منتديات أنا شيعـي العالمية

منتديات أنا شيعـي العالمية (https://www.shiaali.net/vb/index.php)
-   منتـدى سيرة أهـل البيت عليهم السلام (https://www.shiaali.net/vb/forumdisplay.php?f=63)
-   -   سيرة اهل البت عليهم السلام (https://www.shiaali.net/vb/showthread.php?t=1392)

صدرية.حكيمية 23-08-2006 05:17 AM

إحسان الإمام الجواد ( عليه السلام ) ومواساته للناس
الإحسان إلى الناس والبرّ بهم من سجايا الإمام الجواد ( عليه السلام ) ومن أبرز مقوماته ، وقد ذكر الرواة بوادر كثيرة من إحسانه كان منها ما يلي :
1 - روى أحمد بن زكريّا الصيدلاني ، عن رجل من بني حنيفة من أهالي سَجِستان قال : رافقت أبا جعفر ( عليه السلام ) في السنة التي حجّ فيها في أوّل خلافة المعتصم ، فقلت له وأنا على المائدة : إنّ والينا جعلت فداك يتولاّكم أهل البيت ويحبّكم وعليّ في ديوانه خراج ، فإن رأيتَ جعلني الله فداك أن تكتب إليه بالإحسان إلي .
فقال ( عليه السلام ) : ( لا أعرفه ) .
فقلت : جعلت فداك إنّه على ما قلت ، من محبّيكم أهل البيت ، وكتابك ينفعني .
فاستجاب له الإمام ( عليه السلام ) فكتب إليه بعد البسملة : ( أمّا بعد : فإنّ موصل كتابي هذا ذكر عنك مذهباً جميلاً ، وإن ما لك من عملك إلا ما أحسنت فيه ، فأحسن إلى إخوانك ، واعلم أنّ الله عزّ وجلّ سائلك عن مثاقيل الذرة والخردل ) .
ولما ورد إلى سجستان عرف الوالي ـ وهو الحسين بن عبد الله النيسابوري ـ أن الإمام قد أرسل إليه رسالة ، فاستقبله من مسافة فرسخين ، وأخذ الكتاب فقبّله ، واعتبر ذلك شرفاً له ، وسأله عن حاجته فأخبره بها .
فقال له : لا تؤدّ لي خراجاً ما دام لي عمل ، ثم سأله عن عياله فأخبره بعددهم .
فأمر له ولهم بصلة ، وظل الرجل لا يؤدي الخراج ما دام الوالي حيّاً ، كما أنه لم يقطع صلته عنه .
وكان كل ذلك ببركة الإمام ( عليه السلام ) ولطفه .
مواساته ( عليه السلام ) للناس :
واسى الإمام الجواد ( عليه السلام ) الناس في سَرّائهم وضَرّائهم ، فيقول المُؤرّخون : إنه قد جرت على إبراهيم بن محمد الهمداني مظلمة من قِبل الوالي ، فكتب إلى الإمام الجواد ( عليه السلام ) يخبره بما جرى عليه ، فتألم الإمام ( عليه السلام ) وأجابه بهذه الرسالة : ( عَجّل الله نُصرتك على من ظلمك ، وكفاك مؤنته ، وأبشِرْ بنصر الله عاجلاً إن شاء الله ، وبالآخرة آجلاً ، وأكثِر من حمد الله ) .
ومن مواساته ( عليه السلام ) للناس تعازيه للمنكوبين والمفجوعين ، فقد بعث ( عليه السلام ) رسالة إلى رجل قد فجع بفقد ولده ، وقد جاء فيها بعد البسملة : ( ذكَرتُ مصيبتَك بعليٍّ ابنك ، وذكرت أنه كان أحب ولدك إليك ، وكذلك الله عزّ وجلّ ، إنّما يأخذ من الولد وغيره أزكى ما عند أهله ، ليعظم به أجر المصاب بالمصيبة .
فأعظم الله أجرك ، وأحسن عزاك ، وربط على قلبك ، إنه قدير ، وعَجّل الله عليك بالخلف ، وأرجو أن يكون الله قد فعل إن شاء الله ) .
وأعرَبَت هذه الرسالة الرقيقة عن مدى تعاطف الإمام ( عليه السلام ) مع الناس ، ومواساته لهم في السَرّاء والضَرّاء .
ومن مواساته ( عليه السلام ) للناس أن رجلاً من شيعته كتب إليه يشكو ما ألمَّ به من الحزن والأسى لفقد ولده ، فأجابه الإمام ( عليه السلام ) برسالة تعزية جاء فيها : ( أمَا علمتَ أن الله عزّ وجلّ يختار من مال المؤمن ، ومن ولده أنفسه ، ليؤجره على ذلك ) .
لقد شارك الإمام ( عليه السلام ) الناس في السَرّاء والضَرّاء ، وواساهم في فجائعهم ومِحَنهم ، ومدَّ يد المعونة إلى فقرائهم ، وضعفائهم .
وبهذا البرّ والإحسان احتلّ ( عليه السلام ) القلوب والعواطف ، وأخلص له الناس ، وأحبّوه كأعظم ما يكون الإخلاص والحُب .

صدرية.حكيمية 23-08-2006 05:19 AM

أقوال الإمام الجواد ( عليه السلام ) في الأخلاق والمواعظ
دعا الإمام الجواد ( عليه السلام ) إلى الاتصاف بمكارم الأخلاق ومحاسن الصفات ، وكان ممَّا أوصى به :
في حُسن الأخلاق :
1ـ قال ( عليه السلام ) : ( مِن حُسن خُلق الرجل كَفُّ أذَاه ، ومن كرمه بِرُّه لِمَن يهواه ، ومن صبره قِلَّة شَكواه ، ومن نُصحِهِ نَهْيِهِ عما لا يرضاه ، ومن رِفقِ الرجل بأخيه ترك توبيخِهِ بِحَضرَةِ مَن يَكرَهُ ، ومِن صِدق صُحبَتِهِ إسقاطُه المُؤنَة ، ومِن علامة مَحبَّتِهِ كِثرةُ المُوافَقة وَقِلَّة المُخَالفة ) .
2ـ قال ( عليه السلام ) : ( حَسبُ المَرءِ مِن كَمَال المُروءَة أن لا يَلقى أحداً بما يَكرَه ، وَمِن عَقلِهِ إِنصافه قَبول الحَقِّ إذا بَانَ لَهُ ) .
في قضاء حوائج الناس :
1ـ قال ( عليه السلام ) : ( إِنَّ للهِ عِباداً يخصُّهُم بدوام النِّعَم ، فلا تزالُ فِيهم ما بَذلوا لَهَا ، فإذَا مَنعُوهَا نَزَعَهَا عنهم ، وَحَوَّلَهَا إِلى غَيرهم ) .
2ـ قال ( عليه السلام ) : ( مَا عَظُمَتْ نِعمُ اللهِ على أَحدٍ إِلا عَظُمَتْ إليه حَوائجَ النَّاس ، فمن لم يحتمل تلك المُؤنَة عرَّضَ تلك النعمة للزوال ) .
في آداب السلوك :
1ـ قال ( عليه السلام ) : ( ثَلاثُ خِصالٍ تجلبُ فيهــنَّ المَوَدَّة : الإنصاف في المعاشرة ، والمواساة في الشِدَّة ، والانطِواء على قلبٍ سليم ) .
2ـ قال ( عليه السلام ) : ( ثلاثةٌ مَن كُنَّ فيه لم يندم : تَرْكِ العَجَلة ، والمَشُورَة ، والتوكُّلِ عَلَى اللهِ تعالى عند العَزِيمَة ، ومَن نَصحَ أخَاه سِرّاً فَقَدْ زَانَهُ ، ومن نَصَحهُ عَلانِيةً فَقَدْ شَانَهُ ) .
3ـ قال ( عليه السلام ) : ( عنوَانُ صَحيفَة المؤمن حُسنُ خُلقه ، وعنوان صحيفةِ السَّعيد حُسن الثَّنَاءِ عليه ، والشكر زينةُ الرِّوَاية ، وخَفضُ الجِناح زينة العلم ، وحُسنُ الأدب زينة العَقل ، والجَمَال في اللِّسَان ، وَالكَمَالُ فِي العَقل ) .
وأما عن المواعظ فقد أُثِرَت عن الإمام الجواد ( عليه السلام ) بعضها ، ومنها ما يلي :
1ـ قال ( عليه السلام ) : ( تَأخِيرُ التوبة اغتِرَار ، وطُول التَسوِيفِ حِيرَة ، والاعتِلال على الله هَلَكَةٌ ، والإصرِارِ عَلى الذنب أَمنٌ لِمَكرِ الله ، ( فَلا يَأْمَنُ مَكرَ اللهِ إلاَّ القَومُ الخاسِرُونَ ) ) الأعراف : 99 .
فإن من يصرُّ على الذنب يَعتَبِرُ نفسَهُ آمِناً مِن مَكرِ الله .
2ـ قال ( عليه السلام ) : ( تَوسَّدِ الصَّبر ، واعتَنِقِ الفَقر ، وارفضِ الشَّهَوَات ، وخَالف الهوى ، واعلَم أَنَّكَ لَن تَخلُو مِن عَينِ الله ، فانظُر كَيفَ تَكُون ) .
3ـ قال ( عليه السلام ) : ( أَمَّا هذِه الدُّنيا فإِنَّا فيها مُعتَرِفُون ، لَكِن مَن كَان هَوَاهُ هَوى صَاحِبُهُ ، وَدَانَ بِدِينه ، فَهو مَعهُ حَيثُ كَان ، والآخرةُ هِيَ دارُ القَرَار ) .

صدرية.حكيمية 23-08-2006 05:19 AM

إمامة الإمام الجواد ( عليه السلام )
إنَّ الإمامة كالنبوة ، موهِبَة إلهيَّة يَمنحُها الله سبحانه لِمَنْ هو أهلٌ لها من عِبَاده المُصْطَفين ، ولا دَخلَ للعُمْر في ذلك .
ولعلَّ من يستبعد نبوَّة وإمامة الطفل الصغير ، أو يتصوَّرها غير ممكنة ، فإنه قد خلط بين الأمور الإلهيَّة والشؤون العاديَّة ، وتصوَّرَها بشكل واحد .
بينما الواقع ليس كذلك ، فالإمامة والنبوَّة مرتبطة كل منهما بإرادة الله عزَّ وجلَّ ، وهو يمنحها للعباد الذين يعلم - بعلمِهِ اللاَّمحدود - أهليَّتهم لِهَذَا المَقَام الرفيع .
فقال الله تعالى : ( يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا ) مريم : 11 .
وقال تعالى : ( قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَن كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا ) مريم : 29 - 30 .
وبناءً على ذلك لا مانِعَ من أن يعطي الله سبحانه جَميعَ العلوم لطفلٍ صغير ، مثل النبي يَحيَى أو النبي عيسى ( عليهما السلام ) كما في النبوَّة .
أو لصبيٍّ في الثامنة أو التاسعة من عمره ، كما في إمامة الإمام الجواد ( عليه السلام ) .
فتولَّى الإمام الجواد ( عليه السلام ) الإمامة ، بعد استشهاد أبيه الإمام الرضا ( عليه السلام ) ، وبالطبع كان استلامه للإمامة بِتَصريح ونص الأئمة السابقين من أهل البيت ( عليهم السلام ) ، وبتعيين مُسبَقٍ من قِبَل أبيه ( عليه السلام ) .
وبسبب صِغَر سِنِّ الإمام الجواد ( عليه السلام ) تعرَّض للاختبار والامتحان من قبل الأعداء والجُهَّال ، إلاَّ أنَّ تجلِّي العلوم الإلهية على يده ( عليه السلام ) كان باهراً ورائعاً ، مِمَّا جعل أعداؤه يُذعِنون ويقرُّون له بالعلم .
ومن القصص التي تروى في هذا المجال هي ما عن يحيى بن أكثم ، قاضي سامراء ، قال : بَيْنَا أنا ذات يوم دخلت أطوفُ بقبر رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فرأيت محمد الجواد ( عليه السلام ) يطوف به ، فناظرته في مسائل عندي ، فأخرجها إلي ، فقلت له : والله إني أريد أن أسألك مسألة وإني لأستحي من ذلك .
فقال ( عليه السلام ) لي : ( أنَا أُخْبِرُكَ قَبلَ أنْ تَسْألَني ، تَسْألُني عَنِ الإمَامِ ؟ ) .
فقلت : هو والله هذا .
فقال ( عليه السلام ) : ( أنَا هُوَ ) .
فقلتُ : ما هي العَلامة ؟
فكان في يده ( عليه السلام ) عَصَا ، فنطَقَتْ وقالَتْ : إنَّ مولاي إمَامُ هَذَا الزَّمَان ، وهو الحُجَّة .
ومن القصص التي تروى في هذا المجال أيضاً هي ما قال القاسم بن عبد الرحمن – وكان زيديّاً – : خرجتُ إلى بغداد ، فَبَيْنَا أنا بها إذ رأيت الناس يُسرِعون في المشي ، ويتطلَّعون إلى رجل ويقفون .
فقلت من هذا ؟
فقالوا : الإمام الجواد ( عليه السلام ) .
فقلت : والله لأنظرنَّ إليه ، فطلع على بغلة ، فقلت : لعن الله أصحاب الإمامة حيث يقولون : إنَّ الله افترض طاعة هذا .
فَعَدِلَ الإمامُ ( عليه السلام ) إليَّ فقال : يا قاسم : ( أَبَشَرًا مِّنَّا وَاحِدًا نَّتَّبِعُهُ إِنَّا إِذًا لَّفِي ضَلاَلٍ وَسُعُرٍ ) القمر : 24 .
فقلت في نفسي : سَاحِرٌ والله !! .
فقال ( عليه السلام ) : ( أَؤُلْقِيَ الذِّكْرُ عَلَيْهِ مِن بَيْنِنَا بَلْ هُوَ كَذَّابٌ أَشِرٌ ) القمر : 25 .
فانْصرَفْتُ وقلتُ بالإمامة ، وشَهدتُ أنَّه حُجَّة الله على خلقه ، واعتقدتُ .

