دروس مختصرة في شرح كتاب الصوم
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيْمِ الحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِيْنَ ... وَصَلَّى اللهُ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ الطَّاهِرِيْنَ --------------- دروس مختصرة في شرح كتاب الصوم بقرب حلول الشهر الفضيل شهر الله المبارك رمضان أحببت أن تكون فعاليّتي فيه هي : شرح كتاب الصوم من الرسالة العملية لفقهائنا الكرام زاد الله في شأنهم وتسليط الضوء على ما يشتمل عليه من مسائل وأحكام لهذه الفريضة السنوية العظيمة خدمةً مني لإخواني وأخواتي الأفاضل وقضاءً لحق الأخوة الذي يربطني بهم وبعد موافقة الاستخارة وقع اختياري على كتاب الصوم من منهاج الصالحين للسيد السيستاني وذلك لبعض النكات التي استوجبت مني هذا الاختيار مما لا داعي الى ذكره الا أني سأحاول جاهداً بتوفيق الله تعالى لي أن أسلط الضوء على آراء غيره من الفقهاء المعروفين بالتقليد كيما يستفيد من يرجع اليهم من هذه الدروس ولا تنحصر الفائدة بتقليد معين مضافاً الى ما يستوجبه ذلك من ثقافة فقهية عامة وسأحاول إن شاء الله تعالى الاختصار ما أمكن بالتركيز على شرح الفتوى وبيان النتيجة في كل مسألة الا حيث يستدعي البيان شيئاً من التفصيل وزيادة الإيضاح فسوف لن أبخل بذلك إن شاء الله فالمقصود من كون هذه الدروس مختصرة أنها ليست دروساً استدلالية بل توضيحية لتفكيك العبائر وبيان معانيها والأحكام المشتملة عليها ولا نتعرض الى أدلة تلك الأحكام الا نادراً لمزيد البيان أو حيث ما يستدعي الشرح ذلك أسأله تعالى أن يبلغني وسائر إخواني المؤمنين والمؤمنات شهر رمضان ويعيننا فيه على الصيام والقيام وأن يجعلنا فيه من أهل ليلة القدر ومن المشمولين فيه بالمُعتَقة رقابُهم من النار آمين ... ربّ العالمين وصلى الله على محمد وآله الطاهرين |
أعوذُ باللهِ من الشَّيطانِ الرَّجيمِ بِسْـمِ اللهِ الـرَّحـمنِ الرَّحِـيْمِ الحَمدُ للهِ رَبِّ العَالمينَ ... وصلَّى اللهُ على مُحمَّدٍ وآلهِ الطَّاهِريْن ------------------- بدايةً نتعرض لبعض الآيات والروايات الواردة في الصوم وفضله اتعاظاً وتبركاً فمن ذلك : 1. قال اللَّه عز وجل : « يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ كَما كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ * أَيَّاماً مَعْدُوداتٍ فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * شَهْرُ رَمَضانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّناتٍ مِنَ الْهُدى وَالْفُرْقانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كانَ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلى ما هَداكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ » البقرة / 183 - 185 . 2. عن أبي عبد الله عليه السلام قال : قال رسول اللَّه صلّى الله عليه وآله وسلّم « الصائم في عبادة وإن كان على فراشه ما لم يغتب مسلماً » الكافي ج4 ص64 3. عن أبي عبد الله عليه السلام : « من صام لله عز وجل يوماً في شدة الحر فأصابه ظمأ وكّل الله به ألفَ ملك يمسحون وجهه ويبشّرونه حتى إذا أفطر قال الله عز وجل له : ما أطيب ريحك وروحك ، ملائكتي اشهدوا أني قد غفرت له » من لا يحضره الفقيه ج2 ص76 4. عن أبي عبد الله عن آبائه عليهم السلام أن النبي صلى الله عليه وآله قال لأصحابه : « ألا أخبركم بشئ إن أنتم فعلتموه تباعَدَ الشيطان منكم كما تباعد المشرق من المغرب ؟ قالوا : بلى قال : الصوم يُسّودُ وجهَه ، والصدقة تكسر ظهرَه ، والحبُّ في الله والمؤازرةُ على العمل الصالح يقطعُ دابرَه ، والاستغفارُ يقطع وتينَه ، ولكل شئ زكاة وزكاة الأبدان الصيام » الكافي ج4 ص62 والوتين عرق في القلب متّصل بالعنق إذا انقطع مات صاحبه قال تعالى : ( ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ ) كناية عن الهلاك والإهلاك 5. عن أبي عبد الله عليه السلام في قول الله عز وجل : « استعينوا بالصبر والصلاة يعني الصيام والصلاة . وقال عليه السلام إذا نزلت بالرجل النازلة أو الشدة فليصم فان الله عز وجل يقول : واستعينوا بالصبر يعني الصيام » فضائل الأشهر الثلاثة للصدوق ص 122 6. عن الحسن ابن صدقة قال : قال أبو الحسن عليه السلام : « قِيلوا فان الله يُطعم الصائمَ في منامه ويسقيه » بحار الأنوار ج93 ص290 وقيلوا : أي ناموا القيلولة وهي النوم قبل الظهر المستحب ، وأبو الحسن هنا هو الإمام الكاظم عليه السلام 7. عن هشام بن الحكم عن أبي عبد الله عليه السلام قال : « من لم يُغفرْ له في شهر رمضان لم يغفرْ له إلى قابل إلا أن يشهد عرفة » المصدر ، والى قابل أي الى رمضان القادم . 8. سُمِعَ أبو عبد الله عليه السلام يوصي وِلْدَه فيقول : « إذا دخل شهر رمضان فأجهدوا أنفسكم فيه فإن فيه تقسيمَ الأرزاق وتُكْتبُ الآجالُ وفيه يُكتَبُ وفدُ الله الذين يَفِدون إليه وفيه ليلةٌ العملُ فيها خيرٌ من العمل في ألف شهر » الكافي ج4 ص66 فيه إشارة الى ما ورد من أن الله تعالى في شهر رمضان وفي ليلة القدر تحديداً يقضي ويقدر الأمور على العباد منها أرزاقهم وأجل كل إنسان وغير ذلك وأنه تعالى يكتب بعد ذلك ولله البداء ، ووفد الله هم الحجاج أي يكتب فيه من يحج ويفد الى بيت الله تعالى . *** والحمدُ لله ربّ العالمين وصلّى الله على محمّدٍ وآلهِ الطّاهرين |
تنويه / عقد الفقهاء في رسائلهم العملية - منهاج الصالحين - الكلام في أحكام الصوم ضمن فصول سبعة : الفصل الأول / في النية . الفصل الثاني / في المفطرات . الفصل الثالث / كفارة الصوم . الفصل الرابع / شرائط صحة الصوم . الفصل الخامس / ترخيص الإفطار . الفصل السادس / ثبوت الهلال . الفصل السابع / أحكام قضاء شهر رمضان . وكان المفروض على ما هو المتعارف أن أراعي في الشرح الترتيب المذكور فأبدأ بشرح الفصل الأول ثم الثاني وهكذا الى السابع ولكن لنكتة فنية ارتأيتُ البدأ بالفصلين الخامس والسادس أولاً لشدة الحاجة إليهما قبل حلول شهر رمضان المبارك إذ نحتاج أن نعرف من هو المرخص في الإفطار في هذا الشهر ومعفو عن صومه كما نحتاج أن نتعرف على أحكام هلال هذا الشهر وكيفية ثبوته قبل دخول الشهر أما إذا أرجأنا الكلام فيهما الى ما بعد شرح الفصول السابقة عليهما فسيأتي متأخراً وتكون الحاجة اليه منتفية فنبدأ أولاً بشرح الفصل الخامس في الترخيص في الإفطار ، ثم الفصل السادس في ثبوت الهلال ثم الكلام في الفصل والأول في النية وبعده باقي الفصول مرتبة . إذن نبدأ الكلام أولاً في الفصل الخامس وهو : ترخيص الإفطار ذلك ما سيأتي إن شاء الله تعالى |
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيْمِ الحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِيْنَ ... وَصَلَّى اللهُ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ الطَّاهِرِيْنَ --------------- شرح كتاب الصوم ***** الفصل الخامس / ترخيص الإفطار وردت الرخصة في إفطار شهر رمضان لأشخاص : منهم الشيخ والشيخة وذو العطاش إذا تعذر عليهم الصوم ، وكذلك إذا كان حرجاً ومشقة ولكن يجب عليهم حينئذ الفدية عن كل يوم بمد من الطعام ، والأفضل كونها من الحنطة ، بل كونها مدين ، بل هو أحوط استحبابا ، والظاهر عدم وجوب القضاء على الشيخ والشيخة إذا تمكنا من القضاء ، والأحوط الأولى لذي العطاش القضاء مع التمكن ومنهم الحامل المقرب التي يضر بها الصوم أو يضر حملها ، والمرضعة القليلة اللبن إذا أضر بها الصوم أو أضر بالولد ، وعليهما القضاء بعد ذلك ، كما أن عليهما الفدية أيضا . (1) ---------------- يجب الصوم على كل مكلف اجتمعت فيه شرائط وجوب الصوم كما سيأتي إن شاء الله تعالى في الفصل الرابع في المسألة ( 1036 ) حيث جاء فيها : ( يشترط في وجوب الصوم البلوغ والعقل والحضر وعدم الإغماء وعدم المرض والخلو من الحيض والنفاس ) إلا أن الفقهاء استثنوا بعض المكلفين من وجوب الصوم مع اجتماع شرائط وجوب الصوم فيهم ، وهذا الاستثناء شمل أربعة عناوين وهم : 1. الشيخ والشيخة . 2. ذو العطاش . 3. الحامل المقرب . 4. المرضعة القليلة اللبن . فهؤلاء لا يجب عليهم الصوم وهم مرخصون في الإفطار ، والكلام عن كل صنف : الشيخ والشيخة أما الشيخ والشيخة فالمراد منهما الكبيران في السن اللذان لا قابلية لهما على الصوم إما بأن لا يتمكنا من الصيام أصلاً بحيث يتعذر عليهما الصوم أو يتمكنا لكن بصعوبة بالغة بحيث يجهدهما الصوم ولا يطيقانه ، فالترخيص ليس لنفس عنوان الشيخ والشيخة بحيث كل شيخ وشيخة مرخصان في الإفطار بل بشرط وهو أن لا يتمكنا من الصوم او لا يطيقانه ، فالشيخ والشيخة كغيرهما من المكلفين يجب عليهما الصوم لكن إن كان الصوم متعذراً او كان شاقاً عليهما جاز لهما الإفطار لذا قال في المتن ( إذا تعذر عليهم الصوم ، وكذلك إذا كان حرجاً ومشقة ) أي إنما يجوز لهما الإفطار بأحد شرطين : الأول أن يكون الصوم متعذراً عليهما ، الثاني أن لا يكون متعذراً بل مقدوراً لكن يسبب لهما المشقة والحرج إنْ هما صاما ، والحرج هو المشقة والكلفة والصعوبة البالغة بحيث يصعب تحملها إذن المدار في جواز الإفطار ليس على كون المكلف شيخاً او شيخة بل على وجود أحد المسوّغَيْن للإفطار أعني تعذر الصوم أو كونه ذا مشقة وحرج وعليه فقد يكون المكلف شيخاً او شيخة ومع ذلك يجب عليه الصوم وذلك حيث لا يوجد أحد المسوّغَيْن للإفطار بحيث لا يتعذر عليه الصوم بل هو ممكن بلا حرج ومشقة وقد لا يكون شيخاً او شيخة ومع ذلك يجوز له الإفطار ويأخذ حكم الشيخ والشيخة كالشاب والشابة إذا وجد فيهما أحد المسوّغَين ، فإذا تعذر على الشاب والشابة الصوم أو كان فيه مشقة وحرج عليهما جاز لهما الإفطار كالشيخ والشيخة إذن الضابطة في الترخيص في الإفطار هي وجود أحد المسوغَيْن للإفطار وهما : تعذر الصوم ، أو كونه ذا مشقة وحرج ، بلا فرق في ذلك بين الشيخ والشيخة أو غيرهما وإنما خص الفقهاء الشيخ والشيخة بالذكر دون غيرهما - تبعاً للأخبار - لأن الشيخ والشيخة أوضح تطبيقات المسألة ، أي أكثر من يمكن أن يتحقق فيه أحد المسوّغَيْن للإفطار فيتعذر عليه الصوم أو يكون فيه مشقة عليه هما الشيخ والشيخة أما الشاب والشابة فعادة الصوم ممكن لهما غير متعذر وليس فيه مشقة عليهما ولا حرج فلم يُذكرا لكن هذا لا يمنع من شمول الحكم لهما مع وجود أحد المسوّغَيْن والشرطين وعلى أي حال فسقوط وجوب الصوم على الشيخ والشيخة أو قل على كل من تعذر عليه الصوم أو كان فيه مشقة عليه ، حكم إجماعي لا خلاف فيه بين الفقهاء لدلالة الأخبار عليه كما يدل عليه العقل فالعقل يأبي أن يكلّف المولى شخصاً بالصوم مع كون الصوم متعذراً عليه او يسبب له المشقة والحرج ( لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا ) ، مضافاً الى قاعدة لا حرج الفقهية الدالة على أن كل تكليف يسبب امتثالُه الحرجَ على المكلف يسقط ويعتبر لاغياً كما قال تعالى ( وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ ) أي ما شرع لكم تشريعاً يوجب الحرج فإن أوجب تكليفٌ الحرجَ سقط عن الاعتبار فلا يجب امتثاله ويدل على هذا الحكم أيضاً قوله تعالى ( وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ ) أي الذين يجدون في صوم رمضان إطاقة أي صعوبة وجهد بحيث يستنفذ منهم كل طاقتهم لا يجب عليهم الصوم بل الفدية ثم إن من أفطر لتعذر الصوم عليه او كونه ذا مشقة وحرج يجب عليه أمران : الأمر الأول / دفع الفدية بدلاً عن الإفطار فكل من لا يطيق الصوم فأفطر عليه دفع الفدية ويدل على ذلك الآية الكريمة ( وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ ) ولكن ما هو مقدار الفدية ؟ فالآية لم تشر الى ذلك ، وجوابه أن الفقهاء ذكروا أنها مدّ من الطعام تدفع للفقير ، والمد يساوي ثلاثة أرباع الكيلو وعليه فيجب دفع 22 كيلو نصف من الطعام عوض الشهر الكامل وإذا كان الشهر ناقصاً 29 يوماً فيجب دفع 21 كيلو وثلاثة أرباع الكيلو من الطعام ، ولا تحديد لنوع الطعام فكل ما يُتعارف كونه طعاماً يصح أن يدفع فدية لكن الأفضل أن يكون الحنطة أي الطحين لذكره في بعض الأخبار وذكروا كما في المتن أن الأفضل بل الأحوط استحباباً أن يدفع عن كل يوم مُدّين وليس مداً واحداً أي كيلو ونصف ، وسبب ذلك أن بعض الأخبار حددت الفدية بمد وبعضها حددتها بمُدّين وفي مثل ذلك الفقهاء عندهم قاعدة تقول متى ما اختلفت الروايات في التقدير وجب العمل بالتقدير الأقل ويحمل الزائد على الاستحباب فهنا نحمل الروايات على وجوب المد واستحباب المُدّين لذا قالوا الأفضل كون الفدية مُدّين بل هو الأحوط استحباباً ولا خلاف في كل ذلك ولا فرق في وجوب الفدية على الشيخ والشيخة ونحوهما بين أن يكون الإفطار للمسوّغ الأول وهو التعذر أو المسوّغ الثاني وهو المشقة والحرج ، وخالف في ذلك الشيخ الفياض فخص وجوب الفدية بما إذا كان الإفطار لأجل المشقة والحرج أما إذا كان لأجل التعذر فلا تجب الفدية أيضاً مضافاً الى سقوط الصوم وقد وافق في ذلك السيد الشهيد محمد باقر الصدر . والخلاصة / يجب على الشيخ والشيخة بل كل من أفطر لتعذر الصوم او لمشقته - خلافاً للشيخ الفياض - أن يدفع الفدية وهي مد أي ثلاثة أرباع الكيلو عن كل يوم والأفضل والأحوط استحباباً كونها مدّين كيلو ونصف ، من أي نوع من الطعام والأفضل كونه من الطحين . الأمر الثاني / الذي يجب على من أفطر لتعذر الصوم او لمشقته مضافاً الى الفدية هو القضاء فيجب عليه القضاء بعد ذلك متى ما زال التعذر او المشقة وتمكن من الصوم وهل هذا الحكم عام يشمل كل من أفطر للتعذر او المشقة حتى الشيخ والشيخة ؟ قولان : الأول / نعم فكل من أفطر بأحد المسوغين أعني التعذر أو المشقة يجب عليه القضاء مضافاً الى الفدية حتى الشيخ والشيخة ذهب الى ذلك بعض الفقهاء كالسيد اليزدي في العروة الوثقى . الثاني / كلا لا يجب على الشيخ والشيخة القضاء حتى وإن تمكنا منه بعد ذلك وإنما تجب عليهما الفدية فقط ، نعم غيرهما كالشاب والشابة إذا أفطرا للتعذر أو المشقة يجب عليهما القضاء أيضاً مضافاً الى الفدية ، وهذا الرأي هو المعروف بين فقهائنا اليوم ومنهم السيد الماتن ، فينحصر وجوب القضاء بمن عدا الشيخ والشيخة أما هما فلا يجب عليهما غير الفدية . ----------------------- (1) تنبيه / الكلام الذي يحمل اللون الأزرق يمثل المتن أعني كلام السيد السيستاني في منهاج الصالحين ، وشرحه سيكون أسفل منه باللون الأسود . وإذا قلت ( المتن ) أعني به كلام السيد السيستاني في منهاج الصالحين الذي نحن بصدد شرحه ، وإذا قلت ( الماتن ) فالمقصود هو السيد السيستاني . |
ذو العطاش ويقصد منه من كان مصاباً بداء العطش وهو حالةٌ مرضيَّةٌ تجعله يشعر بعطش شديد بحيث يحتاج الى شرب الماء مراراً في فترات متقاربة ، فهذا أيضاً من جملة من رُخّص له بالإفطار والكلام فيه كالكلام في الشيخ والشيخة وهو : 1. أن الترخيص ليس لعنوان ذي العطاش بحيث كل من كان مبتلى بهذا المرض يجوز له الإفطار بل بأحد الشرطين والمسوّغين وهما تعذر الصوم عليه أو كون الصوم يسبب المشقة والحرج له ، فإذا تمكن ذو العطاش من الصوم ولو بصعوبة نسبية بحيث لم يصل الى المشقة والحرج كما في فصل الشتاء وجب عليه الصوم ولا يشمله الترخيص في الإفطار ، ولا خلاف في ذلك . 2. يجب عليه الفدية أيضاً عوض الصوم إذا أفطر وهي كما تقدم مد أي ثلاثة أرباع الكيلو عن كل يوم والأفضل والأحوط استحباباً كونها مدّين كيلو ونصف ، من أي نوع من الطعام والأفضل كونه من الطحين . 3. لا فرق في وجوب الفدية على ذي العطاش بين أن يكون إفطاره لأجل التعذر أو لأجل المشقة والحرج ، وخالف الشيخ الفياض هنا أيضاً وخص الفدية عليه بما إذا أفطر لأجل المشقة دونما إذا أفطر لأجل التعذر كالشيخ والشيخة . 4. وهل يجب عليه القضاء إذا تمكن منه بعد ذلك ؟ كما إذا لم يستطع الصوم في الصيف لكونه ذا عطاش ولكن استطاع القضاء بعد ذلك في الشتاء خلاف ، قال السيد الماتن الأحوط الأولى القضاء ، وهو احتياط استحبابي فلا يجب القضاء كالشيخ والشيخة ، وهو رأي السيد الصدر في منهج الصالحين والشيخ الفياض والشيخ وحيد الخراساني ، فيجب على ذي العطاش الفدية فقط دون القضاء وإن تمكن منه لكن القضاء أحوط استحباباً وذهب بعض الفقهاء الى وجوبهما معاً فإذا تمكن من القضاء بعد ذلك وجب عليه القضاء مضافاً الى الفدية وهو رأي السيد الخوئي احتياطاً وجوبياً وأفتى به بعض الفقهاء كالسيد الروحاني فائدة / ذكروا بأن ذا العطاش مرخوص في الإفطار وشرب الماء بقدر ما يضطر إليه ولا يجوز له الإكثار من الشرب أزيد من مقدار الضرورة ورفع العطش فضلاً عن ممارسة باقي المفطرات بل يجب الامساك في النهار عما زاد عن مقدار الضرورة ورفع العطش ، هذا في صوم شهر رمضان دون غيره من الصوم الواجب المعين فلا يجب الإمساك . الحامل المُقْرِب الصنف الثالث المرخّص في الإفطار الحامل المقرب أي التي قاربت الولادة ووضع جنينها فيجوز لها الإفطار ولكن بشرط أن يكون في صومها ضرر عليها أو على جنينها كما إذا كان صومها سبباً لوفاة الجنين أو إجهاضه فهي مرخصة في الإفطار إذن الترخيص أيضاً ليس لعنوان الحامل المقرب بحيث كلُ حاملٍ مقرب يجوز لها الإفطار بل بهذا الشرط وهو أن يلزم من صومها تضرّرُها او تضررُ جنينها ، فإذا لم يكن في الصوم ضرر لا عليها ولا على الجنين وجب الصوم ولا يرخص لها بالإفطار ، وحكم هذه : 1. إذا علمت بلزوم الضرر جاز لها الإفطار أياً كان منشأ علمها سواء الطبيب الثقة الحاذق او اطمئنانها أو غير ذلك ، بل يكفي أن تحتمل الضرر فيجوز لها الإفطار وإن لم تعلم بحصوله جزماً بشرط أن يكون احتمالاً عقلائياً أي له أسبابه المقنعة وليس مجرد وسواس ، والماتن وغيره لم يتعرضوا لهذا الحكم هنا ولكن يمكن استفادة ذلك من كلامهم في شرائط صحة الصوم في الفصل الرابع كما سيأتي إن شاء الله تعالى . 2. يجب عليها الفدية وهي كما تقدم مد أي ثلاثة أرباع الكيلو عن كل يوم والأفضل والأحوط استحباباً كونها مدّين كيلو ونصف ، من أي نوع من الطعام والأفضل كونه من الطحين . 3. لا فرق في وجوب الفدية على الحامل المقرب بين أن يكون إفطارها لأجل تضررها أو لأجل تضرر جنينها فتجب عليها الفدية على كلا التقديرين وهو رأي السيد الماتن - السيستاني - والسيد محمد سعيد الحكيم وخالفا في ذلك الرأي المعروف القائل بأن الفدية إنما تجب عليها إذا كان إفطارها لأجل تضرر جنينها أما إذا أفطرت لأجل تضررها هي فلا تجب الفدية كما هو رأي السيدين الخوئي والصدر رحمهما الله والشيخين الفياض والخراساني حفظهما الله بل هو الرأي المعروف كما قلنا 4. إنما تجب عليها الفدية في مالها فلا يجب على الزوج أن يدفعها فإن لم تكن تملك مالاً بقيت في ذمتها حتى تتمكن . 5. إذا أفطرت الحامل المقرب فلا خلاف في وجوب القضاء عليها بعد أن تضع حملها سواء أفطرت خوفاً من الضرر على نفسها أو على جنينها . المرضعة القليلة اللبن فهي أيضاً ممن رُخّصوا في الإفطار ، والكلام فيها كالكلام في الحامل المقرب حذو القذة بالقذة فكل ما ذكر هناك يأتي هنا وهو : أن جواز الإفطار مشروط بكون الصوم مضراً بها أو برضيعها لا مطلقاً فالترخيص ليس لعنوان المرضعة القليلة اللبن بل بالشرط المذكور ، كما أنه تجب عليها الفدية على الخلاف السابق فالسيد الماتن أوجب الفدية عليها مطلقاً بينما الرأي المعروف وجوب الفدية إذا أفطرت لتضرر رضيعها دونما إذا أفطرت لتضررها هي ، والفدية هي ما تقدم مد من الطعام وتجب في مالها ، ولا خلاف في وجوب القضاء عليها بعد ذلك سواء أفطرت خوفاً من الضرر على نفسها أو على رضيعها . نعم تمتاز المرضعة عن الحامل بحكم يأتي التعرض له إن شاء الله في المسألة القادمة ( 1042 ) |
ولا يجزئ الاشباع عن المد في الفدية من غير فرق بين مواردها ------------------- أي في كل مورد من الموارد الأربعة السابقة المشمولة بالترخيص في الإفطار إذا وجبت الفدية فهي مد من الطعام ولا بد من التقيّد بذلك فلا يكفي أن يقدم الى الفقير ما دون المد وإن كان مشبعاً له فلو استدعى فقيراً فأطعمه ما دون المد لم يكفِ ذلك في تحقق الفدية عن اليوم الواحد وإن كان مشبعاً ، لأنه أقل من المقرر والواجب شرعاً ، فقوله لا يجزي الإشباع عن المد أي فيما إذا تحقق الإشباع بأقل من مد أما إذا تحقق الإشباع بأكثر من مد فلا إشكال في أنه يكفي فقد تقدم استحباب دفع مدين في الفدية ، وقوله بلا فرق بين مواردها أي سواء في المورد الأول وهو الشيخ والشيخة أو الثاني وهو ذو العطاش أو الثالث وهي الحامل المقرب او الرابع وهي المرضع القليلة اللبن ففي جميع ذلك لا يجزي دفع الأقل من المد وإن كان مشبعاً . ****** مسألة 1042 : لا فرق في المرضعة بين أن يكون الولد لها ، وأن يكون لغيرها ، والأحوط لزوماً الاقتصار على صورة انحصار الإرضاع بها بأن لم يكن هناك طريق آخر لإرضاع الطفل ولو بالتبعيض من دون مانع وإلا لم يجز لها الافطار ------------------ قلنا بأن المرضعة القليلة اللبن إذا خافت على نفسها أو على رضيعها من الصوم جاز لها الإفطار ، ولكن هل يشترط أن يكون الرضيع - الذي يجوز لها الإفطار إن خافت عليه من الصوم - ولدها ؟ بحيث لو لم يكن ولدها - كما إذا استُأجِرت لرضاع مولود او تبرعت هي بذلك - لم يجز لها الإفطار وإن تضرر من صومها . أم يجوز لها الإفطار مطلقاً إن خافت على الرضيع سواء كان ولدها او لا ؟ الجواب / يجوز لها الإفطار مطلقاً إن خافت الضرر على الرضيع سواء كان ولدها أو ولد غيرها أي سواء كانت أماً له أو لا ، وذلك لإطلاق الروايات إذ أنها أطلقت الحكم بجواز الإفطار للمرضعة القليلة اللبن ولم تشترط أن يكون المولود لها فقد روى محمّد بن مسلم عن الإمام الباقر عليه السّلام : « الحامل المقرب والمرضع القليلة اللَّبن لا حرج عليهما أن تفطرا في شهر رمضان لأنّهما لا يطيقان الصوم وعليهما أن يتصدّق كلّ واحد منهما في كلّ يوم يفطر فيه بمدّ من طعام ، وعليهما قضاء كلّ يوم أفطرتا فيه تقضيانه بعدُ » وسائل الشيعة ج7 ص153 ، فنلاحظ أنه عليه السلام قال والمرضع القليلة اللبن ولم يقل بشرط أن يكون الرضيع ولدها . إذن جواز الإفطار للمرضعة القليلة اللبن إن خافت على الرضيع شامل لما إذا كان ولدها وهي أمٌ له أم لا لكن في الصورة الثانية وهي ما إذا لم يكن ولدها ولم تكن أمه يشترط في جواز الإفطار عدم انحصار الرضاع بها فلو أمكن أن ترضعه أخرى غيرها سواء بتبرع أو بأجرة لم يجز لها أن تفطر وكذا لو أمكن التبعيض بأن تتناوب هي وغيرها على رضاعه بحيث يرتفع الضرر بمعنى أن قليلة اللبن إنما تخاف أن يتضرر الولد بصومها فيما إذا انفردت هي برضاعه أما إذا أمكن أن تعاونها مرضعة أخرى على رضاعه بحيث لا تخشى عليه الضرر إن هي صامت ففي مثل هذه الحالة لا يجوز لها الإفطار إذن قول الماتن ( والأحوط لزوماً الاقتصار على صورة انحصار الإرضاع بها ) ناظر الى الصورة الثانية وهي ما إذا لم يكن ولدها والتي عبر عنها بقوله ( وأن يكون لغيرها ) أما الصورة الأولى وهي ما إذا كان الرضيع ولدها وهي أمه فلا يشترط هذا الشرط بل يجوز لها الإفطار بمجرد الخوف عليه وإن أمكن أن ترضعه أخرى وعلى هذا فالمرضعة القليلة اللبن يجوز لها الإفطار من أجل ولدها بشرط واحد وهو أن تخاف عليه من الصوم ، أما غير ولدها فيجوز لها الإفطار بشرطين : الخوف عليه من الصوم وانحصار الرضاع بها فلو لم ينحصر الرضاع بها وأمكن أن ترضعه أخرى لم يجز لها الإفطار كما لا يجوز لها الإفطار إن لم تخف عليه ولم يكن في صومها ضرر عليه . |
