مناطق القطيف خصوصاً ظهر الجمعة وليلة القدر، حيث تمتد صفوف المصلين خارج حدود المسجد فكان ذلك يبرز حب الناس وثقتهم بسماحة الشيخ.
• الحج والعمرة
عرف عن العلامة المرهون ذهابه الدائم للحج والعمرة كمرشد ديني خاص للحملة التي يذهب معها ورغم ذلك لم يكن مرشداً محدوداً بحملته بل كان يُقصد من قبل الحجاج والمعتمرين في الحملات الأخرى من القطيف والبحرين. وكان يقيم الجماعة أثناء رحلات زيارة الأماكن المقدسة كما كان يقيمها بعد العودة منها فيأتم خلفه الحجاج والزائرين من مختلف الحملات.
• الحياة الثقافية:
للشيخ علي المرهون – حفظه الله – دور ثقافي كبير في مجال النشر والتأليف و الخطابة وجمع التراث ويعتبر من الشعراء والأدباء البارزين على مستوى المنطقة نظم الشعر بالطريقتين الدارجة والفصحى. وحرص على جمع التراث من كتب ومقالات وقصائد وغيرها. ومن دواوينه الشعرية ديوان المرهونيات وشعراء القطيف قديماً وحديثاً.
وكان يشجع العلماء والأدباء على الإنتاج الثقافي ويتبنى الاهتمام بنشر تراث البلاد، فقد تصدى لطبع مجموعة من الكتب بمساعدته وإشرافه ككتاب (الدمعة القطيفية) للشيخ علي المحسن وديوان الشيخ عبد الله المعتوق وديوان الحاج حسين الشبيب و(يوم الأربعين) للشيخ عبد الحي المرهون، و(بشرى المذنبين وإنذار الصديقين) للشيخ ناصر الجارودي، و(الروضة الحسينية) لوالده" فهو لم يقتصر على تراثه وتراث العائلة بل امتد للآخرين من أبناء منطقته.
وكانت له حلقة درس لتعليم الخطابة الحسينية في منزله الكائن بالدبابية وعند انتقاله للمسعودية قام بالتدريس في الطابق العلوي من منزله. له العديد من المؤلفات المطبوعة والمخطوطة والتي تربو على الخمسة والعشرين مصنفا في مختلف العلوم الإسلامية والأدبية أبرزها:
1- شعراء القطيف من الماضين 1385هـ
2- شعراء القطيف من المعاصرين 1385هـ
3- الروضة الزاهرة في مراثي النبي وعترته الطاهرة (مخطوط) 1365هـ
4- تخميس قصيدة الحميري 1381هـ
5- قصص القرآن 1375هـ
6- قصص الأنبياء
7- ديوان المرهونيات في رثاء السادات - جزأين
8- لقمان الحكيم
9- عبد الله بن معتوق
10- أعمال الحرمين 1366هـ
11- أعمال شهر رمضان
12- الروضة العلية – رثاء المعصومين باللهجة العامية
13- مغني القراء – 3 مجلدات ( مخطوط)
14- مذكرة ابن مرهون (مخطوط)
15- رحلتي إلى إيران (مخطوط)
16- آداب الطلاب الدينيين (مخطوط)
17- الدرة في أحكام الحج والعمرة 1391هـ
18-الشواهد العلية في رثاء النبي وآله خير البرية 1362هـ
19- تقريرات على كفاية الأصول
20- له دعوة الحق 1361هـ
21- المسائل الشرعية (مخطوط) 1416هـ
22- زاد المسافرين في الأدعية
23- أربح التجارات في الأدعية والزيارات
6- مع المنبر
كان لسماحة العلامة الشيخ علي المرهون منبره المعروف، يحدق به الصغير والكبير من مختلف الأعمار، في شهر رمضان والمناسبات الدينية المختلفة. وقد عرف باهتمامه في إحياء مناسبات أهل البيت - عليهم السلام- قبيل الصلاة أو بعدها في مسجده العامر بمنطقة المسعودية، حيث اتسمت خطابته بالتركيز على الموعظة وإنقاذ المجتمع من حضيض الأرض إلى سماء فكر وأخلاق أهل البيت . وقد بدأ سماحة الشيخ(حفظه الله) صعود المنبر في سن مبكرة برغبة وتشجيع والده(رحمه الله). ومن محاضراته في تأبين العلماء ما ألقاه بمناسبة رحيل العلامة الشيخ فرج العمران(رحمه الله) :
بسم الله الرحمن الرحيم
يا غائبا عن أهله أتقوم أم تبقى إلى يــوم المـعاد مغيـّبـا
يا ليت غائـبنا يعود لأهلـه فنقول أهلا بالحبيب ومرحبا
قال الرسول الأعظم «أعذً عالما أو متعلما أو مستمعا أو محبا ولا تكن الخامسة فتهلك» إذا ساعدت الإنسان المقادير على أن يكون عالماً فتلك السعادة الأبدية، لأنه حينما يكون عالماً ويكون عاملاً يُدعى في الملكوت عظيماً، لأن به حياة القلوب وحياة الأرواح وحياة الأبدان وحياة البلاد، بل وحياة كل حي. والعالم كالنور يشرق على الأرجاء فتضيء بنوره. وغيابه يكسوها سواداً وعتمة، ألا ترون كيف عرتنا الظلمة لغياب الشيخ فرج العمران؟!