صدرية.حكيمية 23-08-2006 05:20 AM

دور الإمام الجواد ( عليه السلام ) في تفسير القرآن
إنّ أئمّة أهل البيت ( عليهم السلام ) هم الراسخون في العلم ، المفسّرون للقرآن الكريم كما أنزله الله وأراده حقيقة ، وهم وحدهم العالمون بتأويله ، والدليل على ظاهره وباطنه .
وليس بدعاً من القول إذا سلّمنا بأنّهم عدل القرآن للنبوي الصحيح المروي في المدوّنات الحديثية لدى الفريقين ، ذلك هو حديث : ( إنّي تارِكُ فِيكُمُ الثَقَلَين كِتاب الله وعِترَتِي أهل بِيتِي ما إن تَمَسَكتُم بِهُما لَن تضلوا بَعدي أبداً ) .
إذا علمت هذا ، فينبغي بمن هو عدل الكتاب وقرينه أن يكون عالماً بكلّ آياته ، ومحيطاً بجميع أسراره ومحكمه ومتشابهه ، ناسخه ومنسوخه ، وهكذا كان أهل البيت ( عليهم السلام ) قرآناً ناطقاً يهدي للتي هي أقوم ، ويبشّر المؤمنين بخط ولايتهم بأن لهم قدم صدق عند مليك مقتدر .
وعلى الرغم من أن ما وصل إلينا عن الأئمّة الميامين ( عليهم السلام ) بشأن القرآن الكريم وتفسيره لا يشكّل إلاّ نزراً يسيراً لما يمتلكون من حصيلة علمية ، وثراء فكري ليس لهما حدود ، إلاّ أنّ المتصدّي لتفسير القرآن الكريم لا يمكنه الاستغناء عن تفسيرهم ( عليهم السلام ) لما فيه من سمات أصيلة لفهم كتاب الله ، أبرزها تفسير القرآن بالقرآن ، والقول بسلامة القرآن من التحريف ، وغيرها من المبادئ الأساسية لإدراك معاني الكتاب الكريم .
وإمامنا الجواد ( عليه السلام ) هو واحد من تلك الكوكبة ، ومن أمثلة تفسيره ( عليه السلام ) ما نقله الشيخ الكليني في الكافي بسنده عن داود بن القاسم أبي هاشم الجعفري الذي قال : قلت لأبي جعفر ( عليه السلام ) سائلاً عن معنى : ( لاَّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ ) الأنعام : 103 .
فقال ( عليه السلام ) : ( يا أبا هاشم ، أوهام القلوب أدَقُ مِنْ أبْصار العيون ، أنت قد تدرك بوهمك السند والهند ، والبلدان التي لم تدخلها ، ولا تدركها ببصرك ، وأوهام القلوب لا تدركه ، فكيف أبصار العيون ) ؟
ونقل الشيخ الطوسي في تهذيبه ، بسنده عن السيّد عبد العظيم بن عبد الله الحسني ، عن أبي جعفر محمّد بن علي الرضا ( عليه السلام ) أنّه قال : سألته عمّا أُهلّ لغير الله .
قال ( عليه السلام ) : ( ما ذُبح لصنم أو وثن أو شجر ، حرّم الله ذلك كما حرّم الميتة والدم ولحم الخنزير ( فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ ) أن يأكل الميتة ) .
قال : فقلت له : يا بن رسول الله ، متى تحلّ للمضطر الميتة ؟
فقال ( عليه السلام ) : ( حدّثني أبي عن أبيه ، عن آبائه ( عليهم السلام ) أنّ رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) سُئل فقيل له : يا رسول الله إنّا نكون بأرض فتصيبنا المخمصة ، فمتى تحلُّ لنا الميتة ؟ قال : ما لم تصطبحوا أو تغتبقوا ، أو تحتفوا بقلاً ، فشأنكم بهذا ) .
قال عبد العظيم : فقلت له : يا بن رسول الله فما معنى قوله عزَّ وجلَّ : ( فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ ) ؟
قال ( عليه السلام ) : ( العادي : السارق ، والباغي : الذي يبغي الصيد بطراً ولهواً ؛ ليعود به على عياله ، ليس لهما أن يأكلا الميتة إذا اضطرّا ، هي حرام عليهما في حال الاضطرار ، كما هي حرام عليهما في حال الاختيار ، وليس لهما أن يقصّرا في صوم ولا صلاة في سفر ) .
قال : قلت له : فقول الله تعالى : ( وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ ) المائدة : 3 .
قال ( عليه السلام ) : ( المنخنقة : التي انخنقت بأخناقها حتّى تموت ، والموقوذة : التي مرضت ووقذها المرض حتّى لم تكن بها حركة ، والمتردّية : التي تتردّى من مكان مرتفع إلى أسفل ، أو تتردّى من جبل ، أو في بئر فتموت ، والنطيحة : التي تنطحها بهيمة أُخرى فتموت ، وما أكل السبع منه فمات ، وما ذُبح على حجر أو على صنم ، إلاّ أُدركت ذكاته فذُكيّ ) .
قلت : ( وَأَن تَسْتَقْسِمُواْ بِالأَزْلاَمِ ) ؟
قال ( عليه السلام ) : ( كانوا في الجاهلية يشترون بعيراً فيما بين عشرة أنفس ، ويستقسمون عليه بالقداح ، وكانت عشرة ، سبعة لهم أنصباء ، وثلاثة لا أنصباء لها ، أمّا التي لها أنصباء : فالفذّ ، والتوأم ، والنافس ، والحِلس ، والمسبل ، والمعلّى ، والرقيب .
وأمّا التي لا أنصباء لها : فالسفح ، والمنيح ، والوغد ، وكانوا يجيلون السهام بين عشرة ، فمن خرج باسمه سهم من التي لا أنصباء لها أُلزم ثلث ثمن البعير ، فلا يزالون كذلك حتّى تقع السهام التي لا أنصباء لها إلى ثلاثة ، فيُلزم ثمن البعير ، ثمّ ينحرونه ويأكل السبعة الذين لم ينقدوا في ثمنه شيئاً ، ولم يطعموا منه الثلاثة شيئاً ، فلمّا جاء الإِسلام حرّم الله تعالى ذكره ذلك فيما حرّم ، وقال : ( وَأَن تَسْتَقْسِمُواْ بِالأَزْلاَمِ ذَلِكُمْ فِسْقٌ ) يعني حراماً ) .

صدرية.حكيمية 23-08-2006 05:21 AM

زهد الإمام الجواد ( عليه السلام )
الزهد في الدنيا من أبرز الذاتيات في خُلق أئمة أهل البيت ( عليهم السلام ) ، فقد أعرضوا عن زهرة هذه الدنيا ، وفعلوا كل ما يقربهم إلى الله زُلفى .

فقد كان الإمام علي أمير المؤمنين ( عليه السلام ) رائد العدالة الكبرى في الأرض في أيام خلافته ، فكان ( عليه السلام ) يلبس أخشن الثياب ، ويأكل أجشب العيش ، ولم يتَّخذ من غنائمها وفراً ، ولم يضع لبنة على لبنة .

وعلى ضوء هذه السيرة المشرقة الواضحة سار الأئمة الطاهرون ( عليهم السلام ) ، فقد زهدوا جميعاً في الدنيا وأعرضوا عن رغائبها .

لقد كان الإمام الجواد (عليه السلام ) شاباً في مقتبل العمر ، وكان المأمون يغدق عليه الأموال الوافرة البالغة مليون درهم .

وكانت الحقوق الشرعية ترد إليه ( عليه السلام ) من الطائفة الشيعية التي تذهب إلى إمامته ، بالإضافة إلى الأوقاف التي في مدينة قُم المقدسة وغيرها .

إلا أنه ( عليه السلام ) لم يكن ينفق شيئاً منها في أموره الخاصة ، وإنما كان ينفقها على الفقراء والمعوزين والمحرومين .

وقد رآه الحسين المكاري في بغداد ، وكان محاطاً بهالة من التعظيم والتكريم من قِبل الأوساط الرسمية والشعبية ، فحدثَتْه نفسُه أنه لا يرجع إلى وطنه يثرب ، وسوف يقيم في بغداد راتعاً في النعم والترف .

فعرف الإمام ( عليه السلام ) قصده وانعطف عليه وقال له : ( يا حسين ، خبز الشعير ، وملح الجريش ، في حرم جَدي رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) أحب إليَّ مما تراني فيه ) .

فإنه ( عليه السلام ) لم يكن من عشاق تلك المظاهر التي كانت تضفيها عليه الدولة ، وإنما كان كآبائه ( عليهم السلام ) حيث طلَّقوا الدنيا ، واتجهوا لله تعالى لا يبغون عنه بديلاً .

صدرية.حكيمية 23-08-2006 05:21 AM

سخاء وكرم الإمام الجواد ( عليه السلام )
كان الإمام الجواد ( عليه السلام ) من أندى الناس كفّاً ، وأكثرهم سخاءً ، وقد لُقِّب بـ ( الجواد ) لكثرة كرمه ومعروفه وإحسانه إلى الناس .
وقد ذكر المُؤَرِّخون بوادر كثيرة من كرمه ( عليه السلام ) ، وكان منها ما يلي :
الأولى :
روى المؤرخون أن أحمد بن حديد قد خرج مع جماعة من أصحابه إلى الحج ، فهجم عليهم جماعة من السُرَّاق ونهبوا ما عندهم من أموال ومتاع .
ولما انتهوا إلى يثرب انطلق أحمد إلى الإمام الجواد ( عليه السلام ) وأخبره بما جرى عليهم ، فأمر الإمام ( عليه السلام ) له بكسوة ، وأعطاه دنانير ليفرقها على جماعته ، وكانت بقدر ما نهب منهم .
الثانية :
روى العتبي عن بعض العلويين إنه كان يهوى جارية في يثرب ، وكانت يده قاصرة عن ثمنها ، فشكا ذلك إلى الإمام الجواد ( عليه السلام ) فسأله عن صاحبها فأخبره عنه .
ولما كان بعد أيام سأل العلوي عن الجارية فقيل له : قد بيعت وسأل عن المشتري لها ، فقالوا له : لا ندري ، وكان الإمام قد اشتراها سِراً .
ففزع العلوي نحو الإمام ( عليه السلام ) وقد رفع صوته : بِيعَت !! ، بِيعَت ‍‍‍‌!! .
فقابله الإمام ( عليه السلام ) ببسمات فَيَّاضة بالبِشرِ قائلاً : ( هل تدري من اشتراها ) ؟ .
فقال العلوي : لا .
وانطق معه الإمام إلى الضيعة التي فيها الجارية ، فانتهى إلى البيت الذي فيه الجارية ، فأمره ( عليه السلام ) بالدخول إلى الدار ، فأبى العلوي لأنها دار الغير ، ولم يعلم أن الإمام ( عليه السلام ) قد اشتراها .
ثم إنه دخل الدار مع الإمام ( عليه السلام ) فلما رأى الجارية التي يهواها قال ( عليه السلام ) له : ( أتعرفها ) ؟
فقال العلوي : نعم .
فقال الإمام ( عليه السلام ) : ( هي لك ، والقصر والضيعة ، والغلة وجميع ما في القصر ، فَأَقِمْ مع الجارية ) .
فَمَلأَ الفرحُ قلب العلوي وحار في شكر الإمام ( عليه السلام ) .

