نحن برســـــم الخدمه كبرنا الخط
وهنا تتمهة المواضيع القيِّمه
----
التقطيع العروضي ( الاسباب والاوتاد والفواصل)
الأسباب والأوتاد والفواصل (*)
يسأل الكثير من الاخوة الشعراء وغيرهم مثل الاخ الفاضل (ابو رضا السعيدي المشرف في المنتديات) عن عملية تقطيع الشعر وما هي تلك المسطلحات الكثيرة التي يوردها بعض الاخوة الاعزاء هنا وهناك اثناء تبادل الاراء حول وزن معيين.
وبهذه المناسبة بودي ان اوضح بعضا من ذلك في هذا المقال، عسى الله ان يتيح لنا فرصة اخرى للقاء والحديث حول الموضوع ثانية.
في هذه المقالة سنبدا من اساسيات التقطيع قبل الخوض في امور اخرى مثل العروض والضرب والعلل وغيرها...
فنقول بعد الاتكال على الله:
يعتمد تقطيع المفردات في البيت على عدد الحروف التي تلفظ والحركات التي عليها. وابتداء فان البيت يكتب كما يلفظ من اجل الوصول الى تقطيعه لى مقاطع صغيرة مكونة من حرفين او ثلاثة احرف و اكثر اعتمادا على فواصل نطق المفردات او مقاطع الكلام.
وتتكون المفردات من حروف وهذه الحروف اما ساكنة او متحركة. والعرب لا تبدأ بساكن ولا تقف على متحرك. وتختلف الكلمات في تقطيعها استنادا الى عدد حروفها من جهة والى حركات تلك الحروف من جهة اخرى.
لقد وجد الخليل بن أحمد الفراهيدي أنَّ ألفاظ العرب بحسب عدد حروف الكلمات وحركاتها لا تخرج عن ثلاثة أنواع: وهي الأسباب والأوتاد والفواصل.
1- الأسباب: وهي كل كلمة مكونة من حرفين, فإذا كان الأول متحركا والثاني ساكنا سمي سببا خفيفا مثل: هَل و لَم و عَن و مَنْ. أمَّا إذا كان ثانيه متحركا أيضا فيسمى سببا ثقيلا مثل: لِمَ و بِمَ و ارَ.
2- الأوتاد: وهي ما كان مكونا من ثلاثة أحرف، فإذا كان أوسطها متحركا سمي وتدا مجموعا مثل: عَلَى و وَلَد و قَلَم. وإذا كان الثاني ساكنا سمي وتدا مفروقا مثل: عِلْمُ و شِعْرُ.
3- الفواصل: وهي كل كلمة مكونة من أربعة أحرف فما فوق، فإذا كانت الثلاثة الأولى متحركة والرابع ساكنا سميت فاصلة قصيرة مثل: كَتَبَت وعَلِمُوْا. وإذا كانت مكونة من أربعة حروف متحركة او أكثر وآخرها ساكن سميت فاصلة طويلة مثل: عَلَمُنَا و صُحُفُنَا.
وهذا لا يعني ان كل كلمة يجب ان تكون احدى هذه الانواع الثلاث، اذ يمكن ان تتكون من عدد منها او من نوع واحد كما رأينا في امثلتنا السابقة. فكلمة (محمَّدُ) المشددة الميم مكونة من مُحَمْ مَدُ أي من وتد مجموع وسبب ثقيل. بينما (مُحَمَّدٌ) المشددة والمنونة مكونة من مُحَمْ مَدُنْ ولاحظ ان التنوين يكتب حرف نون ساكن دائما في تقطيع المفردات، وبذلك فهي مكونة من وتدين مجموعين. واما صادقْ فهي من سببين خفيفين اذا جاءت ساكنة ومن سبب خفيف وسبب ثقيل اذا جاءت متحركة ومن سبب خفيف ووتد مجموع اذا جاءت منونة (صادقٌ)=(صَاْ دِقُنْ). وقد يتعدى التقطيع المفردة الى التي تليها وفقا للوزن مثل: جاء الرجلُ فتكتب (جَاْ ءَرْ رَجُلُوْ) لان الالف واللام لا تلفظ مع الحروف الشمسية. وعندها يكون حرف الراء مشددا، كما ان الضمة تحسب حرف واو اذا جاءت في نهاية الشطر، وربما حتى في الحشو (وتسمى عندها اشباعا للحركة) شأنها شان الفتحة التي تكتب الفا والكسرة التي تكتب ياء. وبذلك تكون (جاء الرجلُ) مكونة من سببين خفيفين وفاصلة قصيرة.
