|
عضو برونزي
|
رقم العضوية : 44479
|
الإنتساب : Oct 2009
|
المشاركات : 557
|
بمعدل : 0.10 يوميا
|
|
|
|
كاتب الموضوع :
يوسف علي
المنتدى :
منتـدى سيرة أهـل البيت عليهم السلام
بتاريخ : 23-12-2009 الساعة : 04:27 AM
- 9 -
لقد شيعني الحسين
وحري بنا إذا أدركنا ذلك أن نقول : هذا الذي لمتمنني فيه. فمن ذا الذي يقرأ تفاصيل تلك الملحمة الحسينية ثم لا يتحيز لمنطقها وقيمها ورجالاتها. وهل كان المطلوب أن تقسوا القلوب فلا ترى في تلك المأساة سوى حدث عابر ليس حقيقا بتكريس العبر أو إثارة العبرات. لقد فضحت نهضة الحسين هذا المنطق المزدوج المصر على أن يفتح قلوبنا على أعلى درجات النفاق. قلوب تتسع إلى حب علي ومعاوية.. وحب الحسين ويزيد.. في جدلية أحاسيس تتحرك بوتيرة من اللاّسواء ومن أقصى الفصام.
هذا هو الشكل العبثي من الإسلام الذي هندس له بنو أمية وأجراءهم الذين ملؤوا تراثنا تخريفا وأضاليل وأكاذيب وتفاهات. وقد نجحوا بوسائلهم المختلفة في أن يكرسوا وجهة النظر الأموية في علي وبنيه . فليس غريبا أن يذكرها علي بن أبي طالب في منتهى التحسر: " لقد أنزلني الدهر حتى قيل علي ومعاوية ".
كانت قافلة الحسين أبي الشهداء تتجه خارج المدينة وخارج مكة بعد أن لم يعد من إمكانية للسلام. حرص الطاغية يزيد وهو يستكمل مشوارا أبيه وجده في تقويض المعنى الأصيل لإسلام ساوق العدل كله والتحرر كله والعقل كله والسمو الروحي والجماعي كله لصالح تخريج عصباني وقبلي ، انتهى بالطغمة الأموية أن تقرصن الإسلام من حضن أهل البيت لتضعه تحت تصرف الشجرة الملعونة في القرآن.
فكان أن جاء يزيد وهو في حالة سكر يلعب بالقرود ليفرض البيعة على احد سيدا شباب أهل الجنة وإماما من أهل البيت أسند الأمر له. كان لا بد للتاريخ يومها أن يختار. فإذا كان الأمر قد تشابه على الناس وثبجت مظاهره على القوم بين علي ومعاوية ـ حتى قال الأول : أنزلني الدهر حتى قيل علي ومعاوية ـ فإن الأمر واضح وضوح الشمس في رائعة النهار اليوم. الحسين سيد شباب أهل الجنة ويزيد من زعران العرب ومجرميها. لذا كانت ثورة الحسين عليه مبررة حينما يقول الحسين عنه أنه راكب الفجور وقاتل النفس المحترمة ومثلي لا يبايع مثله. لم يعد الموقف ملتبسا كما قد يبدو حينما سكت التاريخ عن الصراع بين علي ومعاوية. اليوم لا شيء يلتبس .
فكان لا بد أن يفترق التاريخ الإسلامي بين وجهتين: وجهة الحسين ووجهة يزيد. فلا نستغرب أن في الأمة اليوم من لا يزال يترضى على يزيد وبذلك يفقد فعل الترضي العشوائي دلالته وقدسيته حينما يشرك فيه يزيد مع صحابة لهم مكانة محترمة في التاريخ الإسلامي. لم ينصروا الحسين كما يجب وقد عاصروه.
واليوم لم يسمحوا بالبكاء عليه أو إحياء ذكرى مقتله بدعوى أنه زمان قد مضى وتصرم. وحينما يتبلد الإحساس ويموت القلب ويهيمن التاريخ البليد على عقولنا وقلوبنا فحتما سنكره الحسين من خلال كره أي طقس يصلنا به وربما سعينا لتحويل عاشوراء إلى طقس بارد بعد أن اكسبها تاريخ الحسين أعظم معنى لا رجعة فيه. كان الحسين عظيما وهذا هو سر خلوده العاشوراء في التاريخ. لقد أرادوا أن يعيشوا تاريخا خاليا من الحسين كما أرادوا أن يعيشوا حاضرا خاليا من ذكرى الحسين.
لا يمكن أن يحل الحسين في قلوب عاجزة عن إدراك جلال الثورة وجمال معانيها. لذلك لن يحل الحسين في قلوب جبانة. كان لا بد أن نتساءل عن أي مصير للإسلام لو أن الحسين لم يقم قيامه. فماذا يعني التشيع للحسين سوى التطهر من حب الشجرة الملعونة في القرآن. والقبض على مضمون حركته التي لا يوجد ما هو أكثر صفاء منها. إن التشيع للحسين قيمة دينية وأخلاقية وعلمية لا تضاهيها قيمة أخرى. فهي قيمة القيم التي تختزل كل تلك القيم : إنها بالأحرى ، كل القيم.