صدرية.حكيمية 23-08-2006 05:22 AM

شهادة الإمام الجواد ( عليه السلام )
استدعاء المعتصم العباسي الإمامَ ( عليه السلام ) :
بويع الخليفة العباسي المعتصم سنة ( 218 هـ ) ، وما أن استَتَبَّ له أمر الملك ، وانقادت له البلاد شرقاً وغرباً ، حتى أخذ يتناهى إلى سمعه بروز نجم الإمام الجواد ( عليه السلام ) ، واستقطابه لجماهير الأمّة ، وأخذه بزمام المبادرة شيئاً فشيئاً .
وتتسارع التقارير إلى الحاكم الجديد بتحرك الإمام أبي جعفر ( عليه السلام ) وسط الأمّة الإسلامية .
وعلى أساس ذلك قَرَّر المعتصم العباسي - وبمشورة مستشاريه ووزرائه ، ومنهم قاضي القضاة ابن أبي دؤاد الإيادي ، المعروف ببغضه لأهل البيت ( عليهم السلام ) والذي كان يسيطر على المعتصم ، وقراراته وسياسته - أن يبعث بكتاب إلى واليه على المدينة المنورة ، محمد بن عبد الملك الزيَّات ، في عام ( 219 هـ ) ، بحمل الإمام الجواد ( عليه السلام ) ، وزوجته أم الفضل ، بِكُلِّ إكرام وإجلال ، وعلى أحسن مركب إلى ( بغداد ) .
فلم يكن بُدّ للإمام ( عليه السلام ) من الاستجابة لهذا الاستدعاء ، الذي يُشَمُّ منه الإجبار والإكراه .
وقد أحسَّ الإمام ( عليه السلام ) بأنَّ رحلته هذه هي الأخيرة ، التي لا عودة بعدها .
لذلك فقد خَلَّف ابنه أبا الحسن الثالث ، وهو الإمام الهادي ( عليه السلام ) في ( المدينة ) ، بعد أن اصطحبه معه إلى ( مَكَّة ) لأداء مراسم الحجّ .
وأوصى له بِوَصاياه ، وسَلَّمه مواريث الإمامة ، وأشهد أصحابه بأنَّه ( عليه السلام ) إمامهم من بعده .
وتستمر الاستعدادات لترحيل الإمام ( عليه السلام ) إلى بغداد ، ويَستمْهِلهُم الإمام ( عليه السلام ) لحين إنتهاء الموسم .
وفعلاً ، يؤدي الإمام الجواد ( عليه السلام ) مراسم الحج ، ويترك ( مَكَّة ) فور أداء المناسك معرجاً على مدينة الرسول ( صلى الله عليه وآله ) ، لِيُخلِّف ( عليه السلام ) فيها ابنه الوصي الوريث .
رحيل الإمام ( عليه السلام ) :
يبدو أن الإمام الجواد ( عليه السلام ) خرج من ( المدينة ) مُتَّجهاً إلى ( بغداد ) غير زائرٍ جَدَّه المصطفى ( صلى الله عليه وآله ) ، وكأنَّه ( عليه السلام ) أراد بهذه العملية التعبير عن احتجاجه على هذا الاستدعاء ، وأن خروجه من مدينة جَدِّه ( صلى الله عليه وآله ) إنّما هو مكره عليه .
ويواصل الإمام ( عليه السلام ) رحلته إلى المصير المحتوم ، وقد أخبر أحد أصحابه بأنه غير عائدٍ من رحلته هذه مَرَّة أخرى .
فروى محمد بن القاسم ، عن أبيه : لمَّا خرج - الإمام الجواد ( عليه السلام ) - من ( المدينة ) في المرة الأخيرة ، قال ( عليه السلام ) : ( مَا أطْيَبكِ يا طيْبَة !! فَلَسْتُ بِعَائدٍ إِليكِ ) .
وبُعَيد هذا فقد أخبر الإمام ( عليه السلام ) أصحابه في السنة التي تُوفِّي فيها بأنه ( عليه السلام ) راحل عنهم هذا العام .
فعن محمد بن الفرج الرخجي ، قال : كتب إليَّ أبو جعفر ( عليه السلام ) قائلاً : ( اِحملوا إليَّ الخُمْس ، فإنِّي لستُ آخذه منكم سوى عامي هذا ) .
وصول الإمام ( عليه السلام ) :
وأخيراً ينتهي به ( عليه السلام ) المسير إلى ( بغداد ) ، عاصمة الدولة العباسية ، مَقَرُّه ( عليه السلام ) ، ومثواه الأخير الأبدي ، ودخلها لليلتين بَقِيَتا من المحرم سنة ( 220 هـ ) .
وما أن وصل ( عليه السلام ) إليها ، وحطَّ فيها رحاله ، حتى أخذ المعتصم يدبِّر ويعمل الحيلة في قتل الإمام ( عليه السلام ) بشكل سرِّي ، ولذلك فقد شكَّل مُثلَّثاً لتدبير عملية الاغتيال بكلِّ هدوء .
مُثلَّث الاغتيال :
على الرغم من تعدد الروايات في كيفية شهادة الإمام الجواد ( عليه السلام ) ، إلا أنَّ أغلبها تُجمِع على أن الإمام ( عليه السلام ) اغتيل مسموماً .
وأنَّ مثلث الاغتيال قد تمثَّل في زوجته زينب المُكنَّاة بـ( أم الفضل ) ، وهي بنت بنت المأمون .
وهي المباشر الأول التي قَدَّمت للإمام عنباً مسموماً ، وتمثَّل أيضاً في أخيها جعفر ، والمدبر والمساعد لهم على هذا الأمر هو المعتصم بن هارون .
فقد ذكر ذلك غير واحد من المؤرخين ومنهم المؤرخ الشهير المسعودي حيث يقول : لما انصرف أبو جعفر ( عليه السلام ) إلى ( العراق ) ، لم يزل المعتصم وجعفر بن المأمون يُدبِّران ويعملان على قتله ( عليه السلام ) .
فقال جعفر لأخته أم الفضل - وكانت لأمّه وأبيه - في ذلك ، لأنه وقف على انحرافها عنه ، وغِيرتها عليه ، لتفضيله أم أبي الحسن ابنه عليها ، مع شِدَّة محبتها له ، ولأنها لم تُرزَق منه ولد ، فأجابت أخاها جعفراً .
وقال غيره : ثم إنَّ المعتصم جعل يعمل الحيلة في قتل أبي جعفر ( عليه السلام ) ، وأشار إلى ابنة المأمون زوجته بأن تُسِمَّه .
لأنَّه وقف على انحرافها عن أبي جعفر ( عليه السلام ) ، وشِدَّة غيرتها عليه ، لتفضيله أم أبي الحسن ابنه عليها ، ولأنه لم يرزق منها ولد ، فأجابته إلى ذلك .
شهادة الإمام الجواد ( عليه السلام ) :
رُوِي أنَّ مثلث الاغتيال ( المعتصم ، وجعفر ، وأم الفضل ) ، كانوا قد تشاوَرُوا وتعاونوا على قتل الإمام ( عليه السلام ) ، والتخلّص منه بعد قدومه إلى ( بغداد ) ، بل ما استُدعِي ( عليه السلام ) إلاَّ لهذا الغَرَض .
وفي ذلك يقول المؤرخ علي بن الحسين المسعودي : ( وجعلوا - المعتصم بن هارون ، وجعفر بن المأمون ، وأخته أم الفضل - سُمّاً في شيء من عنب رازقي ، وكان يعجبه ( عليه السلام ) العنب الرازقي ، فلمَّا أكلَ ( عليه السلام ) منه نَدمَتْ ، وجعَلَتْ تبكي .
فقال ( عليه السلام ) لها : ( مَا بُكَاؤك ؟!! ، والله لَيَضربنَّكِ اللهُ بِفَقر لا يَنجَبِر ، وبَلاء لا يَنْسَتِر ) .
فَبُليت بِعِلَّة في أغمض المواضع من جوارحها ، وصارت ناسوراً ينتقض عليها في كلِّ وقت .
فأنْفَقَت مالها ، وجميع ملكها على تلك العِلَّة ، حتى احتاجت إلى رفد الناس .
وتردَّى جعفر في بئر فَأُخرِج ميتاً ، وكانَ سكراناً .
ولما حضرت الإمام ( عليه السلام ) الوفاة ، بعد أن سرى السُّمَّ في بدنه الشريف ، نص على أبي الحسن الهادي ( عليه السلام ) ، وأوصى إليه .
وكانت شهادته ( عليه السلام ) في آخر ذي القعدة 220 هـ .
وحُفِر للجثمان المقدَّس قبرٌ ملاصقٌ لقبر جدِّه الإمام الكاظم ( عليه السلام ) ، في مقبرة قريش بـ( بغداد ) ، فَوَارَوهُ ( عليه السلام ) فيه .
وانطفأت بشهادته ( عليه السلام ) شُعلَة مشرقة ، من الإمامة والقيادة الواعية ، المفكرة في الإسلام .

صدرية.حكيمية 23-08-2006 05:23 AM

عبادة الإمام الجواد ( عليه السلام )
كان الإمام الجواد ( عليه السلام ) أعبد أهل زمانه ، وأشدّهم خوفاً من الله تعالى ، وأخلصهم في طاعته وعبادته ، شأنه شأن الأئمّة الطاهرين من آبائه ، الذين وهبوا أرواحهم لله ، وعملوا كلّ ما يقرّبهم إلى الله زلفى .
أمّا مظاهر عبادة الإمام الجواد ( عليه السلام ) ، فهي :
نوافله :
كان الإمام الجواد ( عليه السلام ) كثير النوافل ، ويقول الرواة : كان يصلّي ركعتين يقرأ في كلّ ركعة سورة الفاتحة ، وسورة الإخلاص سبعين مرّة .
وكان كثير العبادة في شهر رجب ، وقد روى الريّان بن الصلت ، قال : صام أبو جعفر الثاني ( عليه السلام ) لمّا كان ببغداد يوم النصف من رجب ، ويوم سبع وعشرين منه ، وصام معه جميع حشمه ، وأمرنا أن نصلّي بالصلاة التي هي اثنتا عشرة ركعة ، تقرأ في كلّ ركعة الحمد وسورة ، فإذا فرغت قرأت الحمد أربعاً ، وقل هو الله أحد أربعاً ، والمعوّذتين أربعاً ، وقلت : لا إله إلاّ الله والله أكبر ، وسبحان الله والحمد لله ، ولا حول ولا قوّة إلاّ بالله العلي العظيم أربعاً ، الله الله ربّي ، ولا أشرك به شيئاً أربعاً ، لا أشرك بربّي أحداً أربعاً .
وكان يقول ( عليه السلام ) : ( إنّ في رجب لليلة خير ممّا طلعت عليه الشمس ، وهي ليلة سبع وعشرين من رجب ) .
حجّه :
وكان الإمام الجواد ( عليه السلام ) كثير الحجّ ، وقد روى الحسن بن علي الكوفي بعض أعمال حجّه ، قال : رأيت أبا جعفر الثاني ( عليه السلام ) ودّع البيت بعد ارتفاع الشمس ، وطاف بالبيت يستلم الركن اليماني في كل شوط ، فلمّا كان الشوط السابع استلمه واستلم الحجر ومسحه بيده ثمّ مسح وجهه بيده ، ثمّ أتى المقام ، فصلّى خلفه ركعتين ، ثمّ خرج إلى دبر الكعبة إلى الملتزم ، فالتزم البيت ، وكشف الثوب عن بطنه ، ثمّ وقف عليه طويلاً يدعو ، ثمّ خرج من باب الحنّاطين وتوجّه .
وقال : فرأيته في سنة ( 219 هـ ) ودّع البيت ليلاً ، يستلم الركن اليماني والحجر الأسود في كلّ شوط ، فلمّا كان في الشوط السابع التزم البيت في دبر الكعبة قريباً من الركن اليماني ، وقوف الحجر المستطيل ، وكشف الثوب عن بطنه ، ثمّ أتى الحجر فقبّله ومسحه ، وخرج إلى المقام فصلّى خلفه ، ثمّ مضى ولم يعد إلى البيت ، وكان وقوفه على الملتزم بقدر ما طاف بعض أصحابنا سبعة أشواط وبعضهم ثمانية .
وروى علي بن مهزيار بعض الخصوصيات في حجّ الإمام ( عليه السلام ) ، قال : رأيت أبا جعفر الثاني ( عليه السلام ) ليلة الزيارة طاف طواف النساء ، وصلّى خلف المقام ، ثمّ دخل زمزم فاستقى منها بيده بالدلو الذي يلي الحجر ، وشرب منه وصبّ على بعض جسده ، ثمّ اطلع في زمزم مرّتين ، وأخبرني بعض أصحابنا أنّه رآه بعد ذلك في سنة فعل مثل ذلك .
وكان هذا التدقيق من الرواة في نقل هذه الخصوصيّات ، باعتبار أنّ فعل الإمام ( عليه السلام ) من السنّة التي يتعبّد بها عند الشيعة .
أدعيته :
للإمام الجواد ( عليه السلام ) أدعية كثيرة ، تمثّل مدى انقطاعه إلى الله تعالى ، فمن أدعيته هذا الدعاء : ( يا من لا شبيه له ، ولا مثال ، أنت الله لا إله إلاّ أنت ، ولا خالق إلاّ أنت ، تفني المخلوقين ، وتبقى أنت ، حلمت عمّن عصاك ، وفي المغفرة رضاك ... ) .
وكتب إليه محمّد بن الفضيل يسأله أن يعلّمه دعاءً ، فكتب إليه هذا الدعاء الشريف ، تقول إذا أصبحت وأمسيت : ( الله الله ربّي ، الرحمن الرحيم ، لا أشرك به شيئاً ) ، وإن زدت على ذلك فهو خير ، ثمّ تدعو بذلك في حاجتك ، فهو لكلّ شيء بإذن الله تعالى يفعل الله ما يشاء .
وتمثّل أدعية الأئمّة الطاهرين جوهر الإخلاص والطاعة لله ، فقد اتّصلوا بالله تعالى ، وانطبع حبّه في مشاعرهم وعواطفهم ، فهاموا بمناجاته والدعاء له .

صدرية.حكيمية 23-08-2006 05:23 AM

علم الإمام الجواد ( عليه السلام )
لا فضيلة كالعلم ، فإنّ به حياة الأمم وسعادتها ، ورقيّها وخلودها ، وبه نباهة المرء وعلو مقامه وشرف نفسه .
ولا غرابة لو كان العلم أفضل من العبادة أضعافاً مضاعفه ، لأنّ العابد صالح على طريق نجاة ، قد استخلص نفسه فحسب ، ولكن العالم مصلح يستطيع أن يستخرج عوالم كبيرة من غياهب الضلال ، وصالح في نفسه أيضاً ، وقد فتح عينيه في طريقه ، ومن فتح عينه أبصر الطريق .
وقد جاء في السنّة الثناء العاطر على العلم ـ القدر المتيقّن منه علم الدين ـ وأهله ، كما جاء في الكتاب آيات جمّة في مدحه ومدح ذويه ، وهذا أمر مفروغ عنه ، لا يحتاج إلى استشهاد واستدلال .
علم الأنبياء والأوصياء إلهامي :
إنّ علم الدين إِلهامي وكسبي ، والكسبي يقع فيه الخطأ والصواب ، والصحّة والغلط ، وغلط العالم وخطأه يعود على العالم كلّه بالخطأ والغلط ، لأنّ الناس أتباع العلماء في الأحكام والحلال والحرام ، والله جلّ شأنه لا يريد للناس إِلاّ العمل بالشريعة التي أنزلها ، والأحكام التي شرّعها ، فلابد إِذن من أن يكون في الناس عالم لا يخطأ ولا يغلط ، ولا يسهو ولا ينسى ، ليرشد الناس إلى تلك الشريعة المنزلة منه جلّ شأنه ، والأحكام المشرّعة من لدنه سبحانه ، فلا تقع الأُمّة في إشراك الأخطاء وحبائل الأغلاط ، ولا يكون ذلك إِلاّ إذا كان علم العالم وحياً أو إِلهاماً .
فمن هنا كان حتماً أن يكون علم الأنبياء وأوصيائهم من العلم الإِيحائي أو الإِلهامي صوناً لهم وللأُمم من الوقوع في المخالفة خطأً .
علم الإمام الجواد :
إنّ الإمام الجواد ( عليه السلام ) انتهت إليه الإمامة وهو ابن سبع ، ونهض بأعبائها ، وقام بما قام به آباؤه من التعليم والإرشاد ، وأخذ منه العلماء خاضعين مستفيدين ، وما وجدت فيه نقصاً عن علوم آياته ، وهذا علي بن جعفر ـ شيخ العلويين في عهده سنّاً وفضلاً ـ إذا أقبل الجواد ( عليه السلام ) يقوم فيقبّل يده ، وإِذا خرج يسوّي له نعله .
وسئل عن الناطق بعد الإمام الرضا ( عليه السلام ) فقال : أبو جعفر ابنه ، فقيل له : أنت في سنّك وقدرك وأبوك جعفر بن محمّد تقول هذا القول في هذا الغلام ، فقال : ما أراك إِلاّ شيطاناً ، ثمّ أخذ بلحيته ، وقال : فما حيلتي إِن كان الله رآه أهلاً لهذا ، ولم ير هذه الشيبة لها أهلاً .
هذا ، وعلي بن جعفر أخ الكاظم ( عليه السلام ) ، والكاظم جدّ الجواد ، فماذا ترى بينهما من السن ، وعلي أخذ العلم من أبيه الصادق وأخيه الكاظم وابن أخيه الرضا ( عليهم السلام ) ، فلو كان علمهم بالتحصيل لكان علي أكثر تحصيلاً ، أو الإمامة بالسنّ ، لكان علي أكبر العلويين سنّاً .
على أنّ الإمام الجواد ( عليه السلام ) قد فارقه أبوه يوم سافر إلى خراسان وهو ابن خمس ، فمن الذي كان يؤدّبه ويثقّفه بعد أبيه حتّى جعله بتلك المنزلة العالية لو كان ما عندهم عن تعلّم وتأدّب ؟ ولم لا يكون المعلّم والمثقف هو صاحب المنزلة دونه .
واستشهد الإمام الجواد ( عليه السلام ) وهو ابن خمس وعشرين سنة ، وأنت تعلم أن ابن هذا السنّ لم يبلغ شيئاً من العلم لو أنفق عمره هذا كلّه في الطلب ، فكيف يكون عالم الأُمّة ومرشدها ، ومعلّم العلماء ومثقّفهم ، وقد رجعت إِليه الشيعة وعلماؤها من يوم وفاة أبيه الإمام الرضا ( عليه السلام ) .
فالجواد ( عليه السلام ) كسائر الأئمّة ( عليهم السلام ) ، لم يكن علمه كسبياً وأخذاً من أفواه الرجال ومدارستهم ، ولو كان فممّن أخذ وعلى مَن تخرّج ؟ وليس في تأريخ واحد من الأئمّة ( عليهم السلام ) أنّه تتلمذ أو قرأ على واحد من الناس حتّى في سنّ الطفولة ، فلم يذكر في تأريخ طفولتهم أنّه دخلوا الكتاتيب ، أو تعلّموا القرآن على المقرئين ، كسائر الأطفال من الناس ، فما عِلمُ الإمام إِلاّ وراثة عن أبيه عن جدّه عن الرسول عن جبرائيل عن الجليل تعالى .

