عرض مشاركة واحدة

الصورة الرمزية زكي الياسري
زكي الياسري
شاعر
رقم العضوية : 39574
الإنتساب : Aug 2009
المشاركات : 1,995
بمعدل : 0.34 يوميا

زكي الياسري غير متصل

 عرض البوم صور زكي الياسري

  مشاركة رقم : 5  
كاتب الموضوع : زكي الياسري المنتدى : المنتدى الثقافي
افتراضي
قديم بتاريخ : 14-01-2010 الساعة : 05:21 AM


المجلس الثامن
ليلة الجمعة / غرة شعبان المعظم / 1345 هجرية


أقبل القوم بعدما أتممت صلاة العشاء، فاستقبلناهم بالترحاب،فجلسوا وشربوا الشاي.
ثم تكلم السيد عبد الحي قائلا:
لقد صدرت منكم في البحث الماضي كلمة لا ينبغي لمثلكم أن يتفوهبها، لأنها تسبب تفرقة المسلمين، والله تعالى يقول: (واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا)(1) (ولا تنازعوا فتفشلوا)(2).
قلت (متعجبا): أرجو أن توضح ما هي تلك الكلمة؟! فربما صدرتفي حال الغفلة.
السيد عبد الحي: في الليلة الماضية، في أواخر البحث عن فوائدالزيارة قلتم: إنكم تعتقدون بأن زيارة مشاهد أهل البيت من علائم الإيمان، وقلتمليس كل مسلم بمؤمن!
بينما المسلمون كلهم مؤمنون والمؤمنون كلهم مسلمون!
فلماذا تفرقون بينهم وتجعلونهم قسمين متمايزين؟!
أليس هذا الانقسام يضر الإسلام! وقد تبين لنا من كلامكم شيء،وهو أن عوام الشيعة (خاصة في الهند) حين يحسبون أنفسهم مؤمنين ويحسبوننا مسلمين،مأخوذ من علمائهم.
وهذا الأمر مخالف لرأي جمهور علماء الإسلام، إذ لا يفرقون بينالإسلام وبين الإيمان.

الفرق بين الإسلام والإيمان
قلت: أولا:، قولك: جمهور علماء الإسلام لا يفرقون بينه وبينالإيمان. فغير صحيح، لأننا نجد في الكتب الكلامية اختلافا كثيرا حول الموضوع لابين الشيعة والسنة فحسب، بل نجد الاختلاف ساريا في أقوال أهل السنة والجماعةأنفسهم أيضا، فالمعتزلة على خلاف الأشاعرة. وبعض علماء الشافعية والحنفية علىخلاف رأي أحمد ومالك.
ثانيا: لا يرد إشكالك على كلامي، لأن كلامي صدر على أساس قولهتعالى: (قالت الأعراب آمنا قل لمتؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ولما يدخل الإيمان في قلوبكم)(3)الخ.
فالآية الكريمة تصرح بأن الإسلام والتسليم في الظاهر، والإيمانيرتبط بالقلب، والآية تنفي إيمان قوم في حين تثبت إسلامهم، فالمسلم، من شهدبالتوحيد والنبوة فقال: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدا (ص) رسول الله.فحينئذ يكون للمسلم ما للمؤمنين في الدنيا، من الحقوق الاجتماعية والمدنيةوالشخصية، دون الآخرة، فقد قال تعالى: (ما له في الآخرة من خلاق)(4).
السيد عبد الحي: نقبل بأن الإسلام غير الإيمان، فقد قالسبحانه وتعالى: (ولا تقولوا لمن ألقىإليكم السلام لست مؤمنا)(5).
فهذه الآية تفرض علينا الالتزام بالظاهر وأن لا ننفي الإسلامعمن أظهر الإسلام.
قلت: نعم كل من نطق بالشهادتين، فما لم يرتكب منكرا يلازمالكفر والارتداد، ولم ينكر إحدى الضرورات الإسلامية كالمعاد، فهو مسلم، نعاشرهونجالسه ونعامله معاملة الإسلام، ولم نتجاوز الظاهر، فإن بواطن الناس لا يعلمهاإلا الله سبحانه، وليس لأحد أن يتجسس على بواطن المسلمين. ولكن نقول: بأن النسبةبين الإسلام والإيمان، عموم مطلق(6).