خاتمة نختم شرح هذا الفصل بسؤال وفائدة أما السؤال / هل الإفطار لهذه الأصناف الأربعة - الشيخ والشيخة وذو العطاش والحامل المقرب والمرضع القليلة اللبن - رخصة او عزيمة ؟ أي قلنا هؤلاء مستثنون من وجوب الصوم فهل معنى استثنائهم جواز الإفطار لهم بحيث لو صاموا صح صومهم ، أم وجوب الإفطار عليهم بحيث لو صاموا لم يصح منهم الصوم الذي هو معنى العزيمة ؟ الجواب / إن عنوان هذا الفصل الخامس هو ( ترخيص الإفطار ) وهو يشير الى أن الإفطار رخصة وجائز وليس واجباً كما أن قول الماتن ( وردت الرخصة في إفطار شهر رمضان لأشخاص ) يدل على ذلك فالشيخ والشيخة وذو العطاش يجوز لهما الإفطار إن كان في الصوم مشقة وحرج ولكن لو تحملا المشقة وصاما صح صومهما ، وكذا الحامل المقرب والمرضع القليلة اللبن إن خافتا الضرر جاز لهما الإفطار لكن إن تحملتا الضرر وصامتا صح صومهما لأن الإفطار جائز ومعنى جوازه جواز الصوم أيضاً مع ذلك ذكر الفقهاء أن الإفطار لهؤلاء قد يكون عزيمة وواجباً بحيث يحرم الصوم ولو صاموا بطل الصوم وذلك إذا لزم منه أمر محرم ، فالحامل المقرب مثلاً إذا علمت أن جنينها يتضرر بالصوم ضرراً بالغاً كالإجهاض حرم عليها الصوم ولو صامت كان باطلاً لحرمة الإجهاض وهكذا إذا كان في صومها ضرر بالغ عليها كما إذا أدى الى مرض يشق تحمله ونحو ذلك ونفس الكلام في المرضع القليلة اللبن وهكذا الشيخ والشيخة وذو العطاش إذا كان في صومهما حرج بالغ ومشقة شديدة يحرم تحملها حرم الصوم وكان باطلاً على تقدير وقوعه . وأما الفائدة / فإذا وجب القضاء على صنف من هذه الأصناف كالحامل المقرب والمرضعة القليلة اللبن وكذا الشيخ والشيخة وذو العطاش على القول بوجوب القضاء عليهما ، فيجب أن يكون القضاء قبل حلول رمضان القادم مع التمكن والا وجبت فدية أخرى غير فدية ترخيص الإفطار وهي فدية التأخير أي تأخير القضاء عن رمضان التالي ، فالحامل المقرب إذا لم تقضِ الصوم حتى جاء رمضان التالي وجبت عليها فديتان فدية جواز الإفطار لأنها حامل مقرب وفدية تأخير القضاء حيث أن من أخر القضاء حتى جاء رمضان من قابل وجبت عليه فدية التأخير كما سيأتي إن شاء الله تعالى في الفصل السابع / أحكام قضاء شهر رمضان مسألة ( 1051 ) ، وفدية التأخير هي نفس فدية ترخيص الإفطار مد من الطعام . ******* الى هنا نكون قد انتهينا من شرح الفصل الخامس / ترخيص الإفطار ثم الكلام في الفصل السادس / ثبوت الهلال يأتي إن شاء الله تعالى |
الفصل السادس / ثبوت الهلال ----------------- تمهيد يقسم الصوم من حيث الزمان الى قسمين : صوم معيّن وصوم غير معيّن أي هناك قسم من الصوم عيّنَ له الشارع زماناً مخصوصة ويوماً او أياماً معينة لا بد من وقوعه فيها ، وهناك قسم من الصوم لم يعيّن الشارع له زماناً ويوماً محدداً بل ترك الأمر للمكلف وجعله في مندوحة وسعة من أمره يختار أي يوم يريد لإيقاع الصوم فيه بلا فرق في ذلك بين الصوم الواجب والصوم المستحب فكل منهما يقسم الى معيّن وغير معيّن وعليه فالأقسام أربعة : القسم الأول / الواجب المعيّن ، وهو بدوره على قسمين : واجب معيّن بالأصل كصيام شهر رمضان فهو واجب معيّن فقد عيّن الشارع لامتثاله زماناً معيناً وهو شهر رمضان ووجوبه بالأصل ، وواجب معيّن بالعارض كما إذا نذر المكلف صوم يومٍ معين كيوم الجمعة القادم فهو صوم واجب في يوم معين وهو الجمعة القادم الا أن الوجوب بالعارض وهو النذر وليس بأصل التشريع فلولا النذر لما وجب . (1) القسم الثاني / الواجب غير المعيّن ، وهو أيضاً على قسمين : واجب غير معيّن بالأصل كصوم قضاء شهر رمضان فهو واجب ووجوبه أصلي أي الشارع هو الذي أوجبه الا أنه غير معيّن حيث لم يشترط الشارع أن يكون القضاء في أيامٍ معينة بل للمكلف أن يوقع القضاء في أي يوم يشاء من أيام السنة قبل رمضان القادم ، وواجب غير معيّن بالعارض كما إذا نذر المكلف صوم يوم من دون تعيين في زمان خاص فهو واجب وغير معيّن ووجوبه بالعارض أي بسبب النذر وليس بسبب التشريع الإلهي مباشرة . القسم الثالث / المستحب المعيّن كاستحباب صيام يوم المولد النبوي الشريف ويوم المبعث ويوم النصف من شعبان ويوم عرفة ويوم المباهلة ويوم الغدير ، فالصيام في هذه الأيام ونحوها مستحب واستحبابه معيّن . القسم الرابع / المستحب غير المعيّن كاستحباب صيام ثلاثة أيام من كل شهر ، حيث لم يعيّن الشارع هذه الأيام وترك اختيارها للمكلف فإن شاء جعلها في أول الشهر او وسطه او آخره او فرّقها على الشهر ، وإن كان الأفضل اختيار أول خميس من الشهر وآخر خميس وأول أربعاء من العشرة الثانية من الشهر لكن هذا ليس على نحو التعيين بل هو أفضل كيفية للامتثال ليس الا . من ذلك يتضح أن ثبوت الهلال وحساب الأشهر والأيام له مدخلية في امتثال كثير من أنواع الصوم خصوصاً الواجب المعيّن كشهر رمضان فالشريعة المقدسة أوجبت علينا صيام شهر رمضان وحتى نمتثل هذا الواجب ونخرج من عهدة التكليف لا بد أن نحرز وقوع صومنا في شهر رمضان ،وهذا يتوقف على ثبوت هلال شهر رمضان ، ومن هنا عقد الفقهاء في رسائلهم فصلاً خاصاً تحدثوا فيه عن طرق ثبوت الهلال وأحكامه وأيضاً الكلام في ثبوت الهلال ليس ضرورياً من حيث وجوب الصوم فقط بل من حيث حرمة الصوم أيضاً حيث يحرم صوم يومين معيّنين من السنة وهما العيدان : الأول من شوال والعاشر من ذي الحجة وحتى يتمكن المكلف من اجتناب صوم هذين اليومين فلثبوت الهلال مدخلية في ذلك . بل ثبوت الهلال وحساب الأشهر لا تقتصر أهميته على شعيرة الصوم وإنما تتجاوزه الى تكاليف أخرى كفريضة الحج لأن بعض مناسكه كالوقوفين مشروط بأن يكون في زمان معين من ذي الحجة وهذا ما يتوقف على ثبوت هلال ذي الحجة وهكذا حرمة القتال في أشهر معينة وهي التي تسمى الأشهر الحرم فامتثال هذه الحرمة متوقف على ثبوت هلال هذه الأشهر من كل ذلك كان من الضروري أن يبحث الفقهاء مسألة ثبوت الهلال ، وننوه الى أنهم وإن بحثوا هذه المسألة ضمن كتاب الصوم الا أنها لا تختص به ، أو قل أن كلامهم لا يختص بهلال شهر رمضان بل الكلام عن ثبوت الهلال بشكل عام سواء في شهر رمضان او غيره ، وإنما أدرجوا هذه المسألة ضمن كتاب الصوم باعتبار شدة الابتلاء بها - ثبوت الهلال - فيما يتعلق بالصوم ، فأكثر ما يحتاج المكلفون الى معرفة دخول الشهر في شهر رمضان . -------------------- (1) يقسم الواجب الى واجب بالأصل وواجب بالعرض أو قل واجب أصلي وواجب عرضي ، والواجب بالأصل وهو ما وجب بأصل الشرع أو قل ما أوجبه الشارع ابتداءً على كل المكلفين - عيناً أو كفاية - كالصلاة اليومية وصوم شهر رمضان ، والواجب بالعرض هو ما لم يكن واجباً بأصل الشرع وإنما وجب بسبب خارجي عارض كالنذر او الإجارة او قل هو ما أوجبه المكلف على نفسه ولم يوجبه الشارع عليه كنذر صيام يوم الجمعة والنيابة عن الغير في الحج او الصوم . |
يثبت الهلال بالعلم الحاصل من الرؤية أو التواتر أو غيرهما ، وبالاطمئنان الحاصل من الشياع أو غيره ، وبمضي ثلاثين يوما من هلال شعبان فيثبت هلال شهر رمضان ، أو ثلاثين يوما من شهر رمضان فيثبت هلال شوال ، وبشهادة عدلين ، ولا يثبت بشهادة النساء ، ولا بشهادة العدل الواحد ولو مع اليمين ، ولا بقول المنجمين ، ولا بغيبوبته بعد الشفق ليدل على أنه لليلة السابقة ولا بشهادة العدلين إذا لم يشهدا بالرؤية ، ولا برؤيته قبل الزوال ، ليكون يوم الرؤية من الشهر اللاحق ، ولا بتطوق الهلال ، ليدل على أنه لليلة السابقة ، وفي ثبوته بحكم الذي لا يعلم خطأه ولا خطأ مستنده اشكال بل منع ، نعم إذا أفاد حكمه أو الثبوت عنده الاطمئنان بالرؤية في البلد أو فيما بحكمه اعتمد عليه . -------------------- ذكر الفقهاء لثبوت الهلال وبالتالي دخول الشهر طرقاً متى ما حصل أحدها ثبت الهلال وتحقق دخول الشهر ، وهذه الطرق بعضها محل اتفاق ولا خلاف في حُجّيتها وثبوت الهلال بها ، وبعضها لا خلاف في عدم حجيتها وعدم ثبوت الهلال بها ، وبعضها اختلف الفقهاء في اعتبارها وجواز التعويل عليها وهي طرق عديدة وكثيرة ذكر السيد الماتن اثني عشر طريقاً منها الا أنه خصّ الحُجّية والثبوت لأربعة طرق فقط دون الثمانية الأخرى ، وإليك تفصيل الكلام في كل علامة وطريق ورأي الفقهاء فيها : الطريق الأول / العلم ، فإذا حصل العلم بثبوت الهلال فلا إشكال في الثبوت ودخول الشهر به ووجوب ترتيب الحكم عليه ، بمعنى إذا حصل العلم بثبوت هلال شهر رمضان وجب ترتيب الحكم على ذلك أي وجوب الصوم ، وإذا حصل العلم بثبوت هلال شهر شوال وجب ترتيب الحكم بحرمة الصوم ووجوب الإفطار حينئذٍ والمراد من العلم القطع واليقين والجزم بأن نعلم بثبوت الهلال 100 % ولا يوجد احتمال للخطأ عندنا ، ولا خلاف في طريقيّة العلم لثبوت الهلال وصحة التعويل عليه بل وجوبه لأن العلم حُجة ولا يمكن أن نقول لشخص علم بثبوت الهلال 100 % لا ترتب الأثر على علمك فهذا مستحيل ، لذا يعتبر العلم من أوضح طرق ثبوت الهلال لذا ذكره الفقهاء أولاً وليس مهماً ما هو منشأ العلم وكيف يحصل عندنا العلم بل المهم حصول العلم ، وقد ذكر الماتن طريقين لحصول العلم وهما الرؤية والتواتر ولكن ليس ذلك على نحو الحصر بل تنبيهاً على بعض أسباب حصول العلم ولا خصوصية فيهما ، فلو حصل العلم من غير هذين السببين كفى وثبت به الهلال لذا قال بعد ذلك ( أو غيرهما ) كالشياع المفيد للعلم مثلاً والمقصود من الرؤية أن يرى المكلف الهلال بنفسه وحينئذٍ يثبت عنده الهلال ويجب عليه أن يرتب الأثر عليه وإن لم يره غيره ولم يحكم أحد بثبوت الهلال فهو ملزم بثبوت الهلال لأنه رآه ، قال السيد الخوئي قده : ( فإن رآه المكلَّف بنفسه فلا إشكال في ترتّب الحكم أعني : وجوب الصيام في رمضان ، والإفطار في شوّال بمقتضى النصوص الكثيرة المتواترة ، سواء رآه غيره أيضاً أم لا ) شرح العروة الوثقى / كتاب الصوم ج2 ص63 والمقصود من التواتر إخبار جماعة بثبوت الهلال يمتنع تواطؤهم على الكذب ، بحيث يحصل من إخبارهم سكون النفس سكوناً يزول معه الشك ويحصل من أجل إخبارهم الجزم القاطع بالثبوت . (1) الطريق الثاني / الاطمئنان ، فإذا حصل الاطمئنان بثبوت الهلال جاز بل وجب التعويل عليه ولا خلاف في ذلك ، فحكمه حكم العلم . والمقصود من الاطمئنان : ( درجة عالية من الظن يقارب العلم واليقين على نحو يبدو احتمال العكس ضئيلا جدا إلى درجة يلغى عمليا عند العقلاء ، كما إذا كان احتمال العكس واحدا في المائة مثلا ) الفتاوى الواضحة - للسيد محمد باقر الصدر - ص 45 مثلاً إذا أخبرك شخص بحادثة وأنت احتملت بنسبة 99 % صحة إخباره واحتملت كذبه أو خطأه واشتباهه بنسبة 1 % فحينئذٍ أنت عندك اطمئنان بصحة إخباره ، وليس هذا علماً فالعلم ما بلغت نسبته 100 % ولا يوجد احتمال فيه للخلاف والعكس . والاطمئنان كالعلم لا يحصل جزافاً بل لا بد له من أسباب يحصل من حصولها الاطمئنان أي الظن العالي ، وقد ذكر الماتن من أسباب حصول الاطمئنان الشياع بأن يشيع بين الناس ثبوت الهلال ورؤيته الى درجة يحصل عند المكلف ظن عالي واحتمال كبير بثبوته بحيث يكون احتمال خطأ الناس وعدم ثبوت الهلال ضئيل جداً لا يعتنى به ، ولكن ذكر الشياع لحصول الاطمئنان ليس من باب الحصر بل من باب أحد الأسباب والموجبات للاطمئنان ولذا قال بعد ذلك ( أو غيره ) فإذا حصل الاطمئنان بغير الشياع كفى كإخبار الثقة او حكم الحاكم كما سيأتي إن شاء الله تعالى . الطريق الثالث / الثبوت بمضي ثلاثين يوماً ، فإذا مضت ثلاثون يوماً من شهرٍ ثبت هلال الشهر اللاحق له وكان ذلك علامة على دخول الشهر التالي له ، ولا خلاف في ذلك بين الفقهاء بل جميع المسلمين ، قال السيد العاملي في مدارك الأحكام : ( أما وجوب الصوم مع مضي ثلاثين يوما من شعبان فمجمع عليه بين المسلمين ، بل الظاهر أنه من ضروريات الدين ) 6 / 165 ، لأن الشهر العربي لا يزيد على الثلاثين يوماً ، والأخبار دالة على ذلك . الطريق الرابع / شهادة عدلين وهي ما يسمى البينة الشرعية ، فإذا شهد شخصان عادلان بأنهما رأيا الهلال ثبت الهلال بشهداتهما ، ولا خلاف في صحة هذا الطريق وحجيته وثبوت الهلال به لأن البينة حجة ومن وسائل الإثبات وإن نسب الى بعض المتقدمين عدم الثبوت بها هنا ولكنه خلاف المشهور ، والأخبار دالة على حجية البينة هنا ، منها صحيح الحلبي عن أبي عبد الله ( ع ) قال : ( قال علي ( ع ) : لا تقبل شهادة النساء في رؤية الهلال ، إلا شهادة رجلين عدلين ) وصحيحه الآخر عن أبي عبد الله ( ع ) : ( إن عليا ( ع ) كان يقول : لا أجيز في رؤية الهلال إلا شهادة رجلين عدلين ) والمقصود من كونهما عدلين أي متصفان بالعدالة والعدالة على ما عرفها الفقهاء بأنها : ( عبارة عن الاستقامة في جادة الشريعة المقدسة وعدم الانحراف عنها يمينا وشمالا بأن لا يرتكب معصية بترك واجب أو فعل حرام من دون عذر شرعي ) لاحظ المسألة 29 من منهاج الصالحين ج1 لكن اشترط الفقهاء في جواز التعويل على البينة وإخبار العدلين الا يختلفا في وصف الهلال وثبوته والا لم يثبت بشهادتهما وهذه الأربعة هي الطرق المعتبرة لثبوت الهلال ، ثم الكلام في الطرق الثمانية غير المعتبرة وهي : -------------------------- (1) التواتر دليل استقرائي يقوم على أساس تجميع القرائن ، قال السيد الشهيد الصدر قده : ( وهو أن يخبرك عدد كبير جدا من الناس بحادثة رأوها بأعينهم ، فأنت حين تسمع الخبر من أحدهم تحتمل صدقه ولكنك لا تجزم بذلك فتعتبر خبره قرينة ناقصة على وقوع الحادثة ، فإذا سمعت الخبر نفسه من شخص آخر تقوى في نفسك احتمال وقوع الحادثة نتيجة لاجتماع قرينتين ، وهكذا يظل احتمال وقوع الحادثة ينمو ويكبر كلما جاء مخبر جديد عنها حتى يصل إلى درجة العلم ) المعالم الجديدة للأصول / 162 . |
الطريق الأول / شهادة النساء ، فلا يثبت الهلال بشهادة النساء لأن هذا ليس من موارد الثبوت بشهادة النساء فما يثبت بشهادة النساء موارد خاصة هذا ليس منها ، أو قل إن قيام شهادة النساء مقام شهادة الرجال إنما ورد في موارد خاصة هذا ليس منها ، بل دل الدليل على عدم ثبوت الهلال بشهادة النساء وهو صحيح الحلبي الآنف عن أبي عبد الله ( ع ) قال : ( قال علي ( ع ) : لا تقبل شهادة النساء في رؤية الهلال ، إلا شهادة رجلين عدلين ) ولا خلاف في ذلك . الطريق الثاني / شهادة العدل الواحد ، فلا يثبت الهلال بشهادة رجل عادل واحد بل لا بد من رجلين حتى تتحقق البينة وقوله (إلا شهادة رجلين عدلين ) في صحيح الحلبي يدل على ذلك ولا يكفي ضم اليمين أي الحلف والقسم الى شهادته بأن يشهد على رؤية الهلال ويقسم على ما شهد عليه فإن الشهادة مع اليمين وإن كانت من وسائل الإثبات في بعض موارد الا أن ثبوت الهلال ليس منها ، وخالف في ذلك السيد الروحاني فحكم بثبوت الهلال بشهادة العدل الواحد ولو من دون يمين . الطريق الثالث / إخبار المنجمين ، ولا خلاف في ذلك بين فقهائنا الا من ندر من المتقدمين ، وذلك لعدم الدليل على ثبوت الهلال بإخبار المنجمين بل الدليل على خلافه حيث حصرت الأخبار ثبوت الشهر بالرؤية – الأعم من رؤية المكلف نفسه أو رؤية غيره فيشمل الشياع والبينة - ومضي ثلاثين يوماً ، فما عدا ذلك ليس بحجة ، مضافاً الى أن قول المنجمين لا يفيد العلم ولا الاطمئنان بل غاية ما يفيد الظن بثبوت الهلال والظن لا يصح التعويل عليه لأنه لا يغني من الحق شيئاً . الطريق الرابع / غيبوبة الهلال بعد الشفق ليدل على أنه لليلة سابقة ، والشفق هي الحمرة المغربية التي في السماء التي تبقى فترة بعد الغروب ثم تذهب باسوداد الأفق ، والمراد أن يكون الهلال عالياً عن الأُفق بحيث يغيب الشفق عن الأُفق أي تذهب الحمرة قبل غياب الهلال عنه ، فإنّه قد ذكر بعض الفقهاء أننا إذا رأينا الهلال وتأخر بقاؤه في الأفق واستمرت رؤيته الى ما بعد زوال الحمرة بحيث اسودّ الأفق وما زال الهلال موجوداً فهذا دليل على أنه هلال الليلة الثانية وأن الشهر دخل من ليلة أمس فاليوم الذي انقضى كان أول الشهر ويوم غد هو اليوم الثاني ولكن المشهور أنكروا ذلك ، وذكروا أن المدار هو الرؤية ولا اعتبار بالغيبوبة ، بمعنى أننا ما دام لم نرَ الهلال ليلة أمس ورأيناه هذه الليلة فهذه الليلة هي ليلة أول الشهر وأن يوم غد هو أول أيام الشهر وإن تأخر بقاء الهلال في الأفق فلا عبرة بذهاب الهلال سريعاً ليدل على أنه لليلة ولا لتأخره ليدل على أنه لليلتين بل المدار على الرؤية الفعلية . الطريق الخامس / شهادة العدلين إذا لم يشهدا بالرؤية ، فلا اعتبار بشهادتهما كما إذا شهدا برؤية ثالث فلا تقبل شهدتهما لأن الدليل دل على قبول شهادتهما فيما لو شهدا بالرؤية أي برؤيتهما لا برؤية ثالث ، ولا خلاف في ذلك . الطريق السادس / الرؤية قبل الزوال ، بمعنى أن الهلال إذا رؤي في النهار قبل الزوال فهذا يعني أننا في أول أيام الشهر وأن الهلال كان موجوداً منذ الليلة السابقة ، بخلاف ما إذا شوهد بعد الزوال وممن قال بذلك بعض الفقهاء المتقدمين ووافقهم من المعاصرين السيد الخوئي الشيخ الفياض والسيد الروحاني والشيخ وحيد الخراساني فيما ذهب السيد الماتن – السيستاني – والسيد محمد الصدر قده الى عدم ثبوت الهلال بهذا الطريق وأن المدار على الرؤية فما دمنا لم نره في الليلة الماضية إذن هذا اليوم ليس أول أيام الشهر اللاحق بل هو تمام عدة السابق وإن شوهد الهلال في نهاره الطريق السابع / تطوّق الهلال ، أي ظهور نور وضوء حول الهلال كطوق مع ظلام دامس في الوسط ، فقد ذهب بعض الفقهاء أن الهلال إذا كان مطوقاً فهو لليلة ثانية وأنه كان موجوداً منذ الليلة السابقة فاليوم المنصرم كان أول الشهر ويوم غد هو اليوم الثاني ، وممن قال بذلك السيد الخوئي والسيد الروحاني الا أن السيد الماتن والسيد محمد الصدر والشيخ الخراساني خالفوهم في ذلك وذكروا أن المدار هو الرؤية ولا اعتبار بالغيبوبة ، بمعنى أننا ما دام لم نرَ الهلال ليلة أمس ورأيناه هذه الليلة فهذه الليلة هي ليلة أول الشهر وأن يوم غد هو أول أيام الشهر وإن كان الهلال مطوقاً الطريق الثامن / حكم الحاكم ، فقد ذهب بعضهم أن الحاكم أي الفقيه إذا حكم بثبوت الهلال فقد دخل الشهر ووجب ترتيب الأثر على حكمه ، كما إذا رأى الحاكم الهلال فحكم بدخول الشهر فالمفروض أن تلك الرؤية حجة عليه فقط وليست حجة على غيره ، وحتى لو أخبرهم بالرؤية فإخباره لا يفيد لأنه من شهادة العدل الواحد وهي غير كافية كما تقدم الا أن بعض الفقهاء قالوا إذا حكم الحاكم الشرعي بثبوت الهلال نفذ حكمه وكان حجة بحق غيره ، وكما إذا شهد شاهدان عند الحاكم بالثبوت وكانا عادلين عنده فحكم بالثبوت بناء على شهادتهما فعلى هذا القول حكم الحاكم نافذ بحق غيره حتى من كان الشهود عنده ليسوا من الثقات . وفي هذا خلاف وممن قال بصحة هذا الطريق السيد اليزدي والسيد محسن الحكيم والسيد الشهيد والسيد الخميني والسيد الروحاني والشيخ الخراساني والشيخ الفياض بل هو المشهور وبالمقابل منع السيد الخوئي والسيد الماتن – السيستاني – والسيد محمد الصدر اعتبار هذا الطريق وأن حكم الحاكم ليس حجة في ثبوت الهلال ومنشأ الخلاف أن الدليل الدال على ثبوت الهلال بحكم الحاكم وارد فيه لفظة الإمام فهل تختص بالمعصوم أم تشمل الفقيه العادل في زمن الغيبة ؟ وقوله ( لا يعلم خطأه ولا خطأ مستنده ) أي كان حكمه على وفق الأصول الصحيحة للاستنباط والحكم بحيث نحتمل مطابقته للواقع ، أما إذا جزمنا بخطأ حكمه كما إذا اعتمد في حكمه على ما لا يصح الاعتماد عليه في ثبوت الحكم كقول المنجمين او شهادة النساء فلا إشكال ولا خلاف في عدم حجية حكمه ، وإنما الخلاف في ما إذا لم يعلم خطأه ولا خطأ مستنده ، وأراد السيد الماتن بذلك الرد على بعض العامة الذين عمموا ثبوت الهلال بحكم الحاكم حتى الى صورة العلم بالخطأ . وقوله ( نعم إذا أفاد حكمه .... ) استدراك فبعد أن نفى حجية حكم الحاكم ونفى ثبوت الهلال به استدرك وقال الا أن يفيد ذلك الاطمئنان فإن أفاد حكمه الاطمئنان بثبوت الهلال فقد تقدم أن الاطمئنان حجة وأنه كالعلم ولا يهم من أين يحصل بل المهم حصوله فهو حجة وطريق معتبر وقوله ( أو الثبوت عنده الاطمئنان بالرؤية في البلد أو فيما بحكمه اعتمد عليه ) أي أذا قامت البينة عند الحاكم بأن شهد شاهدان عادلان عند الحاكم بالرؤية سواء في البلد أو ما في حكم البلد كالبلدان الواقعة على شرق البلد او المتحدة معه في الأفق كان ذلك كافياً لثبوت الهلال عند سائر المكلفين ووجوب التعويل على تلك البينة ، فكما في المسألة التالية أنه لا يشترط قيام البينة عند كل شخص بل يكفي قيامها عند البعض كالحاكم في جواز تعويل الآخرين عليها . *** وللكلام تتمة في شرح المسألتين التاليتين يأتي إن شاء الله تعالى |