صدرية.حكيمية 23-08-2006 05:24 AM

كرامات الإمام الجواد ( عليه السلام )
يتميّز الأئمّة ( عليهم السلام ) بارتباطٍ خاصٍّ بالله تعالى وعالَم الغيب ، بسبَبِ مقامِ العصمة والإمامة ، ولَهُم - مثل الأنبياء - معاجزٌ وكرامَاتٌ تؤيِّد ارتباطهم بالله تعالى ، وكونَهم أئمّة ، وللإمام الجواد ( عليه السلام ) معاجزٌ وكراماتٌ كثيرةٌ ، سجَّلَتْها كتبُ التاريخ ، ونذكر هنا بعضاً منها :
الكرامة الأولى :
عن محمّد بن ميمون أنّه كان مع الإمام الرضا ( عليه السلام ) بمكّة قبل خروجه إلى خراسان ، قال : قلت له : إنّي أريد أن أتقدّم إلى المدينة فاكتب معي كتاباً إلى أبي جعفر ( عليه السلام ) ، فتبسّم وكتب ، فصرت إلى المدينة ، وقد كان ذهب بصري ، فأخرج الخادم أبا جعفر ( عليه السلام ) إلينا يحمله من المهد ، فناولته الكتاب ، فقال لموفّق الخادم : ( فضّه وانشره ) ، ففضّه ونشره بين يديه ، فنظر فيه ثمّ قال لي : ( يا محمّد ما حال بصرك ) .
قلت : يا ابن رسول الله اعتلت عيناي فذهب بصري كما ترى ، فقال : ( أدن منّي ) ، فدنوت منه ، فمدّ يده فمسح بها على عيني ، فعاد إليّ بصري كأصح ما كان ، فقبّلت يده ورجله ، وانصرفت من عنده وأنا بصير .
الكرامة الثانية :
عن أبي بكر بن إسماعيل ، قال : قلت لأبي جعفر ( عليه السلام ) : إنّ لي جارية تشتكي من ريح بها ، فقال : ( ائتني بها ) ، فأتيت بها ، فقال لها : ( ما تشتكين يا جارية ) ، قالت : ريحاً في ركبتي ، فمسح يده على ركبتها من وراء الثياب ، فخرجت الجارية من عنده ، ولم تشتك وجعاً بعد ذلك .
الكرامة الثالثة :
عن علي بن جرير ، قال : كنت عند أبي جعفر ( عليه السلام ) جالساً ، وقد ذهبت شاة لمولاة له ، فأخذوا بعض الجيران يجرونهم إليه ، ويقولون : أنتم سرقتم الشاة ، فقال أبو جعفر ( عليه السلام ) : ( ويلكم خلّوا عن جيراننا ، فلم يسرقوا شاتكم ، الشاة في دار فلان ، فاذهبوا فأخرجوها من داره ) ، فخرجوا فوجدوها في داره ، وأخذوا الرجل وضربوه وخرقوا ثيابه ، وهو يحلف أنّه لم يسرق هذه الشاة ، إلى أن صاروا إلى أبي جعفر ( عليه السلام ) ، فقال : ( ويحكم ظلمتم هذا الرجل ، فإنّ الشاة دخلت داره وهو لا يعلم بها ) ، فدعاه فوهب له شيئاً بدل ما خرق من ثيابه وضربه .
الكرامة الرابعة :
عن القاسم بن المحسن ، قال : كنت فيما بين مكّة والمدينة ، فمر بي أعرابي ضعيف الحال ، فسألني شيئاً فرحمته ، فأخرجت له رغيفاً فناولته إياه ، فلمّا مضى عنّي هبت ريح زوبعة ، فذهبت بعمامتي من رأسي ، فلم أرها كيف ذهبت ، ولا أين مرّت ، فلمّا دخلت المدينة صرت إلى أبي جعفر ( عليه السلام ) ، فقال لي : ( يا قاسم ذهبت عمامتك في الطريق ؟ ) .
قلت : نعم ، فقال : ( يا غلام أخرج إليه عمامته ) ، فأخرج إليّ عمامتي بعينها ، قلت : يا ابن رسول الله ، كيف صارت إليك ؟ قال : ( تصدّقت على الأعرابي فشكره الله لك ، وردّ إليك عمامتك ، وإنّ الله لا يضيع أجر المحسنين ) .
الكرامة الخامسة :
عن المطرفي ، قال : إنّ الإمام الرضا ( عليه السلام ) مضى ، ولي عليه أربعة آلاف درهم ، فقلت في نفسي : ذهبت ، فأرسل إليّ أبو جعفر ( عليه السلام ) : ( إذا كان غداً فأتني ، ومعك ميزان وأوزان ) ، فدخلت عليه ، فقال : ( أبو الحسن مضى ولك عليه أربعة آلاف درهم ) ، فرفع المصلّى الذي كان تحته ، فإذا دنانير تحته ، فدفعها إليّ وكانت بقيمتها .
الكرامة السادسة :
عن محمّد بن علي الهاشمي قال : دخلت على أبي جعفر صبيحة عرسه بأم الفضل بنت المأمون ، وكنت تناولت من الليل دواء فقعدت إليه ، فأصابني العطش ، فكرهت أن أدعو بالماء ، فنظر أبو جعفر في وجهي وقال : ( أراك عطشان ) ، قلت : أجل ، قال : ( يا غلام اسقنا ماء ) .
قلت في نفسي : الساعة يأتون بماء مسموم ، واغتممت لذلك ، فأقبل الغلام ومعه الماء ، فتبسّم أبو جعفر في وجهي ، ثمّ قال للغلام : ( ناولني الماء ) ، فتناوله فشرب ظاهراً ، ثمّ ناولني فشربت وأطلت المقام والجلوس عنده ، فعطشت فدعا بالماء ، ففعل كما فعل في الأوّل ، فشرب ثمّ ناولني وتبسّم .
قال محمّد بن حمزة : قال لي محمّد بن علي الهاشمي : والله إنّي أظن أنّ أبا جعفر يعلم ما في النفوس كما تقول الرافضة .
الكرامة السابعة :
عن علي بن خالد قال : كنت بالعسكر ، فبلغني أنّ هناك رجلاً محبوساً أتي به من ناحية الشام ، مكبولاً بالحديد ، وقالوا : إنّه تنبأ ، فأتيت الباب وداريت البوّابين ، حتّى وصلت إليه ، فإذا رجل له فهم وعقل ، فقلت له : ما قصّتك ؟
قال : إنّي رجل كنت بالشام ، أعبد الله في الموضع الذي يقال إنّه نصب فيه رأس الحسين ( عليه السلام ) ، فبينا أنا ذات ليلة في موضعي مقبل على المحراب أذكر الله ، إذ رأيت شخصاً بين يدي ، فنظرت إليه ، فقال لي : ( قم ) .
فقمت معه ، فمشى بي قليلاً ، فإذا أنا في مسجد الكوفة ، فقال لي : ( أتعرف هذا المسجد ؟ ) قلت : نعم ، هذا مسجد الكوفة ، فصلّى وصلّيت معه ، ثمّ انصرف وانصرفت معه ، فمشى بي قليلاً ، وإذا نحن بمسجد الرسول ( صلى الله عليه وآله ) ، فسلّم على رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وسلّمت ، وصلّى وصلّيت معه ، ثمّ خرج وخرجت معه .
فمشى بي قليلاً ، فإذا نحن بمكّة ، فطاف بالبيت وطفت معه ، وخرج فخرجت معه ، فمشى بي قليلاً ، فإذا أنا بموضعي الذي كنت أعبد الله فيه بالشام ، وغاب الشخص عن عيني ، فتعجّبت ممّا رأيت .
فلمّا كان في العام المقبل ، رأيت ذلك الشخص فاستبشرت به ، ودعاني فأجبته ، ففعل كما فعل في العام الأوّل ، فلمّا أراد مفارقتي بالشام ، قلت : سألتك بحق الذي أقدرك على ما رأيت من أنت ؟
قال : ( أنا محمّد بن علي بن موسى بن جعفر ) ، فحدّثت من كان يصير إليّ بخبره ، فرقي ذلك إلى محمّد بن عبد الملك الزيات ، فبعث إليّ فأخذني ، وكبّلني في الحديد ، وحملني إلى العراق ، وحبست كما ترى ، وادّعى عليّ المحال .
فقلت له : أرفع عنك قصّة إلى محمّد بن عبد الملك الزيات ، قال : افعل .
فكتبت عنه قصّة شرحت أمره فيها ، ورفعتها إلى الزيات ، فوقّع في ظهرها ، قل للذي أخرجك من الشام في ليلة إلى الكوفة ، وإلى المدينة وإلى مكّة أن يخرجك من حبسي هذا .
قال علي بن خالد : فغمّني ذلك من أمره ، ورققت له وانصرفت محزوناً ، فلمّا كان من الغد باكرت الحبس لأعلمه بالحال ، وآمره بالصبر والعزاء .
فوجدت الجند وأصحاب الحرس ، وصاحب السجن وخلقاً عظيماً من الناس يهرعون ، فسألت عنهم وعن حالهم ، فقيل : المحمول من الشام المتنبئ افتقد البارحة من الحبس ، فلا يدرى خسفت الأرض به ، أو اختطفته الطير .
وكان هذا الرجل أعنّي علي بن خالد زيدياً ، فقال بالإمامة لمّا رأى ذلك ، وحسن اعتقاده .
الكرامة الثامنة :
عن الحسن بن علي الوشّاء ، قال : كنت بالمدينة بصرياً في المشربة ، مع أبي جعفر ( عليه السلام ) ، فقام وقال : ( لا تبرح ) .
فقلت في نفسي : كنت أردت أن أسأل أبا الحسن الرضا ( عليه السلام ) قميصاً من ثيابه فلم أفعل ، فإذا عاد إليّ أبو جعفر ( عليه السلام ) أسأله .
فأرسل إليّ من قبل أن أسأله ، ومن قبل أن يعود إليّ ، وأنا في المشربة بقميص ، وقال الرسول : يقول لك : ( هذا من ثياب أبي الحسن التي كان يصلّي فيها ) .
الكرامة التاسعة :
عن محمّد بن فضيل الصيرفي ، قال : كتبت إلى أبي جعفر ( عليه السلام ) كتاباً ، وفي آخره هل عندك سلاح رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ؟ ونسيت أن أبعث بالكتاب ، فكتب إليّ بحوائج له ، وفي آخر كتابه : ( عندي سلاح رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، وهو فينا بمنزلة التابوت في بني إسرائيل ، يدور معنا حيث درنا ، وهو مع كل إمام ) .
الكرامة العاشرة :
عن محمّد بن الوليد الكرماني ، قال : أتيت أبا جعفر ( عليه السلام ) ، فوجدت بالباب الذي في الفناء قوماً كثيراً ، فعدلت إلى مسافر فجلست إليه حتّى زالت الشمس ، فقمنا للصلاة ، فلمّا صلّينا الظهر ، وجدت حسّاً من ورائي ، فالتفت فإذا أبو جعفر ( عليه السلام ) فسرت إليه حتّى قبّلت يده ، ثمّ جلس وسأل عن مقدمي .
ثمّ قال : ( سلّم ) ، فقلت : جعلت فداك قد سلّمت ، فأعاد القول ثلاث مرّات : ( سلّم ) ، وقلت ذاك ما قد كان في قلبي منه شيء ، فتبسّم وقال : ( سلّم ) ، فتداركتها وقلت : سلّمت ورضيت يا ابن رسول الله ، فأجلى الله ما كان في قلبي ، حتّى لو جهدت ورمت لنفسي أن أعود إلى الشك ما وصلت إليه .
فعدت من الغد باكراً ، فارتفعت عن الباب الأوّل ، وصرت قبل الخيل ، وما ورائي أحد أعلمه ، وأنا أتوقّع أن أجد السبيل إلى الإرشاد إليه ، فلم أجد أحداً حتّى اشتد الحر والجوع جدّاً ، حتّى جعلت أشرب الماء أطفئ به حر ما أجد من الجوع والخواء ، فبينا أنا كذلك إذ أقبل نحوي غلام قد حمل خواناً عليه طعام وألوان ، وغلام آخر معه طشت وإبريق حتّى وضع بين يدي ، وقالا : أمرك أن تأكل ، فأكلت فما فرغت حتّى أقبل ، فقمت إليه فأمرني بالجلوس وبالأكل فأكلت ، فنظر إلى الغلام ، فقال : ( كل معه ) ، ينشط حتّى إذا فرغت ورفع الخوان ، ذهب الغلام ليرفع ما وقع من الخوان من فتات الطعام ، فقال : ( مه مه ما كان في الصحراء فدعه ، ولو فخذ شاة ، وما كان في البيت فالقطه ) .
ثمّ قال : ( سل ) ، قلت : جعلني الله فداك ، ما تقول في المسك ؟ فقال : ( إنّ أبي أمر أن يعمل له مسك في بان ، فكتب إليه الفضل يخبره أنّ الناس يعيبون ذلك عليه ، فكتب : يا فضل أما علمت أنّ يوسف كان يلبس ديباجاً مزروراً بالذهب ، ويجلس على كراسي الذهب ، فلم ينقص من حكمته شيئاً ، وكذلك سليمان ، ثمّ أمر أن يعمل له غالية بأربعة آلاف درهم ) ، ثمّ قلت : ما لمواليك في موالاتكم ؟
فقال : ( إن أبا عبد الله ( عليه السلام ) كان عنده غلام يمسك بغلته ، إذا هو دخل المسجد ، فبينا هو جالس ومعه بغلة ، إذ أقبلت رفقة من خراسان ، فقال له رجل من الرفقة : هل لك يا غلام أن تسأله أن يجعلني مكانك ، وأكون له مملوكاً ، وأجعل لك مالي كلّه ، فإنّي كثير المال من جميع الصنوف ، اذهب فاقبضه وأنا أقيم معه مكانك ، فقال : أسأله ذلك ، فدخل على أبي عبد الله ( عليه السلام ) ، فقال : جعلت فداك تعرف خدمتي وطول صحبتي ، فإن ساق الله إليّ خيراً تمنعنيه ؟
قال : أعطيك من عندي وأمنعك من غيري ، فحكى له قول الرجل ، فقال : إن زهدت في خدمتنا ورغب الرجل فينا قبلناه وأرسلناك ، فلمّا ولى عنه دعاه ، فقال له : أنصحك لطول الصحبة ولك الخيار ، إذا كان يوم القيامة كان رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) متعلّقاً بنور الله ، وكان أمير المؤمنين ( عليه السلام ) متعلّقاً بنور رسول الله ، وكان الأئمّة متعلّقين بأمير المؤمنين ، وكان شيعتنا متعلّقين بنا ، يدخلون مدخلنا ويردّون موردنا .
فقال له الغلام : بل أقيم في خدمتك ، وأؤثر الآخرة على الدنيا ، فخرج الغلام إلى الرجل ، فقال له الرجل : خرجت إليّ بغير الوجه الذي دخلت به ، فحكى له قوله وأدخله على أبي عبد الله ( عليه السلام ) فقبل ولاءه ، وأمر للغلام بألف دينار ، ثمّ قام إليه فودّعه ، وسأله أن يدعو له ففعل ) .