مراتب الإيمان
لقد أمر النبي (ص) أمته عند اختلاف الأقوال وتضارب آرائهم، أنيأخذوا بقول أهل بيته ويلتزموا برأيهم، لأنهم أهل الحق والحق لا يفارقهم. فلذلكإذا بحثنا في أحاديث أهل البيت عليه السلام لنجد حقيقة موضوع حوارنا، نصل إلى قولالإمام الصادق عليه السلام إذ يقول: " إن للإيمان حالات ودرجات وطبقات ومنازل.فمنه الناقص البين نقصانه ومنه الراجح الزائد رجحانه ومنه التام المنتهى تمامه.وأما الإيمان الراجح فهو عبارة عن إيمان الشخص الذي يتصف ببعض لوازم الإيمان، فهوراجح على الذي لا يتصف بها فالثاني ناقص إيمانه، وأما التام المنتهى تمامه، فهوالذي يتصف بكل لوازم الإيمان. وقد قال سبحانه وتعالى فيهم: (أولئك هم المؤمنون حقا لهم مغفرة ورزق كريم)(7).
وأما الصفات اللازمة للإيمان فهي كثيرة منها كما في الحديثالمروي عن رسول الله (ص) قال: يا علي سبعة من كن فيه فقد استكمل حقيقة الإيمان،وأبواب الجنة مفتحة له: من أسبغ وضوءه وأحسن صلاته، وأدى زكاة ماله، وكف غضبه.وسجن لسانه، واستغفر لذنبه، وأدى النصيحة لأهل بيت نبيه(8) ونحن نعتقد أن زيارةمشاهد أهل البيت عليهم السلام يدخل ضمن العنوان الأخير. فالذي أسلم، هو مؤمن فيالظاهر ولا نعلم باطنه، ولكن أعماله تكشف عن حقيقة إيمانه، ومراتب رسوخ الإيمانفي قلبه وباطنه وقد جاء في تفسير الآية الكريمة: (يا أيها الذين آمنوا آمِنوا)(9).
أي: يا أيها الذين آمنوا بألسنتهم آمنوا بقلوبكم.
وخاطب النبي (ص) جماعة من أصحابه فقال: يا معشر من أسلم بلسانهولم يخلص الإيمان بقلبه.
فلا شك أن بين الإسلام والإيمان فرقا لغويا ومعنويا. وللمؤمنعلائم تظهر في سلوكه وأعماله.
ثم اعلموا بأننا لا نفتش عن بواطن الناس ولا نفرق بين المسلمين، ولكن نعاملهم على حد أعمالهم، فهناك من ينطق بالشهادتين ولكن يستخف بالصلاةوالصوم ويستهين بالحج ولا يدفع الزكاة ويخالف القرآن الحكيم وأوامر النبي (ص) وأهلبيته، فليس هذا عندنا من الاحترام والتكريم، كمن ينطق بالشهادتين ويلتزم بأحكامالدين فيعمل بكل الفرائض ويترك المنهيات ويطيع الله ورسوله (ص) وعترته عليهم السلاملقوله تعالى: (إن أكرمكم عند اللهأتقاكم)(10).
فالإسلام يتحقق باللسان، وهو بداية المرحلة الأولى من الإيمان، ويترتب عليه الأحكام الدنيوية كالحقوق الاجتماعية والشخصية والمدنية.
ولكن الإيمان المطلق فيتحقق باللسان والقلب، ويظهر بالأعمالالصالحة التي تصدر من جوارح المؤمن وأعضاءه بدنه، وحتى اللسان، وهو يحب أن يكونمطلقا، يتقيد بالإيمان فلا يتكلم إلا بالحق والصبر، كما قال تعالى: (بسم الله الرحمن الرحيم، والعصر * إنالإنسان لفي خسر * إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر)(11).
وجاء في الحديث الشريف:
الإيمان هو الإقرار باللسان والعقد بالجنان والعمل بالأركان.

لماذا ترفضون الشيعة!!
إذا كنتم ملتزمين بهذا الأصل العام، إن كل من نطق بالشهادتينفهو مسلم ومؤمن وأخ في الدين. فلماذا تطردون الشيعة وترفضونهم بل تعادونهم، ولاتحسبون مذهبهم من المذاهب الإسلامية! وكلكم تعلمون بأن الشيعة يشهدون أن لا إلهالله، وأن محمدا رسول الله وخاتم النبيين. ويعتقدون بأن القرآن كلام الله العزيزويلتزمون بكل ما جاء به المصطفى (ص)، فيصلون ويصومون ويزكون ويحجون ويجاهدون فيسبيل الله ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، ويعتقدون بالبعث والمعاد وبالمحاسبةوالجزاء (فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره* ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره)(12) لذلك يلتزمون بتركالقبائح والمحرمات كالظلم والسرقة والخمر والزنا والقمار واللواط والربا والكذبوالافتراء والنميمة والسحر وغيرها من المحرمات.
فنحن معكم نعتقد بإله واحد ونبي واحد ودين واحد وكتاب واحدوقبلة واحدة، ومع ذلك كله نراكم تفترون علينا وترموننا بالكفر والشرك! وهذا مايريده الأجانب والمستعمرون ويفرحون منه.
فلماذا هذا الظلم والجفاء وهذا التقول والافتراء علينا؟!!
ألم نكن معكم متفقين على دين واحد، ومتفقين على أصوله وفروعهوأحكامه؟ ـ غير الإمامة والخلافة ـ وأما الاختلاف الموجود بيننا وبينكم في بعضالأحكام الفرعية، فهو اختلاف نظري ورأي فقهي، كالاختلاف الواقع بين الأئمةالأربعة لأهل السنة والجماعة. بل في بعض المسائل تكون اختلافاتهم أشد من اختلافنامع بعضهم. هل أعددتم جوابا ليوم الحساب إذا سئلتم عن سبب هذا الموقف البغيض والحقدالعريض على الشيعة المؤمنين؟ وهل يقبل منكم إذا قلتم: إننا اتبعنا أسلافنا منالخوارج والنواصب، المعادين للعترة الهادية والفرقة الناجية؟!!
فليس للشيعة ذنب، سوى أنهم سلكوا الطريق الذي رسمه النبي (ص)بأمر الله سبحانه، فأمر المسلمين بمتابعة أهل بيته وإطاعة عترته من بعده.
فقال (ص): إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي،ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي أبدا.
فالشيعة أخذوا بأمر النبي (ص) وتمسكوا بالثقلين.
وأما غيرهم فقد أخذوا بقول غير النبي (ص) إذ عارضوه فقالوا:كفانا كتاب الله! فتركوا أهل البيت والعترة الطاهرة الهادية عليهم السلام.
الشيعة أخذوا أحاديث رسول الله (ص) عن طريق أهل بيته عليهمالسلام، وغيرهم أخذوا الأحاديث عن طريق أبي هريرة وأنس وسمرة وأمثالهم، وتركواطريق أهل البيت الطيبين عليهم السلام.
وللحصول على أحكام الدين ابتدعوا القياس والاستحسان حسب ما تراهعقولهم، وتحكم به أفكارهم، كل ذلك ليستغنوا عن العترة الهادية!!