مسألة 1043 : لا تختص حجية البينة بالقيام عند الحاكم ، بل كل من علم بشهادتها عول عليها ، ولكن يعتبر عدم العلم أو الاطمئنان باشتباهها وعدم وجود معارض لشهادتها ولو حكماً كما إذا استهل جماعة كبيرة من أهل البلد فادعى الرؤية منهم عدلان فقط أو استهل جمع ولم يدع الرؤية إلا عدلان ولم يره الآخرون وفيهم عدلان يماثلانهما في معرفة مكان الهلال وحدة النظر مع فرض صفاء الجو وعدم وجود ما يحتمل أن يكون مانعا عن رؤيتهما فإن في مثل ذلك لا عبرة بشهادة البينة . ------------------------------ تقدم أن من الطرق المعتبرة لثبوت الهلال البينة أي شهادة رجلين عادلين برؤيتهما للهلال ، وذكر الماتن هنا حكمين من أحكام البينة : الحكم الأول / لا يشترط في حجية البينة وجواز التعويل عليها في ثبوت الهلال قيامها عند الحاكم الشرعي كما هو متعارف حيث يشهد عند الحاكم شاهدان عادلان وإذا اطمئن الى شهادتهما وثبتت عدالتهما عنده أعلن عن ثبوت الهلال للناس ، الا أن ذلك ليس شرطاً فكل مكلف علم بشهادة رجلين عادلين بثبوت الهلال ولو عند غير الحاكم لزمه التعويل عليها بالشرط الآتي في الحكم الثاني . وهذا الحكم لا خلاف فيه وذلك لإطلاق حجية البينة فما دل من الأخبار على ثبوت الهلال بشهادة رجلين عادلين مطلق لم يشترط فيه أن تكون شهادتهما عند الحاكم كما في صحيح الحلبي السابق فقال : (إلا شهادة رجلين عدلين ) ولم يقل عند الحاكمولو كان ذلك شرطاً لقال مثلاً : إلا شهادة رجلين عدلين عند الحاكم ونحو ذلك مما يدل على الاشتراط ، فلما لم يقل ذلك عُلم أنه ليس شرطاً . بل كل من قامت عنده البينة الشرعية وعلم بشهادة رجلين عادلين بثبوت الهلال وجب عليه أن يرتب الأثر على شهادتهما حتى لو رفضها الحاكم ولم يحكم بها ، فليس لا يشترط قيام البينة عند الحاكم وحكمه على طبقها فقط بل لا يضرها ولا يبطلها رفض الحاكم لها ما دامت البينة حجة على المكلف ، فيجب عليه العمل بها وإن رفضها الحاكم كما إذا رفض الحاكم البينة لعدم ثبوت عدالة الشهود عنده الا أن عدالتهم كانت ثابتة عند المكلف فحينئذٍ يجب عليه العمل على طبق البينة وإن رفضها الحاكم نعم أحياناً يكون رفض الحاكم للبينة حجةً على المكلف فلا يجوز التعويل عليها حينئذٍ كما إذا كان رفض الحاكم للبينة لاختلاف الشاهدين في توصيف الهلال او لعدم ثبوت عدالتهما لا عنده ولا عند المكلف فحينئذٍ لا يصح للمكلف العمل بتلك البينة أيضاً ، وكما إذا كان رفض الحاكم لشهادة البينة لعدم توافقها مع مبانيه في ثبوت الهلال كما إذا شهدا بالرؤية نهاراً قبل الزوال وكان الحاكم لا يرى أن ذلك دليلاً على أنه اليوم الأول من الشهر فحينئذٍ لا يجوز لمقلديه العمل بتلك البينة واعتبار ذلك اليوم أول يوم من الشهر ، وهكذا . الحكم الثاني / يشترط في قبول البينة وثبوت الهلال بشهادة العادلين عدم العلم او عدم الاطمئنان بعدم صحتها ، أي أن لا يحصل عندنا علم او اطمئنان بعدم صحتها ، فإذا صار عندنا علم او اطمئنان بعدم صحتها فحينئذٍ ترفض ولا يعول عليها في ثبوت الهلال وإن كانت لعادلين وتطابقا في وصف الهلال . إذن قبول البينة بثبوت الهلال لرجلين عادلين ليس على إطلاقه بل بشرط أن لا يحصل عندنا علم او اطمئنان بأن البينة غير صحيحة ولاحظوا أن الشرط ليس هو أن نعلم بصحة البينة بل أن لا نعلم بعدم صحة البينة وفرق بينهما ، فلا يشترط أن نعلم صحة البينة أي أن نعلم بثبوت الهلال حتى نأخذ بالبينة هذا ليس شرطاً لأن البينة لا تفيد العلم ، بل الشرط أن لا نعلم أنها غير صحيحة ومعنى هذا الشرط كفاية أن نحتمل صحة البينة في جواز التعويل عليها ، بينما معنى اشتراط العلم بصحتها أن نجزم بصحتها ولا يكفي احتمال صحتها في ثبوت الهلال بها إذن الشرط هو أن لا نعلم او لا نطمئن بعدم صحة البينة بل نحتمل صحتها فحينئذٍ يجوز بل يجب العمل على طبقها ، أما إذا علمنا بعدم صحة البينة بحيث لم نحتمل صحتها وجزمنا بخطأها او ظننا ذلك ظناً راجحاً وهو الاطمئنان لم يجز التعويل عليها وإن سألت / كيف نعلم او نطمئن بعدم صحة البينة ، فالبينة هي أن يأتي رجلان عادلان ويشهدا برؤية الهلال فكيف لنا أن نعلم او نطمئن الى عدم صحة إخبارهما ؟ الجواب / أحياناً توجد قرائن تفيد اشتباه الرجلين في شهادتهما وادعائهما رؤية الهلال ، كما إذا كانت السماء ملبّدة بالغيوم بحيث لا يمكن رؤية الهلال بحسب العادة ، فهذا يولّد علم او اطمئنان على الأقل بعدم صحة البينة ، وكما إذا استهل جماعة كبيرة من أهل البلد ولم يدع الرؤية الا عادلان دون الآخرين مع أن في الآخرين عادلين آخرين يمتلكان نفس المؤهلات والإمكانيات لرؤية الهلال ، فلو نظرا الى نفس المكان الذي ادعي رؤية الهلال فيه وكانا يملكان نفس قوة النظر التي يملكها الشاهدان فضلاً عما إذا كانا أقوى نظراً ، بحيث نستطيع أن نقول لو كان الهلال حقاً موجوداً لرآه الباقون كما رآه الشاهدان لأنه لا يوجد أي مانع يمنع من رؤية الباقين له ، إذا استطعنا أن نقول ذلك فهذا يشكل قرينة تفيد العلم او الاطمئنان باشتباه دعوى الشاهدين بالرؤية فحينئذٍ لا يصح التعويل على شهادتهما . |
مسألة 1044 : إذا رؤي الهلال في بلد كفى في الثبوت في غيره مع اشتراكهما في الأفق بمعنى كون الرؤية الفعلية في البلد الأول ملازما للرؤية في البلد الثاني لولا المانع من سحاب أو غيم أو جبل أو نحو ذلك . ------------------------------ إذا لم يُرَ الهلال في بلد ولكنه رُؤي في بلد آخر فهل يمكن لأهل ذلك البلد الذين لم يروا الهلال في بلدهم أن يعتمدوا على رؤيته في البلد الآخر فيرتبون الأثر على ذلك ، فيصومون بصومهم ويفطرون معهم ؟ الجواب / نعم يكفي أن يعتمد أهل بلد على رؤية الهلال في بلد آخر ، ولا خلاف في ذلك بين علمائنا إجمالاً ، لكنهم اختلفوا في سعة ذلك وضيقه ، توضيح ذلك أن يقال : إن البلدان على قسمين : القسم الأول / أن تشترك في الأفق ، وتسمى البلدان المتحدة في الأفق ، ومعنى اشتراكها و اتحادها في الأفق أن تتفق مغاربها ومشارقها أو تتقارب ، بأن يكون موعد الغروب والشروق فيها متحداً او متقارباً جداً بأن يكون الفاصل الزمني قليلاً جداً . القسم الثاني / أن لا تشترك في الأفق ، وتسمى البلدان المختلفة في الأفق ، وهي التي لا تشترك في المغارب والمشارق بحيث يكون الفاصل بين غروب البلدين كثيراً ، وبعبارة أخرى هي البلدان التي تتحد في جزء من الليل فقط كما لو كان آخر الليل في بلد يصادف أول الليل في بلد آخر لا أنهما يشتركان في كل الليل من الغروب الى الفجر . إذا عرفت ذلك فاعلم ، أنه لا خلاف بين علمائنا في أن رؤية الهلال في بلد كافية لثبوته في غيره في القسم الأول أي في البلدان التي تشترك معه في الأفق ، فمتى ما شوهد الهلال في بلد فلا بد من ثبوته في كل بلد يشترك معه في الأفق ، وأن عدم مشاهدته لا بد أن يكون لمانع من غيم او غيره ، فرؤية الهلال في النجف لا بد معها من ثبوته في بغداد لاشتراكهما في الأفق وذلك أن البلدتين متحدتان في الغروب او متقاربتان جداً . وأما القسم الثاني وهو البلدان المختلفة في الأفق أي التي يكون الغروب في بعضها سابق زماناً على الغروب في البعض الآخر ، فالكلام فيها يقع في صورتين : الصورة الأولى / أن نفترض كون البلد الذي شوهد فيه الهلال واقعاً الى الشرق من البلاد الأخرى التي لا تشترك معه في الأفق . الصورة الثانية / أن نفترض العكس بأن يكون بلد الرؤية واقع غرب البلاد التي يراد إثبات الهلال فيها والتي لا تشترك معه في الأفق أما الصورة الأولى فظاهرهم عدم الخلاف فيها أيضاً كالقسم الأول وأنه يجوز التعويل على البلاد الشرقية في إثبات الهلال في البلاد الغربية وإن لم تشترك معها في الأفق . وإنما الخلاف في الصورة الثانية فإذا ثبت الهلال في بلد غربي هل يكفي ذلك لثبوته فيما يكون على شرقه من البلدان التي لا تشترك معه في الأفق ؟ فلو ثبت الهلال في أمريكا مثلاً او جنوب افريقيا هل يكفي للثبوت في العراق مثلاً لمجرد اشتراكهما في ساعة او ساعتين من الليل وإن لم يشتركا في الغروب خلاف / ذهب السيد الخوئي والسيد الشهيد والسيد الروحاني والشيخ الفياض والشيخ الخراساني ، الى ذلك فقالوا بكفاية ثبوت الهلال في بلد في ثبوته في باقي البلدان سواء اشتركت معه في الأفق او لا وسواء كانت الى الشرق أو الغرب وخالف في ذلك السيد السيستاني والسيد محمد الصدر فخصّا جواز الاعتماد على الرؤية في بلد مختلف في الأفق بأن يكون بلد الرؤية الى الشرق فيثبت في البلدان الواقعة على غربه وإن اختلفت في الأفق وهو الصورة الأولى دون الثانية . وببيان أوضح / أن العلاقة بين البلدان من حيث الأفق على ثلاثة أنحاء : النحو الأول / أن تكون مشتركة في الأفق ، وهنا ثبوت الهلال في بلد كاف لثبوته في الآخر بلا خلاف سواء كان البلد غربياً أم شرقياً . النحو الثاني / أن تكون مختلفة في الأفق ، وكان بلد الرؤية يقع شرق البلاد الأخرى بحيث شوهد الهلال في بلد ويراد إثبات الهلال فيما يقع على غربه من البلدان التي لا تشترك معه في الأفق كما لو شوهد في الهند وأراد أهل العراق التعويل على تلك الرؤية ، وهنا لا خلاف في جواز التعويل على الرؤية فيه أيضاً ، الا أن السيد السيستاني هنا اشترط تقارب المكانين في خطوط العرض بأن لم يكن الاختلاف بينهما الا بدرجة أو درجتين مثلاً . النحو الثالث / أن تكون مختلفة في الأفق أيضاً ، لكن بلد الرؤية يقع غرب البلاد الأخرى بحيث شوهد الهلال في بلد ويراد إثبات الهلال فيما يقع على شرقه من البلدان التي لا تشترك معه في الأفق كما لو شوهد في المغرب وأراد أهل العراق التعويل على تلك الرؤية ، وهذا النحو هو الذي وقع فيه الخلاف المتقدم ذكره ، فالمعروف جواز التعويل على تلك الرؤية لإثبات الهلال في البلدان الشرقية ، وخالف السيد الصدر والسيد السيستاني فلم يجوزا التعويل على تلك الرؤية الا بشرط الا أنهما اختلفا في ماهو هذا الشرط فالسيد الصدر قال هو أن يمضي زمان معتد به على الرؤية في البلد الغربي فيثبت الهلال في البلد الشرقي كعدة ساعات ، أما السيد السيستاني فاشترط أن يمكث الهلال في البلد الغربي بعد الغروب بأزيد مما يختلف به المكانان في طلوع الشمس وغروبها ولم يكن الاختلاف بين المكانين في خطوط العرض بمقدار معتد به كأن كان بنحو درجة أو درجتين فيثبت الهلال في الشرق أيضاً .. . **** أكتفي بهذا المقدار من شرح الفصل السادس ثم الكلام في شرح الفصل الأول / في النية يأتي إن شاء الله تعالى |
الفصل الأول / في النية مسألة 970 : يعتبر في الصوم الذي هو من العبادات الشرعية العزم عليه على نحو ينطبق عليه عنوان الطاعة والتخضع لله تعالى ، ويكفي كون العزم عن داع إلهي وبقاؤه في النفس ولو ارتكازا ، ولا يعتبر ضم الأخطار إليه بمعنى اعتبار كون الامساك لله تعالى وإن كان ضمه أولى ، كما لا يعتبر استناد ترك المفطرات إلى العزم المذكور ، فلا يضر بوقوع الصوم العجز عن فعلها أو وجود الصارف النفساني عنها ، وكذا لا يعتبر كون الصائم في جميع الوقت بل في شئ منه في حالة يمكن توجه التكليف إليه فلا يضر النوم المستوعب لجميع الوقت ولو لم يكن باختيار منه كلا أو بعضا ، ولكن وفي الحاق الاغماء والسكر به إشكال فلا يترك الاحتياط فيهما مع سبق النية بالجمع بين الاتمام إن أفاق أثناء الوقت والقضاء بعد ذلك . ------------------------ تقسم الواجبات الى قسمين : القسم الأول / الواجبات التي يشترط في صحة امتثالها قصد القربة ، بأن يكون الداعي للمكلف لفعلها هو امتثال أمر الله وقصد طاعته ، فلو لم يأتِ بها بهذا القصد لم تصح ووقعت باطلة ، كالصلاة والصوم والحج والوضوء والزكاة ، فما لم يأتِ المكلف بها بقصد التقرب الى الله تعالى وامتثال أمره لم تصح ووقعت باطلة ، وتسمى هذه الواجبات ( العبادات ) . (1) القسم الثاني / الواجبات التي لا يشترط في صحة امتثالها قصد القربة ، وهي كل ما أمر المولى بفعله ولم يشترط أن يأتي به المكلف بقصد القربة مثل تطهير الثياب والبدن من النجاسات لأجل الصلاة فهذا التطهير واجب وتتوقف عليه صحة الصلاة ، ولكن لا يشترط أن يقصد المكلف القربة في تطهير ثيابه لأجل الصلاة ، فلو طهّر ثيابه من دون قصد القربة بل ولو رياءً صح التطهير ، بل لو طهّر الثوب من دون قصد التطهير كما إذا كان قصده تنظيفه من الأوساخ فأجرى الماء عليه بما تتحقق به الطهارة أو جعل الثوب تحت المطر لا بقصد التطهير ، فحينئذٍ يطهر الثوب ولو لم يقصد تطهيره فضلاً عن أنه لم يقصد القربة في تطهيره ، وهذا النوع من الواجبات يسمى ( التوصليات ) . والحاصل / أن الفرق بين الواجبات العبادية والواجبات التوصلية في أمرين : الأمر الأول / إن الواجبات العبادية يشترط أن يأتي بها المكلف عن قصد ، أي يكون قاصداً لفعلها فيقصد فعل الصلاة مثلاً فلو صدرت منه من دون قصد ولا عزم عليها لم تصح ، وليس كذلك الواجبات التوصلية . الأمر الثاني / إن الواجبات العبادية يشترط أن يأتي بها المكلف بقصد القربة الى الله تعالى ، بحيث يكون الدافع له الى الصلاة والصوم هو امتثال أمر الله تعالى والتقرب اليه ونحو ذلك من الدواعي المرتبطة به تعالى كالطمع في جنته ورجاء ثوابه او خوفاً من ناره وحذراً من عقابه ، وليس كذلك التوصليات ، نعم إذا أتى بها بقصد القربة كان ذلك موجباً للثواب الإلهي الا أنه ليس شرطاً في صحة الفعل . وهاتان الخصيصتان للواجبات العبادية وهما قصد فعلها مع قصد التقرب بها الى الله تعالى هما ما يعبّر عنهما بالنية . فإذا قيل يشترط في العبادات النية ، أي يشترط في صحة العبادات هذان القصدان : قصد الفعل ، وقصد القربة الى الله تعالى من ذلك الفعل ، فحتى تصح الصلاة لا بد أن يقصد المكلف الصلاة من ركوعه وسجوده ونحوهما كما لا بد أن يقصد بفعلها القربة الى الله تعالى . ولعلّك تسأل كيف نميّز بين الواجبات فنعرف أن هذا الواجب من العبادات فيشترط فيه النية أي قصد الفعل وقصد القربة ، أو أنه من التوصليات فلا يشترط فيه أحد القصدين ؟ وهو سؤال مهم حتى نعرف أي الواجبات التي لا بد من فعلها مع النية وأيها ليس كذلك والجواب / أن ذلك يتبع ما يستفاد من الأدلة الشرعية فإن دلّ دليلٌ على أن واجباً يشترط فيه النية وأن يؤتى فيه بالقصدين وأنه من العبادات فهو والا كان الواجب من التوصليات ، وعلى أساس ذلك فتشخيص كون هذا الواجب عبادياً وتشترط فيه النية أو توصلياً فلا تشترط فيه من وظيفة الفقيه لأنه الوحيد القادر على النظر في الأدلة وهو الذي يخبر العوام بما هي الواجبات العبادية وما هي الواجبات التوصلية ، وهذا ما دأب عليه فقهاؤنا في رسائلهم العملية حيث ينبهون الى اشتراط النية عند تعرضهم الى الواجبات العبادية . إذا عرفت ذلك فاعلم ، أن الصوم من العبادات الشرعية ليس واجبُه فحسب بل مستحبُه أيضاً ولذا لا يصح الصوم ما لم يتحقق فيه القصدان كسائر العبادات الأخرى . لكن هنا للصوم ميزة عن بقية الواجبات العبادية وهي أن كل الواجبات العبادية عبارة عن أفعال وجودية أي تتحقق بإيجاد بعض الأفعال خارجاً كالصلاة والحج والوضوء فهي عبارة عن أفعال لا يتحقق امتثال تلك العبادات الا بفعل هذه الأفعال لذا يشترط في صحة الصلاة أن المكلف عندما يأتي بالتكبير والقراءة والركوع والسجود وباقي أفعال الصلاة القصدان المتقدمان بأن يقصد فعل تلك الأفعال أولاً بنية الصلاة وأن يكون قصد فعلها قربة الى الله تعالى أما الصوم فهو واجب عبادي عدمي (2) وليس وجودياً أي لا يتوقف امتثاله على فعل بعض الأفعال في الخارج كالصلاة والحج بل يتحقق بترك بعض الأمور لا بفعلها وهي المفطرات فالصوم يتحقق بترك الأفعال أي المفطرات لا بفعل الأفعال كالصلاة ، وهذه ميزة الصوم عن غيره ، وحينئذٍ لما كان الصوم عبارة عن ترك بعض الأفعال قالوا لا يمكن أن يتحقق فيه القصد الأول وهو قصد الفعل لأنه ليس فعلاً حتى يتحقق بقصد ذلك الفعل بل هو ترك للمفطرات ، وحينئذٍ سنقتصر في الصوم على القصد الثاني وهو قصد القربة الى الله تعالى ، ونكتفي بدل القصد الأول بالعزم على ترك المفطرات فمن عزم على ترك المفطرات قربة الى الله تعالى فقد حقق نية الصوم وصح الصوم منه ، فنقول يشترط في الصوم النية كسائر الواجبات العبادية الا أنه لما كان عبادة عدمية لا وجودية فالنية فيه لا تتحقق بقصد الفعل وقصد القربة بل بالعزم على ترك المفطرات وقصد القربة الى الله تعالى ولذا قال السيد الماتن : ( يعتبر في الصوم ) أي يشترط في صحة الصوم ( الذي هو من العبادات الشرعية ) أي لأنه من العبادات وليس من التوصليات فيشترط فيه ( العزم عليه ) وهذا إشارة الى الأمر الأول المعتبر في نية الصوم وهو العزم على الصوم ولما كان الصوم هو الإمساك وترك المفطرات فالعزم عليه عزم عن ترك تلك المفطرات ، وهذا العزم هو بدل قصد الفعل في باقي العبادات ( على نحو ينطبق عليه عنوان الطاعة والتخضع لله تعالى ) وهذا إشارة الى القصد الثاني وهو أن يقترن العزم على الصوم مع قصد القربة الى الله تعالى فلا بد في صحة الصوم مضافاً الى العزم أن يكون قربة وطاعة الى الله تعالى وبقصد التخضع له وامتثال أمره ، فلا يكفي العزم عليه من دون أن يكون ذلك بقصد الطاعة لله تعالى . . . . ---------------------------- (1) لمصطلح العبادات معنيان : الأول ما يقابل التوصليات ، وهي الواجبات التي يشترط في فعلها قصد القربة ، الثاني ما يقابل المعاملات ويراد بها الأحكام الشرعية التكليفية سواء كانت عبادات بالمعنى الأول أي يشترط فيها قصد القربة او توصليات فلا يشترط ، وسواء كانت واجبات او محرمات او مستحبات او مكروهات ، فالعبادات بالمعنى الثاني أعم منها بالمعنى الأول من جهتين : الجهة الأولى / أنها تشمل العبادات بالمعنى الأول والتوصليات . الجهة الثانية / أنها تشمل الواجبات وغيرها من الأحكام التكليفية كالحرمة والاستحباب . إذن المعنى الأول للعبادات معنى أخص لأنه يختص بما يشترط فيه قصد القربة من الواجبات ، أما المعنى الثاني فهو أعم لأنه يشمل الواجبات التي يشترط فيها فصد القربة وغيرها ، كما أنه يشمل الواجبات وغيرها كالمحرمات . (2) ربما يلحق به الاعتكاف والإحرام فهما عبادتان عدميّتان لا وجوديّتان . |
وعلى أساس ذلك - أي كفاية العزم على ترك المفطرات قربة الى الله تعالى في صحة الصوم - فههنا أمور : 1. يكفي في تحقق نية الصوم أن يكون بداعٍ إلهي بمعنى أن يمسك ويعزم على ترك المفطرات والداعي أي الشيء الذي دعاه لأن يمسك ويعزم على تركها هو شيء مرتبط بالله تعالى كقصد التقرب والتذلل والخضوع اليه او رجاء ثوابه او خوفاً من عقابه . 2. لا يعتبر في النية الإخطار بأن يستحضر صورة النية في الذهن والبال ويحدّث بها نفسه ، بأن يُطرق ( يصفن ) ويتصور الإمساك عن المفطرات قربة الله تعالى ، وبعبارة أخرى المقصود من الإخطار أن يقرأ النية في قلبه ، فهذا غير واجب فضلاً عن أن يتلفظ بالنية ويقرأها بشفتيه ولسانه فلا يجب أن يقول أعزم على ترك المفطرات بقصد التقرب والخضوع الى الله تعالى ، أو أصوم يوم غد قربة الى الله تعالى ونحو ذلك فهذا كله غير واجب ، نعم ضم الإخطار أولى وأفضل احتياطاً بمن قال باشتراطها من علمائنا المتقدمين . 3. قوله ( ويكفي كون العزم عن داع إلهي وبقاؤه في النفس ولو ارتكازا ) أي يكفي في النيةِ النيةُ الارتكازية في أثناء النهار ، فبعد أن يعزم على ترك المفطرات بداعٍ إلهي في أول النهار لا يجب أن يستمر هذا العزم في كل لحظة من النهار ، والا لو كان يجب العازم على ترك المفطرات طيلة النهار لبطل الصوم بالنوم في أثناء النهار لانتفاء العزم معه حينئذٍ ، بل يكفي بقاء ذلك العزم مرتكزاً وراسخاً في النفس وإن غفل عنه المكلف ، فقد يمر المكلف بلحظات في أثناء النهار تراه غافلاً عن المفطرات وغير عازم على تركها لكن هذا لا يضر بصومه لأن عزمه على تركها مركوز في نفس منذ الليل ومتى ما التفت اليه كان حاضراً وموجوداً ، وبعبارة أخرى يكفي العزم قوةً في أثناء النهار وإن لم يكن هناك عزم فعلي . 4. تتوقف صحة الصوم على النية وهي العزم على ترك المفطرات قربة الى الله تعالى ، لكن لا يشترط أن يكون ترك الصائم للمفطرات مستنداً الى عزمه على تركها فقط حتى يصح صومه ، بحيث لولا عزمه لفعل المفطرات ، بل يكفي أن يترك المفطرات لسبب آخر غير أنه عازم على تركها فيصح صومه أيضاً ، لذا قال الماتن : ( كما لا يعتبر استناد ترك المفطرات إلى العزم المذكور ، فلا يضر بوقوع الصوم العجز عن فعلها أو وجود الصارف النفساني عنها ) بيان ذلك / أن الصائم عندما يترك المفطرات كالأكل والشرب ، فلا يخلو تركه لها أما أن يكون سببه أنه عازم على تركها فقط أو يكون هناك سبب آخر حمله على تركها غير عزمه ومعنى أن سبب الترك هو العزم فقط أن الصائم عنده رغبة بتناول المفطر ولا يمنعه مانع عن تناوله مع ذلك هو لم يتناوله بالرغم من وجود الرغبة وعدم المانع لمجرد أنه نوى وعزم على تركه أحياناً يكون الترك لأجل سبب آخر غير العزم كعدم الرغبة في تناول المفطر ووجود النفرة منه كما لو كان سبب عدم تناوله للطعام لأنه لا يحبه ولا يشتهيه أو كما لو لم يتناول النجاسات لا لأجل عزمه على تركها بل لأن نفسه تنفر منها وأحياناً يكون سبب تركه للمفطرات عدم قدرته على فعلها وليس لأنه عازم على تركها كما لو لم يأكل الطعام لعدم توفره أو لم يمارس الجماع لعدم قدرته عليه فسبب الترك هو العجز عن الفعل لا العزم على الترك مع ذلك نقول ما دام الصائم قد عزم على ترك المفطرات بقصد القربة وتركها فعلاً ولم يأتِ بشيء منها فصومه صحيح سواء كان عدم فعله لها لمجرد أنه عزم على الترك مع رغبته وقدرته على الفعل أو كان سبب الترك عجزه عن الفعل وعدم قدرته عليه ، أو كان السبب وجود الصارف النفساني أي عدم الرغبة النفسية بتناول المفطر ، فالمهم عدم فعل المفطرات أياً كان السبب في عدم فعلها . وبعبارة أوضح لا يشترط في صحة الصوم أن يكون ترك المفطرات ناشئاً عن إرادة واختيار بل يصح الصوم حتى لو ترك الصائم المفطرات من دون إرادته واختياره وإنما رغماً عنه فمن لم يجامع لمرضٍ منعه منه لا يصح أن نقول له صومك غير صحيح لأنك ما تركت الجماع رغبة عنه بل تركته رغماً عنك لأنك غير قادر عليه وكذا من لم يشرب الدم او البول مثلاً او الخمر لعدم رغبته في هذه الأمور ونفور نفسه منها بل حتى بعض الأكلات التي لا يحبذها ، لا نستطيع أن نقول له صومك غير صحيح لأنك ما تركت هذه الأمور الا لنفور نفسك وليس لأنك عازماً على تركها ولو كنت راغباً فيها ربما لتناولتَها ، بل صومه صحيح ما دام قد عزم على تركها قربة الى الله تعالى ، وإن كان سبب تركها الحقيقي عدم رغبته في تناولها . 