|
شيعي حسيني
|
رقم العضوية : 9236
|
الإنتساب : Sep 2007
|
المشاركات : 16,273
|
بمعدل : 2.52 يوميا
|
|
|
|
كاتب الموضوع :
Bani Hashim
المنتدى :
المنتدى العقائدي
بتاريخ : 17-07-2010 الساعة : 04:00 PM
مجمل القضيّة هو : إنه قد كان الواجب على الناس الوفاء بما عاهدوا عليه الله ورسوله , وبايعوا عليه أمير المؤمنين (عليه السّلام) في يوم الغدير وغيره ، فلمّا خالفوا جلس علي (عليه السّلام) وأهله وأصحابه في البيت ، فرأى القوم أنّ الأمر لأبي بكر لا يتمّ إلاّ بحمل عليٍّ (عليه السّلام) على البيعة ، فطلبوه مراراً فأبى أن يخرج ويبايع ، حتّى أمر أبو بكر عمرَ بنَ الخطاب ومَن معه بأن يأتوا به جبراً وقسراً ، فجاؤوا إلى بابه ، فمنعتهم الصديقة الطّاهرة من الدخول . ولم تكن الزهراء (سلام الله عليها) تظنّ ـ ولا أحد يظنّ ـ أن تبلغ بهم الجرأة والجسارة لأن يدخلوا بيتها ويضربوها ثمَّ يعصروها بين الباب والجدار . ولكنهم دخلوا وأخرجوا الإمام للبيعة ، ولو أنّ عليّاً (عليه السّلام) خرج إليهم في تلك الحالة لقتلوه ، وذلك لم يكن إلاّ في صالحهم ؛ إذ كانوا يقولون ـ وتسير الأخبار إلى سائر الأقطار ـ بأنّ عليّاً خالف الاُمّة وخرج على الخليفة فقتله الناس كما قال بعضهم ذلك بالنسبة إلى الإمام الحسين (عليه السلام) ؛ فلا الإمام علي (عليه السّلام) سكت حتّى يقال : وافق ، ولا قام بالسّيف وحارب حتّى يقال : حارب على الحكم والرئاسة . سؤال : لمإذا لم يقم الإمام أمير المؤمنين علي (صلوات الله وسلامه عليه) بفعل شيء للذين هجموا على الدار وكسروا ضلع البضعة (صلوات الله عليها) ؟ الجواب : لقد فعل الإمام (عليه السّلام) شيئاً في ذلك اليوم حيّر به العقلاء إلى هذا اليوم ، وهو «السكوت» , وفيه «كلّ شيء» ؛ وبذلك أحبط المؤامرة . ثمَّ إنّ هناك أمرين يجب الالتفات إليهما : أحدهما : إنّ الناس كانوا ينتهزون الفرصة للانتقام من علي (عليه السّلام) ؛ لقتله أشياخهم في الحروب والغزوات . الثاني : إنّ الإمام (عليه السّلام) كان مأموراً بالصبر , وهم كانوا عالمين بذلك ... وقد نصّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله) على أنّ في قلوب الناس ضغائن يبدونها بعد وفاته ، ونصّ أميرالمؤمنين (عليه السّلام) على كونه مأموراً بالصبر في غير موضع من خطبه وكلماته . ومع الأسف الشديد فإن الخليفتين قد روّعا الزهراء (عليها السّلام) , ولم يرعيا فيها وصايا الرسول ( ص) حتّى ماتت وهي غاضبة عليهما . وقد روى البخاري في كتاب الخمس قائلاً : فغضبت فاطمة بنت رسول اللّه , فهجرت أبا بكر , فلم تزل مهاجرته حتّى توفيت(14) .ويقول البلاذري بعد ذكره لحادثة السقيفة المريرة : إنّ أبا بكر أرسل إلى علي يريد البيعة ، فلم يبايع ، فجاء عمر ومعه فتيلة ، فتلقّته فاطمة على الباب ، فقالت فاطمة : (( يابن الخطاب , أتراك محرقاً عليَّ بابي ؟ )) . قال : نعم ، وذلك أقوى فيما جاء به أبوك(15) . الأدّلة على رفس عمر بقدمه بطن الزهراء (عليها السّلام) واسقاط المحسن لم يكن رحيل السيدة الزهراء (عليها السّلام) وليد مرض , أو نتيجة طبيعية , بل جاء رحيلها نتيجة غصص وآلام سرّعت من رحيلها إلى عالم الملكوت عند مليك مقتدر . لم تمضِ فترة قصيرة بعد وفاة أبيها حتّى لحقت اُمّ أبيها به (صلوات الله عليه وعليها) . لقد كابدت تلك المرأة معاناة حقيقية بعد وفاة أبيها . لقد تغلغل الحزن فيها إلى أن تجذّر وأصبحت أيّامها سواداً في سواد . نقل صاحب كتاب الوافي بالوفيات(16) , عن النظام المعتزلي(17) قال : إنّ عمر ضرب بطن فاطمة يوم البيعة حتّى ألقت المحسن في بطنها(18) .ورَوى أحمد بن محمد المعروف بابن أبي دارم(19) أنّ عمر رفس فاطمة حتّى أسقطت بمحسن(20) .وقال المسعودي : وضغطوا سيدة النساء بالباب حتّى أسقطت محسناً(21) . نعم لقد انتقلت الزهراء (عليها السّلام) إلى جوار ربِّها مظلومة مقهورة بسبب ما جرى لها من ضرب ورفس أدّى إلى إسقاط جنينها المحسن , ومن ثمّ مرضت إلى أن لحقت بأبيها تشكو له ما جرى عليها . قال الإمام موسى الكاظم (عليه السّلام) وهو يصف ما جرى : (( لمّا حضرت رسول الله (صلّى الله عليه وآله) الوفاة دعا الأنصار وقال : يا معشر الأنصار , لقد حان الفراق ... إلى أن قال : ألا إنّ فاطمة بابها بابي , وبيتها بيتي ؛ فمن هتكه فقد هتك حجاب الله )) . قال الراوي : فبكى الإمام الكاظم (عليه السّلام) طويلاً , وقطع بقية كلامه وقال : (( هُتك والله حجابُ الله , هُتك والله حجابُ الله , هُتك والله حجاب الله ! ))(22) .ويوماً فيوماً راحت تذبل تلك الزهرة اليانعة , وأخذ المرض منها مأخذاً . يقول الإمام الصادق (عليه السّلام) : (( فأسقطت محسناً , ومرضت من ذلك مرضاً شديداً , وكان ذلك هو السبب في وفاتها )) . كيف لا يكون كذلك وهي ابنة ثمانية عشر عاماً ! لقد اكتملت عليها المصائب بضربها واقتحام دارها , فكانت البداية والنهاية , وصارت طريحة الفراش تنتظر أجلها الذي اقترب منها سريعاً . يقول الإمام زين العابدين (عليه السّلام) عن أبيه الحسين (عليه السّلام) , قال : (( لمّا مرضت فاطمة بنت رسول الله (صلّى الله عليه وآله) أوصت علي بن أبي طالب (عليه السّلام) أن يكتم أمرها , ويخفي خبرها ... )) .لقد يئست الزهراء (عليها السّلام) من أهل المدينة الذين طلبت نصرتهم فلم ينصروها , وسئمتهم وزهدت في مروءتهم ؛ فبلغ بها الأمر ألاّ تريد رؤيتهم في مرضها الأخير ؛ فإنه يكفيها علي (عليه السّلام) ليقف بجانبها وهي على هذه الحالة . وصية الزهراء (عليها السّلام) لما دنت من الزهراء (عليها السّلام) الوفاةُ أوصت أمير المؤمنين (عليه السّلام) بوصايا كثيرة , منها : (( ... واُوصيك إذا قضيت نحبي ؛ فغسلني , ولا تكشف عني ؛ فإني طاهرة مطهّرة , وحنطني بفاضل حنوط أبي رسول الله (صلّى الله عليه وآله) , وصلِّ عليَّ , وليصلِّ معك الأدنى فالأدنى من أهل بيتي , وادفني ليلاً لا نهاراً إذا هدأت العيون ونامت الأبصار , وسرّاً لا جهاراً , وعفِ موضع قبري , ولا تشهد جنازتي أحداً ممّن ظلمني )) . لقد أرادت الزهراء (عليها السّلام) مواصلة الجهاد بعد مماتها , فكانت وصيتها الإعلان الأخير لموقفها الصامد والمستمر , من استشهاد الرسول (صلّى الله عليه وآله) وحتّى مرضها , وتريده باقياً إلى ما شاء الله . في لحظاتها الأخيرة طلبت ثياباً جديدة , ثمّ دعت سلمى امرأة أبي رافع وقالت لها : (( هيِّئي لي ماءً )) . وطلبت منها أن تسكب لها الماء وهي تغتسل . ثمّ لبست ملابسها الجديدة , وأمرت أن يُقدّم سريرها إلى وسط البيت , واستلقت عليه مستقبلة القبلة , وقالت : (( إنّي مقبوضة الآن فلا يكشفني أحد )) .تقول أسماء بنت عميس : لمّا دخلت فاطمة (عليها السّلام) البيت انتظرتها هنيئة , ثمَّ ناديتها فلم تجب , فناديت : يا بنت محمّد المصطفى , ... فلم تجب , فدخلت البيت وكشفت الرداء عنها فإذا بها قد قضت نحبها شهيدة صابرة , مظلومة محتسبة ما بين المغرب والعشاء . وكثر الصراخ في المدينة على ابنة رسول الله (صلّى الله عليه وآله) , واجتمع الناس ينتظرون خروج الجنازة , فخرج إليهم أبو ذر وقال : انصرفوا ؛ إنّ ابنة رسول الله اُخّر إخراجها هذه العشية . وجاءت أهم اللحظات , لحظة تنفيذ بند الوصية المهم , ذلك البند الذي سيظل شاهداً على موقف الزهراء (عليها السّلام) إلى القيامة , إنها لحظات الدفن التي يجب أن تكون سراً , وقبلها الصلاة على الجنازة الذي كان محدداً فيها ألاّ يكون فيه شخص ممّن ظلم الزهراء (عليها السّلام) هكذا كانت الوصية .جنّ الليل , نامت العيون , وهدأت الأبصار , وجاء في جوف الليل نفرٌ قليل من الهاشميِّين ومن المحبّين الذين وقفوا مع علي (عليه السّلام) , فشيّعوها , ثمّ دفنها أمير المؤمنين (عليه السّلام) في مثواها الأخير . واُسدل الستار على أوّل محطة سقطت الاُمّة في امتحانها ، وغادرت الزهراء (عليها السّلام) مشتاقة للقاء ربِّها وأبيها , ذهبت وهي تحمل جراحات مثخنة وآلاماً عظاماً , انتقلت لتشكو إلى الله سبحانه وتعالى ليحكم لها على مَن ظلمها وغصب حقّها . فسلام عليها يوم ولدتْ ويوم استُشهدتْ ويوم تُبعث راضيةً مرضية
13 .14 ـ صحيح البخاري 4 / 42 ، دار الفكر ـ بيروت , وأخرج البخاري أيضاً في كتاب الفرائض , وقال : فهجرته فاطمة فلم تكلّمه حتّى ماتت . (صحيح البخاري 8 / 30 ، دار الفكر ـ بيروت) .15 ـ أنساب الأشراف 1 / 586 ، طبعة دار المعارف بالقاهرة .16 ـ هو صلاح الدين خليل بن إيبك الصفدي .17 ـ هو إبراهيم بن سيّار البصري المعتزلي المشهور بالنظام (160 ـ 231هـ ) . وقالت المعتزلة : إنّما لقّب بالنظام لحسن كلامه نظماً ونثراً . وكان ابن أُخت أبي هذيل العلاف شيخ المعتزلة ، وكان شديد الذكاء .18 ـ الوافي بالوفيات 6 / 17 .19 ـ مُحدِّثٌ كوفي , توفى سنة (357) هجرية ، عرَّفه الذهبي بقوله : كان موصوفاً بالحفظ والمعرفة .20 ـ ميزان الاعتدال 1 / 139 ، رقم الترجمة 552 . 21 ـ اثبات الوصية / 143 .22 ـ كتاب سليم بن قيس الهلالي / 31 .
|
|
|
|
|