لماذا نتبع عليا وأبناءه عليهم السلام
ونحن إنما نتبع عليا عليه السلام وأبناءه الأئمة المعصومينعليهم السلام لقول النبي (ص): أنا مدينة العلم وعلي بابها فمن أراد المدينةفليأتها من بابها. لذلك نحن دخلنا من الباب الذي فتحه رسول الله (ص) لأمته وأمرهمبالدخول منه إلى مدينة علومه وأحكام دينه وحقيقة شرعه.
ولكنكم تحتمون علينا وعلى المسلمين أن نكون أشاعرة أو معتزلة فيأصول الدين وأما في الفروع والأحكام فتريدوننا أن نأخذ برأي أحد الأئمة الأربعة،لمذاهب أهل السنة والجماعة وهو تحكم منكم، ليس لكم دليل عليه!
ولكننا نستند على أدلة عقلية، ونقلية من أحاديث رسول الله (ص)في وجوب متابعة علي عليه السلام وأبنائه الأئمة الطيبين، وقد نقلت لكم بعضالأحاديث الشريفة من كتبكم المعتبرة ومصادركم المشتهرة كحديث الثقلين وحديث السفينةوباب حطة وغيرها. وإذ تنصفونا وتتركوا العناد واللجاج، لكفى كل واحد من تلكالأحاديث في إثبات قولنا وأحقية مذهبنا.
وأما أنتم فليس عندكم حتى حديث واحد عن النبي (ص) يأمر أمتهبمتابعة الأشعري أو ابن عطاء في مسائل أصول الدين، أو العمل بآراء وأقوال مالك بنأنس أو أحمد بن حنبل أو أبي حنيفة أو محمد بن إدريس الشافعي في فروع الدين وأحكامالعبادات والمعاملات، ليت شعري من أين جاء هذا الانحصار؟!
فاتركوا التعصب لمذهب الآباء والأمهات والتمسك بالتقاليدوالعادات، وارجعوا إلى القرآن الحكيم وأحاديث النبي الكريم (ص) فلو كان عشر هذهالروايات والأحاديث المروية في كتبكم والواصلة عن طرقكم في متابعة أهل البيت عليهمالسلام، لو كانت في حق واحد من أئمة المذاهب الأربعة لاتبعناه وأخذنا برأيه وعملنابقوله.
ولكن لا نرى في كتبكم وأسانيدكم إلا أحاديث النبي (ص) وهو يحرضويحفز على متابعة الإمام علي عليه السلام بل يأمر المسلمين بذلك وينهى عن مخالفتهويصرح بأن الحق معه.
والآن تذكرت حديثا نبويا نقله كثير من علمائكم وأعلامكم، أنقلهلكم بالمناسبة لتعرفوا أن الشيعة لا يتبعون عليا وأبناءه عن تعصب وهوى، بل بأمر منالله ورسوله (ص) وليس إلى الحق والجنة سبيل غير مذهب أهل البيت عليهم السلام وهومذهب رسول الله (ص).
روى الشيخ سليمان الحنفي القندوزي في كتابه ينابيع المودة البابالرابع / عن فرائد السمطين لشيخ الإسلام الحمويني بسنده عن سعيد بن جبير عن ابنعباس ـ رضي الله عنهما ـ قال: قال رسول الله لعلي بن أبي طالب: يا علي أنا مدينةالعلم و أنت بابها و لن تؤتى المدينة إلا من قبل الباب، و كذب من زعم أنه يحبني ويبغضك لأنك مني و أنا منك، لحمك من لحمي و دمك من دمي و روحك من روحي و سريرتك منسريرتي و علانيتك من علانيتي، سعد من أطاعك و شقي من عصاك، و ربح من تولاك، وخسر من عاداك، و فاز من لزمك، و هلك من فارقك، مثلك و مثل الأئمة من ولدك بعدي،مثل سفينة نوح من ركبها نجا و من تخلف عنها غرق، و مثلهم مثل النجوم كلما غاب نجمطلع نجم إلى يوم القيامة.
ويصرح النبي (ص) في حديث الثقلين الذي اتفق علماء المسلمين علىصحته، إنكم ما إن تمسكتم بالقرآن وبأهل بيته وعترته لن تضلوا بعده أبدا.
وقد تكلمت حول هذا الحديث بالتفصيل في الليالي الماضية وذكرتلكم مصادره من كتبكم ومسانيدكم، ولكن بالمناسبة أقول:
إن ابن حجر الهيثمي وهو ممن لا يتهم عندكم بشيء بل لا ينكر أحدتعصبه في مذهبه، وتمسكه بطريقة أهل السنة والجماعة.
قال في كتاب الصواعق المحرقة / الفصل الأول من الباب الحادي عشرعند ذكره الآيات الكريمة النازلة في شأن أهل البيت عليهم السلام فيقول في ذيل الآيةالرابعة قوله تعالى: (وقفوهم إنهم مسؤولون)(13)، أي عن ولاية علي وأهل البيت.... قال ابن حجر: وأخرج الترمذي وقال: حسن غريب،إنه (ص) قال: إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي: أحدهما أعظم من الآخرو هو كتاب الله عز وجل، حبل ممدود من الأرض إلى السماء و عترتي أهل بيتي ولنيفترقا حتى يردا علي الحوض، فانظروا كيف تخلفوني فيهما؟! قال: " وأخرجه أحمد "في مسنده بمعناه ولفظه: إني أوشك أن أدعى فأجيب، و إني تارك فيكم الثقلين: كتابالله حبل ممدود من السماء إلى الأرض و عترتي أهل بيتي، و إن اللطيف الخبير أخبرنيأنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض. فانظروا بم تخلفوني فيهما؟! وسنده لا بأس به. وفي رواية: إن ذلك كان في حجة الوداع. وفي [ رواية ] أخرى: مثله ـ يعني: كتابالله ـ كسفينة نوح من ركب فيها نجى. ومثلهم ـ أي أهل بيته ـ كمثل باب حطة، مندخله غفرت له الذنوب.
وذكر ابن الجوزي لذلك في " العلل المتناهية " وهم أو غفلة عناستحضار بقية طرقه. بل في مسلم ـ أي صحيح مسلم ـ عن زيد بن أرقم أنه (ص) قال: ذلكيوم غدير خم وهو ماء بالجحفة، كما مر وزاد: أذكركم الله في أهل بيتي. قلنا لزيدمن أهل بيتيه: نساؤه؟ قال: لا، أيم الله! إن المرأة تكون مع الرجل العصر منالدهر، ثم يطلقها فترجع إلى أبيها وقومها. أهل بيته أهله وعصبته الذين حرمواالصدقة بعده.
قال ابن حجر: وفي رواية صحيحة: إني تارك فيكم أمرين لن تضلواإن تبعتموهما، وهما: كتاب الله وأهل بيتي عترتي. وقال: زاد الطبراني: إني سألتذلك لهما فلا تقدموهما فتهلكوا، ولا تقصروا عنهما فتهلكوا، ولا تعلمهم فإنهم أعلممنكم.
ثم قال ابن حجر: اعلم أن الحديث التمسك بذلك، طرقا كثيرة،وردت عن نيف وعشرين وصحابيا، وفي تلك الطرق أنه (ص) قال ذلك بحجة الوداع بعرفة،وفي أخرى أنه (ص) قاله بالمدينة في مرضه وقد امتلأت الحجرة بأصحابه، وفي أخرى أنه(ص) قال ذلك بغدير خم، وفي أخرى أنه (ص) قال لما قام خطيبا بعد انصرافه من الطائف.