صدرية.حكيمية 23-08-2006 05:25 AM

سيرة الامام الهادي عليه السلام

صدرية.حكيمية 23-08-2006 05:26 AM

أخبار الإمام الهادي ( عليه السلام ) مع المتوكِّل العباسي
كانَ المتوكِّلُ من أخبثِ الخلفاء العباسيين ، وأشدِّهم عِداءً للإمام علي ( عليه السلام ) ، فَبَلَغه مقام الإمام علي ‌الهادي ( عليه السلام ) بالمدينة ، ومكانته ، وميل الناس إليه ، فخاف منه ودَعَا ‌يحيى بن هرثمة ، وقال له : اِذْهب إلى المدينة ، وانظر في حالِهِ وأشخِصْه إلينا .
قال يحيى : فذهبتُ إلى المدينة ، فلمَّا دخلتُها ضَجَّ أهلُها ضجيجاً عظيماً ما سَمِع ‌الناس بمثله ، خوفاً على عليٍّ ، وقامت الدنيا على سَاق ، لأنه كان محسناً إليهم ، ملازماً للمسجد ، ولم يكن عنده مَيل إلى الدنيا .
فجعلتُ أسكِّنُهم وأحْلف لهم أنِّي لم أؤمَر فيه بِمَكروه ، وأنَّه لا بأس عليه ، ثُمَّ فتَّشتُ منزلَه فلم أجد فيه إلاَّ مصاحف وأدعية ، وكتب العلم ، فعظُم في عيني ، وتولَّيتُ خدمتَه بنفسي ، وأحسنتُ عِشرتَه .
فلما قدمت به بغداد ، بدأتُ ‌بإسحاق بن إبراهيم الطاهري ، وكان والياً على بغداد ، فقال لي : يا يحيى إن هذا الرجل قد ولده رسول الله ، والمتوكِّل من تعلم ، فإن حرَّضتَه عليه قتله ، و كان ‌رسول الله خصمَكَ يوم القيامة .
فقلت له : والله ما وقفت منه إلاَّ على كلِّ أمر جميل .
ثمَّ سِرتُ به إلى ( سُرَّ مَنْ رَأى ) ، فبدأت بـ( وصيف ) التركي ، فأخبرتُه بوصوله ، فقال : والله لَئن سَقطَ منه شعرة لا يُطالَبُ بها سواك .
فلمّا دخلت على المتوكِّل سألني ‌عنه ، فأخبرته بِحُسن سيرته ، وسلامَة طَريقته ، وَوَرعه وزهادته ، وأني فتَّشت داره فلم أجد فيها إلا المصاحف وكتب العلم ، وإنَّ أهل المدينة خافوا عليه ، فأكرمه ‌المتوكِّل ، وأحسن جائزته ، وأجزل برَّه ، وأنزلَه معه سَامرَّاء .
ومع أنَّ الإمام ( عليه السلام ) كان يعيش في نفس البلد الذي يسكن فيه المتوكِّل ، وكانت العيون والجواسيس تراقبه عن كثب ، فقد وُشي به إلى المتوكِّل بأن في منزله كتباً وسلاحاً من شيعته من أهل قم ، وأنه عازم بالوثوب على الدولة .
فبعث إليه جماعة ‌من الأتراك ، فهاجموا دار الإمام ( عليه السلام ) ليلاً ، فلم يجدوا فيها شيئاً .
ثم وجدوا الإمام ( عليه السلام ) في بيت مغلق ‌عليه ، وعليه مدرعة من صوف ، وهو جالس على الرمل والحصى ، متوجِّه إلى الله تعالى ، يتلو آيات من القرآن الكريم ، فحمل على حاله تلك إلى المتوكِّل ، وقالوا له : لم ‌نجد في بيته شيئاً ، ووجدناه يقرأ القرآن مستقبل القبلة .
وكان المتوكِّل جالساً في ‌مجلس الشراب فأُدخِل عليه ، فلمَّا رأى المتوكل الإمام ( عليه السلام ) هَابَهُ ، وعظَّمه ، وأجلسه إلى ‌جانبه ، وناوله الكأس التي كانت في يده .
فقال الإمام ( عليه السلام ) : ( وَاللهِ مَا خَامَرَ لَحْمِي ‌وَدَمِي قَط ، فَاعْفِنِي ) ، فأعفاه وقال له : أنشِدْني شعراً .
فقال الإمام الهادي ( عليه السلام ) : ( أنَا قَليلُ الروَايَةِ ‌لِلشِّعْرِ ) ، فقال : لابُدَّ .
فأنشده الإمام ( عليه السلام ) وهو جالس عنده ، فقال :
بَاتُوا عَلَى قُلَلِ الأجبَالِ تَحْرُسُهُم ** غُلْبُ الرِّجَالِ فَمَا أغْنَتْهُمُ القُلَلُ
وَاسْتُنْزِلُوا بَعْدَ عِزٍّ عَنْ مَعَاقِلِهِم ** وَأُسْكِنُوا حُفَراً يَا بِئْسَ مَا نَزَلُوا
نَادَاهُمُ صَارِخٌ مِنْ بَعْدِ دَفْنِهِمُ ** أيْنَ الأسَاوِرُ والتِّيْجَانُ وَالحُلَلُ
أيْنَ الوُجُوهُ الَّتي كَانَتْ مُنَعَّمَةً ** مِنْ دُونِهَا تُضْرَبُ الأستَارُ والكُلَلُ
فَأفْصَحَ القَبرُ عَنْهُم حِينَ سَاءَلَهُم ** تِلْكَ الوُجُوُهُ عَلَيْهَا الدُّودُ يَقْتَتِلُ
قَدْ طَالَمَا أكَلوا دَهْراً وَقَدْ شَرِبُوا ** فَأصْبَحُوا بَعْدَ طُولِ الأَكْلِ قَدْ أُكِلُوا
فبكى المُتوكِّلُ حتى بَلَّتْ لِحيَتَهُ دموعُ عَينَيه ، وبكى الحاضرون ، ثُمَّ ردَّ الإمام ( عليه السلام ) إلى منزلِهِ مكرَّماً .