5. عرفنا أنه لا يشترط استمرار العزم فعلاً في جميع آنات النهار وأنه يكفي بقائه في النفس ولو ارتكازاً ، وبناء عليه لا يجب على الصائم أن يبقى مستيقظاً طيلة النهار بل يجوز له النوم وإن كان مستوعباً لكل النهار ، لأنه يكفي العزم الارتكازي وهو متحقق مع النوم ، بخلاف ما إذا قلنا يجب العزم الفعلي فحينئذٍ يضر به النوم لأن الصائم حال النوم لا يحصل منه عزم فعلي ، لذا قال المصنف : ( لا يعتبر كون الصائم في جميع الوقت بل في شئ منه في حالة يمكن توجه التكليف ) ومعنى ذلك أن التكليف وهو هنا أمر الله تعالى بالصوم حتى يتوجه الى المكلف لا بد أن يكون المكلف بحالة يصح توجيه التكليف اليه وهي أن يكون واعياً ملتفتاً فالنائم لا يتوجه اليه التكليف لأنه غير واعٍ ، لكن في الصوم وفي أثناء النهار لا يشترط في صحة الصوم أن يبقى المكلف طيلة النهار بحالة يصح توجيه التكليف اليه بأن يبقى واعياً غير نائم ، بل يصح منه الصوم حتى وإن نام ولم يصح توجيه التكليف اليه ، سواء نام في بعض النهار أو كله ، وسواء كان النوم باختياره بحيث هو الذي تسبب في عدم توجه التكليف اليه او لا ، فالصوم صحيح وإن نام مطلقاً ما دامت نية الصوم وهي العزم متحققة وسابقة على النوم . 6. وهل يلحق الإغماء والسكر بالنوم فلو أغمي على النائم أو فقد وعيه بالإسكار بأن شرب الخمر ليلاً وصام نهاراً مع فقد وعيه بالإسكار فهل يصح الصوم أيضاً كما لو نام ، لأنه مع الإغماء والسكر أيضاً لا يتوجه اليه التكليف لعدم الوعي والالتفات ، فهل يقال لا يشترط في صحة الصوم كون الصائم بحالة يتوجه اليه التكليف هنا أيضاً كما قيل ذلك في النوم ؟ أجاب المصنف بأن الحكم فيه إشكال ومعنى الإشكال وجود وجهين أحدهما احتمال الحاق الإغماء والسكر بالنوم وثانيهما احتمال عدم الإلحاق ، ولا ترجيح لأحدهما على الآخر بنظره ، وحينئذٍ لا بد من الاحتياط في المسألة بالعمل بكلا الوجهين المحتملين فنحتمل صحة الصوم كما في النوم فيستمر المغمى عليه بالصوم ونحتمل بطلان الصوم وعدم اللحوق بالنوم فيجب القضاء ، والنتيجة لو أغمي على الصائم أثناء النهار ثم أفاق أتم صومه في ذلك اليوم كما يفعل النائم لاحتمال أن حكمه حكم النائم ثم يقضيه بعد ذلك لاحتمال بطلان صومه بالإغماء وأن حكمه ليس كالنائم . وهذه قاعدة عامة ففي كل مورد يستشكل الفقيه في الحكم يجب على المكلف الاحتياط فيه ما لم يكن الإشكال مسبوقاً او ملحوقاً بالفتوى فحينئذٍ يجب العمل بتلك الفتوى والاستشكال يكون عبارة عن احتياط استحبابي . ولا خلاف في كل ما تقدم بشكل عام ، نعم قوّى السيد محمد صادق الروحاني حفظه الله لحوق الإغماء والسكر بالنوم في صحة الصوم ، فيما احتاط باقي الفقهاء وجوباً بعدم الإلحاق من غير التصريح بالاستشكال وإن كان الاحتياط الوجوبي هو نتيجة الاستشكال . . . وللكلام تتمة في شرح باقي المسائل تأتي إن شاء الله تعالى |
اللهم صل على محمد وآل محمد أحسنتم ورحم الله والديكم شيخنا الفاضل طرح مبارك جزاكم الله خير الجزاء |
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيْمِ
اللهُمَّ صَلِّ على مُحمَّدٍ وآلِ مُحمَّد أحسن الله إليكم وجزاكم خيراً فاضلتنا / الحوزوية الصغيرة لكم ولوالدَيكم الرحمة والرضوان ورضا الرب الجليل إن شاء الله أسأل الله أن يتقبل صيامكم وقيامكم وأن يبارك لكم شهره العظيم شاكرٌ لجنابكم التفضل عليّ بالحضور والتعقيب المبارك رجائي أكون موفقاً فيما أطرح وأن ينتفع به إخواني المؤمنون وفقكم الله تعالى |
مسألة 971 : لا يجب قصد الوجوب والندب ، ولا الأداء ولا غير ذلك من صفات الأمر والمأمور به ، نعم إذا كان النوع المأمور به قصدياً كالقضاء والكفارة على ما سيأتي لزم قصده ، ولكن يكفي فيه القصد الاجمالي كالقصد إلى المأمور به بالأمر الفعلي مع وحدة ما في الذمة . --------------------------------- إذا أراد المولى إيجاب شيء على عبده كصوم شهر رمضان أمره به فيقول له مثلاً ( صم شهر رمضان ) وحينئذٍ يكون عندنا أمرٌ وهو إيجاب المولى وأمره بالصوم ، ومأمورٌ به وهو نفس الصوم الذي تعلق به الأمر ، وهكذا في كل واجب عندنا أمرٌ بذلك الواجب ومأمورٌ به وهو نفس الواجب . ونفس الشيء يقال في المستحبات فإذا أمر المولى بشيء استحباباً تكوّن عندنا أمرٌ ومأمورٌ به لكن على نحو الاستحباب الذي يجوز معه الترك ، كما إذا قال المولى ( صم ثلاثة أيام من كل شهر ) فعندنا أمر بالصوم ومأمورٌ به وهو صيام ثلاثة أيام من كل شهر . والحاصل أننا في كل واجب وفي كل مستحب عندنا أمرٌ ومأمورٌ به غاية الأمر أنهما تارة يكونا على نحو الوجوب وذلك فيما إذا كان الأمر ملزماً ، وأخرى يكونا على نحو الندب والاستحباب إذا كان الأمر ليس على نحو الإلزام . إذا عرفت ذلك فاعلم ، أن لكل واحد من الأمر والمأمور به صفات ، تسمى صفات الأمر وصفات المأمور به ، فمن صفات الأمر الوجوب والندب فيقال أمر وجوبي وأمر ندبي أي استحبابي ، وكذلك من صفات الأمر الأداء والقضاء فهناك أمر أدائي وهو الأمر بالإتيان بالمأمور به في وقته المحدد له شرعاً ، وأمر قضائي وهو الأمر بالإتيان بالمأمور به بعد وقته ، وتبعاً لذلك فإن المأمور به أيضاً يتصف بتلك الصفات فيكون واجباً إذا كان الأمر وجوبياً ومندوباً إذا كان الأمر ندبياً ، وأداءً او قضاءً إذا كان الأمر أدائياً او قضائياً ، مضافاً الى بعض الصفات الخاصة من قبيل كون المأمور به من الأيام البيض او منتصف شعبان او يوم عرفة أو كونه نذراً مطلقاً او مقيداً ونحو ذلك . وهل يجب قصد تلك الصفات وملاحظتها في النية ؟ فهل يجب أن ينوي الوجوب والأداء في صوم شهر رمضان مضافاً الى العزم على ترك المفطرات ؟ وهل يجب أن ينوي القضاء إذا صام ما فاته من شهر رمضان بعد ذلك ؟ وإذا صام الأيام البيض فهل يجب أن ينوي الاستحباب ويقصد أنه يصوم ندباً ؟ وهل يجب أن يقصد أنه يصوم الأيام البيض ؟ الى غير ذلك من الصفات والخصوصيات غير أصل العزم على ترك المفطرات وبعبارة واضحة : هل يجب أن تكون النية تفصيلية ؟ فينوي صيام يوم غد مثلاً من شهر رمضان أداءً وجوباً ؟ أم تكفي نية إجمالية وهي صيام يوم غد امتثالاً للأمر المتوجه اليه من دون تعرض الى خصوصيات هذا الأمر من وجوب او ندب او قضاء او استحباب وغير ذلك ؟ والجواب / توجد عدة آراء : الرأي الأول / لا يجب قصد شيء من ذلك ، بل تكفي النية الإجمالية بأن يصوم امتثالاً للأمر المتوجه اليه ، فلا يجب قصد الوجوب ولا الندب ولا الأداء ولا القضاء ولا غير ذلك ، بل يكفي أن يعزم على ترك المفطرات بحيث يكون الباعث له على ذلك أمر الله تعالى أياً كانت خصوصيات هذا الأمر ، وهو رأي السيد الخوئي والروحاني والشيخ الخراساني . الرأي الثاني / إن الصوم إذا كان متعيّناً شرعاً لم يجب فيه القصد بخلاف ما إذا كان غير متعين وهو رأي السيد الصدر (قده) والشيخ الفياض توضيحه / أن المكلف إذا أراد أن يصوم يوم غد مثلاً ، فلا يخلو يوم غد إما أن يكون غير قابل الا لنوع واحد من الصوم ولا يقبل أن يقع فيه غير ذلك الصوم كما في شهر رمضان فهو لا يقبل أن يقع فيه الا نوع واحد من الصوم وهو صوم شهر رمضان ولا يصح أن يصوم شخص في شهر رمضان قضاء او ندباً ، ومثل آخر يوم من شهر شعبان لمن عليه قضاء شهر رمضان الفائت فإن ذلك اليوم يتعين فيه القضاء ولا يصح أن يصوم المكلف فيه ندباً مثلاً ويسمى بالقضاء المضيّق أي تضيّق في هذا اليوم ، وكما إذا نذر صيام يوم معين فذلك اليوم لا يقبل الا صيام وفاء النذر دون غيره . وإما أن يكون يوم غد قابلاً لأكثر من نوع من الصيام كيوم عرفة لمن عليه نذر غير معين ، فكما يمكن صيام ذلك اليوم بنية الندب ويوم عرفة يمكن أن يكون صيامه بنية وفاء النذر فذلك اليوم قابل لأن يقع فيه كل واحد من الصومين إذا عرفت ذلك فحينئذٍ يقال إذا كان يوم غد من النوع الأول أي غير قابل الا لنوع واحد من الصوم لم يجب قصد شيء غير الأمر المتوجه اليه ولا يجب تعيين نوع الصوم لأنه معين بعدم قبول يوم غد لغير ذلك الصوم ، أما إذا كان يوم غد قابلاً لأكثر من نوع من الصوم فحينئذٍ لا بد من التعيين ، فلا بد أن يعيّن أنه يصوم يوم غد بنية يوم عرفة المندوب او بنية وفاء النذر غير المعين ، ولا يكفي قصد امتثال الأمر والا كانت النية مرددة لوجود أمرين في ذلك اليوم أمر ندبي بصيام يوم عرفة وأمر وجوبي بصيام النذر غير المعين . وبعبارة مختصرة إذا كان في ذمة المكلف نوع واحد من الصوم ولو ندباً لم يجب التعيين وإن كان في ذمته أكثر من صوم وجب تعيين أيها المقصود بصوم يوم غد . الرأي الثالث / وهو ماذهب اليه السيد الماتن وبعض الفقهاء ، وحاصله / أن خصوصيات الأمر والمأمور به أي صفاتهما كالأداء والقضاء ، بعضها قصدية وبعضها غير قصدية ، فيجب قصد القصدية دون غير القصدية ومعنى كون الخصوصية قصدية أن تحققها ووقوعها متوقف على القصد والنية فلا يتصور تحققها من المكلف ما لم يكن قاصداً لها ، مثلاً يقال البيع أمر قصدي بمعنى أن معاملة البيع لا تتحقق ما لم يكن الطرفان قاصدين للبيع لذا لا يصح بيع المكره لعدم قصده وعدم نيته البيع ، فهنا كذلك فبعض الخصوصيات قصدية لا تتحقق الا بالقصد كالقضاء ، فهو متوقف على القصد فمن أراد أن يصوم يوم غد من باب القضاء فلا بد أن يقصد القضاء والا لم يقع صيام يوم غد قضاءً لعدم القصد ، وكذا صوم الكفارة فمن أراد أن يصوم صيام الكفارة كالشهرين المتتابعين فلا بد أن يقصد صيام الكفارة لأنه من الأمور القصدية نعم يكفي أن تكون النية القصدية إجمالية ولا يجب التفصيل فيها مثلاً إذا كانت ذمته مشغولة بالقضاء فقط دون غيره من الصوم الواجب ، فيكفي أن يقصد القضاء بنية إجمالية كما لو قصد من صيام يوم غد امتثال الأمر الإلهي الفعلي المتوجه اليه ، أي يقصد ما هو متوجه اليه من أمر الله تعالى بالصوم الآن فعلاً الذي هو عبارة عن الأمر بالقضاء ، ولا يجب أن يقصد صيام يوم غد من باب القضاء عما فاته من صوم شهر رمضان بحيث يفصّل في النية ، ولذا قال الماتن : ( ولكن يكفي فيه القصد الاجمالي كالقصد إلى المأمور به بالأمر الفعلي مع وحدة ما في الذمة ) أي لا يجب التفصيل في نية القضاء وقصده بل يكفي أن يقصد القضاء إجمالاً كما لو كان القضاء هو الواجب الوحيد المشتغلة ذمته به فحينئذٍ لا يوجد أمر فعلي متوجه اليه الآن الا الأمر بالقضاء لعد اشتغال ذمته بغيره ، فحينئذٍ يكفي في قصد القضاء أن يقصد امتثال الأمر الفعلي المتوجه اليه ، ولا يجب عليه أن يفصّل أكثر من ذلك ، أو يقصد أن يصوم يوم غد بدلاً عما فات كما سيأتي في المسألة التالية فهذا كافً في قصد القضاء . |
مسألة 972 : يعتبر في القضاء قصده ، ويتحقق بقصد كون الصوم بدلا عما فات ، ويعتبر في القضاء عن الغير قصد النيابة عنه في ذلك باتيان العمل مطابقا لما في ذمته بقصد تفريغها ، ويكفي في وقوعه عن نفسه عدم قصد النيابة عن الغير ------------------------------ كان الكلام في صوم المكلف عن نفسه ، فهل يجب أن يقصد الخصوصيات ونوع الصوم ؟ آراء ، ثالثها للمصنف وهو أن يقصد الخصوصيات القصدية فقط كالقضاء ولو إجمالاً كما لو نوى بالقضاء الصوم بدلاً عما فات فهذا كافٍ في تحقق قصد القضاء ، وفي هذه المسألة تعرض الماتن كغيره من الفقهاء الى ما لو صام المكلف نيابة عن غيره فهل يجب قصد الخصوصيات أو لا ؟ فلو صام قضاءً عن غيره كالولد الأكبر يصوم قضاءً عما في ذمة والده فهل يجب قصد القضاء في الصوم نيابة عن الغير ؟ والجواب / نعم يجب قصد القضاء اذا كان عن الغير بلا خلاف بين الفقهاء هنا وإن اختلفوا في قصد القضاء إذا كان عن النفس في المسألة السابقة لكن كيف يقصد القضاء عن الغير ؟ الرأي المعروف هو أن يقصد الأمر المتوجه اليه بالإتيان بالعمل نيابة عن غيره لا أن يقصد امتثال الأمر الذي كان متوجهاً الى ذلك الغير ، فمثلاً الولد الأكبر بعد موت أبيه الذي في ذمته صوم واجب ، يتوجه اليه - الولد الأكبر - أمر بوجوب القضاء عن أبيه فعند قضاء الولد عن أبيه يكفي أن يصوم بقصد امتثال هذا الأمر المتوجه اليه بالقضاء عن أبيه لا أن يقصد امتثال الأمر الذي كان متوجهاً الى أبيه فذاك الأمر انتهى بالموت والآن أمر جديد متوجه الى الولد الأكبر بالقضاء عن الأب ، هذا هو الرأي المعروف في كيفية قصد القضاء عن الغير . الا أن السيد الماتن ذكر أن قصد القضاء عن الغير يتحقق بأن يقصد من صومه أنه نيابة عن غيره ، فالولد الأكبر إذا صام وقصد بصومه أنه نيابة عن أبيه بقصد تفريغ ذمته مما اشتغلت به من القضاء كفى في قصد القضاء عن الغير ، قال : ( ... بدلا عما فات ، ويعتبر في القضاء عن الغير قصد النيابة عنه في ذلك ) أي في كونه بدلاً عما فات ، فلو صام قاصداً بصومه أنه بدلاً عما فات أباه او غيره ممن استنيب للقضاء عنه كفى . وعليه فالمائز بين وقوع صوم المكلف عن نفسه ووقوعه عن غيره هو قصد النيابة فإذا لم يقصد النيابة وقع الصوم عن نفسه وإن قصد النيابة عن الغير وقع قضاء عن ذلك الغير . ******** . وإذا كان ما في ذمته واحداً مردداً بين كونه القضاء عن نفسه أو عن غيره كفاه القصد الاجمالي . -------------------------- أي قد يكون المكلف جازماً باشتغال ذمته بالقضاء الا أنه كان شاكاً في أنه قضاءٌ عن نفسه او قضاءٌ عن غيره ؟ كما إذا علم اشتغال ذمته بصوم ثلاثة أيام مثلاً من باب القضاء ، ولكن لم يدرِ أنها قضاءٌ عما فاته فتكون قضاءً عن نفسه ، أو قضاءٌ عما فات غيره فتكون قضاءً عن غيره فحينئذٍ يجب عليه أن يصوم ثلاثة أيام من باب القضاء لأنه متأكد من اشتغال ذمته بذلك ، ولكن هل ينويها قضاءً عن نفسه أو نيابةً عن غيره ؟ الجواب / يكفي القصد الإجمالي ، أي يكفي في صيام تلك الأيام أن يقصد بها ما هو الأعم من القضاء عن نفسه و القضاء عن غيره ، أي يكفي أن يقصد شيئاً ينطبق على كل واحد من الاحتمالين ، بأن يقصد مثلاً صيام ثلاثة أيام قضاءً عما في ذمته ، فإن عنوان ( ما في ذمته ) ينطبق على كلا الاحتمالين فإن كان القضاء عن نفسه فهو في ذمته وإن كان عن غيره فهو في ذمته أيضاً ما دام القضاء عن ذلك الغير واجباً عليه . أو يقصد الأمر الفعلي المتوجه اليه بصيام ثلاثة أيام من باب القضاء ، فإن كان الأمر الفعلي عن نفسه وقع القضاء كذلك وإن كان عن غيره وقع القضاء عن غيره ، وهكذا . المهم الا يقصد أحد الاحتمالين لأنه غير جازم به فلا يصح أن يقصد القضاء عن غيره لاحتمال أن القضاء عن نفسه كما لا يجوز العكس . . . وللكلام تتمة في شرح باقي المسائل تأتي إن شاء الله تعالى |
مسألة 973 : يعتبر في الصوم كما مر العزم عليه وهو يتوقف على تصوره ولو بصُوَرٍ إجمالية على نحو تُمَيّزُه عن بقية العبادات كالذي يعتبر فيه ترك الأكل والشرب بماله من الحدود الشرعية ، ولا يجب العلم التفصيلي بجميع ما يفسده والعزم على تركه ، فلو لم يتصور البعض كالجماع أو اعتقد عدم مفطريته لم يضر بنية صومه . ------------------------------ تقدم أنه يعتبر في صحة الصوم النية وهي تتحقق بالعزم عليه بداعٍ إلهي بحيث يكون الداعي للعزم على الصوم هو الله تعالى كقصد التخضع إليه تعالى ، والعزم على الصوم بمعنى قصد الصوم وإرادته . ولما كان الصوم هو عبارة عن ترك المفطرات ، فنية الصوم تتحقق بالعزم على ترك المفطرات ، وهذا لا يتحقق الا بأن يتصور المفطرات فيعزم على تركها ، لأنه لا يمكن أن يعزم الإنسان على شيء من دون أن يتصور ذلك الشيء وأن ينقدح في ذهنه ، فحتى يصدق أن المكلف عازم على الصوم وترك المفطرات لا بد أن يتصور الصوم ويتصور المفطرات فيعزم على تركها وهذا التصور للصوم وترك المفطرات يكون على نحوين : النحو الأول / تصور تفصيلي ، بمعنى أن يتصور كل المفطرات ويعلمها واحدة واحدة فيعزم على تركها . النحو الثاني / تصور إجمالي ، بمعنى أن يتصورها بشكل مجمل أي تكون عنده فكرة مجملة ومقتضبة عن الصوم والمفطرات فيعزم على ذلك ولو لم يعرف التفاصيل والأحكام وما هي المفطرات تحديداً ، بحيث لو سئل عن معنى الصوم لأجاب جواباً مجملاً مقتضباً كما لو قال ( هو الذي يعتبر فيه ترك الأكل والشرب بماله من الحدود والأحكام الشرعية ) ولم يعرف تلك الأحكام أو لم يتصورها ، فهذا الجواب لا يعطي صورة واضحة وتامة للصوم ، فالصوم ليس هذا فحسب بل هو أوسع من هذا المعنى ، فحينئذٍ يكون الجواب إجمالي لأنه لم يعطِ صورة واضحة وتامة للصوم . قال السيد الماتن يكفي في تحقق العزم على الصوم وصدق نيته التصور الإجمالي للصوم من قبيل أنه العبادة التي يعتبر فيها عدم الأكل والشرب بما له من الأحكام الشرعية فلو تصور هذا المقدار كفى وصدق العزم على الصوم . وعليه فلا يجب على الصائم حتى يصح صومه أن يكون عالماً بكل أحكام الصوم وتفاصيلها ولا بشرائطه ، كما لا يجب أن يكون عالماً بتفاصيل المفطرات وتعدادها ، فلو عزم على ترك المفطرات من دون تصور جميع المفطرات ولا العلم بها بأسرها ، بل تصور بعضها كالأكل والشرب ولم يستحضر الباقي كفى ، بل يصح صومه حتى لو كان معتقداً عدم مفطرية بعض المفطرات ، فمن عزم على ترك المفطرات معتقداً أن استنشاق الغبار مثلاً ليس منها ومتصوراً عدم مفطريته لم يضر ذلك بنيته وصحة صومه ما دام لم يرتكبه فعلاً ، ولا خلاف في ذلك لعدم الدليل على لزوم كون النية تفصيلية . والحاصل / أن الصوم بما أنه من العبادات الشرعية فلا بد فيه من النية ، وبما أنه عبارة عن ترك المفطرات فالنية تتحقق بالعزم على ترك المفطرات ، ولا يجب العلم بكل المفطرات تفصيلاً بل يكفي المعرفة الإجمالية وتصورها بوجه عام والعزم على تركها فلا يضر بصوم المكلف جهله بتفاصيل هذه المفطرات وتعدادها . |
مسألة 974 : لا يقع في شهر رمضان صوم غيره وإن لم يكن الشخص مكلفاً بالصوم كالمسافر فإن نوى غيره متعمدا بطل وإن لم يخل ذلك بقصد القربة على الأحوط ولو كان جاهلا به أو ناسيا له صح ويجزي حينئذ عن رمضان لا عما نواه . --------------------------- تقدمت الإشارة عند توضيح الرأي الثاني في شرح المسألة ( 971 ) أن الزمان على قسمين : القسم الأول / ما لا يقبل الا نوعاً واحداً من أنواع الصوم ولا يقبل غيره ، ومثلنا له بشهر رمضان حيث لا يقبل الا صوم رمضان ولا يقبل غيره من أنواع الصوم . القسم الثاني / ما يقبل أكثر من نوع واحد كيوم عرفة لمن عليه صوم يوم من باب النذر غير المعين ، فذلك اليوم يقبل أن يقع فيه الصوم المندوب بعنوان صوم يوم عرفة ، كما يقبل أن يصومه وفاء للنذر . وبما أن زمان شهر رمضان من النوع الأول الذي لا يقبل الا نوعاً واحداً من الصيام وهو صيام شهر رمضان ويسمى بالواجب المعيّن لأن الشريعة عيّنته في هذا الزمان وعيّنت هذا الزمان له فقط ، لذا ذكر الفقهاء ومنهم السيد الماتن أنه لا يصح للمكلف أن يصوم في شهر رمضان غيره بأن ينوي في شهر رمضان نوعاً آخر من الصوم غير صوم شهر رمضان فهذا غير صحيح ، فمن كان عليه قضاء أيام من رمضان الفائت لا يصح أن يقضي تلك الأيام في رمضان اللاحق كما لا يصح أن يصوم ندباً أو نذراً في شهر رمضان . وفي المسألة تفصيل وخلاف ، حاصلهما أنه توجد حالتان : الحالة الأولى / أن يكون المكلف قادراً على صوم شهر رمضان ومكلفاً به ومطالباً بصومه . وفي هذه الحالة اتفق الفقهاء على أنه لا يصح أن يصوم المكلف في شهر رمضان غيره ، فما دام مكلفاً بصيام شهر رمضان وقادراً على صيامه لم يصح أن ينوي أي نوع من أنواع الصوم الأخرى غير شهر رمضان فيه فلا يصح أن يصوم قضاء ولا نذراً ولا ندباً بل يجب عليه أن يصوم الشهر بنية رمضان فقط ، وهذا لا خلاف فيه ولو خالف وصام في شهر رمضان صوماً غيرَه فهل يكون صومه باطلاً أم يقع عن رمضان ويحسب له صيام شهر رمضان ؟ فمن صام ما عليه من القضاء في شهر رمضان مع أنه مكلف بصيام شهر رمضان ، فلا خلاف في عدم إجزائه عن القضاء - ولو من باب الاشكال والاحتياط كما عليه بعض الفقهاء كالسيد الخوئي والشيخ الخراساني - لعدم وقوع أي صوم في شهر رمضان غير صوم رمضان ، ولكن هل يبطل صومه هذا الذي نواه قضاءً أم يحسب له صوم رمضان ؟ جوابه / إذا كان ملتفتاً أنه في شهر رمضان وأنه مكلف بصيام هذا الشهر فعلاً ومع ذلك تعمد صيام القضاء فيه بطل صومه ، أما إذا كان جاهلاً أنه في شهر رمضان أو ناسياً له ونوى القضاء فحينئذٍ يصح عن رمضان ويحسب له صيام رمضان ، كما في يوم الشك إذا صامه قضاءً ثم بان أنه من رمضان فحينئذٍ يحسب له من رمضان لأنه عندما صامه قضاءً كان جاهلاً بكونه من رمضان . الحالة الثانية / أن يكون غيرَ مكلف بصوم شهر رمضان كما لو كان مسافراً ، فهل يصح أن يصوم في رمضان غيرَه ما دام أنه غير مكلف به ، فما دام هو مسافر غير مكلف بصوم رمضان هل يجوز أن يصوم فيه من باب النذر مثلاً ؟ (1) الجواب / المعروف أنه كالحالة الأولى فلا يصح صيام غير رمضان في شهر رمضان حتى وإن كان غير مكلف بصيامه لذا قال الماتن : ( وإن لم يكن الشخص مكلفاً بالصوم كالمسافر ) بل يقع باطلاً . وفي مقابل هذا القول هناك قول للشيخ الطوسي أجاز فيه أن يصوم العبد في شهر رمضان صوماً آخر ما دام غير مكلف بصوم رمضان ، وقد تبنى هذا الرأي الشيخ الفياض من الفقهاء المعاصرين . وقول الماتن : ( وإن لم يُخِل ذلك بقصد القربة على الأحوط ) وجوباً ، أي قد يقال أن من كان مكلفاً بصيام شهر رمضان فعلاً وكان قادراً عليه ولكنه عصى وصارت نيته أن يصوم فيه غيره متعمداً كما لو صام ندباً او قضاءً ، فقد يقال أن عصيانه وعدم صيامه شهر رمضان المكلف به فعلاً مانع له عن التقرب بصوم الندب او القضاء ، أي عصيانه سيُخِل بتحقق القربة منه في المندوب او القضاء لأنه لو كان يريد التقرب الى المولى فعلاً لتقرب اليه بامتثال ما هو مكلف به فعلاً وهو صوم رمضان أما وقد عصاه فهو شخص لا يريد التقرب الى الله والخضوع له حتى وإن صام ندباً أو قضاءً ، وعليه فصوم هذا الشخص المندوب او القضاء في شهر رمضان باطل أصلاً لا لوقوعه في رمضان بل لعدم حصول القربة منه حيث أن مثل هذا الصوم المقترن بعصيان صوم رمضان لا تتصور فيه القربة ، قال الماتن بقطع النظر عن ذلك فهذا الشخص صومه باطل حتى وإن تصورنا إمكانية قصد القربة منه . . . . --------------------------- (1) إنما مثلنا بصوم النذر دون المندوب او القضاء فقلنا هل يجوز للمسافر أن يصوم في رمضان من باب النذر ولم نقل قضاء او استحباباً ، لأن المسافر لا يشرع له الصوم الا صوم النذر ولا يصح أن يصوم ندباً او قضاءً فإذا صامهما في السفر فحكمهما البطلان أكيداً لا لأنهما وقعا في رمضان بل لعدم صحتهما من المسافر ولو في غير رمضان فلا تظهر الثمرة للسؤال عن صحة صوم المسافر في رمضان الا في النذر لأنه مشروع من المسافر فحينئذٍ يصح أن نسأل إذا أوقع النذر في رمضان هل يصح منه او لا ، وهذا بخلاف المندوب فلا معنى للسؤال عن أن المسافر إذا صام ندباً في رمضان فهل يصح منه ، لأنه لا يصح أن يصوم ندباً أصلاً ، نعم هناك نوعان آخران من الصوم يصحان من المسافر مضافاً الى النذر يأتي التعرض لهما في الفصل الرابع إن شاء الله تعالى . |