ولا تنافي إذ لا مانع من أنه (ص) كرر عليهم ذلك في تلك المواطنوغيرها اهتماما بشأن الكتاب العزيز والعترة الطاهرة ـ وبعد سطور قال ـ: " تنبيه "سَمي رسول الله (ص) القرآن وعترته ثقلين، لأن الثقل كل نفيس خطير مصون وهذان كذلك، إذ كل منهما معدن للعلوم اللدنية والأسرار والحكم العلية والأحكام الشرعية، ولذاحث (ص) على الاقتداء والتمسك بهم والتعلم منهم... ويؤيده الخبر السابق: ولاتعلموهم فإنهم أعلم منكم. وتميزوا بذلك عن بقية العلماء، لأن الله أذهب عنهمالرجس وطهرهم تطهيرا، وشرفهم بالكرامات الباهرة والمزايا المتكاثرة.
وفي أحاديث الحث على التمسك بأهل البيت، إشارة إلى عدم انقطاعالعالم عن التمسك بهم إلى يوم القيامة، كما أن الكتاب العزيز كذلك، ولهذا كانواأمانا لأهل الأرض كما يأتي... ثم أحق من يتمسك به منهم، إمامهم وعالمهم علي بنأبي طالب كرم الله وجهه، لما قدمنا من مزيد علمه ودقائق مستنبطاته الخ.
أيها الحاضرون! هذه تصريحات أحد كبار علماء السنة وهو ابن حجرالذي اشتهر بالتعصب ضد الشيعة ومذهبهم، والعجب أنه مع كل تلك الاعترافات بفضل أهلالبيت (ع) ولزم التمسك بهم، يؤخرهم عن مقامهم وعن مراتبهم التي رتبهم الله فيها،لا سيما الإمام علي بن أبي طالب (ع) فيقدم عليه وعليهم من لا يقاس بهم في العلموالفضيلة فاعتبروا يا أولي الأبصار!! نعوذ بالله من التعصب والعناد.
أيها الأخوان فكروا في هذه التأكيدات المتتالية عن النبي (ص)!وهو يبين أن سعادة الدنيا والآخرة منحصرة في التمسك بالقرآن والعترة معا وأن طريقالحق واحد وهو الذي سار فيه أهل بيته فما هو واجب المسلمين؟ فكروا وأنصفوا!!
إنه موقف صعب واختيار الحق أصعب، لقد وقفتم على طريقين: طريقسلكه آباؤكم وأسلافكم، وطريق يدعوكم إليه نبيكم (ص) وقرآنكم وعقولكم.
فكما لا يجوز للمسلمين أن يغيروا شيئا من كتاب الله العزيز حتىلو أجمعوا على ضرورة التغيير لتغيير الزمان وغير ذلك، وكذلك لا يجوز للمسلمين أنيتركوا أهل البيت ويتمسكوا بغيرهم حتى لو أجمعوا على ذلك لأن رسول الله (ص) حكم علىالمسلمين وأمرهم أن يتمسكوا بالقرآن وبعترته وأهل بيته معا فلا يجوز التمسك بواحددون الآخر.
أسألكم أيها الحاضرون! هل الخلفاء الذين سبقوا الإمام علي (ع)كانوا من أهل البيت والعترة الهادية؟ وهل تشملهم أحاديث الثقلين والسفينة وباب حطةوغيرها حتى يتمسك بهم لازما، وطاعتهم واجبة علينا؟!
السيد عبد الحي: لم يدع أحد من المسلمين أن الخلفاء الثلاثةرضي الله عنهم كانوا أهل البيت، ولكنهم كانوا من الصحابة الصالحين، ولهم فضيلةالمصاهرة مع النبي (ص).
قلت: فإذا أمر رسول الله (ص) بإطاعة قوم أو فرد معين وأكد ذلكعلى أمته، فهل يجوز لطائفة من الأمة أن يعرضوا عن أمر النبي (ص) ويقولوا: إننانرى صلاحنا وصلاح الأمة في متابعة وإطاعة قوم آخرين ـ حتى إذا كانوا صلحاء ـ؟ فهلامتثال أمر النبي (ص) وطاعته واجبة؟ أم إطاعة تلك الطائفة المتخلفة عن أمر رسولالله (ص)، والعاملة حسب نظرها في تعيين الصواب والصلاح للأمة؟!
السيد عبد الحي: حسب اعتقادنا... طاعة النبي (ص) واجبة.
قلت: إذا، لماذا تركتم أمر النبي (ص) ولم تطيعوه حيث قال:إني تارك فيكم ثقلين أو أمرين، لن تضلوا إن اتبعتموهما وهما: كتاب الله وعترتيأهل بيتي، فلا تقدموا عليهم فتهلكوا ولا تقصروا عنهم فتهلكوا، ولا تعلموهم فإنهمأعلم منكم؟. ومع هذا تركتموهم وهم أعلم الناس وأفضلهم، وتبعتم واصل بن عطاء وأباحسن الأشعري، أو مالك بن أنس وأبا حنيفة ومحمد بن إدريس وأحمد بن حنبل!
هل إن هؤلاء أهل بيت النبي (ص) وعترته أم هم علي بن أبي طالبوأبناؤه الأئمة المعصومون (ع)؟
السيد عبد الحي: لم يدع أحد من المسلمين أن المقصود من أهلالبيت في حديث الثقلين، أئمة المذاهب الأربعة، أو الخلفاء الثلاثة، أو أبو الحسنالأشعري أو واصل بن عطاء، وإنما نقول: أن هؤلاء من أبرز علماء المسلمين ومنالفقهاء الصلحاء.
قلت: ولكن بإجماع العلماء واتفاق جمهور المسلمين، أن الأئمةالاثني عشر الذين نتمسك نحن الشيعة بأقوالهم ونلتزم طاعتهم، كلهم من أهل بيت النبي(ص) وعترته، وهم أشرف أبناء رسول الله (ص)، وثبت أنهم في كل زمان كانوا أعلمالناس بأحكام الدين وتفسير الكتاب المبين وفقه شريعة سيد المرسلين. وأقر لهم بذلكجميع علماء المسلمين.
لا أدري ما يكون جوابكم، إذا سألكم النبي (ص) يوم الحساب: أنلماذا خالفتم رأيي وعصيتم أمري فتركتم عترتي وأهلي وقدمتم غيرهم عليهم؟!
أليس أهل بيتي كانوا أعلم وأفضل؟
لقد أخذ الشيعة دينهم ومذهبهم، حسب أمر النبي (ص) من باب علمه، ومن وصيه علي بن أبي طالب (ع)، وأخذوا بعده من عترته وأهل بيته الذين أدركوهوعاشروه وسمعوا حديثه ورأوا أعماله وسلوكه فأخذوا منه وأصلوا ذلك إلى أبنائهمونشروه. أما غير أهل البيت (ع) فكيف وصلوا إلى علم النبي (ص)؟!
فالأئمة الأربعة ما كان لهم أي ذكر في القرن الأول الثاني بعدرسول الله (ص)، فلا يعدون من الصحابة والتابعين.
ولكن أخرجتهم السياسة وأظهرتهم الحكومة والفئة المناوئة لأهلالبيت والعترة (ع).
ففسحت لهم المجال وفتحت أبوابهم، ومنعت الحكومات الناس منالتوجه إلى آل محمد (ص): لينصرفوا نحو الأئمة الأربعة، وإذا كان أحد من لا يهتملأمر الحكومة، فيتمسك بأهل البيت ويعمل برأيهم ولم ينضم إلى مذاهب الأئمة الأربعة، فكان يرمى بالكفر والزندقة وكان مصيره السجن والمطاردة!
وما زالت هذه الحالة التعصبية تنتقل من دور إلى دور، ومن دولةإلى أخرى، حتى يومنا هذا!!
فما يكون جوابكم لنبيكم (ص) يوم الحساب إذا سألكم: بأي دليلكفرتم شيعة أهل بيتي، وهم مؤمنوا أمتي؟
ولماذا قلتم لأتباعكم وأشياعكم: إن شيعة علي (ع) مشركون؟!
فحينئذ ليس لكم جواب، ولكم الخزي والخجل في المحشر!
أيها الأخوة! تداركوا اليوم الموقف! وارجعوا إلى الحق والصواب! واعتبروا يا أولي الألباب!

