المنزل الآخر رأى سالم مولى أبي حذيفة أبا بكر وعمر وأبا عبيدة يسار بعضهم بعضا فوقف عليهم وقال: أليس قد أمر رسول الله أن لا يجتمع ثلاثة من الناس على سر والله لتخبروني عما أنتم عليه وإلا أتيت رسول الله حتى أخبره بذلك منكم فقال أبو بكر يا سالم عليك عهد الله وميثاقه لئن نحن خبرناك بالذي نحن فيه فإن أحببت أن تكون معنا دخلت وإلا كتمت فقال سالم لكم ذلك قال حذيفة وكان سالم شديد البغض لعلي وعرفوا ذلك منه فقالوا له إنا قد اجتمعنا على أن نتحالف ونتعاقد على أن لا نطيع محمدا فيما فرض علينا من ولاية علي بن أبي طالب بعده فقال عليكم عهد الله وميثاقه في هذا كنتم تخوضون قالوا نعم، فقال أنا والله أول من يعاقدكم على هذا الأمر ولا يخالفكم عليه إنه والله ما طلعت شمس على أهل بيت أبغض إلي من بني هاشم ولا في بني هاشم أبغض ألي من على بن أبي طالب فأصنعوا في هذا الأمر ما بدي لكم فإني واحد منكم، فتعاقدوا من وقتهم على هذا الأمر، فلما أراد رسول الله المسير أتوه فقال لهم فيم كنتم تتناجون في يومكم هذا وقد نهيتكم عن النجوى فقالوا ما التقينا غير وقتنا هذا فنظر إليهم مليا ثم قال لهم: " أنتم أعلم أم الله ومن أظلم ممن كتم شهادة عنده من الله وما الله بغافل عما تعملون " ثم سار حتى دخل المدينة واجتمع القوم جميعا وكتبوا بينهم صحيفة وكان أول ما فيها النكث لولاية علي وأن الأمر لأبي بكر وعمر وأبي عبيدة وسالم معهم ليس بخارج وشهد بذلك أربعة وثلاثون رجلا، قال حذيفة حدثتني أسماء بنت عميس امرأة أبي بكر أن القوم اجتمعوا في منزل أبي بكر وكتب سعيد بن العاص الصحيفة: بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما اتفق عليه الملأ من أصحاب محمد رسول الله من المهاجرين والأنصار وكتبوا هذه الصحيفة نظرا منهم إلى الإسلام وأهله ليقتدي بهم من يأتي بعدهم من المسلمين: أما بعد فإن الله بعث محمدا رسولا إلى الناس كافة حتى إذا أكمل الدين قبضه الله إليه من غير أن يستخلف أحدا من بعده والإختيار إلى المسلمين يختارون لأنفسهم من وثقوا برأيه وأن للمسلمين بنبيهم أسوة حسنة وهو لم يستخلف أحدا لئلا يجري ذلك في أهل بيت واحد إرثا دون المسلمين ولئلا يقول المستخلف أن هذا الأمر باق في عقبه من ولد إلى ولد والذي يجب على المسلمين عند مضي خليفة من الخلفاء أن يجتمع ذوي الرأي والصلاح منهم فيشاورا في أمورهم فمن رأؤه مستحقا ولوه فإن ادعى مدع أن رسول الله استخلف رجلا بعينه ونص عليه باسمه ونسبه فقد أبطل في قوله وخالف جماعة المسلمين وإن قال أن خلافته إرث فقد أحال في قوله لأن رسول الله قال نحن معاشر الأنبياء لا نورث ما تركناه صدقة وإن قال أنها لا تصلح إلا لرجل واحد لأنها تتلو النبوة فقد كذب لأنه قال صلى الله عليه واله أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم إهتديتم، وإن قال أنه مستحق لها بقربة من رسول الله فليس له لأن الله يقول: " إن أكرمكم عند الله أتقاكم " وقد قال رسول الله: من جاء إلى أمتي وهم جمع ففرق بينهم فاقتلوه ولا تجتمع أمتي على ظلال أبدا، وان المسلمين يد واحدة على من سواهم فإنه لا يخرج عن جماعة المسلمين إلا مفارق معاند لهم ومظاهر عليهم أعداءهم وقد أباح الله ورسوله دمه وأحل قتله، وكتب سعيد بن العاص باتفاق من أثبت اسمه وشهادته آخر الصحيفة في محرم سنة عشر من الهجرة والحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد النبي وسلم، قال ثم دفعت الصحيفة إلى أبي عبيدة بن الجراح فوجه بها إلى مكة فلم تزل الصحيفة في الكعبة مدفونة إلى أن ولي الأمر عمر فاستخرجها من موضعها وهي الصحيفة التي قال أمير المؤمنين عند موت عمر: ما أحب إلي أن ألقى الله بصحيفة هذا المسجى، قال حذيفة ثم انصرفوا وصلى رسول الله ص بالناس صلاة الفجر ثم التفت إلى أبي عبيدة بن الجراح فقال صلى الله عليه واله: بخ بخ من مثلك لقد أصبحت أمين هذه الأمة وتلى صلى الله عليه وآله: " فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون هذا من عند الله ليشتروا به ثمنا قليلا فويل لهم مما كتبت أيديهم وويل لهم مما يكسبون " لقد أشبه هؤلاء في هذه الأمة هؤلاء ليستخفوا من الناس ولا يستخفون من الله وهو معهم إذ يبيتون ما لا يرضى من القول وكان الله بما يعملون محيطا، ثم قال أصبح في هذه الآية في يومي هذا قوم شابهوهم في صحيفتهم التي كتبوها علينا في الجاهلية وعلقوها في الكعبة وأن الله يعذبهم عذابا ليبتليهم ويبتلي من بعدهم تفرقة بين الخبيث والطيب ولو لا أنه أمرني بالاعراض للأمر الذي هو بالغه لضربت أعناقهم، قال فوالله لقد رأيناهم أحذتهم الرعدة ولم يبق أحد إلا علم أنه صلى الله عليه واله إياهم عنى ولهم تلى الأمثال. تم الخبر والحمد لله الذي من علينا بولايه الطيبوالطاهر الامام علي عليه السلام اخو الرسول وزوج البتول وحشرنا الله بشفاعة محمد وال محمد الطاهرين انه رحيم ودود نسألكم الدعاء ياموالين