مسألة 975 : يكفي في صحة صوم رمضان وقوعه فيه ولا يعتبر قصد عنوانه على الأظهر ولكن الأحوط قصده ولو اجمالا بأن ينوي الصوم المشروع غدا ، ومثله في ذلك الصوم المندوب فيتحقق إذا نوى صوم غد قربة إلى الله تعالى إذا كان الزمان صالحاً لوقوعه فيه وكان الشخص ممن يجوز له التطوع بأن لم يكن مسافرا ولم يكن عليه قضاء شهر رمضان ، وكذلك الحال في المنذور بجميع أقسامه إلا إذا كان مقيدا بعنوان قصدي كالصوم شكرا أو زجرا ، ومثله القضاء والكفارة ففي مثل ذلك إذا لم يقصد المعين لم يقع ، نعم إذا قصد ما في الذمة وكان واحدا أجزأ عنه . ------------------------ للصوم أنواع عديدة : منها صوم شهر رمضان ، وصوم القضاء ، وصوم الكفارة ، وصوم النذر ، والصوم المندوب العام ، والصوم المندوب الخاص (1) ، وصوم بدل الهدي الى غير ذلك من أنواع الصوم والسؤال المطروح / أنه عند صيام أي واحد من هذه الأنواع هل يجب التعيين وقصد النوع ، فهل يجب قصد شهر رمضان عند إرادة صيامه وأن يعيّن أنه يصوم غداً عن شهر رمضان ، وهل يجب قصد القضاء عند إرادته وأن يعيّن أنه يصوم غداً قضاءً ، وإذا أراد أن يصوم يوم عرفة فهل يشترط قصد صيام يوم عرفة ؟ بحيث يقيّد النية بأحد أنواع الصوم أم تكفي النية المطلقة من دون تعيين نوع الصوم فيكفي العزم على الصوم وترك المفطرات قربة الى الله تعالى من دون التطرق الى نوع الصوم وتعيينه ؟ فمن صام يوم غد الذي هو من رمضان ولم يقصد أنه يصوم من رمضان بل عزم على ترك المفطرات غداً تقرباً الى الله تعالى فقط هل يصح صومه عن شهر رمضان أم لا يصح لأنه لم يقصد نوعه وأنه يصوم شهر رمضان ؟ الجواب / يوجد رأيان : الرأي الأول / نعم يجب التعيين وأن يقصد نوع الصوم في جميع أنواع الصوم ، فحتى يقع صوم غد من رمضان لا بد أن يقصد إيقاعه عن رمضان ولا يكفي أن يصوم يوم غد قربة الى الله تعالى من دون تعرض الى أنه من رمضان ، لكن لا يجب التفصيل في هذا التعيين بل تكفي النية الإجمالية ، فلا يجب أن يقول مثلاً أصوم يوم غد من رمضان قربة الى الله تعالى ، بل يكفي أن ينوي صوم غد الواجب عليه او المشروع تقرباً فهذه نية إجمالية كافية ولو لم يصرح بأن هذا الواجب هو رمضان ، وهكذا باقي أنواع الصوم فمن كان في ذمته قضاء لا يكفي أن يصوم يوم غد قربة الى الله بل لا بد أن يعيّن ويقصد القضاء ولو إجمالاً كما لو نوى صيام يوم غد عما في ذمته تقرباً فهذا كافٍ في التعيين ، وهكذا صوم الكفارة والنذر فلا يصح صوم يوم عن شيء من ذلك ما لم يقصد عنوان أحدها ولو إجمالاً ، نعم يستثنى المندوب العام فلا يجب قصده بل يكفي نية الصوم غد في تحققه ، وهذا الرأي للسيد الخوئي وغيره بل هو المعروف . الرأي الثاني / ما ذهب اليه السيد الماتن - السيستاني - وحاصله أن بعض أنواع الصوم قصدية لا تتحقق الا بالقصد كالقضاء والكفارة وبعضها غير قصدية ، فغير القصدية لا يجب قصدها كصيام شهر رمضان فلا يجب قصده وإن كان أحوط استحباباً فلو نوى صيام يوم غد قربة الى الله تعالى كفى ذلك في وقوعه عن رمضان ولو لم يقصد صيام يوم غد عن رمضان لما تقدم في المسألة السابقة من أنه لا يقع في رمضان صوم غيره ولو أوقع غيره فيه احتسب منه بخلاف القصدية فهذه يجب قصدها كالقضاء فلا يكفي أن يصوم يوم غد قربة الى الله لأن هذه النية كما تنطبق على القضاء تنطبق على غيره فلا بد أن يقصد نوعاً معيناً حتى يقع الصيام عن ذلك النوع نعم تكفي النية الإجمالية ولا يجب التفصيل ، ومن جملة العناوين الإجمالية عنوان ما في الذمة فإذا لم يكن في ذمة المكلف صومٌ واجبٌ الا القضاء فحينئذٍ يكفي في قصد القضاء هذا العنوان الإجمالي بأن يقصد صيام يوم غد عما في الذمة فحينئذٍ سيقع عن القضاء لأنه الوحيد الذي في ذمته وهو معنى قوله : ( ومثله القضاء والكفارة ففي مثل ذلك إذا لم يقصد المعين لم يقع ، نعم إذا قصد ما في الذمة وكان واحدا أجزأ عنه ) أما قوله : ( ومثله في ذلك الصوم المندوب فيتحقق إذا نوى صوم غد قربة إلى الله تعالى إذا كان الزمان صالحاً لوقوعه فيه وكان الشخص ممن يجوز له التطوع بأن لم يكن مسافرا ولم يكن عليه قضاء شهر رمضان ) أي ومثل صومِ رمضان في عدم وجوب قصده الصومُ المندوب فلا يجب فيهما القصد لأنهما ليسا من العناوين القصدية فكما يكفي في شهر رمضان نية صوم غد قربة الى الله تعالى فيقع عن رمضان ولو لم يقصده فكذا المندوب فيصح بمجرد نية صوم غد قربة الى الله تعالى ولو لم يعين أنه يصوم غداً ندباً بل هو يقع ندباً من دون حاجة الى التعيين ، نعم كفاية صوم يوم غد في صحة الصوم المندوب ولو لم يقصده مشروطة بشرطين : الأول / أن يكون الزمان صالحاً لإيقاع المندوب فيه فلو كان يوم غد من شهر رمضان فلا يصح ندباً بمجرد نية الصوم لأن المندوب لا يقع في رمضان ورمضان ليس صالحاً له ، أو كان عيداً الذي يحرم صومه فلا يصح الصوم ندباً لأن يوم العيد لا يصلح زماناً للمندوب . الثاني / أن يكون الشخص ممن يجوز له التطوع والصوم المستحب أما إذا كان المندوب لا يصح منه كالمسافر فإنه سيأتي إن شاء الله عدم صحة المندوب في السفر ، أو مَن عليه قضاء واجب فسيأتي أيضاً إن شاء الله أنه لا يجوز له التطوع بالصوم فهذان لا يصح منهما الصوم المندوب ولا يكفي حينئذٍ أن ينويا صوم غد قربة الى الله في وقوعه مندوباً وأما قوله : ( وكذلك الحال في المنذور بجميع أقسامه إلا إذا كان مقيدا بعنوان قصدي كالصوم شكرا أو زجرا ) أي وكذلك الصوم المنذور فهو كصوم رمضان والصوم المندوب ليس من العناوين القصدية فلا يجب أن ينوي صوم غد نذراً أي لا يجب أن يعيّن صيام غد من باب النذر بل يكفي أن يصوم يوم غد متقرباً فيجزي ذلك عن النذر سواء كان نذراً معيناً او لا ، نعم إذا صار صوم النذر قصدياً وجب القصد حينئذٍ وذلك فيما لو قيّد نذره بعنوان قصدي يتوقف على القصد كما لو نذر الصوم إذا حصلت له نعمة شكراً عليها فالصوم الشكري قصدي يتوقف على أن يقصد أنه يصوم غداً شكراً ، وكذا إذا نذر الصوم إن ترك حراماً المسمى بصوم النذر الزجري فلو تمكن من ترك الحرام وجب عليه الصوم ولا يكفي العزم على صوم غد في صحة هذا الصوم بل هو عنوان قصدي متوقف على قصده فلا بد أن ينوي صوم يوم غد وفاء للنذر الزجري ولو بعنوان إجمالي . . . . ---------------------------- (1) وهو استحباب صيام يوم بمسمى خاص كيوم عرفة او الأيام البيض ، في مقابل العام الذي لا يدخل استحباب صيامه تحت مسمى خاص كاستحباب صيام أغلب أيام السنة . |
مسألة 976 : وقت النية في الواجب المعين ولو بالعارض عند طلوع الفجر الصادق على الأحوط لزوما بمعنى أنه لا بد فيه من تحقق الامساك مقرونا بالعزم ولو ارتكازا لا بمعنى أن لها وقتا محددا شرعا ، وأما في الواجب غير المعين فيمتد وقتها إلى ما قبل الزوال وإن تضيق وقته فله تأخيرها إليه ولو اختيارا ، فإذا أصبح ناويا للافطار وبدا له قبل الزوال أن يصوم واجبا فنوى الصوم أجزأه ، وإن كان ذلك بعد الزوال لم يجز على الأحوط ، وأما في المندوب فيمتد وقتها إلى أن يبقى من النهار ما يقترن فيه الصوم بالنية . ---------------------------- تقدم منا في تمهيد شرح الفصل السادس تقسيم الصوم واجباً كان او مندوباً الى معيّن وغير معين وقلنا الأقسام أربعة : الواجب المعيّن ، والواجب غير المعينّ ، والمستحب المعيّن ، والمستحب غير المعيّن ومثّلنا للأول بصوم شهر رمضان ، وللثاني بالقضاء ، وللثالث بصيام يوم عرفة ويوم الغدير ونحوهما ، وللرابع باستحباب صيام ثلاثة أيام من كل شهر وقلنا المقصود بالمعيّن هو ما حددت له الشريعة زماناً مخصوصاً واشترطت وقوع الصوم فيه ، بخلاف غير المعيّن الذي لا يشترط فيه زمان مخصوص بل يصح إيقاعه في أي يوم شاء المكلف مما يصح إيقاع الصوم فيه من الأيام ونبّهنا الى أن الواجب المعيّن قد يكون كذلك بالأصل كصوم شهر رمضان او بالعارض كصوم النذر المعيّن ، وكذا الواجب غير المعيّن فهو إما أصلي كصوم القضاء وإما عرَضي كصوم النذر غير المعيّن كما تقدم أن الصوم من العبادات الشرعية فلا بد فيه من النية وهي العزم على الصوم المقرون بداعٍ إلهي والباقي في النفس كذلك ولو ارتكازاً والآن نقول أن نية الصوم لها وقت محدد تختلف فيه باختلاف أقسام الصوم الأربعة المتقدمة وأنه واجب أو مندوب ، معيّن او غير معيّن ، ولأجل ذلك شرع الفقهاء في هذه المسألة ومنهم السيد الماتن ببيان وقت النية في كل قسم ، بعد الالتفات الى أمرين : الأول / أن الكلام في القسمين الثالث والرابع وهما المستحب المعيّن والمستحب غير المعيّن من حيث تحديد وقت النية واحد ، وعليه فسيكون الحديث في تحديد وقت نية الصوم يقع في ثلاثة مباحث : نية الواجب المعيّن ، ونية الواجب غير المعيّن ، ونية المستحب ، أعم من كونه معيناً او غير معيّن لأن الكلام فيهما متحد وحكم النية من حيث الوقت واحد فيهما . الثاني / عندما نقول نية الصوم لها وقت نتعرض له في هذه المسألة لا نعني أن للنية وقتاً محدداً شرعاً لا بد أن تقع فيه بحيث يكون له مبدأ ومنتهى فلا يجوز تقدم النية على مبدأ الوقت ولا تأخرها عن منتهاه كما هو الحال في الصلوات اليومية مثلاً حيث وقت كل صلاة له مبدأ ومنتهى ويجب إيقاع الصلاة بينهما لا قبلهما ولا بعدهما ، بل لا وقت للنية بهذا المعنى وإنما المقصود أن النية تتضيّق في وقت محدد ولا يجوز تأخيرها عليه وإن كان يجوز أن تتقدم على ذلك الوقت ، والكلام هنا في ما هو هذا الوقت الذي تتضيق عنده نية الصوم ، فعندما نقول أن نية صوم القضاء تكون عند الزوال لا نعني أن الزوال وقتها المحدد شرعاً فيجب أن يؤتى بها فيه بل نعني أنها تتضيق عند الزوال ولا يصح صوم القضاء مع تأخيرها عن الزوال مع جواز تقديمها على الزوال ولو من الليل إذ الزوال ليس وقتاً محدداً شرعاً لها حتى لا يصح تقدم النية عليه ، شأنها - نية الصوم - في ذلك شأن نيات سائر العبادات الأخرى فنية الصلاة ونية الوضوء ونية الحج لا تحديد وقتي شرعاً لها فيجوز إيقاعها في أي زمان ما دام قبل مباشرة العمل وإن تضيقت عند مباشرة العمل بأول جزء منه إذن المقصود من كون النية لها وقت أن هناك وقتاً لا يجوز تأخير النية عنه وإن كان يجوز تقديمها على ذلك الوقت ، وهذا المعنى لوقت النية يظهر واضحاً في صياغة السيد اليزدي رحمه الله في كتابه العروة الوثقى لهذه المسألة فقال : ( آخر وقت النية في الواجب المعين - رمضاناً كان أو غيره - عند طلوع الفجر الصادق ويجوز التقديم في أي جزء من أجزاء ليلة اليوم الذي يريد صومه ) فأضاف لفظة آخر الى وقت النية فقال ( آخر وقت النية ) ولم يقل ( وقت النية ) في إشارة الى التضيّق ، ثم نبّه على جواز تقديم النية على ذلك الوقت في جزء من أجزاء الليل لأن الفجر ليس وقتاً محدداً للنية شرعاً حتى لا يجوز التقديم عليه ، ولذا لا إشكال في صحة الصوم لمن نواه ليلاً ثم نام حتى الصباح بحيث طلع الفجر وهو نائم لأن طلوع الفجر ليس وقتاً محدداً للنية حتى يقال أنه كان نائماً ولم ينوِ ، فصومه صحيح ما دام قد نوى قبل ذلك من الليل . والحاصل / المقصود هنا من وقت النية هو أن صحة الصوم تتوقف على عدم تأخير النية عن زمان معين وليس وجوب إيقاعها في ذلك الزمان ، وعليه فلا مانع من تقديمها على ذلك الزمان وإنما المهم أن لا تتأخر عنه . (1) إذا عرفت ذلك فاعلم ، أن هذا الزمان الذي تتضيق عنده النية ولا يصح الصوم بتأخيرها عليه يختلف باختلاف نوع الصوم ، فإن كان واجباً معيناً فالزمان هو الفجر ، وإن كان واجباً غير معيّن فالزمان هو الزوال ، وإن كان الصوم مندوباً فالزمان هو الغروب بيان ذلك / أما الواجب المعيّن سواء كان كذلك بالأصل كصوم شهر رمضان او بالعارض كصوم النذر المعيّن فالمعروف أن وقت النية فيه عند طلوع الفجر بمعنى تتضيّق نيته عند طلوع الفجر بحيث لا يجوز تأخيرها عنه وإن كان يجوز أن تتقدم على هذا الوقت فينوي الصيام من الليل بل ولو قبل أيام كما سيأتي إن شاء الله في المسألة التالية أنه تكفي لشهر رمضان نية واحدة في أوله وهذا يعني أن اليوم الأخير نيته مبيّتة وسابقة عليه منذ شهر وهذا غير ضائر فالمهم أن لا تتأخر عن طلوع فجره إذن كل يوم من رمضان لا بد في صحة صومه من النية ويجب أن تكون هذه النية موجودة ومتقدمة على طلوع فجره أو على الأقل مقارنة للطلوع بحيث يطلع فجر ذلك اليوم والعزم على الصوم فيه موجود ، ويستمر على هذا العزم محافظاً عليه الى الغروب ولو ارتكازاً فلا يضره النوم او الغفلة عنه كما تقدم وأما إذا طلع الفجر ولم يكن قد عزم بعد على الصيام عمداً فقد فاته صيام ذلك اليوم ولا ينفع العزم المتأخر حينئذٍ بخلاف ما إذا لم يكن عامداً كالجاهل والناسي والقادم من السفر قبل الزوال فسيأتي إن شاء الله كما في المسألة بعد التالية وكذلك المسألة (1038) أن وقت تضيّق النية عند هؤلاء يستمر الى الزوال وأن كان الصوم واجباً معيّناً . والوجه في كون نية الواجب المعيّن تتضيق عند الفجر ثم لا بد من الحفاظ عليها الى الغروب أن الصوم كما قلنا عبادة وكل عبادة تحتاج الى نية وفي الواجب المعيّن عباديّة الصوم تكون من الفجر الى الغروب فوجب أن تكون النية موجودة في كل هذا الوقت لأن كل لحظة منه صومها عبادة فلا بد من النية في كل لحظة ولو ارتكازا ، نظير الصلاة مثلاً فكما يجب وجود النية من تكبيرة الإحرام الى التسليم حتى تقع كل العبادة وهي الصلاة عن نية فكذا هنا لا بد أن تقع كل العبادة وهي الصوم الواجب المعين عن نية وبما أن الواجب هو الصوم من الفجر الى الغروب وجب كون النية موجودة من الفجر الى الغروب ، ولذا سيأتي إن شاء الله في المسألة (980) أنه إذا فقد العزم وتردد في النية أو نوى الإفطار في لحظة من النهار بطل صومه وإن لم يتناول المفطر فعلاً لأن ذلك يعني وقوع بعض العبادة وهي تلك اللحظة التي تردد فيها من دون نية فيكون كما لو فقد النية في فعل من أفعال الصلاة فالصلاة تبطل وإن كانت باقي الأفعال مقرونة بالنية فهذا لا يكفي (2) وقول الماتن : ( على الأحوط لزوماً ) بمعنى أن هذا الحكم وهو تضيّق نية الواجب المعيّن عند طلوع الفجر الصادق بحيث لا يجوز تأخيرها عليه مبني على الاحتياط اللزومي ، فالأحوط لزوماً أن لا يؤخر الصائم نية يوم من شهر رمضان عن فجر ذلك اليوم والا لم يصح ، وقد خالف السيد الماتن في ذلك باقي الفقهاء فكلهم ذكروا المسألة على نحو الفتوى وليس احتياطاً فقالوا : ( وقت النية في الواجب المعين ولو بالعارض عند طلوع الفجر الصادق بحيث يحدث الصوم حينئذ مقارنا للنية ) (3) من دون تعرض الى الاحتياط وهو وإن كان لا فرق بين الرأيين بلحاظ العمل وبالنسبة الى المكلف والمقلِّد فهو كما يجب عليه العمل والالتزام بالفتوى فكذلك الاحتياط اللزومي يجب عليه الالتزام به (4) ، الا أن بينهما فرقاً بالنسبة للفقيه ، فإن معنى الفتوى بالحكم أن الفقيه جازمٌ به بينما معنى الاحتياط اللزومي أنه غير جازم بل هو شاكٌ ومستشكل به فاحتاط في المسألة ، فباقي الفقهاء جازمون بأن نية الواجب المعيّن تتضيق عند الفجر ولا يصح أن تتأخر عليه بخلاف السيد الماتن فهو شاك في هذا التضيق أي غير جازم بعدم صحة الصوم مع تأخر النية على الفجر بل يحتمل صحة الصوم حينئذٍ مع احتمال البطلان وعدم الصحة أيضاً والاحتياط حينئذٍ بعدم تأخير النية طريق النجاة . وربما منشأ احتياط المصنف في الحكم وعدم جزمه به عدم وجود دليل صريح عليه ، لذا ذهب بعض فقهائنا المتقدمين الى استمرار نية صوم رمضان الى الزوال وهو السيد المرتضى رحمه الله ، وبعضهم قال بل الى الغروب وهو ابن الجنيد لكن المعروف والمشهور هو تضيّق النية عند طلوع الفجر . . . . ------------------------ (1) بعد أن قلنا في المسائل السابقة أن النية في الصوم ليست لفظية فلا يجب التلفظ بها بل ولا إخطارية فلا يجب استحضارها وتصورها في الذهن ، وإنما هي مجرد عزم وإرادة على الصوم قربة الى الله تعالى ومعنى ذلك أن نية الصوم تتحقق بمجرد عدم التردد في الصوم ولا نية الإفطار فكل من لم ينوِ الإفطار ولا كان متردداً فهو عازم على الصوم وحينئذٍ قد يقول قائل أن الأمر في النية سهلٌ ولا يحتاج الى كل هذا التشعب في الكلام ، فكل واحد منّا يجد نفسه عازماً على الصوم ناوياً له بلا تردد ليس من الليل فقط بل قبل أن يدخل شهر رمضان فما الداعي الى كل ذلك ، وبعبارة أخرى إن كل واحد منّا يجد من نفسه أنه ناوٍ للصوم قهراً منذ دخول الليل فما جدوى الكلام في توقيت النية ومتى تتضيّق ؟ وجوابه / قد يكون أغلب المؤمنين كذلك لكن ليس بالضرورة جميعهم كذلك بحيث لا يفارقهم العزم والنية فهناك المتردد وهناك من لا نية له للصوم ثم يبدو له أن يصوم فمن الضروري لهؤلاء أن يعرفوا متى تتضيّق النية ، هذا مضافاً الى أن الفقهاء لا يأخذون هذه الأمور بنظر الاعتبار فهم وظيفتهم بيان الأحكام الشرعية بقطع النظر عن مدى الحاجة اليها وشدة الابتلاء بها حتى قيل إن الفقيه ما ترك باباً الا سلكه . (2) ومن خلال ذلك يمكن أن نفهم المغزى من الاحتياط بالإمساك قبل الفجر وهو أن النية يجب أن تكون موجودة في جميع آنات النهار من أول آن من الفجر الى آخر آن من النهار ، ولمّا كان العلم بأول زمان طلوع الفجر متعسراً أو متعذراً عادة كان لا بد من الاحتياط بتقديم الإمساك والنية قبل ذلك حتى يتيقن المكلف من صحة صومه ووقوع جميع النهار عن نية . (3) لاحظ مثلاً منهاج الصالحين للسيد الخوئي ج1 مسألة 976 . (4) يمكن أن يكون هناك فرق بينهما بلحاظ المكلف أيضاً وهو أن المكلف ملزم بالفتوى بينما يتخير في الاحتياط اللزومي بين العمل به وبين الرجوع فيه الى مجتهد آخر يفتي بما يخالف الاحتياط فهو غير ملزم بالاحتياط اللزومي ولكنه ملزم بالفتوى ، ولكن هنا هذا الفرق منعدم لأن كل الفقهاء الآخرين يفتون بما يوافق الاحتياط اللزومي كما قلنا ولا يوجد فقيه يفتي بما يخالف الاحتياط حتى يمكن الرجوع اليه وترك الاحتياط اللزومي . |