وفي التقطيع عادة ما تنتهي المقاطع بحروف ساكنة، وتتجمع هذه المقاطع فيحاول العروضي تطبيقها على التفعيلات الاصلية او المحورة منها تبعا لما يراه مناسبا منها ووفقا لذاكرته وممارسته لفن التقطيع وهو ليس سهلا ولكنه ليس محصورا على فئة معينة بل يمكن تعلمه بالممارسة والاصرار على التعلم. مع العلم ان الكلمات في التقطيع تكتب كما تلفظ.
ولتوضيح هذه العملية اضرب لك مثالا:
لنفرض اننى وجدت هذا البيت:
هذا الذي تعرف البطحاء وطأته والبيت يعرفه والحل والحرم
فان تقطيع الشطر الاول سيكون وتحته التفعيلات الناسبة:
هاْ ذلْ لَذِيْ ** تَعْ رفُلْ ** بَطْ حَاْ ءُ وَطْ ** ءَتَهُوْ
مسْ تفْ عِلُنْ ** فا عِلُنْ ** مسْ تفْ عِلُنْ ** فَعِلُنْ
وهو ما يطابق بحر البسيط.
واعرف ان الكثير لا بد ان يسأل هذا السؤال: ولماذا لم تقطعها بشكل آخر مثلا:
هاْ ذلْ لَذِيْ ** تَعْ رفُلْ بَطْ ** حَاْ ءُ وَطْ ** ءَ تَهُوْ
او
هاْ ذلْ ** لَذِيْ تَعْ ** رفُلْ بَطْ ** حَاْ ءُ وَطْ ** ءَتَهُوْ
فاقول ان الموضوع بحاجة الى دراسة وممارسة كثيرة للوصول الى التقطيع المضبوط.
أمَّا في اللهجة العامية فقد وجدت من خلال ملاحظتي ان الأسباب الخفيفة مشابهة للفصيح مثل: بَس وهَمْ, وأما الثقيلة فمعظمها مأخوذة من كلمات أصلها ثلاثي آخره حرف علة مثل: هَلَ، عَلَ، اجَ، مِشَ، وحرف العلة محذوف للتخفيف. وذلك لأنَّ نهايات الكلمات في العامية كلها ساكنة لا تظهر عليها علامات الإعراب، بعكس ما يحدث في الفصيح. فإذا كانت حروف علة حُذِفَت من اصل الكلمات وظهرت الفتحة عِوَضَا عنها على الحرف الذي يسبقها.
وبذلك تكون الأوتاد المجموعة المنتهية بحرف الألف اصل معظم الأسباب الثقيلة في العامية. وفي الحقيقة إنَّ الأسباب الثقيلة في الفصحى هي أيضا مكونة في معظمها من ثلاثة حروف او أكثر حذف بعض منها فبقي السبب الثقيل. فالسبب لِمَ هو لما او لماذا، وبِمَ هو بما او بماذا، وارَ هو الفعل أرى المجزوم وعلامة جزمه حذف حرف العلة وهو الألف المقصورة. أمَّا الأوتاد المفروقة فكلها تحتوي على حرف علة ساكن في وسطها ودائما ما يكون حرفها الثالث ساكنا أيضا مثل:
شُوْفْ، خُوْشْ، صَامْ، نَامْ، لِيْشْ، بِيْشْ.
وأما الأوتاد الموصولة فجميع حروفها الأخيرة ساكنة أيضا مثل:
هَلِيْ، عَلَيْ، شَمِسْ، نَجِمْ، مِشَوْ، وِلَكْ، زلِفْ.
ويقل وجود الفواصل القصيرة والطويلة في العامية بشكل ملحوظ إذ تتحول القصيرة منها في الفصيح إلى سببين خفيفين في العامي مثل:
هَلَـكُوْا تلفظ: هِلْ كَوْ. وَجَـبَت تلفظ: وِجْ بَتْ.
سَمَـكَة تلفظ: سِمْ چَه. وبَصَلَة تلفظ: بُصْ لَه.
وتتحول الفواصل الطويلة في الفصيح إلى أوتاد مجموعة وأسباب خفيفة في العامي، ففي الفصيح نقول:
قَتَلَهُم تلفظ: كِتَلْ هُمْ. مَلِكُنا تلفظ: مَلِكْ نَا
إلا إذا كانت الكلمات العامية أصلها فصيح وتلفظ مثلما هي في الفصيح مثل قول عريان:
گَلْبِي عَلَى وَطَنِيْ
فكلمة وطني هي فاصلة قصيرة فيها ثلاثة حروف متحركة والياء ساكن.
ومن الملاحظات المهمة في اللهجة العراقية:
1- إنَّ معظم الأوتاد هي من النوع الأول أي المجموع.