نتبع العلم والعقل
أيها الحاضرون الكرام! نحن لا نعاديكم ولا نعادي أحدا منالمسلمين، بل نحسب جميع المسلمين إخواننا في الدين، ولكن خلافنا معكم ناشئ منالتزامنا لحكم العقل و العلم، وهو أننا لا نقلد في أمر ديننا تقليدا أعمى، بل يجبأن نفهم الدين بالدليل والبرهان حتى يحصل لنا اليقين، قال سبحانه وتعالى: (فبشر عباد الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه)(14).
فلا نتبع أحدا ولا نطيعه من غير دليل، فنأخذ بأمر الله سبحانهونهتدي بهدى النبي (ص) ولا نسلك إلا الطريق السوي الذي رسمه لنا رسول الله (ص) بأمرالله عز وجل، من مطلع رسالته حين جمع رجال قومه الأقربين امتثالا لأمر الله سبحانهحيث قال: (وأنذر عشيرتك الأقربين)(15).
فجمعهم رسول الله (ص): وأطعمهم، ثم قام فيهم بشيرا ونذيرا ثمقال: فمن منكم يجيبني إلى هذا الأمر ويؤازرني في القيام به، يكن أخي ووزيري منبعدي؟ فما أجابه إلا علي (ع)، وكان أصغرهم سنا، فأخذ النبي بيده وقال: إن هذاأخي ووصيي وخليفتي فيكم فاسمعوا له وأطيعوا الخ ـ وقد نقلنا هذا الخبر بالتفصيلوذكرنا مصادره المعتبرة في المجلس الخامس ـ.
وفي أواخر أيام حياته المباركة، وفي أكبر جمع من أمته، يومالغدير، أخذ بيد علي بن أبي طالب (ع) بأمر الله عز وجل وعينه لخلافته، فقال: منكنت مولاه فهذا علي مولاه... وأخذ له البيعة منهم.
فالدلائل الساطعة والبراهين القاطعة من القرآن الحكيم وأحاديثالنبي الكريم (ص) المروية في كتبكم المعتبرة ومسانيدكم الموثقة ـ إضافة على تواترهافي كتب الشيعة ـ كلها تشير بل تصرح على أن الصراط المستقيم والسبيل القويم منحصر فيمتابعة آل محمد وعترته (ص).
ولو تذكرون لنا حديثا واحدا عن النبي (ص) بأنه قال: خذوا أحكامديني من أبي حنيفة أو مالك أو أحمد بن حنبل أو الشافعي، لقبلناه منكم! ولتركتمذهبي واخترت أحد المذاهب الأربعة!!
ولكن لا تجدون ذلك أبدا وليس لكم أي دليل وبرهان عليه، ولميدعه أحد من المسلمين إلى يومنا هذا.
نعم لكم أن تقولوا: بأن الأئمة الأربعة كانوا من فقهاء الإسلام، ولذلك الظاهر بيبرس في عام 666 من الهجرة، أجبر المسلمين على متابعة أحدهم(16)وأعلن رسمية المذاهب الأربعة ومنع فقهاء المسلمين من استنباط الأحكام وإبداء آرائهم، والتاريخ يصرح بأنه كان في الإسلام فقهاء وعلماء أعلم وأفقه من أولئك الأربعة.
والعجب أنكم تتركون الإمام علي (ع) وهو باب علم النبي (ص) والذيأمر رسول الله (ص) أمته بالأخذ منه ومتابعته في أمر الدين والشرع، بالنصوص الكثيرةوالروايات المتواترة الواصلة عن طرقكم المعتبرة، وكذلك الآيات القرآنية التي نزلتفي هذا الشأن كما فسرها كبار علمائكم الأعلام ومحدثيكم الكرام.
وأنتم مع ذلك تصمون أسماعكم، وتغمضون أبصاركم، وتتبعون الأئمةالأربعة، وتحصرون الحق في آرائهم وأقوالهم بغير دليل وبرهان، وأغلقتم بابالاجتهاد واستنباط الأحكام، وقد تركه النبي مفتوحا أمام الفقهاء والعلماء.
السيد عبد الحي: نحن نرى الحق في متابعة الأئمة الأربعة، كماأنكم ترون الحق في متابعة الأئمة الاثني عشر!!!
قلت: هذا قياس باطل لأنكم ترون الحق في متابعة أحد الأئمةالأربعة، بينما نحن نرى الحق في متابعة كل الأئمة الاثني عشر، فلا يجوز عندنا تركأحدهم والإعراض عن أوامره.
ثم إن تعيين الأئمة الاثني عشر ما كان إلا من عند النبي (ص)وبأمره وحكمه، فهو (ص) عينهم وذكر أسماءهم واحدا بعد الآخر.