فـ « فضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر النجوم» يفضل العابد وهو في البلد التي يكون فيها كعين ماء يروى منها جميع الناس، ولكن عند غيابه ترى مالذي سيصنعون؟ وبأي شيء يستضيئون؟ وفي أي أمور دينهم ودنياهم على من سيعولون؟ لقد مر على بلادنا (القطيف) زمان غير قصير تدعى فيه بالنجف الثانية، وأكثركم قد رأى ذلك، لكثرة ما فيها من العلماء، وقد كانوا يجتمعون عادة في يوم الأربعاء عند المرحوم السيد ماجد العوامي- قدس سره-، وهنالك تراهم ينتقلون من مباحثة إلى مباحثة ومن مناظرة إلى أخرى.
وقد كانت القطيف مع وجود تلك الأنوار الزاهرة تعيش في غبطة، ولكنها اليوم وللأسف الشديد قد أصبحت يتيمة، وهذا لم يكن في الحسبان حيث كان المرحوم الشيخ - قدس سره- مالئاً كل ذلك الفراغ، ولكننا الآن بعد رحيله صرنا نشعر باليتم، وصرنا نشعر بالظلمة، وصار الفراغ أمراً محسوساً. وهذا أمر مزعج وشيء مقلق. ولذلك أنا لم أكن لأصدق خبر وفاته عندما طرق سمعي.
وقال النبي – صلى الله عليه وآله وسلم-:"إذا مررتم في رياض الجنة فارتعوا".قالوا: يا رسول الله، وما رياض الجنة؟ قال:«حلق الذكر، فإن لله سيارات من الملائكة يطلبون حلق الذكر، فإذا أتوا عليهم حفوا بهم». قال بعض العلماء: حلق الذكر هي مجالس الحلال والحرام.
وأمثال هذه المجالس والحلقات كانت عامرة في بلادنا( القطيف) لكنها ذهبت وتلاشت. وجاء النبي يوماً إلى مسجده، و إذا فيه مجلسان: مجلس يتفقهون ومجلس يدعون الله ويسألونه، فقال: «كلا المجلسين إلى خير، أما هؤلاء فيتعلمون ويفقهون الجاهل، هؤلاء أفضل، بالتعليم أرسلت». ثم قعد معهم.
وكان المرحوم الشيخ – قدس سره- ممن فرغ نفسه لتعليم الناس أحكام الحلال و الحرام، فكان إذا فرغ من الصلاة يرتقي المنبر و يلقي من المسائل ما أمكنه المجال في الطهارة و الصلاة و الصيام و الأخلاق و الآداب. حتى أصبح مسجده مدرسة يتلقى فيها الناس تعاليم الشريعة و معارفها، ولكنها الآن بموت الشيخ فرج رحمه الله قد أغلقت أبوابها.
وقد كان الشيخ مثابراً مجداً في تعاليم الناس، وقد كان يقوم برحلات عديدة في أيام قوته إلى سائر القرى ومناطق القطيف من أجل نشر العلم و المعرفة بين الناس. حدث ابن عسال قال: أتيت النبي وهو في المسجد وهو متك على برد له أحمر، فقلت: إني جئت أطلب العلم. فقال «مرحباً بطالب العلم إن الملائكة لتحفه بأجنحتها ثم يركب بعضها بعضاً حتى يبلغوا السماء الدنيا من محبتهم بما يطلب». وقصد رجل من المدينة المنورة إلى دمشق حيث كان يسكن هناك أبوالدرداء، فجاء له في المسجد وقال له: أتيتك من المدينة من أجل حديث بلغني أنك سمعته من رسول الله ... فقال له: لقد سمعت رسول الله يقول: «.. و إن الملائكة لتضع أجنحتها رضاً لطالب العلم، و إن العالم ليستغفر له من في السماوات ومن في الأرض حتى الحيتان في الماء ».
من هنا أحببت أن أتعرض لما تعرض له صباح اليوم الخطيب الشهير (الملا عبدالكريم الحمود) من الحاجة إلى وجود جيل من طلاب العلوم الدينية، فهناك مجموعة من الشباب لهم تمام الاستعداد لطلب العلم، فيا حبذا لو يجتمع من هؤلاء الشباب من كل منطقة من مناطق القطيف اثنان ويذهبون جميعاً كبعثة لطلب العلم حتى يملئوا هذا الفراغ ويكونوا معقد الآمال. وأما ما يعود لأمر المادة فهذه ليست عقبة؛ إذ نحن على كامل الاستعداد لضمان هذا الجانب، فكل من يريد أن يخدم دينه وبلاده ومجتمعه ليس عليه إلا أن يتقدم والحوزة العلمية على تمام الاستعداد لتزويده بما يحتاج.