صدرية.حكيمية 23-08-2006 05:28 AM

أدعية الإمام الهادي ( عليه السلام )
للإمام الهادي ( عليه السلام ) أنواع من الأدعية والابتهالات تدلّ على مدى اتّصاله بالله ، ومدى تعلّقه به ، وانقطاعه إليه ، وإليك بعض نماذجها :
1ـ دعاؤه عند الشدائد :
كان ( عليه السلام ) يدعو به إذا ألمّت به حادثة ، أو حلّ به خطب ، أو أراد قضاء حاجة مهمّة ، وكان قبل أن يدعو به يصوم يوم الأربعاء والخميس والجمعة ، ثمّ يغتسل في أوّل يوم الجمعة ، ويتصدّق على مسكين ، ويصلّي أربع ركعات ، فيقرأ في الركعة الأولى سورة الفاتحة وسورة ياسين ، وفي الثانية سورة الحمد وحم الدخان ، وفي الثالثة سورة الحمد مع سورة الواقعة ، وفي الرابعة سورة الحمد وسورة تبارك ، وإذا فرغ منها بسط راحتيه إلى السماء ، ودعا بإخلاص قائلاً بعد البسملة :
( اللهم لك الحمد حمداً يكون أحق الحمد بك ، وأرضى الحمد لك ، وأوجب الحمد لك ، وأحب الحمد إليك ، ولك الحمد كما أنت أهله ، وكما رضيته لنفسك ، وكما حمدك من رضيت حمده من جميع خلقك ، ولك الحمد كما حمدك به جميع أنبيائك ورسلك وملائكتك ، وكما ينبغي لعزّك وكبريائك وعظمتك ، ولك الحمد حمداً تكل الألسن عن صفته ، ويقف القول عن منتهاه ، ولك الحمد حمداً لا يقصر عن رضاك ولا يفضله شيء من محامدك .
اللهم ومن جودك وكرمك أنّك لا تخيّب من طلب إليك وسألك ورغب فيما عندك ، وتبغّض من لم يسألك ، وليس كذلك أحد غيرك ، وطمعي يا ربّ في رحمتك ومغفرتك ، وثقتي بإحسانك وفضلك حداني على دعائك والرغبة إليك ، وانزل حاجتي بك ، وقد قدّمت أمام مسألتي التوجّه بنبيّك الذي جاء بالحق والصدق فيما عندك ، ونورك وصراطك المستقيم الذي هديت به العباد ، وأحييت بنوره البلاد ، وخصصته بالكرامة ، وأكرمته بالشهادة ، وبعثته على حين فترة من الرسل ، اللهم دللت عبادك على نفسك فقلت تباركت وتعاليت :
( وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ ) ، وقلت : ( قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ) ، وقلت : ( وَلَقَدْ نَادَانَا نُوحٌ فَلَنِعْمَ الْمُجِيبُونَ ) .
أجل يا رب نعم المدعو أنت ، ونعم الربّ أنت ونعم المجيب ، وقلت : ( قُلِ ادْعُواْ اللهَ أَوِ ادْعُواْ الرَّحْمَـنَ أَيًّا مَّا تَدْعُواْ فَلَهُ الأَسْمَاء الْحُسْنَى ) ، وأنا أدعوك اللهم بأسمائك التي إذا دعيت بها أجبت ، وإذا سُئلت بها أعطيت ، وأدعوك متضرّعاً إليك مستكيناً ، دعاء من أسلمته الغفلة ، وأجهدته الحاجة ، أدعوك دعاء من استكان ، وأعترف بذنبه ، ورجاك لعظيم مغفرتك ، وجزيل مثوبتك ) .
2ـ دعاء الاعتصام :
قال ( عليه السلام ) : ( يا عدّتي عند العدد ، ويا رجائي والمعتمد ، ويا كهفي والسند ، ويا واحد يا أحد ، يا قل هو الله أحد ، أسألك اللهم بحق من خلقته من خلقك ، ولم تجعل في خلقك مثلهم أحد ، أن تصلّي عليهم وتفعل بي ... ) ، ثمّ تذكر حاجتك ) .
3ـ دعاء المظلوم على الظالم :
قال ( عليه السلام ) : ( اللّهم إنّي وفلاناً عبدان من عبيدك ، نواصينا بيدك ، تعلم مستقرّنا ومستودعنا ، وتعلم منقلبنا ومثوانا ، وسرّنا وعلانيتنا ، وتطلع على نيّاتنا ، وتحيط بضمائرنا ، علمك بما نبديه كعلمك بما نخفيه ، ومعرفتك بما نبطنه كمعرفتك بما نظهره ، ولا ينطوي عليك شيء من أمورنا ، ولا يستتر دونك حال من أحوالنا ، ولا لنا منك معقل يحصننا ، ولا حرز يحرزنا ، ولا هارب يفوتك منّا .
ولا يمتنع الظالم منك بسلطانه ، ولا يجاهدك عنه جنوده ، ولا يغالبك مغالب بمنعة ، ولا يعازّك متعزّز بكثرة أنت مدركه أينما سلك ، وقادر عليه أينما لجأ ، فمعاذ المظلوم منّا بك ، وتوكّل المقهور منّا عليك ، ورجوعه إليك ، ويستغيث بك إذا خذله المغيث ، ويستصرخك إذا قعد عنه النصير ، ويلوذ بك إذا نفته الأفنية ، ويطرق بابك إذا أغلقت دونه الأبواب المرتجة ، ويصل إليك إذا احتجبت عنه الملوك الغافلة ، تعلم ما حلّ به قبل أن يشكوه إليك ، وتعرف ما يصلحه قبل أن يدعوك له ، فلك الحمد سميعاً بصيراً لطيفاً قديراً .
اللّهم إنّه قد كان في سابق علمك ، ومحكم قضائك ، وجاري قدرك ، وماضي حكمك ، ونافذ مشيّتك في خلقك أجمعين ، سعيدهم وشقيّهم وبرّهم وفاجرهم أن جعلت لفلان بن فلان عليّ قدرة فظلمني بها ، وبغى عليّ لمكانها ، وتعزّز عليّ بسلطانه الذي خوّلته إيّاه ، وتجبّر عليّ بعلوّ حاله التي جعلتها له ، وغرّه إملاؤك له ، وأطغاه حلمك عنه .
فقصدني بمكروه عجزت عن الصبر عليه ، وتعمّدني بشرّ ضعفت عن احتماله ، ولم أقدر على الانتصار منه لضعفي ، والانتصاف منه لذلّي ، فوكلته إليك وتوكّلت في أمره عليك ، وتوعدته بعقوبتك ، وحذّرته سطوتك ، وخوّفته نقمتك ، فظنّ أن حلمك عنه من ضعف ، وحسب أنّ إملاءك له من عجز ، ولم تنهه واحدة عن أخرى ، ولا انزجر عن ثانية بأولى ، ولكنّه تمادى في غيّه ، وتتابع في ظلمه ، ولجّ في عدوانه ، واستشرى في طغيانه جرأة عليك يا سيّدي ، وتعرّضاً لسخطك الذي ﻻ تردّه عن القوم الظالمين ، وقلّة اكتراث ببأسك الذي ﻻ تحبسه عن الباغين .
فها أنا ذا يا سيّدي مستضعف في يديه ، مستضام تحت سلطانه ، مستذلّ بعنائه ، مغلوب مبغيّ عليّ مغضوب وجل خائف مروّع مقهور ، قد قلّ صبري وضاقت حيلتي ، وانغلقت عليّ المذاهب إلاّ إليك ، وانسدّت عليّ الجهات إلاّ جهتك ، والتبست عليّ أموري في دفع مكروهه عنّي ، واشتبهت عليّ الآراء في إزالة ظلمه ، وخذلني من استنصرته من عبادك ، وأسلمني من تعلّقت به من خلقك طرّاً ، واستشرت نصيحي فأشار عليّ بالرغبة إليك ، واسترشدت دليلي فلم يدلّني إلاّ عليك .
فرجعت إليك يا مولاي صاغراً راغماً مستكيناً ، عالماً أنّه ﻻ فرج إلاّ عندك ، ولا خلاص لي إلاّ بك ، انتجز وعدك في نصرتي ، وإجابة دعائي ، فإنّك قلت وقولك الحق الذي ﻻ يردّ ولا يبدل : ( وَمَنْ عَاقَبَ بِمِثْلِ مَا عُوقِبَ بِهِ ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ لَيَنصُرَنَّهُ اللهُ ) وقلت جلّ جلالك وتقدّست أسماؤك : ( ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ) ، وأنا فاعل ما أمرتني به لا منّاً عليك ، وكيف أمن به وأنت عليه دللتني ، فصلّ على محمّد وآل محمّد ، واستجب لي كما وعدتني يا من ﻻ يخلف الميعاد .
وإنّي لأعلم يا سيّدي أنّ لك يوماً تنتقم فيه من الظالم للمظلوم ، وأتيقّن أنّ لك وقتاً تأخذ فيه من الغاصب للمغصوب ، لأنّك ﻻ يسبقك معاند ، ولا يخرج عن قبضتك منابذ ، ولا تخاف فوت فائت ، ولكن جزعي وهلعي ﻻ يبلغان بي الصبر على أناتك وانتظار حلمك ، فقدرتك عليّ يا سيّدي ومولاي فوق كلّ قدرة ، وسلطانك غالب على كل سلطان ، ومعاد كلّ أحد إليك وإن أمهلته ، ورجوع كلّ ظالم إليك وإن أنظرته ، وقد أضرّني يا ربّ حلمك عن فلان بن فلان ، وطول أناتك له وإمهالك إيّاه ، وكاد القنوط يستولي عليّ لولا الثقة بك ، واليقين بوعدك .
فإن كان في قضائك النافذ ، وقدرتك الماضية أن ينيب أو يتوب ، أو يرجع عن ظلمي أو يكفّ مكروهه عنّي ، وينتقل عن عظيم ما ركب منّي ، فصلّ اللّهم على محمّد وآل محمّد ، وأوقع ذلك في قلبه الساعة الساعة قبل إزالته نعمتك التي أنعمت بها عليّ ، وتكديره معروفك الذي صنعته عندي .
وإن كان في علمك به غير ذلك ، من مقام على ظلمي ، فأسألك يا ناصر المظلوم المبغى عليه إجابة دعوتي ، فصل على محمّد وآل محمّد ، وخذه من مأمنه أخذ عزيزٍ مقتدر ، وأفجئه في غفلته ، مفاجأة مليك منتصر ، واسلبه نعمته وسلطانه ، وأفض عنه جموعه وأعوانه ، ومزّق ملكه كلّ ممزّق ، وفرّق أنصاره كلّ مفرّق ، وأعره من نعمتك التي لم يقابلها بالشكر ، وانزع عنه سربال عزّك الذي لم يجازه بالإحسان ، واقصمه يا قاصم الجبابرة ، وأهلكه يا مهلك القرون الخالية ، وأبره يا مبير الأمم الظالمة ، واخذله يا خاذل الفئات الباغية ، وابتر عمره ، وابتزّ ملكه ، وعفّ أثره ، واقطع خبره ، وأطفئ ناره ، وأظلم نهاره ، وكوّر شمسه ، وأزهق نفسه ، وأهشم شدّته ، وجبّ سنامه ، وأرغم أنفه ، وعجّل حتفه ، ولا تدع له جُنّة إلاّ هتكتها ، ولا دعامة إلاّ قصمتها ، ولا كلمة مجتمعة إلاّ فرّقتها ، ولا قائمة علوّ إلاّ وضعتها ، ولا ركناً إلاّ وهنته ، ولا سبباً إلاّ قطعته .
وأرنا أنصاره وجنده وأحبّائه وأرحامه عباديد بعد الألفة ، وشتّى بعد اجتماع الكلمة ، ومقنعي الرؤوس بعد الظهور على الأمّة ، واشف بزوال أمره القلوب المنقلبة الوجلة ، والأفئدة اللهفة ، والأمّة المتحيّرة ، والبرية الضائعة ، وأدل ببواره الحدود المعطّلة ، والأحكام المهملة ، والسنن الداثرة ، والمعالم المغيّرة ، والمساجد المهدومة .
وأرح به الأقدام المتعبة ، وأشبع به الخماص الساغبة ، وأرو به اللهوات اللاغبة ، والأكباد الظامئة ، واطرقه بليلة ﻻ أخت لها ، وساعةٍ ﻻ شفاء منها ، وبنكبة ﻻ انتعاش معها ، وبعثرةٍ ﻻ إقالة منها ، وأبح حريمه ، ونغّص نعيمه ، وأره بطشتك الكبرى ، ونقمتك المثلى ، وقدرتك التي هي فوق كل قدرة ، وسلطانك الذي هو أعزّ من سلطانه ، واغلبه لي بقوّتك القوية ، ومحالك الشديد ، وامنعني منه بمنعتك التي كل خلق فيها ذليل ، وابتله بفقرٍ ﻻ تجبره ، وبسوء ﻻ تستره ، وكله إلى نفسه فيما يريد ، إنّك فعّال لما تريد .
وابرأه من حولك وقوّتك ، وأحوجه إلى حوله وقوّته ، وأذلّ مكره بمكرك ، وادفع مشيّته بمشيّتك ، واسقم جسده ، وأيتم ولده ، وانقص أجله ، وخيّب أمله ، وأزل دولته ، وأطل عولته ، واجعل شغله في بدنه ، ولا تفكّه من حزنه ، وصيّر كيده في ضلال ، وأمره إلى زوال ، ونعمته إلى انتقال ، وجدّه في سفال ، وسلطانه في اضمحلال ، وعافيته إلى شر مآل ، وأمِتْه بغيظه إذا أمتّه ، وأبقه لحزنه إن أبقيته ، وقني شرّه وهمزه ولمزه ، وسطوته وعداوته ، والمحه لمحة تدمّر بها عليه ، فإنّك أشدّ بأساً وأشدّ تنكيلاً ، والحمد لله ربّ العالمين ) .

صدرية.حكيمية 23-08-2006 05:28 AM

شهادة الإمام الهادي ( عليه السلام )
لقد كرَّس الإمام الهادي ( عليه السلام ) حياتَه لِخِدمة الدين ، ومواجهة الحُكَّام المتسِلِّطين ، ولاقَى مِن حُكَّامِ عصره من خلفاء بني العباس الملاحقة ، والإرهاب ، والتضييق .
وأُخرِج ( عليه السلام ) من مدينة جَدِّه رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، حيثُ كان يُمارس مَهَامَّه العلميَّة والسياسية والاجتماعية ، إلى مدينة سامرَّاء - عاصمة الخلافة العباسيَّة - ليكونَ تحت الرقابة المباشرة من جهة ، وليُعزَل عن قيادة الأمة المتجهة نحو أهل البيت ( عليهم السلام ) من جهة أخرى .
وفي سامرَّاء قضى الإمام الهادي ( عليه السلام ) شطراً من حياته ، وفي الثالث من رجب 254 هـ ، مضى الإمام علي الهادي ( عليه السلام ) شهيداً مسموماً في زمن الخليفة العباسي المتوكِّل .

صدرية.حكيمية 23-08-2006 05:29 AM

كرم الإمام الهادي ( عليه السلام )
كان الإمام الهادي ( عليه السلام ) من أهل بيت عادتهم الإحسان وسجيّتهم الكرم والجود .
جاء في التاريخ : دخل أبو عمرو عثمان بن سعيد ، وأحمد بن إسحاق الأشعري ، وعلي بن جعفر الهمداني على الإمام الهادي ( عليه السلام ) ، فشكى إليه أحمد بن إسحاق ديناً عليه ، فقال : ( يا أبا عمرو ـ وكان وكيله ـ إدفع إليه ثلاثين ألف دينار ، وإلى علي بن جعفر ثلاثين ألف دينار ، وخذ أنت ثلاثين ألف دينار ) ، فهذا في الواقع كرم لا يقدر عليه إلاّ الملوك ، وما سمعنا بمثل هذا العطاء والجود .
والقصّة التالية تعكس قمّة الإيثار عند الإمام ( عليه السلام ) حيث سعى لقضاء حاجة واحدة من مواليه بطريقة عجيبة .
قال محمّد بن طلحة : خرج ( عليه السلام ) يوماً من سر من رأى إلى قرية لِمُهّمٍ عرض له ، فجاء رجل من الأعراب يطلبه ، فقيل له قد ذهب إلى الموضع الفلاني ، فقصده ، فلمّا وصل إليه قال له ( عليه السلام ) : ( ما حاجتك ؟ ) .
فقال : أنا رجل من أعراب الكوفة المتمسّكين بولاية جدّك علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) قد ركبني دين فادح أثقلني حمله ، ولم أر من أقصده لقضاءه سواك .
فقال له ( عليه السلام ) : ( طب نفساً وقر عيناً ) ، ثمّ أنزله ، فلمّا أصبح ذلك اليوم ، قال له ( عليه السلام ) : ( أريد منك حاجة ، الله الله أن تخالفني فيها ) ، فقال الأعرابي : لا أخالفك ، فكتب ( عليه السلام ) ورقة بخطّه معترفاً فيها أنّ عليه للأعرابي مالاً عينه فيها يرجح على دينه ، وقال : ( خذ هذا الخط ، فإذا وصلت إلى سر من رأى إحضر إليّ وعندي جماعة ، فطالبني به وأغلظ القول عليَّ في ترك إبقائك إيّاه ، الله الله في مخالفتي ) .
فقال : أفعل ، وأخذ الخط ، فلمّا وصل ( عليه السلام ) إلى سر من رأى ، وحضر عنده جماعة كثيرون من أصحاب الخليفة وغيرهم ، حضر ذلك الرجل وأخرج الخط وطالبه ، وقال كما أوصاه ، فألان ( عليه السلام ) له القول ورفقه ، وجعل يعتذر ، ووعده بوفائه وطيبة نفسه ، فنقل ذلك إلى الخليفة المتوكّل ، فأمر أن يحمل إلى الإمام ( عليه السلام ) ثلاثون ألف درهم ، فلمّا حملت إليه تركها إلى أن جاء الرجل ، فقال : ( خذ هذا المال واقض منه دينك ، وأنفق الباقي على عيالك وأهلك ، واعذرنا ) .
فقال له الأعرابي : يا ابن رسول الله ، والله إنّ أملي كان يقصر عن ثلث هذا ، ولكن الله أعلم حيث يجعل رسالته ، وأخذ المال وانصرف .