خلفاء النبي (ص) إثنا عشر
ذكر الشيخ سليمان القندوزي الحنفي في كتابه ينابيع المودةمجموعة أحاديث عن النبي (ص) بهذا المعنى وفتح لها بابا عنوانه:
الباب السابع والسبعون: في تحقيق حديث بعدي إثنى عشر خليفة.
قال ذكر يحيى بن الحسن في كتاب العمدة، من عشرين طريقا في أنالخلفاء بعد النبي (ص) إثنا عشر خليفة كلهم من قريش: في البخاري من ثلاثة طرق وفيالترمذي من طريق واحد في الحميدي من ثلاثة طرق.
وذكر هذه الأحاديث الشريفة كثير من علمائكم الأعلام غير الذينذكرهم القندوزي، منهم: الحمويني في فرائد السمطين، والخوارزمي في المناقب، وابنالمغازلي في المناقب، والثعلبي في التفسير، وابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة،والمير سيد علي الهمداني الشافعي في المودة العاشرة من كتابه مودة القربى، نقلاثنا عشر خبرا وحديثا في هذا الأمر، من عبد الله بن مسعود وجابر بن سمرة وسلمانالفارسي وعبد الله بن عباس وعباية بن ربعي وزيد بن حارثة وأبي هريرة، وعن الإمامعلي (ع)، كلهم يروون عن رسول الله (ص) أنه قال: الأئمة بعدي أو خلفائي بعدي إثناعشر كلهم من قريش،وفي بعض الروايات كلهم من بني هاشم، وحتى في بعضها عينهم بذكرأسماءهم.
ولا نجد حتى حديثا واحدا عن النبي (ص) حول الأئمة الأربعة الذينتمسكتم بهم. ثم إن الفرق بين الأئمة الإثني عشر الذين نتمسك بهم نحن ونأخذبأقوالهم وبين أئمتكم الأربعة فرق كبير.
وكما أشرنا في الليالي السالفة أن الأئمة الإثني عشر عليهمالسلام هم أوصياء رسول الله (ص) وقد نص عليهم بأمر من الله سبحانه فلا يقاس بهم أيفرد من الخلفاء والأئمة الذين تمسكتم بهم، فإن أئمة المذاهب الأربعة شأنهم شأنغيرهم من فقهاء المسلمين وعلماء الدين، والمسلمون في خيار تام في تقليدهم وتقليدغيرهم من فقهاء الإسلام الذين يملكون قدرة الاستنباط واستخراج الأحكام الدينية منالقرآن الحكيم والسنة النبوية الشريفة.
وعلى هذا فنحن الشيعة نقلد مراجع الدين وهم الفقهاء الذين درسواوحققوا الأخبار والأحاديث المروية عن النبي وأهل بيته الطيبين الراسخين في العلم.
فيحققوا ويتقنوا أسنادها وطرقها ويميزوا بين صحيحها وسقيمهاويستخرجوا منها حكم المسائل المستحدثة والفروع الطارئة في زماننا هذا، ويبينواتكليفنا الشرعي على أساس أصول الفقه والقواعد الإلهية، يردون الفرع على الأصلويستخرجوا حكمه ويبينوه لمقلديهم، وهؤلاء الفقهاء يتواجدون في كل زمان وهم متعددونولا ينحصر التقليد في واحد منهم، لأن الكل يأخذون من منهل العترة الهادية ومنبعأهل البيت الطاهرين عليهم السلام.
ولكن الأئمة وإن تتلمذوا عند بعض أئمة أهل البيت عليهم السلامإلا أنهم خرجوا من إطارهم وتركوا الأصول الفقهية والقواعد المقبولة لديهم، فعملوابالقياسات العقلية والإستحسانات النظرية حتى أنهم ربما اجتهدوا في بعض المسائلوخالفوا النصوص الجلية فيها، فضلوا وأضلوا(17).
والعجب أنكم تركتم تقليد العترة وأهل بيت الوحي والرسالة الذينعينهم النبي (ص) وتابعتم التلامذة الذين لم يبلغوا عشر معشار علوم أهل البيت عليهمالسلام ولم يقترفوا إلا غرفة أو رشحة من بحارهم المتلاطمة بشتى العلوم التي آتاهمالله عز وجل من لدنه وجعلهم أئمة يهدون بأمره.
فالأئمة الأربعة استندوا إلى عقولهم الناقصة في بيان حكم اللهعز وجل ولم يستندوا إلى الكتاب المبين وسنة سيد المرسلين.
وقد قال سبحانه وتعالى: (أفمن يهدي إلى الحق أحق أن يتبع أمن لا يهديإلا أن يهدى فمالكم كيف تحكمون)(18).
السيد عبد الحي: وهل عندكم دليل على أن الأئمة الأربعة تتلمذواعند أئمتكم؟