وأي قيمة يا ترى لا تجد لها عند الحسين مثالا متحققا. بل لا قيمة لإسلام المرء إن لم يتشيع للحسين ويبرأ من خصومه وقاتليه. فالحسين نهض نهضة لم تترك للممترين أنصاف الحلول. فكيف أمسى هو ثائرا بينما أصبحنا نحن على مسلسل تبريري ما فتئ يلتف حول عقولنا. فالحسين لم يجد في يزيد خيرا . لكن منا من يرى أن الترضي عن يزيد سنة محمودة ، بل منا من يبحث عن شيء من الخير في ألعن البرية. هناك من الأمة من يرى نفسه أشرف من الحسين وأعلم، لذا يعتبر ما حدث مجرد نزاع بين شخصين يقتضي منا الحياد . ووجب أن لا ندخل فيه لا ناصرا ولا متحيزا. لسواد عيون يزيد وقرده أبا قيس. على أساس هذا المنطق ذبح آل البيت على مرأى ومسمع من الأغلبية الصامتة.
ولا زلت أتأمل بأعجب العجب أولئك الذين جعلوا من صرختي تلك دليل إدانة. وهكذا بت متهما لأنني أحببت الحسين وبكيت مأساته وكرهت أعداءه. كنت في البداية أعتقد أنني أنا من يملك أن يحتج على رطانة من مرت مأساة الحسين عندهم في صمت مهول . لكنني لم أتوقع أن يوجد من يحتج على صرختك تلك. إن ثورة الحسين لم تترك بعد قيامها خيارا للمسلمين: فإما شيعة للحسين وإما شيعة ليزيد ؛ ولك أن تختار. فالتشيع للحسين هو النقيض للأموية وليس للسنة التي خرج الحسين مدافعا عنها.
تقدم الملحمة الحسينية تجربة جديدة فيها من العنفوان ما يكسر قيد التحريفية التي لطخت صفاء الإسلام وأعادته إلى عوائد العصر الجاهلي. كانت بحق دعوة نقية بالمعنى الحقيقي الذي يعني القبض على صفاء الحقيقة المحمدية. إن الصراطية ليست تسطيحا للمعنى الديني. ولا هي رجوع إلى الماضي غير مشروط. الصراطية ليست رجوعا إلى السلف بل هي إعادة ربط الوشائج مع الحقيقة الأولى لهذا الدين ثم الانطلاق بها في كل أرض وفي كل حين .فمن هو ذلك المتصلب العريكة المتحجر القلب المتبلد الإحساس والعقل من يقرأ ملحمة عاشوراء دون أن ينتفض على مهزلة تاريخ غدا مثل مومس لم تعد الأصباغ والحلي قادرة على أن تعيد إليها بهاء الشرف.
لم يكن كل مؤرخينا بمن فيهم الذين اجتنبوا حقائقه وواروا مكرهين كبائره عديمي الشرف. لقد قدموا مادة ذكية حين لغموه وزرعوه بالمفارقات التي تمكن اللبيب أن يقرأه بخلاف ما كتبوا. إن للتاريخ ظاهرا وباطنا. فظاهره رحمة وباطنه عذاب. التشيع للحسين قيمة لا تسموا عليها قيمة.. فهو يلخص حكاية الإسلام كله وحكاية العدالة كلها .. هو الشرف والفروسية والكرامة والمجد.. فلأي الحكايات شاؤوا لنا أن نتشيع .. هل أرادوا لنا أن نتشيع لمعاوية ويزيد.. أستغفر الله.. الظرف مصيبة ومن الهم ما أضحك...الناس تتشيع وتقتدي وتناصر أشرف الناس وأعظمهم شأنية.
فهذا الذي لمتمنني فيه. فلا أقوى على رد حب الحسين و لا أطيق ردّ عشق هذا البيت الطاهر المبارك .إن كل قراءة غير متحررة من هواجس الطائفية لا يمكنها أن تكون منتجة. فالحسين أوسع مدى من الطائفية. إنه احتوى قيمة القيم الإسلامية وجسدها نهضة على الأرض. إنه باب رحمة الله الواسعة. التشيع للحسين معناه التشيع للقيم النبيلة التي ناضل من أجلها الحسين. ولا يكفي أن يكون الإيمان محض معاقرة باردة للقيم، بل إن الاعتقاد بالقيم يجب أن يكون هو نفسه حسينيا. لقد جسد الأمر الإلهي ليحيى:" يا يحيى خذ الكتاب بقوة". ولنا في نهضة الحسين مثال على ذلك؛ خذ الكتاب بروح حسيني. وبغض النظر عن عوارض الفكر وتفاصيل العرض التي قد يأخذ منها أو يرد فإن جوهر القضية لا غبار عليه: هي حرارة الحسين التي لن تبرد أبدا .
هذا معنى: لقد شيعني الحسين: معناه أنني آمنت بكل الحق الذي آمن به الحسين. و معناه أنني أعجبت بكل تفاصيل الملحمة الحسينية وأبطالها. ومعناه أنني فطمت العقل والقلب عن اعتبار كل من عاداه أو قاتله أو هادن من عاداه أو قاتله. ومعناه أنني أحببت الحسين وكل من أحبه . ومعناه أنني لا يمكنني أن أفرق بين تشيعي لمحمد بن عبد الله (ص) وتشيعي لحفيده الحسين (ع) ؛ كيف ذلك وقد قال فيه (ص): حسين مني وأنا من حسين. ومعناه أنني حسيني الهوى لا أجد مقالة أبلغ في القلب والعقل من صرخته: هيهات منا الذلة. أجل ، لقد شيعني الحسين شاء من شاء وأبى من أبى ، لأنه حررني من الخوف كل الخوف وهزم الموت في روعي ومنه فقط تعلمت المعنى الجميل للحرية كما منه فقط تعلمت طريق العشق الذي عبر عنه أحسن تعبير حين قال:
يتبــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــع
|
|
|
|
|