كثيرة هي البعثات الآن إلى مصر وإلى أمريكا وإلى لندن، والهجرة لطلب العلم ليست بأقل من هذه البعثات، ولكن التوفيق عزيز المنال، فليس على شبابنا إلا أن يبادروا ونحن سنذهب معهم لنهيئ أمورهم، وسنضعهم نصب أعيننا وسنسهر عليهم ليلنا لتعود بهم القطيف كما كانت تحتضن ما يقارب ثلاثين إلى أربعين عالماً. قال النبي الأعظم لمن حضر عنده: " من الأجود".فقالوا: الله ورسوله أعلم، فقال : « أجود الأجود الله تبارك وتعالى الذي تكفل بأرزاق العباد أجمع، ثم أنا من ولد آدم، ثم من بعدي رجل علم علماً فبث علمه وعمل به، ورجل جاهد في سبيل الله» فالعالم الذي علم العلم وبثه في الناس يعتبر من أجود الأجود، وكذلك من يجاهد في سبيل الله من أجل إحياء دين الله حتى يقتل في سبيل الله يقف بين الصفوف، وقد سلت على رأسه ثلاثمائة سيف وهو يقول: إن كان دين محمد لم يستقم إلا بقتلي فيا سيوف خذيني.
المرحوم المبرور السعيد شيخنا العلامة، اللهم أرحمه رحمة الأبرار، وأحشره مع محمد وآله الأطهار.
• المصدر: مجلة التراث- المجلد الثالث- الطبعة الأولى سنة2001
7- أخلاقه وصفاته
يلمس المتتبع لحياة العلامة الشيخ علي المرهون – أطال الله بقاءه- الزهد في جميع جوانب الحياة والابتعاد عن مغرياتها، فلا يعرف الكلفة ولا يعرف وضع الحواجز بينه وبين عامة الناس ويمتاز بالروحانية والتقوى والورع الشديد والاتكال على الله سبحانه وتعالى وتفويض الأمر إليه وتعلقه الشديد بأهل البيت – عليهم السلام- وأبرز الملامح التي تتميز بها شخصية هذا العالم الجليل تواضعه للجميع كباراً وصغاراً، فيلاعب الأطفال ويمازحهم ويقدم لهم المال ويسدي لهم النصيحة الأبوية بالأسلوب المناسب لإدراكهم. ويحس جليسه بشدة قرب منه كأنه أب أو أخ أو صديق حميم لما يتمتع به من تواضع جم في لباسه وهندامه، مع أناقة ظاهرة فيهما، لأنه كان يعرف أن الرسول القائد كان يحب المظهر الحسن والوجه الحسن ويطلب أن يكون كذلك، كما يبدو تواضعه في مسكنه وأثاث بيته، وهو ذو ذوق رفيع وإحساس مرهف وملاحظة دقيقة وذكاء حاد وفطنة وفصاحة وجرأة أدبية وشجاعة لا تعرف الخوف وهو ذو نشاط دؤوب لا يكل ولا يمل ولا يشتكي من تعب فتراه في أشد الحالات مبتسماً، يبدأ من يلقاه بالسلام.
وكان مؤمناً أشد الإيمان بالله تعالى وبرسوله وأهل بيته فكان في ليالي القدر يبكي عندما يقرأ قوله تعالى﴿ رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا الْعَذَابَ إِنَّا مُؤْمِنُونَ ﴾ (الدخان:12) و سرعان ما تنهال دمعته بمجرد ذكر مصيبة أبي عبد الله الحسين . ولم يكن يفكر في نفسه اولاً وإنما انطلق إلى عالم الغير حاملاً هم المجتمع ومفكراً في سبل خدمته ليتحرر بذلك من طوق الأنانية والسيطرة الفردية. ومن الأمور التي كان يرفض تداولها في مجلسه الغيبة، إذ يرفضها بشكل مطلق ولايسمح لشخص أن يذكر آخر بسوء، ويرفض الطعن في المرجعيات الدينية والتقليل من شأن أي من طلبة العلوم الدينية والانتقاص من قدره فكان يحترم الجميع ويوقرهم فكان حصناً لأبناء مجتمعه، يجمعهم على كلمة واحدة ويحميهم من التمزق والتشرذم، كل ذلك لما تمتع به من تقوى وخوف من الله سبحانه وتعالى.
نقل أحد الآباء: كنت أخمس لدى أحد العلماء ولظروف معينة قررت أن أخمس عند سماحة الشيخ علي المرهون- حفظه الله- فجئته وأخبرته برغبتي بالتخميس عنده بدلاً من ذلك العالم، فقال لي لماذا أتيتني وتركت الشيخ فلان المؤمن، التقي، الورع، والذي تملأ سمعته البلاد والعباد؟ فقلت له: يا شيخ ليست العلة في ذلك العالم وإنما ظروف أصابتني فأرجو قبول الخمس. فلم يوافق على طلبي إلا بعد إلحاح مضني وطول عناء استمر لأكثر من خمسة أشهر.