الإمام الصادق عليه السلام وموقعه العلمي
قلت: دليلنا هو التاريخ الذي كتبه أعلامكم، فقد ذكر الصباغالمالكي في كتابه الفصول المهمة في معرفة الأئمة عليهم السلام ـ فصل حياة الإمامالصادق عليه السلام ـ قال:
كان جعفر الصادق عليه السلام من بين أخوته خليفة أبيه ووصيهوالقائم بالإمامة من بعده، برز على جماعة بالفضل وكان أنبههم ذكرا وأجلهم قدرا نقلالناس عنه من العلوم ما سارت به الركبان وانتشر صيته وذكره في ساير البلدان ولمينقل العلماء عن أحد من أهل بيته ما نقل عنه من الحديث، وروى عنه جماعة من أعيانالأمة مثل يحيى بن سعيد وابن جريح ومالك بن أنس والثوري وأبو عيينة وأبو حنيفةوشعبة وأبو أيوب السجستاني وغيرهم... الخ.
وقال كمال الدين محمد بن طلحة العدوي القرشي الشافعي، في كتابهمطالب السؤول في مناقب آل الرسول ـ الباب السادس في أبي عبد الله جعفر بن الصادقعليه السلام: هو من عظماء أهل البيت و ساداتهم (ع) ذو علوم جمة، و عبادة موفورة،و أوراد متواصلة، و زهادة بينة، و تلاوة كثيرة، يتتبع معاني القرآن الكريم ويستخرج من بحره جواهره و يستنتج عجائبه، و يقسم أوقاته على أنواع الطاعات بحيثيحاسب عليها نفسه. رؤيته تذكر بالآخرة، و استماع كلامه يزهد في الدنيا، والاقتداء بهداه يورث الجنة، نور قسماته شاهد أنه من سلالة النبوة، و طهارة أفعالهتصدع أنه من ذرية الرسالة.
نقل عنه الحديث و استفاد منه العلم جماعة من الأئمة و أعلامهممثل يحيى بن سعيد الأنصاري و ابن جريح و مالك بن أنس و الثوري و ابن عيينة و أبيحنيفة و شعبة و أيوب السختياني و غيرهم (رض) و عدوا أخذهم عنه منقبة شرفوا بها وفضيلة اكتسبوها... الخ.
وقال الشيخ أبو عبد الرحمن السلمي وهو من أعلامكم في كتابهطبقات المشايخ: إن الإمام جعفر الصادق فاق جميع أقرانه، وهو ذو علم غزير في الدينوزهد بالغ في الدنيا، وورع تام عن الشهوات، وأدب كامل في الحكمة... الخ(19).
ولو نقلت لكم ما ذكره علماؤكم وأعلامكم عن الإمام جعفر بن محمدالصادق (ع) ومقامه العلمي، وصفاته الحميدة وأخلاقه المحمودة لطال بنا المقام،ولتقاصر البيان عن أداء حقه وتعريفه بما يستحقه، وكل ما يقال في علمه وخلقه وصفاتهالحسنة لا يبلغ به معشار وما هو حقه.
النواب: هل تأذن لي بالسؤال؟
قلت: أرجو أن يكون سؤالك فيما نحن فيه، وأن لا تخرجنا بسؤالكعن الموضوع.
قال النواب: إن مذهبكم يعرف بالمذهب الاثني عشري لأنكم تتبعونإثني عشر إماما. فلماذا اشتهر هذا المذهب باسم الإمام جعفر الصادق رضي الله عنهفيطلق عليكم الجعفرية نسبة إليه؟