وقت نية الواجب غير المعيّن هذا كله في نية الواجب المعيّن ، أما نيّة الواجب غير المعيّن كالقضاء والكفارة والنذر غير المعيّن كما إذا نذر أن يصوم يوماً من دون تعيين ، فلا خلاف في أنها تتضيّق عند الزوال بمعنى عدم صحة الصوم بتأخيرها على الزوال وإن كان يصح تقديمها على ذلك ، فكما يجوز أن ينوي القضاء من الليل يجوز أن ينويه فجراً او صباحاً وهكذا الى قبيل الزوال ، فمن أصبح غير ناوٍ للصوم ثم بدا له قبل أذان الظهر أن يصوم قضاءً او كفارة او وفاءً للنذر غير المعيّن جاز له ذلك فينوي ويعزم ويستمر على إمساكه بقية النهار شريطة أنه لم يمارس شيئاً من المفطرات فعلاً ، أما إذا أصبح وقد مارس المفطرات كالأكل والشرب فلا معنى لأن ينوي القضاء قبل الزوال ، إذن شرط استمرار نية الواجب غير المعيّن الى الزوال عدم ممارسة المفطرات قبل ذلك لذا قال السيد الماتن : ( فإذا أصبح ناويا للافطار وبدا له قبل الزوال أن يصوم واجبا فنوى الصوم أجزأه ) في إشارة الى هذا الشرط فقوله أصبح ناوياً للإفطار أي لم تكن نيته الصوم في الصباح بل كانت نيته تناول الفطور والأكل والشرب ثم وقبل تناول ذلك فعلاً بدا له أن ينوي أن يصوم ما في ذمته من الصوم الواجب غير المعيّن كالقضاء قبل الزوال فهذا جائز وصحيح وله فعله ، ولا فرق في هذا الحكم وهو جواز تأخير نية الواجب غير المعين الى الزوال بين أن يتعمد تأخير النية او يكون ناسياً فيتذكر قبل الزوال لذا قال الماتن : ( فله تأخيرها إليه ولو اختيارا ) أي يجوز تأخير النية الى الزوال ولو عمداً . يتبقى شيئان : الأول / أن هذا الحكم وهو استمرار نية الواجب غير المعيّن الى الزوال يشمل ما إذا تضيّق الواجب غير المعيّن او لم يتضيّق ، وذلك أن الواجب غير المعيّن وإن كان معنى عدم تعيّنه أن وقته متسع فيجوز الإتيان به اليوم أو غد او بعد غد وهكذا ، ألا أنه قد يتضيّق بحيث ينحصر امتثاله في يوم معيّن ، كقضاء شهر رمضان فمن فاته يومٌ من شهر رمضان ولم يقضِه حتى آخر يوم من شعبان فحينئذٍ يتعيّن قضاؤه في ذلك اليوم ويسمى قضاءٌ مضيّق أي تضيّق في آخر يوم من شعبان ولا يجوز تأخيره أكثر لوجوب امتثال قضاء رمضان قبل رمضان التالي ، ولكن صيرورة الواجب غير المعيّن مضيقاً لا يلغي حكم الواجب غير المعيّن عنه وهو كون نيته تستمر الى الزوال أو قل تضيّق الواجب غير المعيّن وإن كان يصيّره واجباً معيّناً لكن هذا لا يعني انطباق حكم الواجب المعيّن عليه فتتضيق نيته مع طلوع الفجر بل يبقى حكمه حكم الواجب غير المعيّن فتستمر نيته الى الزوال ، فمن كان عليه صيامُ يومٍ قضاءً ولم يقضِه حتى آخر شعبان فإذا أصبح في ذلك اليوم ناوٍ للإفطار ثم بدا له وقبل أن يفطر فعلاً أن يقضي ذلك اليوم جاز له ذلك فينوي قبل الزوال صيام ذلك اليوم قضاءً ، لذا قال الماتن : ( وإن تضيق وقته ) أي حتى لو كان الواجب غير المعيّن مضيقاً كالقضاء المضيّق فإن النية تستمر الى الزوال ، ولا خلاف في ذلك . الثاني / قلنا تستمر نية الواجب غير المعيّن كالقضاء الى الزوال ، وهل يمكن أن تستمر الى ما بعد الزوال ؟ الجواب / كان هذا قولاً لبعض فقهائنا المتقدمين وهو ابن الجنيد حيث ذهب الى استمرار نية الواجب المعيّن كالقضاء الى آخر النهار فمن قضى يومه ممسكاً جاز له في آخر النهار أن ينويه قضاء أو كفارة او وفاء للنذر ، الا أن الرأي المعروف والمشهور عدم جواز تأخير نية الواجب غير المعين عن الزوال فلا يصح للممسك أن ينوي القضاء بعد الزوال لذا قال السيد الماتن : ( وإن كان ذلك بعد الزوال لم يجز على الأحوط ) ولا خلاف في هذا أيضاً بين فقهائنا المعاصرين ، نعم بعضهم بنى الحكم على الاحتياط الوجوبي كالمصنف والسيد الشهيد والشيخ الوحيد الخراساني ، فالأحوط وجوباً عدم تأخير نية الواجب غير المعيّن عن الزوال ، فيما أفتى باقي الفقهاء بالحكم . ***** وقت نية الصوم المندوب وأما الصوم المندوب فنيته تتضيّق بآخر النهار وقبيل الغروب بحيث لو بقي مقدار من النهار ولو لحظات يمكن فيها تجديد النية والعزم على ترك المفطرات استحباباً صح وكفى ، فكما يجوز أن ينوي صيام يوم ندباً من الليل يجوز ذلك في أي وقت من النهار الى قبيل الغروب ما دام ممسكاً لم يمارس المفطرات ، فمن أصبح غير ناوٍ للصوم بل كانت نيته الإفطار ولكنه لم يمارس شيئاً من المفطرات جاز له أن ينوي صيام ذلك اليوم استحباباً ولو كان ذلك قبل الغروب بقليل ، كمن قضى معظم النهار نائماً ولم يستيقظ الا بعد الظهر او عصراً فيمكن له أن ينوي ذلك اليوم صياماً مندوباً وإن لم يكن ناوياً للصوم قبل النوم ، وفي الرواية عن أبي عبد الله ( ع ) : " كان أمير المؤمنين ( ع ) يدخل إلى أهله فيقول : عندكم شئ وإلا صمت ، فإن كان عندهم شئ أتوا به وإلا صام " فهو عليه السلام لم يكن ناوياً للصوم بل كان ناوياً للإفطار وطلب من أهله الطعام ولكن مع عدم وجوده ينوي ذلك اليوم صياماً مندوباً . لذا قال الماتن : ( وأما في المندوب فيمتد وقتها إلى أن يبقى من النهار ما يقترن فيه الصوم بالنية ) ولا خلاف في هذا الحكم بين فقهائنا المتأخرين والمعاصرين وإن كان بعض فقهائنا المتقدمين قد ذهبوا الى تضيّق نية المندوب بالزوال كالواجب غير المعيّن ، الا أنه صار قولاً متروكاً . |
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم بارك الله فيكمـ شيخنا الفاضل على طرحك القيم شكرا" لك ..... جعله الله في ميزان حسناتك دمتمـ في رعاية الرحمن وحفظه |
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيْمِ
اللهُمَّ صَلِّ على مُحمَّدٍ وآلِ مُحمَّد وبارك الله بكم وجزاكم خيراً فاضلتنا / الحوزوية الصغيرة أسأل الله أن يتقبل صيامكم وطاعاتكم ويوفقكم الى ما يحب ويرضى وفقكم الله تعالى |
مسألة 977 : يجتزئ في شهر رمضان كله بنية واحدة قبل الشهر فلا يعتبر حدوث العزم على الصوم في كل ليلة أو عند طلوع الفجر من كل يوم وإن كان يعتبر وجوده عنده ولو ارتكازا على ما سبق ، والظاهر كفاية ذلك في غير شهر رمضان أيضا كصوم الكفارة ونحوها . ------------------------- قلنا أن صيام شهر رمضان من العبادات الشرعية وحينئذٍ لا بد فيه من النية كما تقدم في المسألة (970) ، ولما كان شهر رمضان عبارة عن عدة أيام وقع الكلام بين الفقهاء في ما هي الكيفية الصحيحة لأداء نية شهر رمضان ، وقد ذكروا طريقتين : الطريقة الأولى / أن ينوي لكل يوم نية خاصة به في ليلة ذلك اليوم ، فمن الليل ينوي أن يصوم يوم غد ، وفي الليلة التالية ينوي صيام اليوم التالي وهكذا ، فلكل يوم نية خاصة به في ليلته . الطريقة الثانية / أن ينوي صيام الشهر كله بنية واحدة ، فينوي قبل الشهر كالليلة الأولى أن يصوم هذا الشهر ويعزم على ترك المفطرات في كل يوم منه قربة الى الله تعالى ، بلا حاجة الى إحداث نية مستقلة لكل يوم في ليلته . ولا إشكال في إجزاء الطريقة الأولى وصحة الصيام معها في كل يوم بل هي الأصل والقدر المتيقن من الكيفية الصحيحة لأداء النية ، وإنما الكلام في الطريقة الثانية وهل هي صحيحة ويمكن الاكتفاء بها ، أم لا بد من اعتماد الطريقة الأولى ؟ ذهب بعض الفقهاء الى عدم الاكتفاء بها ولزوم اعتماد الطريقة الأولى ، لكن الرأي المعروف هو جوازها وصحتها أيضاً فلا يضر بأي من الطريقتين ينوي المكلف صيام شهر رمضان سواء بالطريقة الأولى أو بالطريقة الثانية ، لأن المكلف منذ الليلة الأولى قد توجهت له أوامر بالصوم بعدد أيام الشهر لكل يوم أمر خاص به ، فله أن ينوي امتثال هذه الأوامر دفعة بأن ينوي صيام الشهر كله بنية واحدة فيعتمد الطريقة الثانية ، كما له أن ينوي لكل أمر امتثاله الخاص به فيجدد النية في كل ليلة ليومها فيعتمد الطريقة الثانية . فقول الماتن : ( فلا يعتبر حدوث العزم على الصوم في كل ليلة أو عند طلوع الفجر من كل يوم ) أي لا يشترط اعتماد الطريقة الأولى وإن كانت هي الأصل بل يمكن اعتماد الطريقة الثانية أيضاً وهي أن ( يجتزئ في شهر رمضان كله بنية واحدة قبل الشهر ) لكن ذكروا بأن المراد من قبل الشهر ليس قبل الشهر ولو بمدة طويلة بل بعد أن يصير وجوب شهر رمضان فعلياً لا قبل ذلك ، وهذا يعني أنه إنما يصح نية الشهر بأكمله بعد ثبوت هلال الشهر ودخول الشهر ، فإذا دخل الشهر بثبوت الهلال يصير وجوب صوم الشهر فعلياً فحينئذٍ يجتزئ المكلف بعد ثبوت الهلال بنية واحدة للشهر كله قال السيد الصدر رحمه الله في منهج الصالحين : ( يجتزئ في شهر رمضان كله بنية واحدة إذا حصلت بعد الهلال ) ولا خلاف في ذلك . ثم إنهم ذكروا أن الثمرة بين القولين والطريقتين تظهر في بعض الموارد منها من نام في أحد أيام شهر رمضان قبل الغروب ولم يستيقظ الا بعد الفجر من اليوم الثاني كمن نام عصر اليوم الثاني ولم يستيقظ الا صباح اليوم الثالث فإن كان ممن يعتمد الطريقة الأولى وهي أن ينوي لكل يوم نية خاصة في ليلة ذلك اليوم فاليوم الثالث الذي استيقظ في صباحه سيكون بلا نية لأن النوم استوعب ليلته كلها فلم ينوِ صيام اليوم الثالث فلا بد من قضائه ، بخلاف ما إذا نوى الشهر كله بنية واحدة في أوله فسيكون اليوم الثالث منوياً من أول الشهر فلا يضره استيعاب النوم لليلته . وأيضاً ذكروا أن الأحوط استحباباً والأفضل الجمع بين الطريقتين بأن ينوي صيام الشهر كله في أول ليلة ويجدد النية لكل يوم في كل ليلة . أما قول الماتن : ( وإن كان يعتبر وجوده عنده ولو ارتكازا على ما سبق ) أي إذا اختار الطريقة الثانية فنوى من الليلة الأولى صيام الشهر كله ، فحينئذٍ لا يجب عليه تجديد النية لكل يوم في كل ليلة وإن كان أفضل ، لكن يشترط بقاء تلك النية وذلك العزم الذي أتى به في أول ليلة لكل الشهر مرتكزاً وكامناً في نفسه بحيث لا يتراجع عنه ولا يتردد فيه ، كما سبق في المسألة (970) حيث قال الماتن : ( ويكفي كون العزم عن داع إلهي وبقاؤه في النفس ولو ارتكازا ) فكذا هنا فعندما يعزم قبل الشهر على صيام كل الشهر فصحيح لا يجب عليه تجديد هذا العزم في كل ليلة لكن يجب أن يبقى هذا العزم مركوزاً في النفس ومحافظاً عليه بأن لا ينقضه ولا يتردد فيه بعد ذلك والا وجب تجديده . « حكم غير شهر رمضان » هذا كله في شهر رمضان فقلنا هناك قول بوجوب تجديد النية لكل يوم لكن الرأي المعروف جواز الاكتفاء للشهر كله بعزم ونية واحدة ولا يجب التجديد لكل يوم في كل ليلة وهل غير شهر رمضان كذلك ؟ فإذا وجبت عدة أيام من الصوم بعنوان واحد كما في صيام الكفارة فهل تكفي نية واحدة لكل تلك الأيام أيضاً كشهر رمضان أم الحكم مختص بشهر رمضان وفي غيره لا بد لكل يوم من نية خاصة ؟ الجواب / فيه خلاف ، والآراء ثلاثة : الرأي الأول / اختصاص الحكم بشهر رمضان ذهب الى ذلك بعض الفقهاء كالسيد اليزدي والسيد محسن الحكيم والسيد الشهيد رحمهم الله تعالى ، قال السيد محسن الحكيم قدس في منهاجه : ( يجتزئ في شهر رمضان كله بنية واحدة قبل الشهر ، وفي غيره لا بد في كل يوم من نية في ليلته الى طلوع الفجر أو الى الزوال ) الرأي الثاني / ما ذهب اليه السيد الصدر رحمه الله من أن غير رمضان إذا كان مشروطاً فيه التتابع فحكمه حكم شهر رمضان والا لم يشمله الحكم ، قال : ( والظاهر كفاية ذلك في غيره أيضا مما يشترط فيه التتابع في الأصل كصوم الكفارة أو بالعارض وأما في غيرها فالأحوط تجديد النية في كل ليلة يراد الصيام في غدها أو عند الفجر أو قبل الزوال ) فصوم الكفارة بما أنه يشترط فيه التتابع فحكمه حكم شهر رمضان يجوز الاكتفاء فيه بنية واحدة في أوله ، وكذا إذا كان اشتراط التتابع بالعارض وليس بالأصل كمن نذر أن يصوم ثلاثة أيام متواليات فيجوز الاكتفاء بنية واحدة لها ، أما إذا كان عليه أيامٌ من الصيام بعنوان واحد والتتابع ليس شرطاً فيها لا بالأصل ولا بالعارض فلا بد لكل يوم نية خاصة به كما إذا كان عليه صوم عدة أيام من باب القضاء فلكل يوم نيته الخاصة . الرأي الثالث / عدم الفرق بين شهر رمضان وغيره في جواز الاكتفاء بنية واحدة فيجوز أن ينوي صيام الشهرين المتتابعين في الكفارة بنية واحدة في أولهما ، ومن عليه عشرة أيام مثلاً من باب القضاء يجوز أن يكتفي بنية واحدة لكل العشرة في أولها ولا يجب أن يخصص لكل يوم نية ويجددها في كل ليلة وهكذا ، وعلى هذا الرأي أكثر الفقهاء كالسيد الخوئي وغيره ومنهم السيد الماتن لذا قال : ( والظاهر كفاية ذلك في غير شهر رمضان أيضا كصوم الكفارة ونحوها ) . |
مسألة 978 : إذا لم ينو الصوم في شهر رمضان لنسيان الحكم أو الموضوع ، أو للجهل بهما ولم يستعمل مفطرا ثم تذكر أو علم أثناء النهار فالظاهر الاجتزاء بتجديد نيته قبل الزوال ، ويشكل الاجتزاء به بعده فلا يترك الاحتياط بالامساك بقية النهار بقصد القربة المطلقة والقضاء بعد ذلك . -------------------------- تقدم في المسألة (976) أن نية شهر رمضان وقتها عند طلوع الفجر الصادق ، وقلنا ليس معنى ذلك أن طلوع الفجر هو الوقت الشرعي لها بحيث يلزم إتيانها فيه فقط ، بل بمعنى أنها تتضيّق عند طلوع الفجر بحيث لا يجوز تأخيرها عليه وإن كان يجوز تقديمها عليه وتبييتها من الليل ، وعليه فمن أخّر نية يوم من رمضان عن فجر ذلك اليوم لم يصح منه ذلك اليوم ولم يجزئه الا أنا نوهنا هناك أن هذا حكم العالم العامد فمن تعمد تأخير نية يوم من رمضان عن فجر ذلك اليوم بحيث طلع الفجر وهو غير عازم بعدُ على صيام ذلك اليوم مع علمه بأنه يوم من رمضان لم تجزئه النية المتأخرة بعد ذلك ولم يصح منه صيام ذلك اليوم لفوات محل النية ، أما إذا لم يكن عالماً عامداً بل كان معذوراً في تأخير النية عن طلوع الفجر فيمكنه الاجتزاء بالنية المتأخرة عن الفجر ويصح صومه حينئذٍ فالحكم الأولي هو تضيّق نية شهر رمضان عند طلوع الفجر ، الا أنه مع العذر يتمدد وقت النية في رمضان الى الزوال وهو حكم ثانوي خاص بالمعذور عن النية قبل طلوع الفجر فيصير حكم شهر رمضان حكم الواجب غير المعيّن من امتداد نيته وتضيّقها عند الزوال مثال ذلك / من كان ناسياً للحكم او الموضوع او جاهلاً بهما ، فههنا أربعة أشخاص : ناسي الحكم ، ناسي الموضوع ، الجاهل بالحكم ، الجاهل بالموضوع والمقصود بالموضوع هو شهر رمضان فقد يكون الشخص جاهلاً بدخول شهر رمضان أو ناسياً له بأن علم بثبوت الهلال ودخول الشهر لكن نسيه والمقصود بالحكم أي وجوب صوم شهر رمضان ، فقد يكون الشخص جاهلاً بوجوب صيام شهر رمضان أو عالماً به ناسياً له فمن نسي دخول شهر رمضان فلم ينو الصيام حتى طلع الفجر إذا تذكر بعد ذلك أنه في شهر رمضان جاز له بل وجب عليه أن ينوي ويصوم وإن كانت النية متأخرة عن الفجر وكذا من نسي الحكم وهو وجوب صوم شهر رمضان ولم يتذكر الا بعد طلوع الفجر فيجب عليه أن ينوي ويصوم ذلك اليوم ومثلهما من كان جاهلاً بالموضوع ولم يعلم بدخول الشهر حتى أصبح وعند الصباح علم بثبوت الهلال في الليلة السابقة وأن الشهر قد دخل فيجب عليه النية والصيام وإن طلع الفجر ، كما في يوم الشك من شعبان وستأتي الإشارة اليه في المسألة التالية إن شاء الله وكذا من كان جاهلاً بوجوب صوم رمضان ولم يعلم بالحكم الا بعد طلوع الفجر فإنه يجدد النية ويصوم ذلك اليوم ومثل هؤلاء الأربعة المسافر المرخص له في الإفطار إذا عاد الى وطنه أو وصل محل إقامته قبل الزوال فسيأتي إن شاء الله تعالى في المسألة (1038) أنه يجدد النية ويصوم ذلك اليوم ونيته صحيحة لأنه لم يأخرها عن الفجر الا لكونه معذوراً فيجوز له أن يكتفي بالنية المتأخرة فهؤلاء بما أنهم لم يأخروا النية عن الفجر عن علم وعمد ساغ لهم بل وجب عليهم نية الصيام ولو بعد الفجر ويصح منهم الصوم بهذه النية المتأخرة عن طلوع الفجر الا أن هذا الحكم وهو امتداد وقت نية شهر رمضان للمعذور الى الزوال ليس اتفاقياً - في غير المسافر الذي عاد الى وطنه قبل الزوال فسيأتي إن شاء الله أن الحكم فيه اتفاقي - بل ههنا اتجاهان للفقهاء : الاتجاه الأول / هناك فريق من الفقهاء استشكل في هذا الحكم كالسيد الخوئي والشيخ الفياض والشيخ الخراساني وغيرهم ، ومعنى الإشكال أنه يحتمل أن حكم الناسي و الجاهل هو تجديد النية والصوم في ذلك اليوم كما يحتمل أن حكمهما هو القضاء وعدم تجديد النية في ذلك اليوم ، وعليه فالأحوط وجوباً أن يجددوا النية في ذلك اليوم ويصوموا رجاء ثم يقضون بعد ذلك الاتجاه الثاني / تبني الحكم وعدم الاستشكال فيه واستظهار الصحة وأن حكم المعذور هو استمرار وقت النية الى الزوال وهذا الرأي للسيد الماتن والسيد الصدر والسيد محمد صادق الروحاني ، نعم استشكل فيه السيد الصدر الا أنه استظهر الصحة واحتاط استحباباً بالقضاء ، فعملياً هو من أصحاب هذا الاتجاه وبناء على هذا الاتجاه وهذا الرأي يصح لناسي الحكم او الموضوع او الجاهل بهما صوم رمضان ولو بنية متأخرة عن الفجر ، لكن بشرطين : الشرط الأول / أن لا يكونوا قد تناولوا المفطر والا فلا معنى لصومهم حينئذٍ فمن استيقظ جاهلاً بكونه في شهر رمضان ولم يعلم بثبوت الهلال فشرب الماء لا معنى لأن يقال له أنت جاهل بالموضوع فجدد النية وصم ، لأنه مفطر . الشرط الثاني / أن يكون تجديد النية قبل الزوال ، فنية شهر رمضان للمعذور تستمر الى الزوال ، وهل تستمر الى ما بعد الزوال ؟ فالجاهل بدخول الشهر إذا لم يعلم به الا بعد الزوال هل يمكن أن ينوي الصوم حينئذٍ ويصح عن رمضان ؟ وهذا التساؤل إنما يصح طرحه على أصحاب الاتجاه الثاني دون الأول ، فإن أصحاب الاتجاه الأول استشكلوا في صحة الصوم مع النية قبل الزوال فمن باب أولى أن لا يوافقوا على تجديد النية بعد الزوال ولا أقل من الاستشكال فيه أيضاً نعم أصحاب الاتجاه الثاني القائلون باستمرار نية رمضان للمعذور الى الزوال يصح أن نسألهم هذا السؤال وأنه هل تستمر الى ما بعد الزوال ؟ لم يتعرضوا له في رسائلهم الا السيد الماتن وجوابه أن الحكم مشكل ، وهو نفس إشكال أصحاب الاتجاه الأول الذي أعطوه لما قبل الزوال نقله السيد الماتن الى ما بعد الزوال ، وحينئذٍ معنى هذا الإشكال أن من لم يجدد النية الى ما بعد الزوال ففي تجديدها بعده إشكال فالأحوط وجوباً تجديدها وإكمال ذلك اليوم بالصيام رجاءً ثم القضاء بعد ذلك ، فمن كان جاهلاً بدخول شهر رمضان ولم يعلم بذلك الا بعد الزوال الأحوط وجوباً أن يجدد النية ويصوم ذلك اليوم ما دام لم يتناول المفطر ثم يقضي بعد ذلك . خلاصة شرح المسألة / من كان ناسياً للحكم او الموضوع أوجاهلاً بهما فلم ينوِ صوم رمضان قبل الفجر هل يمكن أن ينويه بعد الفجر ؟ الجواب / فيه رأيان : الرأي الأول / فيه إشكال فالأحوط وجوباً تجديد النية بعد الفجر والصوم ثم القضاء وهو رأي السيد الخوئي والشيخ الفياض والشيخ الخراساني . الرأي الثاني / نعم يمكن أن ينوي صوم رمضان بعد الفجر ويصح صومه بشرط أن يكون ذلك قبل الزوال وقبل تناول المفطر ، وهل الحكم كذلك بعد الزوال ؟ فيه إشكال فالأحوط وجوباً تجديد النية والصوم ثم القضاء بعد ذلك وهذا الرأي للسيد الصدر والسيد السيستاني والسيد الروحاني . |
مسألة 979 : إذا صام يوم الشك بنية شعبان ندبا أو قضاء أو نذرا أجزأ عن شهر رمضان إن كان ، وإذا تبين أنه من رمضان قبل الزوال أو بعده جدد النية ، وإن صامه بنية رمضان بطل ، وأما إن صامه بنية الأمر الواقعي المتوجه إليه إما الوجوبي أو الندبي فالظاهر الصحة ، وإن صامه على أنه إن كان من شعبان كان ندبا ، وإن كان من رمضان كان وجوبا فلا يبعد الصحة أيضا ، وإذا أصبح فيه ناويا للافطار فتبين أنه من رمضان جرى عليه التفصيل المتقدم في المسألة السابقة . --------------------------- يسمى اليوم الثلاثون من شهر شعبان أو بعبارة أدق ما بعد التاسع والعشرين من شعبان (1) يوم الشك لاحتمال أنه اليوم الثلاثون من شعبان أو الأول من شهر رمضان فنحن شاكّون في هذا اليوم هل هو آخر شعبان أو أول رمضان ، وحينئذٍ الحكم الفقهي لهذا اليوم المشكوك أنه يعامل على أنه اليوم الثلاثون من شعبان ولا يصح أن يعطى حكم شهر رمضان لأن ذلك متوقف على رؤية هلال شهر رمضان في ليلته ولمّا لم يثبت الهلال فحكم هذا اليوم أنه متممٌ لشهر شعبان مضافاً الى استصحاب بقاء شهر شعبان ، ولذا : 1. يجوز للمكلف أن لا يصوم هذا اليوم لأنه من شعبان فلا يجب صومه . 2. يجوز أن يصومه بنية شعبان ندباً لأنه من شعبان ويستحب الصوم في شهر شعبان وهذا اليوم منه ، بشرط أن لا تكون ذمته مشغولة بالقضاء والا وجب أن يصومه قضاءً . 3. يجوز أن يصومه قضاءً إذا كانت ذمته مشغولة بالقضاء بل يجب لأنه قضاء مضيّق . 4. يجوز أن يصومه كفارةً أو وفاءً للنذر إذا كان عليه صيام أحدهما . 5. لا يجوز أن يصومه بنية رمضان لأنه من شعبان وليس من رمضان ، وإذا صامه من رمضان بطل لعدم وقوع صوم رمضان في غير رمضان كما لا يقع صوم غير رمضان في رمضان . إذن يوم الشك حكمه أنه من شعبان وليس من رمضان لأن كونه من رمضان متوقف على رؤية الهلال في ليلته ، مع ذلك يبقى احتمال كونه من رمضان قائماً وإن أعطيناه حكم شعبان فإنه حكم ظاهري ، واحتمال ثبوت الهلال واقعاً في ليلته وأننا لم نره وبالتالي يكون من شهر رمضان احتمال قائم وإذا كان احتمالاً قائماً جاز أخذ هذا الاحتمال بنظر الاعتبار في نية صيام ذلك اليوم ، من هنا تعرض الفقهاء في هذه المسألة الى وجوه نيات الصوم في هذا اليوم وأيها صحيحة وأيها غير صحيحة وقد اتفقوا على صحة بعض النيات كما اتفقوا على بطلان بعضاً آخر ووقع الخلاف في بعضٍ ثالث ، وحاصل الكلام أن يقال : إن نية صوم يوم الشك تتصور على أنحاء : النحو الأول / أن يصومه بأي نية غير نية شهر رمضان كنية القضاء او الكفارة او النذر او الندب إن لم يكن عليه قضاء وهكذا أي نية غير نية صيام شهر رمضان ، ولا خلاف في صحة هذا النحو من النية في يوم الشك ، كما لا خلاف في أنه إذا انقضى ذلك اليوم ولم يتبين أنه من رمضان وقع الصوم عما نواه ، وإن تبين بعد انقضائه أنه اليوم الأول من رمضان (2) احتسب له صيام رمضان وإن لم تكن نيته كذلك لما تقدم في المسألتين 974 و 975 أنه لا يقع في شهر رمضان صوم غيره وأنه يكفي في احتساب الصوم من شهر رمضان وقوعه فيه وإن لم ينوه رمضان ، مضافاً الى الروايات الدالة على ذلك ولا خلاف في ذلك لذا قال الماتن : ( إذا صام يوم الشك بنية شعبان ندبا أو قضاء أو نذرا أجزأ عن شهر رمضان إن كان ) أي إن كان من شهر رمضان بأن تبين بعد انقضاء ذلك اليوم أنه كان من رمضان أما إذا بان أنه من رمضان قبل انقضاء اليوم سواء قبل الزوال أو بعده فحينئذٍ يجب عليه أن يعدل بنية الصوم الى نية رمضان بلا خلاف (3) . النحو الثاني / أن يصوم يوم الشك بنية رمضان ، ولا خلاف في عدم صحة هذه النية وبطلان الصوم بها حتى لو صادف شهر رمضان فعلاً ، بل لا خلاف في عدم جواز هذه النية وأنها تشريع محرم وقد وردت روايات عن المعصومين عليهم السلام تنهى عن هذه النية وتمنع صيام يوم الشك على أنه من رمضان لعدم ثبوت رمضان ومجرد الشك واحتمال كون ذلك اليوم من رمضان لا يسوّغ صومه بنية رمضان . النحو الثالث / أن يصوم ذلك اليوم بنية الأمر الواقعي وما في الذمة ، ومعنى ذلك أننا نعلم وجود أمر من الله تعالى ثابت في الواقع بصيام يوم الشك ولكن لا ندري هل هذا الأمر على نحو الوجوب أو على نحو الندب ، فإن كان يوم الشك من شعبان فالأمر الإلهي بصومه يكون على نحو الندب وإن كان يوم الشك من رمضان واقعاً فالأمر الإلهي بصيام ذلك اليوم سيكون هو الوجوب ، وقد تقدم في النحو الثاني أنه لا يصح أن ينوي الأمر الوجوبي بأن ينوي صيام رمضان لعدم علمه بدخول الشهر ، كما تقدم في النحو الأول جواز أن ينوي الأمر الندبي وأن هذا اليوم من شعبان لأن يوم الشك حكمه أنه من شعبان ، أما في هذا النحو فالمقصود أنه لا ينوي أحد الأمرين بعينه كما في النحوين السابقين بل ينوي الأمر الثابت في الواقع وفي علم الله منهما وإن كان يجهله ، فيصح أن يصوم يوم الشك بنية الأمر الواقعي الثابت في علم الله تعالى فإن كان هو الوجوب فالصوم عن رمضان وإن كان هو الندب فالصوم عن شعبان ، ولا يضر جهله بهذا الأمر فالمهم أنه نوى شيئاً محدداً لا ترديد فيه وهو الإمر الواقعي غاية الأمر أنه يجهل سنخه أي شيء هو ، ولا خلاف في صحة هذا النحو من النية أيضاً . النحو الرابع / أن تكون نيته معلقة بأن ينوي صيام يوم الشك على أنه إن كان من شعبان فندب وإن كان من رمضان فوجوب ، وكأنما قال أصوم يوم الشك ندباً إن كان من شعبان ووجوباً إن كان من رمضان ، فلا يجزم بالندب ولا بالوجوب بل ينوي أحدهما غير المعيّن معلقاً . وهل هذا النحو من النية في يوم الشك صحيح ؟ قال الماتن : ( فلا يبعد الصحة ) وهو رأي السيد محمد صادق الروحاني والشيخ الفياض ، بينما قال السيد الخوئي والسيد الصدر والشيخ وحيد الخراساني : ( الظاهر البطلان ) وذلك لأن هذا ترديد في النية والترديد في النية يبطلها مضافاً الى الأخبار الناهية عن صوم يوم الشك بنية رمضان ونية الوجوب ، بينما ارتأى أصحاب القول الأول أن هذا ليس ترديداً في النية بل في التطبيق قال الشيخ الفياض في منهاجه : ( فالترديد إنَّما هو في تطبيق المنويِّ على ما في الخارج لا في النيَّة ) . أما قول الماتن : ( وإذا أصبح فيه ناويا للافطار فتبين أنه من رمضان جرى عليه التفصيل المتقدم في المسألة السابقة ) أي بما أن يوم الشك حكمه أنه من شعبان قلنا يجوز أن لا يصومه لعدم وجوب صومه فإن أصبح غير ناوٍ للصوم بل كانت نيته تناول المفطر وقبل تناول المفطر علم أنه من رمضان فينطبق عليه حكم المسألة السابقة لأنه جاهل بالموضوع فحينئذٍ يجب عليه تجديد النية فينوي صوم ذلك اليوم من رمضان هذا إذا علم بأنه رمضان قبل الزوال وإن علم أنه رمضان بعد الزوال ففي وجوب تجديد النية إشكال والأحوط وجوباً تجديد النية وصيام ذلك اليوم رجاء ثم القضاء وهذا هو التفصيل المتقدم في المسألة السابقة الذي عناه المصنف بقوله : ( جرى عليه التفصيل المتقدم في المسألة السابقة ) . . . --------------------------- (1) إنما كان هذا التعبير ونحوه أدق لأن المفروض أن هذا اليوم مشكوك فلا يُعلم أنه من شهر شعبان أو من شهر رمضان فتسميته باليوم الثلاثين من شهر شعبان مصادرة وخلف كونه مشكوكاً وإنما تصح هذه التسمية مع العلم بكونه اليوم الثلاثين من شعبان لا مع الشك ، مع ذلك تسمية يوم الشك بالثلاثين من شهر شعبان أيضاً صحيحة لأن هذا اليوم بعد الشك يعطى حكم اليوم الثلاثين من شعبان لا الأول من رمضان فإنه ما دام لم يُرَ الهلال في ليلته فهو متمم لشهر شعبان ولا يصح أن يعطى حكم رمضان لذا قال : ( إن صامه بنية رمضان بطل ) ما لم يثبت ذلك فعلاً . (2) كما إذا رأينا الهلال في الليلة التالية مطوقاً وكنا نقول بأن التطوق دلالة على الليلة الثانية فهذا يعني أن اليوم المنقضي وهو يوم الشك كان من رمضان فحينئذٍ يقع الصوم عن رمضان وإن كانت النية غير ذلك . (3) قد تسأل كيف لا خلاف هنا وقد تقدم في المسألة السابقة وجود الخلاف في تجديد الجاهل بالموضوع النية قبل الزوال وأن أصحاب الاتجاه الأول استشكلوا في الحكم ؟ وجوابه / أن الكلام هنا في شخص أصبح يوم الشك ناوياً للصوم ولكن نيته لم تكن صوم رمضان بل شعبان ندباً او قضاء ثم انكشف أنه من رمضان فلا خلاف في العدول بالنية الى رمضان أما في المسألة السابقة فالكلام كان في شخص أصبح غير ناوٍ للصوم أصلاً لا رمضان ولا شعبان بل أصبح ناوياً للإفطار فوقع الخلاف في الاجتزاء بإحداث نية رمضان بعد الفجر ، وبعبارة أخرى كلامنا هنا في العدول بالنية من شعبان الى رمضان وذلك جائز بلا خلاف أما في المسألة السابقة فالكلام في العدول من عدم النية أصلاً الى نية رمضان وهو مورد الخلاف ، ولذا ابتدأ المسألة السابقة بقوله ( إذا لم ينو الصوم ) فلم يك من نيته الصوم أصلاً أما في هذه المسألة فابتدأها بقوله ( إذا صام ) ، ونفس الشيء يقال جواباً عمن سأل واستشكل على الماتن أنه هنا قال ( وإذا تبين أنه من رمضان قبل الزوال أو بعده جدد النية ) فحكم بوجوب تجديد النية ولو بعد الزوال ، بينما في المسألة السابقة قال ( ويشكل الاجتزاء به بعده ) فاستشكل من الاجتزاء بالنية بعد الزوال والجواب أن الكلام هنا عن شخص أصبح ناوياً لصوم غير رمضان فإذا انكشف أنه من رمضان عدل بالنية الى رمضان ولو بعد الزوال ، أما في المسألة السابقة فالكلام عن شخص أصبح ناوياً للإفطار فاستشكل المصنف في نية رمضان بعد الزوال . |
مسألة 980 : تجب استدامة النية إلى آخر النهار ، فإذا نوى القطع فعلا أو تردد بطل وإن رجع إلى نية الصوم على الأحوط ، وكذا إذا نوى القطع فيما يأتي أو تردد فيه أو نوى المفطر مع العلم بمفطريته ، وإذا تردد للشك في صحة صومه فالظاهر الصحة ، هذا في الواجب المعين ، أما الواجب غير المعين فلا يقدح شئ من ذلك فيه إذا رجع إلى نيته قبل الزوال . ------------------------- تقدم في المسألة (970) أنه يكفي في النية العزم على الصوم بداعٍ إلهي ثم بقاء هذا العزم مركوزاً وكامناً في النفس طيلة النهار وقد عبّر عن ذلك المصنف هناك بقوله ( وبقاؤه في النفس ولو ارتكازا ) وقلنا معنى هذه العبارة أنه يكفي بقاء هذا العزم مرتكزاً وراسخاً في النفس وإن نام المكلف أو غفل عنه . كما تقدم في المسألة (976) عند الحديث عن تضيّق نية الواجب المعيّن عند طلوع الفجر أن الصوم عبادة وكل عبادة تحتاج الى نية وفي الواجب المعيّن عباديّة الصوم تكون من الفجر الى الغروب وأن الواجب في الصوم هو الإمساك عن المفطرات من الفجر الى الغروب فوجب أن تكون النية موجودة في كل هذا الوقت لأن كل لحظة منه صومها عبادة فلا بد من النية في كل لحظة ولو ارتكازا ، ومثلنا له بالصلاة فكما يجب وجود النية في جميع أجزائها من تكبيرة الإحرام الى التسليم حتى تقع كل العبادة وهي الصلاة عن نية فكذا هنا لا بد أن تقع كل العبادة وهي الصوم الواجب المعين عن نية وبما أن الواجب هو الصوم من الفجر الى الغروب وجب كون النية موجودة من الفجر الى الغروب ، فلو أخل بالنية في بعض الوقت ولو للحظات كما إذا نوى تناول المفطر ولم يتناوله فعلاً أو تردد في إكمال الصوم بطل صوم ذلك اليوم حتى لو رجع الى نية الصوم ، نعم في الواجب غير المعيّن لما كان وقت النية يمتد الى الزوال فيعتبر استمرار النية فيه من قبيل الزوال الى الغروب فلا يضره عدم النية قبل ذلك ، وهكذا في المندوب لما كان وقت النية يمتد الى قبيل الغروب فيكفي المحافظة على النية من حين وقوعها الى الغروب لذا قال الماتن : ( تجب استدامة النية إلى آخر النهار ) سواء كان ابتداءها من الفجر كما في الواجب المعيّن أو من الزوال كما في غير المعيّن او بعد الزوال كما في المندوب ( فإذا نوى القطع ) في النية ( فعلا ) أي الآن بأن قطع نية الصوم فعلاً وأعرض عن الصوم فنوى الإفطار من دون تناول المفطر ( أو تردد ) في النية بأن بقى متردداً ومتحيراً هل يستمر في نية الصوم أو يقطعها فعلاً ويعرض عن الصوم ( بطل ) الصوم ، لأن صحته متوقفة على النية والنية هي العزم عليه ومع نية القطع فعلاً او التردد لا عزم على الصوم كما هو واضح فيبطل الصوم ( وإن رجع ) بعد القطع او التردد ( إلى نية الصوم ) فهذا لا يكفي لتصحيح الصوم لأن الرجوع غاية ما يفيد إيقاع باقي النهار مع النية الا أن الزمان الذي نوى القطع فيه او تردد فيه انقضى من دون عزم ونية ويكفي لبطلان الصوم أن يكون بعض زمانه غير مقرون بالعزم والنية فلا ينفع الرجوع ، وذلك نظير من بدأ الصلاة وتكبيرة الإحرام بنية ثم أثناء الصلاة نوى القطع او تردد في إتمام الصلاة بحيث وقع الركوع في أثناء نية القطع او التردد فحينئذٍ تبطل الصلاة حتى لو عاد الى نية الصلاة بعد الركوع لأن هذا الرجوع إنما يفيد في إيقاع باقي الأفعال بنية الصلاة الا أن الركوع بقي بلا نية وقد وقع من دون نية الصلاة فتبطل الصلاة لأن صحتها متوقفة على إيقاع جميع أجزائها مع النية فلو وقع جزء واحد منها بلا نية بطلت وكذا الصوم فلو وقعت لحظات من نهاره بلا عزم بطل وإن كان سائر النهار منوياً ، نعم عدم صحة الصوم بالرجوع في النية بعد القطع أو التردد في أي لحظة من النهار إنما هو إذا كان الرجوع بعد زمان التضيّق دون ما قبله فإذا أصبح ناوياً القضاء ثم تردد أو قطع النية ثم عاد الى نية القضاء قبل الزوال صح صوم ذلك اليوم لأن القطع او التردد حصل قبل تضيّق وقت نية القضاء وهو الزوال فيمكن الرجوع للنية حينئذٍ بخلاف ما إذا كان القطع او التردد بعد الزوال فحينئذٍ لا ينفع الرجوع لفوات محل نية القضاء بمضي الزوال ، وهكذا لو قطع نية الصوم المندوب او تردد فيه فإنه لو عاد الى العزم على الصوم المندوب مرة أخرى صح صومه ما دام قد بقي من النهار ما يمكن فيه تجديد النية لما تقدم من أن نية المندوب تستمر الى قبيل الغروب نعم لو تردد أو قطع قبل المغرب مباشرة بحيث لم يمكنه تجديد النية بعد ذلك لدخول الغروب بطل صومه المندوب ، إذن كلام المصنف ببطلان الصوم بالتردد او القطع في النهار حتى مع الرجوع ناظر الى الواجب المعيّن كصوم رمضان فإن التردد او القطع مبطل له في أي لحظة من النهار ولا ينفع العود لفوات محل النية وهو الفجر وغير ناظر الى الواجب غير المعيّن فإن بطلانه حتى مع الرجوع إنما يكون بعد التضيّق ولذا قال في آخر المسألة ( هذا في الواجب المعين ، أما الواجب غير المعين فلا يقدح شئ من ذلك فيه إذا رجع إلى نيته قبل الزوال ) بلا خلاف الا من الشيخ الفياض حيث قال ( أمَّا الواجب غير المعيَّن فهل يكفي الرجوع إلى نيَّته قبل الزوال ؟ والجواب : الأظهر عدم الكفاية ) . وعلى أي حال فقد ذكر الماتن أن بطلان الصوم في الواجب المعيّن بالتردد في النية او قطعها وعدم صحته بالعود الى النية مرة أخرى أنه ( على الأحوط ) وجوباً ، فيما أفتى به سائر الفقهاء ، ولعل هذا الاحتياط هو نفس الاحتياط السابق في المسألة (976) حيث قال ( وقت النية في الواجب المعين ولو بالعارض عند طلوع الفجر الصاد على الأحوط لزوما ) وقلنا هناك أن المصنف هو الوحيد من الفقهاء الذي بنى الحكم على الاحتياط فيما أفتى به الباقون وهنا كذلك فالمصنف هو الوحيد الذي بنى البطلان حتى مع العود على الاحتياط فيما أفتى به الآخرون ، وقلنا هناك أن منشأ احتياط المصنف بتضيق نية الواجب المعين بالفجر عدم الدليل الصريح عليه ، ولعله نفس المنشأ هنا أيضاً ، وعليه فمعنى احتياط المصنف هنا أن من نوى القطع او تردد في نية الواجب المعيّن كصوم رمضان في النهار بطل صومه وإن عاد لفوات محل النية وهو الفجر ولكن لما كان الحكم بتضيق نية الواجب المعين بالفجر مبنياً على الاحتياط في تلك المسألة فالحكم بالبطلان وعدم الفائدة من نية الرجوع بعد الفجر هنا أيضاً مبني على الاحتياط ، بينما باقي الفقهاء لما أفتوا بالحكم في تلك المسألة أفتوا بالبطلان هنا أيضاً . ويحتمل أن منشأ الاحتياط أن هناك من فرّق بين نية القطع بأن ينوي رفع اليد عن الصوم فقط من دون أن ينوي تناول المفطر ، ونية القاطع وهي أن ينوي تناول المفطر وليس فقط الأعراض عن الصوم وحاصل التفريق أنه مع نية القطع يمكن الرجوع للصوم ومع نية القاطع لا يمكن الرجوع للصوم فقال المصنف لا فرق بينهما في عدم إمكان الرجوع على الأحوط . قوله : ( وكذا إذا نوى القطع فيما يأتي أو تردد فيه أو نوى المفطر مع العلم بمفطريته ) إذا نوى الصائم القطع فتارة ينوي القطع فعلاً أي الآن وفي الحال وهو ما تقدم ، وتارة ينوي القطع في زمان لاحق من النهار وهو ما قصده الماتن هنا بقوله القطع فيما يأتي ، كما لو كانت الساعة العاشرة صباحاً فنوى القطع في تلك اللحظة فهذا قطع فعلي وأخرى يقول إذا صارت الواحدة ظهراً أقطع نية الصوم فهذا قطع فيما يأتي وكلاهما مبطل للنية لأنه يكفي في البطلان تخلف العزم على الصوم في بعض النهار سواء الآن او فيما يأتي ، ونفس الشيء يقال في التردد فقد يكون فعلياً وقد يكون فيما يأتي وكلاهما مضر بالنية والعزم على الصوم . ومن جملة صور الإخلال بالنية وقطعها أن ينوي ممارسة أحد المفطرات وهو عالم بأنه مفطر فبمجرد أن ينوي شرب الماء ولو لم يشربه فعلاً يعتبر هذا منه قطعاً للعزم ونية الصوم فإنه من الواضح عدم اجتماع العزم على الصوم مع العزم على شرب الماء لأن معنى العزم على الصوم العزم على ترك المفطرات ومنها شرب الماء فإذا عزم على شرب الماء هذا يعني عدم وجود العزم منه على ترك المفطرات فصومه بلا نية ، نعم إذا كان جاهلاً بكونه من المفطرات لم تضر نيته بصومه لإمكان اجتماع النيتين والعزمين حينئذٍ كما إذا جهل أن استعمال البّخاخ مفطر فخرج نهاراً ناوياً شرائه واستعماله وفي الطريق علم بمفطريته فحينئذٍ نيته باستعمال البخاخ لا تضر بصومه لأن العزم على الصوم كان موجوداً عنده ولم ينتقض بالعزم على استعمال البخاخ للجهل بمفطريته . قوله : ( وإذا تردد للشك في صحة صومه فالظاهر الصحة ) تقدم أن التردد في النية أثناء النهار مبطل للصوم ولكن أحياناً يتردد الصائم في صومه لأجل شكه في صحة صومه كما إذا فعل فعلاً لا يدري أنه من المفطرات أو لا فصار عنده شك في صحة صومه ولأجل شكه في صحة صومه تردد في النية ، وكأنما صار في حالة يتحدث فيها مع نفسه فيقول هل صومي صحيح فاستمر فيه او بطل بهذا الفعل فلا داعي للاستمرار على الصوم وترك المفطرات ، فحينئذٍ إذا استمر في هذه الحيرة والتردد حتى سأل فقيل له صومك صحيح جاز له الرجوع الى نيته الجزمية ويصح بذلك صومه ، وذلك لأنه لم يكن متردداً لأجل الرغبة في الإفطار بل تردد بسبب الجهل بحكم صومه واحتمال بطلانه شرعاً والتردد المبطل للصوم هو الأول لا الثاني ، وبعبارة أخرى معنى هذا التردد هو نيته الإفطار إن تبين بطلان الصوم والا استمر عليه فهو عازم على الصوم الا أنه ناوٍ للإفطار على تقدير البطلان فنية الإفطار معلقة على البطلان فلا تنافي وجود العزم على الصوم . |
مسألة 981 : لا يصح العدول من صوم إلى صوم وإن بقي وقت المعدول إليه على الأصح ، نعم إذا كان أحدهما غير متقوم بقصد عنوانه ولا مقيدا بعدم قصد غيره وإن كان مقيدا بعدم وقوعه صح وبطل الآخر ، مثلا لو نوى صوم الكفارة ثم عدل إلى المندوب المطلق صح الثاني وبطل الأول ، ولو نوى المندوب المطلق ثم عدل إلى الكفارة وقع الأول دون الثاني . ------------------------- تقدم أن للصوم أنواعاً فهناك صوم رمضان وصوم القضاء وصوم النذر وصوم الكفارة وصوم الإجارة والصوم المندوب العام والصوم المندوب الخاص وصوم بدل الهدي الى غير ذلك والسؤال المطروح في هذه المسألة أنه إذا أصبح ناوياً لأحد أنواع الصوم فهل يجوز أن يعدل الى نوع آخر فينوي صوماً آخر غير الذي كان عليه ؟ ومحل الكلام إنما هو مع احتمال وإمكانية القول بالصحة ، أما مع الجزم بعد الصحة فالحكم واضح وليس هو المقصود من المسألة كما إذا أصبح ناوياً لصوم رمضان وأراد العدول الى غيره واجباً كان او مندوباً فلا إشكال في عدم صحة هذا العدول لعدم وقوع أي صوم في رمضان غير صوم رمضان ، وكذا إذا كان ناوياً الصوم المندوب فبدا له بعد الزوال أن يعدل الى القضاء او الكفارة او النذر غير المعيّن فأيضاً لا معنى لهذا العدول لفوات محل النية لهذه الأنواع لأنها من الواجب غير المعيّن الذي يتضيق بالزوال فعدوله من المندوب الى القضاء بعد الزوال غير صحيح جزماً . وإنما الكلام حيث يمكن القول بالصحة كما إذا أصبح ناوياً للمندوب وقبل الزوال بدا له العدول الى القضاء فيصح أن نسأل هل يصح العدول ؟ وذلك لاستمرار نية القضاء الى الزوال والجواب / فيه خلاف (1) حاصله آراء ثلاثة : الرأي الأول / الصحة والجواز على إشكال ، ومعنى الإشكال حينئذٍ الاحتياط الاستحبابي بعدم الصحة وعدم ترتيب آثار العدول الصحيح ، وهذا الرأي هو المعروف بين الفقهاء كالسيد الخوئي والسيد الصدر والسيد الروحاني والشيخ الخراساني . الرأي الثاني / عدم الصحة مطلقاً ، وهو فتوى الشيخ الفياض ، وبناه السيد محمد سعيد الحكيم على الاحتياط الوجوبي . الرأي الثالث / عدم صحة العدول ولكن ليس مطلقاً كالرأي الثاني بل يستثنى من ذلك بعض الموارد يصح فيها العدول ، وهذا الرأي للسيد الماتن وقد عبر عن المستثنى الذي يصح فيه العدول بقوله : ( نعم إذا كان أحدهما غير متقوم بقصد عنوانه ولا مقيدا بعدم قصد غيره وإن كان مقيدا بعدم وقوعه صح وبطل الآخر ) وتوضيح هذه العبارة يرجعنا الى المسألة (975) حيث تعرض المصنف فيها الى ما يجب قصد عنوانه في النية من أنواع الصوم وما لا يجب فذكر أن صوم رمضان والصوم المندوب وصوم النذر لا يجب قصد عناوينها في صحتها بل يكفي في صحتها أن ينوي صيام يوم غد وإن لم يقصد عنوان صوم رمضان او عنوان المندوب او النذر في مقابل القضاء والكفارة والنذر شكراً او زجراً فيعتبر في صحتها قصد عناوينها ولا يكفي نية الصوم ما لم يقصد القضاء مثلاً ، فقوله هنا ( غير متقوم بقصد عنوانه ) يعني كون الصوم صحته غير متقومة أي غير مشروطة بأن يقصد عنوان ذلك الصوم بل يكفي أن يقصد الصوم فيصح ذلك النوع ولو لم يقصد نوعه كصوم شهر رمضان على رأي المصنف فقد ذكر في المسألة (975) عدم وجوب قصد عنوانه خلافاً لباقي الفقهاء ، وكصوم المندوب المطلق (2) فقد تقدم في تلك المسألة اتفاق الفقهاء على أنه غير متقوم بقصد عنوانه فيكفي أن أنوي صيام يوم غد فيقع مندوباً مطلقاً ويحسب لي كذلك وإن لم أنوِ أن صومي ليوم غد هو بعنوان المندوب المطلق ، وأما قوله ( ولا مقيدا بعدم قصد غيره ) أي صحته غير مشروطة بأن لا يقصد نوعاً آخر من الصوم كالمندوب المطلق أيضاً فهو غير مقيد أي لا يشترط في صحته الا يقصد صوماً آخر ( وإن كان مقيدا بعدم وقوعه ) أي وإن كانت صحته مقيدة ومشروطة بأن لا يقع في يومه صيام يوم آخر وقصد نوع آخر ، فقوله ( وإن ) وصلية أي هو وإن كان غير مقيد بأن لا يقصد غيره الا أنه مقيد بأن لا يقع في غيره والمعنى أن الصوم إذا كانت صحته غير متقومة ولا مشروطة بقصد عنوانه وغير متقومة أيضاً بأن لا يقصد غيره بل متقومة بعدم وقوع غيره فقط كالمندوب المطلق فصحته في يوم يكفي فيها عدم وقوع غيره في ذلك اليوم كالقضاء ولا يعتبر قصد عنوانه ولا عدم قصد غيره ، فمثل هذا الصوم يجوز العدول اليه لذا قال : ( مثلا لو نوى صوم الكفارة ثم عدل إلى المندوب المطلق صح الثاني وبطل الأول ) ، بخلاف ما إذا كان الصوم صحته متقومة بقصد عنوانه فلا يصح العدول اليه كصوم الكفارة حيث تقدم في المسألة (975) أنه كالقضاء يشترط قصد عنوانيهما إذن لا يصح العدول اليهما لذا قال : ( ولو نوى المندوب المطلق ثم عدل إلى الكفارة وقع الأول دون الثاني ) وهو الكفارة لأنه متقوم بقصد عنوانه فلا يصح العدول اليه . . الى هنا ننهي الكلام في شرح مسائل الفصل الأول / في النية ثم الكلام في في الفصل الثاني / في المفطرات يأتي إن شاء الله تعالى . . ------------------------- (1) ولعلك تسأل إذا كان لا يصح العدول من صوم الى صوم أو على الأقل فيه خلاف كيف نفسر الاتفاق على جواز بل وجوب العدول الى صوم رمضان لمن نوى يوم الشك ندباً أو قضاء أو نذراً ثم تبين أنه من رمضان قبل الزوال أو بعده ، كما تقدم في المسألة (979) حيث جاء فيها : ( إذا صام يوم الشك بنية شعبان ندبا أو قضاء أو نذرا أجزأ عن شهر رمضان إن كان ، وإذا تبين أنه من رمضان قبل الزوال أو بعده جدد النية ) أليس تجديد النية هذا عدول من أحد تلك الأنواع الى صوم رمضان ؟ جوابه / لا يعتبر هذا عدولاً لأن المقصود في تلك المسألة أن يوم الشك ينقلب عما نواه من القضاء او الندب او غيرهما الى صيام رمضان بحكم الشرعي بحيث أن الشارع هو الذي حكم بوقوع هذا اليوم عن رمضان لا عما نواه المكلف فتجديد النية حينئذ لا لإرادة العدول بل لأجل امتثال حكم الشارع باحتساب هذا اليوم من رمضان ، بخلافه هنا فالكلام أنه هل يجوز له اختياراً أن يغيّر الصوم ويعدل بالنية من دون أن يحكم الشارع بالتغيير ، وبعبارة أخرى المقصود في تلك المسألة أن الشارع بعد اتضاح أن يوم الشك من رمضان اعتبر صيامه من رمضان من بداية اليوم بحيث وقع كل النهار عن رمضان فالتجديد في أثناء النهار لا يعتبر عدولاً ، أما هنا فالمقصود أن الصوم بعد أن وقع لبعض النهار عن نوع من الصوم هل يجوز إيقاع باقي النهار عن نوع آخر بحيث يقع نوعان من الصوم في نهار واحد وبذلك يتضح الفرق بين المسألتين وإن شئت فقل أن الحكم في المسألة السابقة مستثنى من الكلام في هذه المسألة للنص وهي الروايات الواردة عن المعصومين باحتساب يوم الشك من رمضان إذا تبين كذلك ولذا لم يقع فيها الخلاف تعبداً بالنص ، أما هنا فحيث لا نص وقع الخلاف . (2) وهو الذي أسميناه سابقاً المندوب العام وهو الذي لا يقع استحباب صومه تحت مسمى وعنوان خاص كأغلب أيام السنة في مقابل المندوب الخاص وهو الذي يقع استحباب صومه تحت مسمى خاص كيوم عرفة والأيام البيض . |
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم وفرجنا بهم يا كريم انار الله طريقكـ بحبه وحب محمد وآلـ بيته كما انرت بصيرتنا بهذه الدروس القيمة .. شيخنا الفاضل .. تابع فنحن من المتابعين لكـ ان شاء الله جهد موفق بإذن الله احترامي وتقديري |
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيْمِ اللهُمَّ صَلِّ على مُحمَّدٍ وآلِ مُحمَّد وبارك الله بكم وجزاكم خيراً فاضلتنا / الحوزوية الصغيرة يزيدني شرفاً متابعتكم ودوام حصوركم أسأل الله أن يتقبل صيامكم وطاعاتكم ويوفقكم الى ما يحب ويرضى وفقكم الله تعالى |
الفصل الثاني / المفطرات وهي أمور : الأول ، والثاني : الأكل والشرب مطلقا ، ولو كانا قليلين ، أو غير معتادين ، وسيأتي بعض ما يتعلق بهما في المفطر التاسع . ---------------------------- من أوضح وأهم المفطرات الأكل والشرب بإجماع المسلمين كما هو مفاد القرآن الكريم والسنة المطهرة وإطلاق دليل المفطرية يقتضي أن الأكل والشرب مفطران مطلقاً سواء كان المأكول والمشروب كثيراً أم قليلاً جداً كالاجزاء الصغيرة من الطعام التي تتخلف بين الأسنان وسواء كانا معتادين قد تعارف تناولهما كالخبز والماء أم غير معتادين كابتلاع الحصى والتراب أو شرب النفط وسواء كان التناول من المحل المعتاد وهو الفم او غير المعتاد كما لو شرب الماء من أنفه ، أو عن طريق إنبوب الى المعدة ما دام يصدق الأكل والشرب دونما إذا لم يصدقا كما في تقطير الدواء في العين والإذن والأنف كما سيأتي إن شاء الله تعالى في المفطر التاسع وفي الجملة المقصود من الأكل والشرب المفطرين للصوم كل ما يدخل الى الجوف مع صدق الأكل والشرب عرفاً سواء كان الداخل متعارفاً أكله وشربه أو لا ، وسواء دخل الى الجوف من الطريق المتعارف أو لا . ولا بد من التنبيه على أن مفطرية الأكل والشرب بل مطلق المفطرات تختص بالعامد في التناول ، فإن أكل او شرب سهواً أو نسياناً فلا شيء عليه وصومه صحيح ، كما سيأتي إن شاء الله تعالى في آخر هذا الفصل تحت عنوان ( تتميم ) . |