صدرية.حكيمية 23-08-2006 05:30 AM

مكانة الإمام الهادي ( عليه السلام ) العلمية
اعتبر المؤرخون واصحاب السير الإمام الهادي ( عليه السلام ) علماً بارزاً من اعلام عصره في العلم والمعرفة .
وقد ذكر الشيخ الطوسي ( قدس سره ) في كتابه المعروف بـ ( رجال الطوسي ) مائة وخمسة وثمانين تلميذاً وراوياً ، أخذوا وروا عن الإمام الهادي ( عليه السلام ) ، الذي كان مرجع أهل العلم والفقه والشريعة في عصره .
وحفلت كتب الرواية والحديث والفقه والمناظرة والتفسير وأمثالها بما أثر عنه ، واستفيد من علومه ومعارفه .
وفيما يلي نذكر اسماء بعض تلامذته ورواته واصحابه :
1 ـ أحمد بن اسحاق بن عبد الله الاشعري .
2 ـ الحسين بن سعيد بن حماد الاهوازي .
3 ـ داود بن أبي يزيد من أهل نيشابور .
4 ـ علي بن مهزيار الاهوازي .
5 ـ الفضل بن شاذان النيشابوري .
كما أن للإمام ( عليه السلام ) رسائل في مختلف العلوم والأمور ، نورد بعضاً منها :
1 ـ رسالته في الردّ على الجبر والتفويض ، وإثبات العدل ، والمنزلة بين المنزلتين ، أوردها بتمامها الحسن بن علي بن شعبة الحرّاني في كتابه الموسوم بـ ( تحف ‌العقول ) .
2ـ أجوبته ليحيى بن أكثم عن مسائله ، وهذه أيضاً أوردها الحرّاني أيضاً في تحف ‌العقول .
3ـ قطعة من أحكام الدين ، ذكرها ابن شهر آشوب في المناقب .
ومن القصص التي تنقل في علمه ( عليه السلام ) هي :
1ـ قدم إلى المتوكل رجل نصراني فجر بامرأة مسلمة ، فأراد أن يقيم عليه الحَدَّ فأسلم النصراني .
فقال يحيى بن أكثم : قد هدم إيمانه شركه وفعله ، وقال بعضهم : يضرب ثلاثة حدود ، وقل بعضهم : يفعل به كذا وكذا .
فأمر المتوكِّل بالكتاب إلى الإمام الهادي ( عليه السلام ) وسؤاله عن ذلك .
فلمَّا قرأ الكتاب كتب ( عليه السلام ) : ( يضرب حتَّى يموت ) .
فأنكر يحيى وأنكر فقهاء العسكر ذلك ، فقالوا : يا أمير المؤمنين ، سَلْهُ عن ذلك ، فإنَّه شيء لم ينطق به كتاب ، ولم يجئ به سنة .
فكتب إليه : إن الفقهاء قد أنكروا هذا وقالوا : لم يجئ به سنة ولم ينطق به كتاب ، فَبَيِّن لنا لِمَ أوجبت عليه الضرب حتَّى يموت ؟‍‍‍!!
فكتب الإمام ( عليه السلام ) : ( بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ، فَلمَّا رَأَوا بَأسَنَا قَالُوا آمَنَّا بِاللهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ ، فَلَمْ يَكُ يَنفَعُهُم إِيْمَا نُهُم لَمَّا رَأَوا بَأسَنَا ) غافر : 44 - 45 .
فأمر به المتوكل ، فَضُرِب حتَّى مات .
2ـ لمَّا سُمَّ المتوكل ، نذر لله إن رزقه الله العافية أن يتصدّق بمال كثير ، فلمَّا سُلِمَ وَعُوفِي سأل الفقهاء عن حَدِّ المال الكثير كم يكون ؟
فاختلفوا عليه ، فقال بعضهم : ألف درهم ، وقال بعضهم : عشرة آلاف درهم ، وقال بعضهم : مائة ألف درهم ، فاشتبه عليه هذا .
فقال له الحسن حاجبه : إن أتيتُك يا أمير المؤمنين من الخلق برجل يخبرك الصواب فما لي عندك ؟
فقال المتوكِّل : إن أتيت بالحقّ فلك عشرة آلاف درهم ، وإلا أضربك مائة مقرعة .
قال الحاجب : قد رضيت ، فأتى الإمام الهادي ( عليه السلام ) فسأله عن ذلك .
فقال له الإمام ( عليه السلام ) : قل له : ( تَصدَّق بثمانين درهماً ) .
فرجع الحاجب إلى المتوكِّل فأخبره ، فقال المتوكل : سَلْهُ مَا العِلَّة في ذلك ؟
فأتى الحاجب الإمام ( عليه السلام ) فسأله .
فقال الإمام ( عليه السلام ) : إنَّ الله عزَّوجل قال لنبيِّه ( صلى الله عليه وآله ) : ( لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللهُ فِي مَوَاطِن كَثِيرة ) التوبة : 25 ، فعددنا مواطن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فَبَلَغَتْ ثمانين موطناً .
فرجع الحاجب إلى المتوكل فأخبره ، ففرح المتوكِّل وأعطاه عشرة آلاف درهم .

صدرية.حكيمية 23-08-2006 05:31 AM

منهج الإمام الهادي ( عليه السلام ) في تفسير القرآن
قَدِم إلى المتوكِّل رجل نصراني فجر بامرأة مسلمة ، فأراد أنْ يقيمَ عليهِ الحَدَّ ، فأسلم الرجل النصراني .
فقال يحيى بن أكثم : الإيمان يمحو ما قبله ، وقال بعضهم : يُضرب ثلاثة حدود .
فكتب المتوكِّل إلى الإمام الهادي يسأله ، فلمَّا قرأ الكتاب ، كتب الإمام ( عليه السلام ) : ( يُضْرَبُ حَتَّى ‌يَمُوتَ ) .
فأنكر الفقهاء ذلك ، فكتب المتوكل إلى الإمام يسأله عن العِلَّة ، فكتب الإمام ( عليه السلام ) : ( بِسْمِ اللهِ الْرَّحْمَنِ الْرَّحِيْمِ * فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا قَالُوا آمَنَّا بِاللهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ * فَلَمْ يَكُ يَنفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا سُنَّتَ اللهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبَادِهِ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْكَافِرُونَ ) غافر : 84 - 85 .
فَأمَر به المتوكِّلُ ، فَضُرِبَ حتى مَاتَ .

صدرية.حكيمية 23-08-2006 05:32 AM

مواعظ الإمام الهادي ( عليه السلام )
للإمام الهادي ( عليه السلام ) مواعظ كثيرة ، نذكر إليك بعض منها :
الموعظة الأولى : الموت والسيّئات :
عن الحسن بن علي ( عليه السلام ) قال : دخل علي بن محمّد ( عليه السّلام ) على مريض من أصحابه وهو يبكي ويجزع من الموت ، فقال له : ( يا عبد الله تخاف من الموت لأنّك ﻻ تعرفه ، أرأيتك إذا اتّسخت وتقذّرت وتأذّيت من كثرة القذر والوسخ عليك ، وأصابك قروح وجرب ، وعلمت أنّ الغسل في حمّام يزيل ذلك كلّه ، أما تريد أن تدخله فتغسل ذلك عنك ؟ أو ما تكره أن ﻻ تدخله فيبقى ذلك عليك ) ؟
قال : بلى يا بن رسول الله .
قال : ( فذاك الموت هو ذلك الحمّام ، وهو آخر ما بقي عليك من تمحيص ذنوبك وتنقيتك من سيّئاتك ، فإذا أنت وردت عليه وجاوزته فقد نجوت من كلّ غمّ وهمّ وأذى ووصلت إلى كلّ سرور وفرح ) ، فسكن الرجل ونشط واستسلم وغمض عين نفسه ومضى لسبيله ) .
الموعظة الثانية : دار البلوى :
قال ( عليه السلام ) : ( إنّ الله جعل الدنيا دار بلوى ، والآخرة دار عقبى ، وجعل بلوى الدنيا لثواب الآخرة سبباً ، وثواب الآخرة من بلوى الدنيا عوضاً ) .
الموعظة الثالثة : الدنيا سوق :
قال ( عليه السلام ) : ( الدنيا سوق ربح فيها قوم ، وخسر آخرون ) .
الموعظة الرابعة : اذكر مصرعك :
قال ( عليه السلام ) : ( اذكر مصرعك بين يدي أهلك ، ولا طبيب يمنعك ، ولا حبيب ينفعك ) .
الموعظة الخامسة : حسرات التفريط :
قال ( عليه السلام ) : ( اذكر حسرات التفريط تأخذ بقديم الحزم ) .

صدرية.حكيمية 23-08-2006 05:33 AM

ولادة الإمام الهادي ( عليه السلام )
وُلد الإمام العاشر من أئمة أهل البيت ( عليهم السلام ) - وهو الإمام الهادي ( عليه السلام ) - في الخامس عشر من ذي الحجة 214 هـ ، وفي رواية في الثاني من رجب .

صدرية.حكيمية 23-08-2006 05:34 AM

سيرة الامام العسكري عليه السلام

صدرية.حكيمية 23-08-2006 05:34 AM

أدعية الإمام العسكري ( عليه السلام )
حفلت الأدعية التي أُثِرت عن الإمام العسكري ( عليه السلام ) بالدروس التربوية الهادفة إلى بناء صُرُوح العقيدة ، والإيمان بالله ، وتنمية الخوف والرهبة من الله في أعماق نفوس الناس ، لِتصدُّهُم عن الاعتداء ، وتمنعهم عن الظلم والطغيان .
وقد كان اهتمام أهل البيت ( عليهم السلام ) بهذه الجهة اهتماماً بالغاً ، ولم يُؤثَر عن أحد من خِيَارِ المسلمين من الأدعية مثل ما أُثِر عنهم ( عليهم السلام ) .
وإِنَّها لَتُعَد من أروع الثروات الفكرية والأدبية في الإسلام ، فقد حَوَت أصول الأخلاق ، وقواعد السلوك والآداب ، كما ألَمَّتَ بفلسفة التوحيد ومعالم السياسة العادلة وغير ذلك .
ونشير هنا إلى قسم من أدعيته ( عليه السلام ) :
1ـ دعاؤه ( عليه السلام ) للاحتراز من المخاوف :
عن سهل بن يعقوب ، قال : قلت للعسكري ( عليه السلام ) ذات يوم : يا سيّدي ! قد وقع إليّ اختيارات الأيّام عن سيّدنا الصادق ( عليه السلام ) ، ممّا حدّثني به الحسن بن عبد الله بن مظفر ، عن محمّد بن سليمان الديلمي ، عن أبيه ، عن سيّدنا الصادق ( عليه السلام ) في كلّ شهر ، فأعرضه عليك ؟ فقال لي : ( افعل ) .
فلمّا عرضته عليه وصحّحه ، قلت له : يا سيّدي في أكثر هذه الأيّام قواطع عن المقاصد لما ذكر فيها من النحس والمخاوف ، فتدلّني على الاحتراز من المخاوف فيها ؟ فإنّما تدعوني الضرورة إلى التوجّه في الحوائج فيها .
فقال لي : ( يا سهل ! إنّ لشيعتنا بولايتنا لعصمة ، لو سلكوا بها في لجّة البحار الغامرة ، وسباسب البيداء الغائرة ، بين سباع وذئاب ، وأعادي الجنّ والإنس ، لأمنوا من مخاوفهم بولايتهم لنا ، فثق بالله عزّ وجلّ ، وأخلص في الولاء لأئمّتك الطاهرين ، وتوجّه حيث شئت ، واقصد ما شئت ، إذا أصبحت وقلت ثلاثاً : ( أصبحت اللّهم معتصماً بذمامك المنيع ، الذي لا يطاول ولا يحاول من شرّ كلّ طارق وغاشم ، من سائر ما خلقت ، ومن خلقت من خلقك الصامت والناطق في جنّة ، من كلّ مخوف بلباس سابغة ولاء أهل بيت نبيّك ، محتجزاً من كلّ قاصد لي إلى أذيّة بجدار حصين الإخلاص في الاعتراف بحقّهم ، والتمسّك بحبلهم جميعاً ، موقناً بأنّ الحقّ لهم ومعهم وفيهم وبهم ، أوالي من والوا ، وأجانب من جانبوا .
فأعذني اللّهم من شرّ كلّ ما أتقيه يا عظيم ، حجزت الأعادي عنّي ببديع السماوات والأرض ، أنّا جعلنا من بين أيديهم سدّاً ، ومن خلفهم سدّاً ، فأغشيناهم فهم لا يبصرون ) .
وقلتها عشيّاً ثلاثاً ، حصنت في حصن من مخاوفك ، وأمن من محذورك ، فإذا أردت التوجّه في يوم قد حذّرت فيه ، فقدّم أمام توجهك : الحمد لله ربّ العالمين ، والمعوذتين ، وآية الكرسي ، وسورة القدر ، وآخر آية في سورة آل عمران ، وقل : ( اللّهم بك يصول الصائل ، وبقدرتك يطول الطائل ، ولا حول لكل ذي حول إلاّ بك ، ولا قوّة يمتارها ذو قوّة إلاّ منك ، بصفوتك من خلقك ، وخيرتك من بريتّك ، محمّد نبيّك وعترته وسلالته عليه وعليهم السلام ، صلّ عليهم ، واكفني شرّ هذا اليوم وضرره ، وارزقني خيره ويمنه .
واقض لي في متصرّفاتي بحسن العاقبة ، وبلوغ المحبّة ، والظفر بالأمنية ، وكفاية الطاغية الغوية ، وكلّ ذي قدرة لي على أذيّة ، حتّى أكون في جنّة وعصمة من كلّ بلاء ونقمة ، وأبدلني من المخاوف فيه أمناً ، ومن العوائق فيه يسراً ، حتّى لا يصدّني صادّ عن المراد ، ولا يحلّ بي طارق من أذى العباد ، إنّك على كلّ شيء قدير ، والأمور إليك تصير ، يا من ليس كمثله شيء ، وهو السميع البصير ) .
2ـ دعاؤه ( عليه السلام ) :
( اللّهم إنّي أشهدك بحقيقة إيماني ، وعقد عزمات يقيني ، وخالص صريح توحيدي ، وخفيّ سطوات سرّي ، وشعري وبشري ، ولحمي ودمي ، وصميم قلبي وجوارحي ولبّي ، بأنّك أنت الله لا إله إلاّ أنت ، مالك الملك ، وجبّار الجبابرة ، وملك الدنيا والآخرة ، تعزّ من تشاء ، وتذلّ من تشاء ، بيدك الخير إنّك على كل شيء قدير .
فأعزّني بعزّك ، واقهر لي من أرادني بسطوتك ، واخبأني من أعدائي في سترك ، صمّ بكم عمي فهم لا يرجعون ، وجعلنا من بين أيديهم سدّاً ، ومن خلفهم سدّاً ، فأغشيناهم فهم لا يبصرون .
بعزّة الله استجرنا ، وبأسماء الله إيّاكم طردنا ، وعليه توكّلنا ، وهو حسبنا ونعم الوكيل ، ولا حول ولا قوّة إلاّ بالله العلي العظيم ، والحمد لله رب العالمين ، وصلّى الله على سيّدنا محمّد النبي وآله الطيبين الطاهرين ، وحسبنا الله ونعم الوكيل ، وهو نعم المولى ونعم النصير ، ومالنا إلاّ نتوكّل على الله ، وقد هدانا سبلنا ، ولنصبرنّ على ما آذيتمونا ، وعلى الله فليتوكّل المتوكّلون ، ومن يتوكّل على الله فهو حسبه ، إنّ الله بالغ أمره ، قد جعل الله لكل شيء قدراً ) .
2ـ دعاؤه ( عليه السلام ) في رفع الضر :
( اللّهم أنت السلام ، ومنك السلام ، واليك يرجع السلام ، تباركت وتعاليت يا ذا الجلال والإكرام ، والمنن العظام والأيادي الجسام ، الهي مسنّي وأهلي الضر ، وأنت أرحم الراحمين ، وأرأف الأرأفين ، وأجود الأجودين ، وأحكم الحاكمين ، وأعدل الفاصلين .
اللّهم إنّي قصدت بابك ، ونزلت بفنائك ، واعتصمت بحبلك ، واستغثت بك ، واستجرت بك ، يا غياث المستغيثين أغثني ، يا جار المستجيرين أجرني ، يا اله العالمين خذ بيدي ، إنّه قد علا الجبابرة في أرضك ، وظهروا في بلادك ، واتخذوا أهل دينك خولاً ، واستأثروا بفيء المسلمين ، ومنعوا ذوي الحقوق حقوقهم التي جعلتها لهم ، وصرفوها في الملاهي والمعازف ، واستصغروا آلائك ، وكذّبوا أوليائك ، وتسلّطوا بجبروتهم ليعزوا من أذللت ، ويذلّوا من أعززت ، واحتجبوا عمّن يسألهم حاجة ، أو من ينتجع منهم فائدة ، وأنت مولاي سامع كل دعوة ، وراحم كل عبرة ، ومقيل كل عثرة ، سامع كل نجوى ، وموضع كل شكوى ، لا يخفى عليك شكوى ، لا يخفى عليك ما في السماوات العلى ، والأرضين السفلى ، وما بينهما وما تحت الثرى .
اللّهم إنّي عبدك ابن أمتك ، ذليل بين برّيتك ، مسرع إلى رحمتك ، راجٍ لثوابك ، اللّهم إنّ كل من أتيته فعليك يدلّني ، وإليك يرشدني ، وفيما عندك يرغّبني ، مولاي وقد أتيتك راجياً ، سيّدي وقد قصدتك مؤملاً ، يا خير مأمول ، ويا أكرم مقصود ، صل على محمّد وعلى آل محمد ، ولا تخيّب أملي ، ولا تقطع رجائي ، واستجب دعائي ، وارحم تضرّعي ، يا غياث المستغيثين أغثني ، يا جار المستجيرين أجرني ، يا اله العالمين خذ بيدي ، انقضني واستنقذني ، ووفّقني واكفني .
اللّهم إنّي قصدتك بأمل فسيح ، وأملتك برجاء منبسط ، فلا تخيّب أملي ، ولا تقطع رجائي ، اللّهم إنّه لا يخيب منك سائل ، ولا ينقصك نائل ، يا ربّاه يا سيّداه ، يا مولاه ، يا عماداه ، يا كهفاه ، يا حصناه ، يا حرزاه ، يا لجآه .
اللّهم إيّاك أمّلت يا سيّدي ، ولك أسلمت مولاي ، ولبابك قرعت ، فصل على محمّد وآل محمّد ، ولا تردّني بالخيبة محروماً ، واجعلني ممّن تفضّلت عليه بإحسانك ، وأنعمت عليه بتفضّلك ، وجدت عليه بنعمتك ، واسبغت عليه آلائك .
اللّهم أنت غياثي وعمادي ، وأنت عصمتي ورجائي ، مالي أمل سواك ، ولا رجاء غيرك .
اللّهم فصل على محمّد وآل محمّد ، وجد عليّ بفضلك ، وامنن عليّ بإحسانك ، وافعل بي ما أنت أهله ، ولا تفعل بي ما أنا أهله ، يا أهل التقوى وأهل المغفرة ، وأنت خير لي من أبي وأمي ، ومن الخلق أجمعين .
اللّهم إنّ هذه قصّتي إليك لا إلى المخلوقين ، ومسألتي لك إذ كنت خير مسؤول ، وأعز مأمول ، اللّهم صل على محمّد وآل محمّد ، وتعطف عليّ بإحسانك ، ومن عليّ بعفوك وعافيتك ، وحصّن ديني بالغنى ، وأحرز أمانتي بالكفاية ، واشغل قلبي بطاعتك ، ولساني بذكرك ، وجوارحي بما يقرّبني منك .
اللّهم ارزقني قلباً خاشعاً ، ولساناً ذاكراً ، وطرفاً غاضّاً ، ويقيناً صحيحاً ، حتّى لا أحب تعجيل ما أخّرت ، ولا تقديم ما أجّلت يا رب العالمين ، ويا أرحم الراحمين .
صل على محمّد وآل محمّد ، واستجب دُعائي ، وارحم تضرّعي ، وكفّ عنّي البلاء ، ولا تشمت بي الأعداء ، ولا حاسداً ، ولا تسلبني نعمة البستنيها ، ولا تكلني إلى نفسي طرفة عينٍ أبداً يا رب العالمين ، وصل على محمّد النبي وآله وسلّم تسليماً ) .