2-إنَّ الأوتاد المفروقة هي فقط تلك التي تحتوي حرف علة في وسطها أي الحرف الثاني منها حيث يأخذ الحرف الأول حركة حرف العلة وعادة يكون حرفها الثالث ساكنا. إلا إذا تساوى لفظها مع الفصيح.
3 – إنَّ جميع الأوتاد تنتهي بحرف ساكن. وبذلك يلتقي ساكنان في نهاية الوتد المفروق. وهذا من الاختلافات بين اللغة الفصحى واللهجة العامية، حيث لا يلتقي في الفصحى ساكنان في كلمة واحدة ولا في وسط الجملة. فإذا حدث أنْ التقى الساكنان يكسر أولهما لالتقاء الساكنين. فنقول: وَصَلَتِ الْفِكْرَةُ : بكسر تاء التأنيث الساكنة لالتقائها بحرف اللام الساكن في كلمة الفكرة، وذلك لأنَّ همزة الألف هي همزة وصل لا تلفظ، فنقولها هكذا.. (وَصَلَتِلْ فِكْرَةُ) علما إنها في الأصل: وَصَلَتْ الْفِكْرَة.
أمَّا في الشعبي كقول الشاعر:
تَعَاْلْ إوْ شُوْفْ دَگَّاْتْ الْهَچَعْ بِيْنَاْ
گَشَّعْ بَيْتنَاْ إوْ طَيَّرْ بُوارِيْنَا
نرى أنَّ كلمات تَعاْلْ و شُوْفْ و دگاْتْ (بحرفين ساكنين) في صدر البيت. ولكن يمكن أنْ ينتهي بيت الشعر بساكنين في الفصيح:
طَافَ بِإبْرِيْقِ طَلاً حِيْنَ صَاْحْ
حَيَّ عَلَى الأقدَاحِ دِيْكُ الصباْحْ
وفي الشعبي أيضا:
يَنَاهِيْ الشُّوْگْ ذِمَّهْ اوْ ذَاْتْ مِنْ ذَاتْ
إوْ فَرِقْ مَا بَيْنْ حَالِيْ اوْ حَالَكْ ابْعِيْدْ
وقد تحدثنا عن ذلك في وزن الإبوذية وكيف تتغير تفعيلاته بسبب هذه الأوتاد المفروقة الساكنة. وقد اقترحت تحريك الثاني منها للتغلب على صعوبة تطبيقها على التفعيلات المعروفة.
4- في العامية لا تظهر الحركات في نهاية الكلمات وتُسَكَّن بدلا من ذلك، إلا نادرا وفي الشعر فقط، حيث يعمد بعض الشعراء إلى تنوين بعض المفردات وعندها تكتب بشكل حرف نون في نهاية الكلمة. بينما لابد من وجود الحركات على الكلمات الفصيحة التي تعتبر حرفا تاما إذا جاءت في آخر الشطر. وبسبب ذلك اختلفت تقاطيع البحور الفصيحة وتفعيلاتها عن العامية اختلافا بينا، بحيث أننا عندما نقول: إنَّ بيت الإبوذية على وزن الوافر ففي حقيقة الأمر لا ينطبق ذلك عليه تماما بسبب التقاء الساكنين في وسط الشطر بشكل مكرر في العامية كما أسلفنا.
والشعراء الشعبيون لا علم لهم بذلك، تماما كما لم يكن يعلم بها غيرهم من نوابغ العرب في جاهليتهم، ولم يسمعوا بها قبل الفراهيدي. فجميع الشعراء تجمعهم السليقة والموهبة فيعرفون أنَّ ذلك يلائم الوزن وهذا لا يلائمه. لكن المشكلة الحقيقية هي في المعنى، إذ لم يكن العربي الفصيح يجهل مفرداته أبدا بل يجيء بها صحيحة وفصيحة، حتى أنَّ كتب اللغة في النحو والصرف لا تعتمد إلا على أمثلة مأخوذة من شعراء الجاهلية وبعض من الإسلاميين في ضبط قواعد اللغة والإعراب إضافة إلى القرآن الكريم.
فهل التزم شعراء العامية بأصول لهجتهم وقواعدها مثلما فعل الفصحاء؟.
يبدو من بحثنا وأمثلتنا المتنوعة أنَّ بعضا منهم لم يلتزموا بذلك كما رأينا في الأمثلة السابقة وكما سنرى في الأمثلة القادمة ظنا منهم انه يجوز لهم ما لا يجوز لغيرهم من عوام الناس في صياغة المفردة العامية او تجاوز قواعدها. ويبدو ذلك أكثر وضوحا حين يحاول الشاعر مجاراة الفصيح واستعمال الكلمات الفصيحة في الجناس.
* من كتاب (نقد الشعر الشعبي العراقي الابوذية اولا ) بتصرف
لكاتب المقال
د.هاشم الفريجي