ظهور المذهب الجعفري
قلت: لقد جرت السنة الإلهية على أن كل نبي يعين رجلا وصيالنفسه ليقوم بالأمر من بعده ولكي لا تكون أمته حائرة من بعده، فيضلوا عن سبيل اللهسبحانه، فقد قال عز وجل: (إنما أنتمنذر ولكل قوم هاد)(20). وبينا لكم في المجالس السابقةأن النبي محمد (ص) عين الإمام علي (ع) وصيا وأوصى إليه بأمر من الله سبحانه وعينهخليفة من بعده ليهدي أمته إلى الحق وإلى الصراط المستقيم، ولكن السياسة اقتضت أنيخالفوا وصية رسول الله (ص) فعدلوا عنه إلى أبي بكر وعمر وعثمان وقد كانوايستشيرونه في أكثر الأمور، فكان يشير عليهم بالحق والصواب، وهو الذي كان يواجهعلماء الأديان المناوئون للإسلام فيرد شبهاتهم ويجيب مسائلهم.
ولما آل الأمر إلى بني أمية واغتصب معاوية عرش الخلافة، عاملوهوعاملوا أئمة أهل البيت والعترة الهادية (ع) بكل قساوة، فما شاورهم في أي أمر منالأمور بل خالفوهم وما أذنوا لهم بنشر علومهم وبيان ما أخذوه من رسول الله (ص)،فطاردوا شيعتهم ومحبيهم وقتلوهم وسجنوهم وأبعدوهم إلى أن انتهت هذه السياسة الظالمةوالسيرة الجائرة الغاشمة بقيام عام من المسلمين ضد بني أمية فأبادوهم، وانتقلالحكم إلى بني العباس وكان ذلك في عصر الإمام الصادق (ع) الذي اغتنم هذه الفرصةالتي أتيحت له بانشغال الدولتين ففتح باب بيته على مصراعيه ليستقبل من رواد العلموطلابه، فوفد نحوه العلماء من كل صوب ومن كل مكان ليرتووا من منهله ويستقوا منمنبعه العذب الصافي، وقد عد بعض المحققين والمؤرخين تلاميذه فتجاوز الأربعة آلاف،فالتف حوله طلاب الحق فكشف لهم الحقائق العلمية، وأوضح لهم المسائل الاعتقادية،وبين لهم المسائل الدينية مستندا فيها على الآيات القرآنية والأحاديث النبويةالشريفة التي وصلته عن طريق آبائه الطيبين والأئمة المعصومين من أهل البيت (ع).
وهكذا انتشرت عن طريقه أصول مذهب الشيعة وعقائدهم الحقة، وقدألف بعض أصحابه وتلامذته المقربين رسائل في هذا الأمر اشتهرت بالأصول الأربعمائة.
ولم ينحصر علمه في المسائل الدينية والأحكام الشرعية بل كانبحرا زاخرا في شتى العلوم حتى أن جابر بن حيان أخذ منه علم الكيمياء وألف في ذلكرسائل عديدة تدرس بعضها إلى يومنا هذا في الجامعات العلمية.
وبعدما تسلط بنو العباس على الحكم وقويت شوكتهم، منعوه من نشرالعلم وتدريسه، ودام المنع على أبنائه الأئمة الطاهرين (ع) من بعده، فالفرصة التيأتيحت له في فترة قصيرة ما أتيحت لأحد من آبائه ولا لأحد من أبنائه الهداة الطيبين.
فلذلك اشتهر هذا المذهب باسمه وانتسب إليه، فيقال: مذهب جعفربن محمد أو المذهب الجعفري.
فالإمام الصادق (ع) كما يعترف أعلامكم وكبار علمائكم هو أفضل وأعلم أهل زمانه، وكما أشرنا بأن الأئمة وغيرهم من أئمة الفقه أخذوا عنه وتتلمذواعنده، وكل واحد استفاد من محضره حسب استعداده. وكان (ع) أفضلهم وأزهدهم و أورعهمومع ذلك ترك أسلافكم تقليده ومتابعته، حتى أنهم أبوا أن يجعلوه في عداد الأئمةالأربعة! لماذا هذا الجفاء والبغضاء؟ هل لأنه من آل محمد (ص) ومن عترته الطاهرة(ع)؟!
وقد بالغ بعض محدثيكم وأعلامكم في البعض والجفاء لأهل البيت إلىحد العناد، بحيث أبوا أن ينقلوا عنهم الحديث الذي يروونه عن جدهم رسول الله (ص) (مع ما أوصى به النبي (ص) بهم، وتحريضه الأمة على إكرامهم واحترامهم ومتابعتهم).
فهذا البخاري ومسلم لم ينقلا روايات الإمام جعفر الصادق (ع) فيصحيحهما، بل لم ينقلا عن أبي واحد من علماء أهل البيت وفقهائهم، مثل زيد بن عليالشهيد والمدفون في " فخ " ويحيى ابن عبدالله بن الحسن وأخيه إدريس، ومحمد بنالإمام الصادق ومحمد بن إبراهيم المعروف بابن طباطبا ومحمد بن محمد بن زيد وعبدالله بن الحسن وعلي بن جعفر العريضي وغيرهم من أكابر وسادات بني هاشم من المحدثينوالفقهاء، فلم ينقلا عنهم. والعجيب أن البخاري ينقل ويروي عن أناس ضعفاء فيالإيمان والعقيدة، بل ينقل عن عدة من الخوارج والذين نصبوا العداء لآل محمد (ص)أمثال أبي هريرة وعكرمة وعمران بن حطان الذي يمدح ابن ملجم المرادي قاتل الإمام عليبن أبي طالب (ع).


من مواضيع : زكي الياسري 0 كليب واحسيناه / لطمية للاربعين 1434 حصرياً على قناة انا شيعي
0 ذكرى من الحسين / الرادود السيد حيدر الكيشوان
0 ثورة الحب الصادقة .. لطمية فصيحة للاربعين
0 وصي المرتضى / لطمية فصيحة للامام الحسن المجتبى عليه السلام
0 بصوت الرادود الحاج حسن الحواج / قصيدة العليلة فاطمة ع 1434
رد مع اقتباس