الثالث : الجماع قبلا ودبرا ، فاعلا ومفعولا به ، حيا وميتا ، حتى البهيمة على الأحوط وجوبا فيها وفي وطئ دبر الذكر للواطئ والموطوء ، ولو قصد الجماع وشك في الدخول أو بلوغ مقدار الحشفة كان من قصد المفطر وقد تقدم حكمه ولكن لم تجب الكفارة عليه . ولا يبطل الصوم إذا قصد التفخيذ مثلا فدخل في أحد الفرجين من غير قصد . -------------------- لا خلاف بين المسلمين في مفطريّة الجماع وقد دلّ عليه القرآن الكريم والسنة المطهرة والكلام هنا عن مفطرية نفس الجماع من دون أن يقترن بإنزال المني فإنزال المني مفطر مستقل كما سيأتي في المفطر الثامن إن شاء الله ، فحصول أحدهما - الجماع او إنزال المني - كافٍ للإفطار فضلاً عما إذا اجتمعا . وعلى أي حال فلا خلاف في مفطرية الجماع في الجملة ، ولكن وقع الكلام بين الفقهاء في أن الجماع مفطر مطلقاً بجميع أنواعه أم يختص ببعض الأنواع ؟ وجوابه أنه لا إشكال في أن القدر المتيقن والمؤكد من مفطرية الجماع هو الجماع في قبل المرأة وقد استشكل بعضهم في مفطرية ما عداه وهو الجماع - من دون إنزال - في دبر المرأة ودبر الذكر أعني اللواط والعياذ بالله والجماع بوطء البهيمة لذا بناه بعض الفقهاء على الاحتياط الوجوبي ، وأفتى الماتن بمفطرية الجماع في قبل المرأة ودبرها فقال : ( الجماع قبلا ودبرا ) واحتاط وجوباً في مفطرية وطء البهيمة والذكر فقال : ( حتى البهيمة على الأحوط وجوبا فيها وفي وطئ دبر الذكر للواطئ والموطوء ) أي الأحوط وجوباً أن الصائم إذا وطء بهيمة او وطأته هي فقد أفطر ، وإذا وطء الذكر ذكراً فالأحوط وجوباً أن ذلك مبطل لصيام كل منهما ، وذلك لوجود من استشكل من الفقهاء في شمل الحكم لكل جماع فقد خص بعض الفقهاء المفطرية بالجماع الموجب للجنابة فقط لا مطلقاً فلا يشمل وطء البهيمة مع عدم الإنزال لعدم إيجابه الجنابة ، ولأجل احتمال شمول الحكم لكل جماع من هنا احتاط الماتن وجوباً في المفطرية ، نعم اذا اوجب الجماعُ الإنزالَ فلا إشكال في المفطرية في جميع الأنواع . ثم لا فرق في مفطرية الجماع بين الواطئ او الموطوء فكلا طرفي الجماع يبطل صومهما لصدق تحقق الجماع والمفطر من كل منهما ، كما أن مفطرية الجماع تشمل ما إذا كان المفعول به حياً او ميتاً فإذا جامع امرأة ميتة فقد أفطر لصدق فعله المفطر وهو الجماع . كما لا فرق في مفطرية الجماع بين أن يكون حلالاً او حراماً كالزنا ، كما لا فرق بين كون طرفيه صغيرين او كبيرين او مختلفين . نعم ذكروا أن مفطرية الجماع لا تتحقق بمطلق الإدخال بل تتوقف على دخول مقدار الحشفة أو أكثر دون الأقل ، والحشفة هي رأس الذكر ، فلو أدخل بعض الحشفة لم يبطل الصوم لا للفاعل ولا للمفعول كما لا تتحقق الجنابة بذلك . قوله : ( ولو قصد الجماع وشك في الدخول أو بلوغ مقدار الحشفة كان من قصد المفطر وقد تقدم حكمه ولكن لم تجب الكفارة عليه ) ولتوضيح ذلك فهنا صور : الصورة الأولى / أن يقصد الجماع ويجامع فعلاً بأن يتحقق الدخول ولو مقدار الحشفة فضلاً عن الأكثر ، وهنا لا إشكال في بطلان صومه وعليه القضاء والكفارة . الصورة الثانية / أن يقصد الجماع ولكن يشك هل تحقق الجماع فعلاً ؟ أي يشك هل تحقق الدخول أو لا ؟ فهنا يبني على عدم تحقق الدخول فحينئذٍ عليه القضاء فقط دون الكفارة ، أما وجوب القضاء فلأجل قصد الجماع فهذا يعني أنه قصد المفطر وقد تقدم في المسألة (980) أن قصد المفطر يبطل الصوم ولو لم يفطر فعلاً وذلك لبطلان العزم على الصوم مع قصد المفطر فيبطل الصوم ببطلان نيته ، أما عدم وجوب الكفارة فلأن وجوبها متوقف على فعل المفطر فعلاً ولا يكفي مجرد القصد وما دام شاكاً في الجماع وقلنا يبني على عدم تحققه فلا كفارة ، كما أنه لو قصد شرب الماء ولم يشرب فعليه القضاء دون الكفارة . الصورة الثالثة / أن يقصد الجماع ويعلم بتحقق الدخول ولكن يشك أنه هل تحقق دخول كامل الحشفة او أن الداخل بعضها بخلاف الصورة الثانية حيث الشك في أصل الدخول ، وحكم هذه الصورة كالثانية فعليه القضاء بمجرد قصد الجماع لأنه من قصد المفطر ، لكن ليس عليه الكفارة لأن وجوب الكفارة متوقف على تحقق الجماع المفطر والجماع المفطر يتحقق بدخول الحشفة على الأقل كما تقدم ومع الشك في ذلك يبني على عدم دخول كامل الحشفة . قوله : ( ولا يبطل الصوم إذا قصد التفخيذ مثلا فدخل في أحد الفرجين من غير قصد ) إذا قصد التفخيذ أي وضع الذكر بين الفخذين فدخل في أحد الفرجين أي القبل والدبر خطأً من دون قصد الدخول والجماع فصومه صحيح ولا قضاء عليه ولا كفارة ، لأنه لم يقصد الجماع حتى يكون من قصد المفطر فيبطل صومه ، كما أنه وإن جامع فعلاً الا أن ذلك وقع منه من دون قصدٍ وعمد وسيأتي إن شاء الله تعالى في آخر الفصل تحت عنوان ( تتميم ) أن مفطرية الجماع تختص بتعمد الجماع دون ما إذا حصل سهواً او نسياناً او خطأ او في حال النوم مثلاً . |
الرابع : الكذب على الله تعالى ، أو على رسول الله صلى الله عليه وآله أو على الأئمة عليهم السلام على الأحوط وجوبا ، بل الأحوط الأولى الحاق سائر الأنبياء والأوصياء عليهم السلام بهم ، من غير فرق بين أن يكون في أمر ديني أو دنيوي ، وإذا قصد الصدق فكان كذبا فلا بأس ، وإن قصد الكذب فكان صدقا كان من قصد المفطر ، وقد تقدم حكمه . ------------------------ الرابع من المفطرات : الكذب على الله تعالى او المعصومين عليهم السلام ، وحاصل الكلام في نقاط : 1. المقصود من الكذب على الله تعالى والمعصومين الإخبار عنهم بنسبة شيء اليهم كذباً ، كما لو أخبر عن الله تعالى أنه قال في القرآن كذا مع علمه أن ما أخبر به ليس من القرآن ، ومن قبيل وضع الإحاديث واختلاقها ثم نسبتها الى النبي صلى الله عليه وآله وسلم او أحد المعصومين عليهم السلام . 2. مفطرية الكذب على الله والمعصومين ليست محل اتفاق وإجماع كالمفطرات الثلاثة المتقدمة ، حيث ذهب بعض الفقهاء الى عدم المفطرية هنا كالمحقق الحلي والعلامة الحلي وغيرهما ووافقهم من المعاصرين السيد محمد صادق الروحاني ، فلو نسب الصائم حديثاً الى النبي كذباً لم يبطل صومه ، الا أن القول بالمفطرية هو والمعروف بين الفقهاء المعاصرين كما عليه السيد الماتن وغيره . نعم لا خلاف ولا إشكال في حرمة الكذب على الله تعالى والمعصومين سواء قلنا بمفطريته أو لا ، لحرمة الكذب مطلقاً ولو على أبسط المؤمنين بل ولو على كافر فضلاً عن أن يكون على الله والمعصومين فهو أشد حرمة لما فيه من انتهاك حرمتهم . 3. على القول بالمفطرية فالقدر المتيقن منه هو مفطرية الكذب على الله تعالى ، وهل يلحق به الكذب على النبي والأئمة صلوات الله عليهم ؟ فيه خلاف والمعروف هو القول بالإلحاق فتوى او احتياطاً وجوبياً كما فعل السيد الماتن وهل الكذب على سائر الأنبياء والأوصيام مفطر أيضاً كما لو نسب الى النبي عيسى أو موسى ما لم يصدر عنهما كذباً ؟ فيه خلاف احتاط بالإلحاق وجوباً السيد الخوئي والشيخ الفياض والشيخ الخراساني وغيرهم واحتاط استحباباً السيد الماتن فقال : ( بل الأحوط الأولى الحاق سائر الأنبياء والأوصياء عليهم السلام بهم ) والأحوط الأولى احتياط استحبابي ، فيما فصل السيد الصدر بين الأنبياء فاحتاط وجوباً بالإلحاق والأوصياء فاحتاط استحباباً فيهم بالإلحاق . 4. إنما يكون الكذب على الله والمعصومين مفطراً مع العلم والعمد بأن ينسب اليهم الشيء مع علمه بعدم صحة النسبة عامداً ، فلو أخبر قاصداً الصدق وكان في الواقع كذباً لم يبطل بذلك صومه لعدم تعمده . 5. إذا كان قاصداً الكذب وكان في الواقع صدقاً بطل صومه من جهة أنَّه قصد المفطر فبمجرد أنه أخبر قاصداً الكذب ومعتقداً له بطل صومه ولو لم يكن كذباً فعلاً لكن عليه القضاء فقط ، أما إذا أخبر قاصداً الكذب وكان واقعاً كذباً فعلاً فعليه القضاء والكفارة . 6. لا فرق في مفطرية الكذب بين أن يكون في أمر ديني كما لو نسب الى النبي حكماً شرعياً كذباً أو دنيوي كما لونسب الى أحد المعصومين بعض التصرفات الدنيوية كذباً ككيفية الأكل او النوم ، كما لا فرق في مفطرية الكذب بين أن يكون بالعربية أو بغيرها من اللغات ، وسواء كان بالقول أو الكتابة أو الإشارة أو الكناية أو غير ذلك . 7. طريق التخلص من الوقوع في الكذب أن يقول روي كذا أو نسب الى رسول الله كذا وهكذا ولا يجزم بصحة النسبة . ************ مسألة 982 : إذا تكلم بالكذب غير موجه خطابه إلى أحد ، أو موجها له إلى من لا يفهم معناه وكان يسمعه من يفهم أو كان في معرض سماعه كما إذا سجل بآلة جرى فيه الاحتياط المتقدم . ------------------------- قلنا المقصود من الكذب هو الإخبار عن الله تعالى او المعصومين بنسبة شيء اليهم كذباً ، وحتى يصدق الإخبار وبالتالي الكذب لا بد أن يكون الكلام موجهاً الى شخص عاقل يفهم الكلام فحينئذٍ يصدق على الشخص أنه أخبر كاذباً على الله او المعصومين ، أما اذا كان يخبر عن الله والمعصومين كذباً لكن من دون أن يوجه كلامه الى أحد أو كان يتكلم مع من لا يفهم كالطفل او البهيمة فهل يبطل صومه أيضاً ؟ فيه خلاف / ذهب بعض الفقهاء الى عدم البطلان مطلقاً كالسيد اليزدي والسيد محسن الحكيم ، وفصل السيد الصدر في منهجه بين صورتين وحاصل التفصيل : أنه إذا أحرز عدم سماع من يفهم فالأظهر الصحة أما إذا أحرز وجوده أو شك فيه فالاحوط وجوباً أنه مبطل ، والرأي المعروف هو الاحتياط الوجوبي بالبطلان مطلقاً في كلا الصورتين وهو رأي السيد الماتن والسيد الخوئي وغيرهما . |
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم وفرجنا بهم يا كريم شيخنا الفاضل لقد استفدنا كثيرا من هذه الدروس , أثابك الله على التوضيح الرائع و بوركت يمناك وجزاك الله عنا كل خير لماقدمته وتقدمه .. لدي استفسار صغير بخصوص ثبوت الهلال , ذكر السيد إن من طرق ثبوت الهلال شهادة العدلين وحكم الحاكم الشرعي بناءاً على القول به ونحوهما من الطرق الشرعية , إلا أن السؤال هو .. بأي وجه يعتمد الناس في ثبوت الهلال على شخص واحد ثبت عنده الهلال بشهادة عدلين كالسيد السيستاني مثلاً أو غيره , لأنه خبر واحد وليس طريق شرعي ؟ دمت ودام عطائك |
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيْمِ
اللهُمَّ صَلِّ على مُحمَّدٍ وآلِ مُحمَّد وبارك الله بكم وجزاكم خيراً فاضلتنا / الحوزوية الصغيرة أسأل الله أن يتقبل منا ومنكم صيامنا وقيامنا ويغفر لنا شكراً لتثبيت الموضوع إن شاء الله يكون مستحقاً لذلك أما ما سألتم عنه فجوابه أن خبر الواحد وشهادته ليست حجة فيما إذا شهد بالرؤية لا ما إذا شهد على البينة فإذا شهد العدل الواحد على الرؤية لم تكن شهادته حجة ، أما إذا شهد على قيام البينة فشهادته حجة ويجوز بل يجب التعويل عليها وإطلاق دليل حجية البينة وثبوت الهلال بها يقتضي حجيتها على المكلف مطلقاً سواء قامت عنده او عند غيره فمتى ما حصل العلم او الاطمئنان بقيام البينة على الرؤية وجب العمل على طبقها ولو كان هذا العلم والاطمئنان بقيامها مستنداً الى شهادة العدل الواحد لذا تقدم في المسألة (1043) عدم اختصاص حجية البينة بالقيام عند الحاكم وأن كل من علم بشهادتها وجب عليه التعويل عليها فيجب أن نفرق بين أن يشهد العدل الواحد برؤية الهلال بنفسه وبين أن يخبر بقيام البينة ورؤية عدلين للهلال فيجب التعويل على الثاني دون الأول أسأل الله تعالى أن يوفقكم ويحرسكم بحراسته |
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
اللهم صل على محمد وال محمد بارك الله فيكم اخي الفاضل على هذه الدروس النافعه والرافعة للحيرة عند الإبتلاء بها في هذا الشهر الفضيل ولاسيما جاءت مختصرة في معناها وجلية في فهمها حسنة في تبويبها . وقد افدتم وأجاد قلمكم في الجواب على سؤال اختنا الفاضلة الحوزوية في الاعتماد على الخبر العدل الواحد في إثبات الهلال وهذا الذي جاء في جوابكم وهو يجوز بل يجب التعويل على خبر العدل اذا قامت عنده البينه ليس محل اتفاق بين أصحابنا الإمامية بل يوجد فيه خلاف لانه يرجع الى الخلاف في ان الاصل في الموضوعات هل هو خبر الواحد العدل الا ما خرج بالدليل كالبينة او ان الاصل فيها هي البينة الا ما خرج بالدليل كأذآن المؤذن فإن كان الاصل فيها هو النحو الاول كما يذهب اليه المشهور من أصحابنا فيكون لكلامكم في مقام الجواب على السؤال المذكور وجه وجيه وإن كان الاصل فيها هو النحو الثاني فيكون جوابكم مختلفا وذلك لان الاخبار عن قيام البينة على ثبوت الهلال يكون من قبيل الاخبار عن الموضوعات لا الأحكام فلو افترضنا ان الاصل فيها اي في الموضوعات كما نحن فيه وهو قيام البينة على ذلك هو من قبيل النحو الثاني وهو قيام البينة الا ما خرج بالدليل فلا يكفي فيه اخبار العدل الواحد كا السيد السيستاني مثلا في قيام البينة على ثبوت الهلال حجة بل يكون من قبيل قيام شهادة على شهادة وعليه فانه يحتاج اليه ضم شهادات اخرى حتى تصدق عليه بينتة .* وهذا ما حضرني من بيانه في هذا المقام فارجو الاعتذار عن هذا التطفل الذي لعله في غير محله . أخوكم موسوي البحراني* |
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيْمِ اللهُمَّ صَلِّ على مُحمَّدٍ وآلِ مُحمَّد ******** وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته أحسنتم وأجدتم مولانا البحراني لقد أفدتم فيما عقبّتم والأمر كما ذكرتم من أن حجية خبر العدل الواحد في الموضوعات محل خلاف ، الا أن المشهور على ما يظهر من كلمات غير واحد من الفقهاء هو القول بعدم الحجية لا العكس ، قال السيد السبزواري رحمه الله في مهذبه ( نسب إلى المشهور عدم اعتباره في الموضوعات إلا ما خرج بالدليل ، لأصالة عدم الحجية والاعتبار . وعن بعض اعتباره فيها كاعتباره في الأحكام إلا ما خرج بالدليل ، لأنّه من موجبات حصول العلم العادي والاطمئنان لدى الأنام ، ولأنّه إذا اعتبر في الأحكام يعتبر في الموضوعات بلا كلام ، ولورود النص على اعتباره في موارد متفرقة يبعد الاختصاص بها ويقرب كونها من باب المثال ، كالاعتماد على أذان الثقة ، وعزل الوكيل بوصول خبر العزل به ، وثبوت الوصية به وغير ذلك من الموارد الكثيرة ) مهذب الأحكام 1 / 237 ، وفي معرض تعداده ما تثبت به النجاسة قال السيد الروحاني : ( الثالث : خبر العدل الواحد بل الثقة كما نسب إلى جملة من المحققين وعن المشهور : عدم ثبوت النجاسة به ) فقه الصادق 1 / 93 نعم ربما القول بالحجية صار هو المتعارف بين الفقهاء المعاصرين قال السيد الخوئي رحمه الله : ( الأقوى حجية خبر العدل الواحد في الموضوعات كالأحكام فإن عمدة المستند في الحجية هي السيرة العملية المؤكدة بالآيات والروايات ، وهي كما قامت على العمل بخبر العادل في الأحكام قامت على العمل به في الموضوعات بلا فرق بينهما ، وهي ممضاة لدى الشرع بعدم الردع إلا في موارد خاصة اعتبر فيها العدد كما في الترافع بل ربما اعتبر الأربع كما في الشهادة على الزنا ) شرح العروة الوثقى / كتاب الصلاة ج 5ق2 ص 439 بل تعدّى بعض الفقهاء الى خبر الثقة أيضاً ، قال الشيخ الفياض تعقيباً على استشكال صاحب العروة في حجية خبر العدل وإيجابه الاحتياط في الصوم لو أخبر بالطلوع او الغروب ( بل لا إشكال في حجيته بل حجية قول الثقة الواحد كما مر وعليه فإذا أخبر ثقة بطلوع الفجر أو الغروب ثبت ، ولا مجال حينئذ للاستصحاب ، نعم لو لم يكن أخبار الثقة بالطلوع أو الغروب حجة لكان مقتضى الاستصحاب في الأول جواز الأكل والشرب وفي الثاني عدم جوازهما ) تعاليق مبسوطة 5 / 149 وعلى أي حال فلما كان سؤال المصونة الحوزوية الصغيرة عن وجه اعتماد خبر العدل الواحد في قيام البينة على ثبوت الهلال وليس عن أصل حجية خبر العدل الواحد لم أشر الى هذا الخلاف بارك الله بكم أستاذنا الفاضل وشَكَرَ لكم هذه الإضافة المباركة والتنويه الموفق هذا تفضل لا تطفل فلا تحرمونا فيض عطائكم وعلمكم كما أشكر جنابكم على الإشادة بهذه الدروس فهي شهادة توجب لي الفخر كيف لا وأنتم منشؤها وفقكم الله تعالى |
الخامس : رمس تمام الرأس في الماء على المشهور ، ولكن الأظهر أنه لا يضر بصحة الصوم بل هو مكروه كراهة شديدة ، ولا فرق في ذلك بين الدفعة والتدريج ، ولا بأس برمس أجزاء الرأس على التعاقب وإن استغرقه ، وكذا إذا ارتمس وقد أدخل رأسه في زجاجة ونحوها كما يصنعه الغواصون . ----------------------------- الخامس من المفطرات الارتماس وهو جعل تمام الرأس تحت الماء فالارتماس لغةً هو الانغماس ، من الرمس الذي هو بمعنى الستر والتغطية والكتمان ، وتفصيل الكلام في نقاط : 1. اختلف الفقهاء في مفطرية الارتماس والأقوال فيه ثلاثة : القول الأول / حرمة الارتماس تكليفاً ووضعاً ، والحرمة التكليفية هي الإثم والحرمة الوضعية هي بطلان الصوم ، فمن ارتمس بغمس تمام رأسه في الماء أثم وبطل صومه فعليه القضاء والكفارة والإثم ، وهذا الرأي هو المشهور بين الفقهاء . القول الثاني / حرمة الارتماس تكليفاً لا وضعاً ، فالصائم إذا ارتمس بغمس تمام رأسه في الماء أثم لكن لا يبطل صومه بل هو صحيح فعليه الإثم دون القضاء والكفارة ، وهذا الرأي للشيخ الطوسي والمحقق الحلي والعلامة الحلي والشهيد الثاني زين الدين العاملي وغيرهم القول الثالث / عدم الحرمة لا تكليفاً ولا وضعاً ، فالصائم إذا ارتمس بغمس تمام رأسه في الماء فصومه صحيح ولا إثم عليه ولا قضاء ولا كفارة ، نعم يكره له ذلك . والذي يهمنا من هذه الآراء الثلاثة هما الأول والثالث ، فإنهما مذهب علمائنا ومراجعنا المعاصرين فقد أفتى السيد الخوئي والسيد الصدر والشيخ الخراساني بمفطرية الارتماس واحتاط بها وجوباً الشيخ الفياض وغيره ، فمن ارتمس بغمس رأسه في الماء بطل صومه وعليه القضاء والكفارة وعلى هذا الرأي أغلب الفقهاء بالمقابل ذهب الى عدم المفطرية السيد الماتن - السيستاني - والسيد محمد صادق الروحاني والسيد محمد سعيد الحكيم ، فمن ارتمس بغمس رأسه في الماء لم بطل صومه وليس عليه قضاء ولا كفارة لعدم مفطرية الارتماس ومنشأ الخلاف اختلاف الروايات وما أدّى اليه نظر كل واحد من الفقهاء فيها ، نعم أفتى الماتن بالكراهة الشديدة . تنبيه / القول بالمفطرية ليس ناشئاً من كون الارتماس يؤدي الى دخول الماء الى الجوف فإنه في هذه الحالة لا خلاف في المفطرية ليس للارتماس بل لدخول الماء الى الجوف ، بل محل الخلاف في مفطرية نفس الارتماس من دون أن يؤدي الى دخول الماء من منافذ الرأس ، فمن غمس تمام رأسه من دون أن يدخل الماء الى جوفه فهل يبطل صومه ؟ فيه الخلاف المتقدم ، أما مع دخول الماء فلا خلاف في المفطرية . 2. قلنا المقصود من الارتماس غمس تمام الرأس في الماء ولا فرق حينئذٍ بين أن يكون الغمس دفعةً بأن يدخل رأسه تحت الماء دفعة واحدة ومباشرة ، وبين أن يكون تدريجياً بأن يدخل رأسه شيئاً فشيئاً وليس دفعة واحدة ، فعلى كلا التقديرين يتحقق الارتماس لأنه بالنتيجة غمس تمام رأسه بالماء ، فعلى القول بالمفطرية فلا فرق فيها بين الارتماس الدفعي او التدريجي فكل منهما مبطل للصوم ، وإن قلنا بالكراهة فهي ثابتة في كلا النحوين أيضاً ، فعلى رأي السيد الماتن الارتماس غير مفطر بل مكروه سواء كان دفعياً او تدريجياً . 3. قلنا المقصود من الارتماس غمس تمام الرأس في الماء فلو غمس بعض رأسه في الماء كالشعر فقط فلا خلاف في عدم المفطرية ، وعليه لو غمس رأسه على التعاقب بأن أدخل نصفه مثلاً ثم أخرجه ثم أدخل النصف الآخر ليس عليه شيء بالاتفاق لعد صدق غمس تمام الرأس الذي هو محل الخلاف في المفطرية على إدخال كل واحد من النصفين ، وفرق هذا عن الغمس التدريجي أنه في الغمس التدريجي يدخل نصف رأسه مثلاً ثم وقبل أن يخرجه يدخل النصف الآخر معه فيستوي تمام الرأس تحت الماء ، لا أن يخرج النصف الأول قبل إدخال الثاني ، وقوله : ( وإن استغرقه ) أي وإن استغرق الرمس والغمس تمام الرأس ، فما دام على التعاقب بأن يخرج جزءاً ثم يدخل الآخر فلا خلاف في عدم المفطرية . 4. محل الخلاف في مفطرية الارتماس ما لو أدخل تمام الرأس من دون حاجب ومانع بين الرأس والماء أما مع وجود الحاجب الذي يحجب وصول الماء الى الرأس كالذي يلبسه الغواصون او وضع رأسه في إناء ثم غمسه فلا خلاف في عدم المفطرية ، نعم إذا صدق الارتماس حتى مع وجود الحاجب كما لو وضع رأسه في كيس نايلون شمله الخلاف ، والاعتبار ليس بوصول الماء الى البشرة او عدم وصوله بل بصدق الارتماس عرفاً او عدم صدقه ، فمتى ما صدق الارتماس ولو مع الحاجب عن وصول الماء الى البشرة بطل الصوم على القول بالمفطرية . 5. محل الخلاف في مفطرية الارتماس ما لو تعمد الارتماس وإدخال تمام الرأس تحت الماء ، أما لو تحقق الارتماس لا عن عمد فلا خلاف في عدم المفطرية كما إذا سقط الصائم في الماء بغير اختياره بأن دفعه شخص آخر ووصل الماء إلى تمام رأسه أو رمس رأسه في الماء ناسياً انه صائم لم يبطل صومه لكن عليه أن يخرج رأسه من الماء فوراً ، فلو تأخر بطل صومه إذا كان مقلداً لمن يقول بمفطرية الارتماس ، ويأتي التنبيه الى ذلك في مبحث ( تتميم ) . 6. محل الخلاف في مفطرية الارتماس ما لو أدخل تمام الرأس سواء أدخل معه الجسد أو لا ، أما لو أدخل كامل جسده الا رأسه بل ولو الا بعض رأسه فلا خلاف في عدم المفطرية . |
الشبكة: أحد مواقع المجموعة الشيعية للإعلام الساعة الآن: 12:44 PM. بحسب توقيت النجف الأشرف |
Powered by vBulletin 3.8.14 by DRC © 2000 - 2024