![]() |
هارون الرشيد والاعرابي
حج هارون الرشيد وابتدأ بالطواف ، ومنعت العامة من ذلك ، لينفرد وحده ، فبينما هوفي ذلك إذ ابتدر أعرابي البيت ، وجعل يطوف معه . فقال الحاجب : تنحيا هذا عن وجه الخليفة ، فانتهرهم الأعرابي وقال : إن الله ساوى بين الناس في هذاالموضع فقال " سواءا العاكف فيه والباد " فأمر الحاجب بالكف عنه ، فكلما طاف الرشيدطاف الأعرابي أمامه ، فنهض إلى الحجر الأسود ليقبله فسبقه الأعرابي إليه والتثمه ،ثم صار الرشيد إلى المقام ليصلي فيه فصلى الأعرابي أمامه . فلما فرغ هارون منصلاته ، استدعى الأعرابي فقال الحجاب : أجب أمير المؤمنين فقال : مالي إليه حاجةفأقوم إليه بل إن كانت الحاجة له فهو بالقيام إلي أولى قال : صدق فمشى إليه وسلمعليه فردفقال هارون : أجلس ياأعرابي ؟ فقال : ما الموضع لي فتستأذنني فيه بالجلوس ، إنما هو بيت الله نصبهلعباده ، فان أحببت أن تجلس فاجلس ، وإن أحببت أن تنصرف فانصرف . فجلس هارون وقال : ويحك يا أعرابي مثلك من يزاحم الملوك ؟ قال : نعم وفي مستمع قال : فاني سائلك فانعجزت آذيتك قال : سؤالك هذا سؤال متعلم أو سؤال متعنت ؟ قال : بل سؤال متعلم قال : اجلس مكان السائل من المسؤول وسل وأنت مسؤول . فقال هارون : أخبرني ما فرضك ؟ قال : إن الفرض رحمك الله واحد وخمسة وسبعة عشر ، وأربع وثلاثون ،وأربع وتسعون ، ومائة وثلاثة وخمسون ، على سبعة عشر ، ومن اثني عشر واحد ، ومنأربعين واحد ، ومن مأتين خمس ، ومن الدهر كله واحد ، وواحد بواحد . قال : فضحك الرشيدوقال : ويحك أسألك عن فرضك ، وأنت تعد علي الحساب ! ؟ قال : أما علمت أن الدين كلهحساب ، ولو لم يكن الدين حسابا لما اتخذ الله للخلائق حسابا ، ثم قرأ " وإن كانمثقال حبة من خردل أتينا بها و كفى بنا حاسبين " قال : فبين لي ما قلت ؟ وإلا أمرتبقتلك بين الصفا والمروة . فقال الحاجب : تهبه لله ولهذا المقام قال : فضحك الأعرابي من قوله ، فقال الرشيد : مما ضحكت ياأعرابي ؟ قال : تعجبا منكما ، إذ لا أدري من الأجهل منكما ، الذي يستوهب أجلا قدحضر ، أو الذي استعجل أجلا لم يحضر . فقال الرشيد : فسرما قلت ؟ قال : أما قولي الفرض واحد : فدين الاسلام كله واحد ، وعليه خمس صلوات ،وهي سبع عشر ركعة وأربع وثلاثون سجدة وأربع وتسعون تكبيرة ، ومائة وثلاث وخمسونتسبيحة ، وأما قولي من اثني عشر واحد : فصيام شهر رمضان من اثني عشر شهرا ، وأماقولي : من الأربعين واحد فمن ملك أربعين دينار أوجب الله عليه دينارا ، وأما قولي : من مائتين خمسة فمن ملك مائتي درهم أوجب الله عليه خمسة دراهم . وأما قولي فمنالدهر كله واحد فحجة الاسلام ، وأما قولي واحد من واحد فمن أهرق دما من غير حق وجبإهراق دمه قال الله تعالى : " النفس بالنفس " فقال الرشيد : لله درك ، وأعطاه بدرةفقال : فبم استوجبت منك هذه البدرة يا هارون بالكلام ؟ أو بالمسألة ؟ قال : بالكلامقال : فإني سائلك عن مسألة فان أتيت بها كانت البدرة لك تصدق بها في هذا الموضعالشريف ، وإن لم تجبني عنها أضفت إلى البدرة بدرة أخرى لأتصدق بها على فقراء الحيمن قومي ، فأمر بإيراد أخرى وقال : سل عما بدا لك . فقال : أخبرني عن الخنفساء تزق؟ أم ترضع ولدها ؟ فحرد هارون و قال : ويحك يا أعرابي مثلي من يسأل عن هذه المسألة؟ ! فقال : سمعت ممن سمع من رسول الله يقول : من ولي أقواما وهب له من العقل كعقولهم ، وأنت إمام هذه الأمةيجب أن لا تسأل عن شئ من أمر دينك ، ومن الفرايض ، إلا أجبت عنها ، فهل عندك لهالجواب ؟ . قال هارون : رحمك الله لا فبين لي ما قلته ، وخذ البدرتين فقال : إن الله تعالى لما خلق الأرض خلق دبابات الأرض الذي من غير فرث ، ولا دم ، خلقها من التراب ، وجعل رزقها وعيشها منه، فإذا فارق الجنين أمه لم تزقه ولم ترضعه وكان عيشها من التراب . فقال هارون : والله ما ابتلى أحد بمثل هذه المسألة ، وأخذ الأعرابي البدرتين وخرج ، فتبعه بعض الناس ، وسأله عن اسمه فإذا هو موسى بن جعفر بن محمد فأخبر هارون بذلك فقال : والله لقد كان ينبغي أن تكون هذهالورقة من تلك الشجرة . |
الشبكة: أحد مواقع المجموعة الشيعية للإعلام الساعة الآن: 04:01 PM. بحسب توقيت النجف الأشرف |
Powered by vBulletin 3.8.14 by DRC © 2000 - 2025