صدرية.حكيمية 23-08-2006 05:35 AM

الإمام العسكري ( عليه السلام ) وخلفاء بني العباس
إن الحياة السياسية للدولة العباسية منذ خلافة المنصور وحتى خلافة المعتمد كانت قائمة على أساس القمع والإرهاب بصورة عامَّة ، وللعلويِّين بصورة خاصة .
وقد عاصر الإمام العسكري ( عليه السلام ) مجتمعاً تسودُه حياة البذخ واللَّهو في قصور الخلفاء ، يقابله في الوقت نفسه مجتمع تسوده حالات الفقر ، والجوع ، والمرض ، والإرهاب ، بالإضافة إلى تردِّي الوضع الأخلاقي ، والسياسي ، والإداري ، والفوضى الفكرية .
فكان من الطبيعي أن يتصدَّى الإمام ( عليه السلام ) فيعارض سياسة الدولة ، لذلك عَملت السُلطات العباسية الثلاث وهي سلطة المعتزُّ ، والمهتدي ، والمعتمدُ ، إلى اتِّبَاع سياسة التضييق على الإمام ( عليه السلام ) ومواجهته .
ولما كانت شؤون القيادة والسياسة من مَهَامِّ الإمامة في الإسلام ، لذلك نجد أئمة أهل البيت ( عليهم السلام ) من أمير المؤمنين ( عليه السلام ) إلى الإمام الحسن العسكري ( عليه السلام ) حَمَلوا لواء المعارَضة للسُلطات الحاكمة ، ونادوا بالعمل في كتاب الله وسُنَّة النبي ( صلى الله عليه وآله ) .
كما اتَّخذوا أساليب مختَلِفة لمواجهة الانحرافات ، وقد كلَّفتهم عملية التصدِّي ثمناً باهضاً ، ومعاناة تحمَّلوا فيها الملاحقة ، والسجون ، والقتل ، وغيرها .
فالإمام الحسن العسكري ( عليه السلام ) كما نقلت لنا الروايات وكتب التاريخ ، زُجَّ في السجن ، وحُبِس عِدَّة مرات ، كما زُجَّ بأصحابه في المُعتقلات من قبل حُكَّام عصره .

صدرية.حكيمية 23-08-2006 05:36 AM

الإمام العسكري ( عليه السلام ) يزيل الشك عن الناس
روي عن علي بن الحسن بن سابور قال : قحط الناس في زمن الإمام الحسن العسكري ( عليه السلام ) ، فأمر الخليفة الحاجب وأهل المملكة أن يخرجوا إلى الاستسقاء ، فخرجوا ثلاثة أيام متوالية إلى المُصَلَّى يدعون فما سُقُوا .
فخرج الجاثليق في اليومِ الرابع إلى الصحراء ، ومعه النصارى والرهبان ، وكان فيهم راهب كلما مدَّ يده هطلت السماء بالمطر .
فشكَّ أكثر الناس وتعجـبوا وصَبُوا إلى دين النصرانية ، فأنفذ الخليفة إلى الإمام العسكري ( عليه السلام ) – وكان محبوساً – فاستخرجه من حبسه وقال : إلحق أمَّة جدك فقد هلكت .
فقال ( عليه السلام ) : ( إني خارج في الغدِ ، ومزيلُ الشك إن شاء الله تعالى ) .
فخرج الجاثليق في اليوم الثالث والرهبان معه ، وخرج الإمام العسكري ( عليه السلام ) في نفرٍ من أصحابه ، فلما بصر بالراهب وقد مدَّ يده أمر بعض مماليكه أن يقبض على يده اليمنى ويأخذ ما بين إصبعيه ، فَفَعلَ وأخذ من بين اصبعيه عظماً .
فأخذه الإمام ( عليه السلام ) بيده ثم قال له : ( إستسقِِ الآن ) .
فاستقى وكانت السماء مُتَغَيِّمَةً فتقشَّعَت وطلعت الشمس بيضاء .
فقال الخليفة : ماهذا العظم يا أبا محمد ؟
فقال الإمام ( عليه السلام ) : ( هذا رجل مرَّ بقبر نبيٍّ من الأنبياء ، فوقع إلى يده هذا العظم ، وما كُشِفَ من عظم نبيٍّ إلا وهَطَلَتِ السماء بالمطر ) .

صدرية.حكيمية 23-08-2006 05:37 AM

تفسير الإمام العسكري ( عليه السلام )
نذكر عدَّة موارد لتفسير الإمام العسكري ( عليه السلام ) القرآنَ الكريم :
المورد الأول :
لقد شغلَتْ الحروفُ المقطَّعة بالَ المفسِّرين ، فضرَبوا يميناً وشمالاً ، وقد أنهى الرازي أقوالهم فيها في أوائل تفسيره الكبير إلى قرابة عشرين قولاً .
ولكنَّ الإمام ( عليه السلام ) عالجَ تلك المُعضلة بأحسن الوجوه وأقصرها ، إذ قال ( عليه السلام ) : ( كَذبَتْ قُريشٌ واليَهودُ بالقرآنِ ، وقَالوا سِحْر مبين تقوَّلَه .
فَقَالَ اللهَ : ( الم * ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ ) البقرة : 1 - 2 .
أي : يَا مُحمَّد ، هَذا الكِتَاب الَّذي نزَّلنَاهُ عَليكَ هُوَ الحُروفُ المقطَّعَة التي منها ( أَلِف ) ، ( لام ) ، (مِيم ) ، وهو بلغتكم وحروف هجائكم ، فأْتُوا بِمِثْلِهِ إنْ كُنتُم صَادِقِين ، واسْتَعينُوا عَلَى ذَلِكَ بِسَائِرِ شُهَدَائِكُم .
ثُمَّ بيَّن أنَّهُم لا يَقدرُونَ عَلَيه بِقَولِهِ : ( قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا ) ) الإسراء : 88 .
وقد رُوي هذا المعنى عن أبيه الإمام الهادي ( عليه السلام ) .
المورد الثاني :
كان أهل الشغب والجدل يلقون حِبالَ الشَكِّ في طريق المسلمين ، فيقولون : إنَّكم تقولون في صلواتكم : ( اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ ) الفاتحة : 5 ، أو لستُم فِيه ؟! فما معنى هذه الدعوة ؟! أو إنكم متنكِّبون عنه ، فتدعون ليهديكم إليه ؟! .
ففسَّر الإمام العسكري ( عليه السلام ) الآية قاطعاً لِشَغَبِهِم ، فقال ( عليه السلام ) : ( أَدِمْ لَنَا تَوفِيقَكَ الَّذي بِهِ أطَعْنَاكَ فِي مَاضِي أيَّامِنا ، حَتَّى نُطِيعَكَ كَذَلِكَ فِي مُسْتَقبَلِ أعْمَالِنَا ) .
ثُمَّ فسَّر الإمام ( عليه السلام ) الصراط بقوله : ( الصِّراطَ المُستَقِيم هو صِراطان : صراطٌ في الدُّنيا ، وصراطٌ في الآخِرَة ، أمَّا الأوَّل فَهو مَا قَصُر عَنْ الغُلُوِّ ، وارتَفَع عَن التَّقصيرِ ، واستقامَ فَلَمْ يَعْدِلْ إلى شَيءٍ مِنَ البَاطِلِ .
وأمَّا الطَّرِيقُ الآخَرِ فَهوَ طَرِيقُ المُؤمِنِينَ إلى الجَنَّة ، الَّذي هُو مُستَقِيم ، لا يَعدِلُونَ عَن الجَنَّةِ إلَى النَّارِ ، وَلا إلى غَيرِ النَّارِ سِوَى الجَنَّة ) .
وكان قد استفحل أمرُ الغلاةِ في عصر الإمام العسكري ( عليه السلام ) ، ونَسَبُوا إلى الأئمَّة الهُداة أموراً هم عنها برَاء .
ولأجل ذلك يركِّز الإمام علي ( عليه السلام ) على أنَّ الصراط المستقيم لِكلِّ مسلمٍ هُو التجنُّب عن الغلوِّ والتقصير .
المورد الثالث :
ربما يغترُّ الغافلُ بظاهر قوله سبحانه : ( صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ ) الفاتحة : 6 .
ويتصوَّر أنَّ المراد من النعمة هو المَالُ والأولادُ وصِحَّة البدن ، وإنْ كان كُلُّ هذا نعمة من الله ، ولكن المراد من الآية بقرينة قوله : ( غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ ) الفاتحة : 6 ، هُو نِعْمة التوفيق والهداية .
ولأجلِ ذلك نَرى أنَّ الإمام العسكري ( عليه السلام ) يفسِّر هذا المعنى بقوله : ( قُولُوا : اِهْدِنَا صِراطَ الَّذينَ أنْعَمْتَ عَليهِمْ بالتَّوفِيقِ لِدِينِكَ وَطَاعَتِكَ ، وَهُم الَّذينَ قَالَ اللهُ عزَّ وجلَّ : ( وَمَن يُطِعِ اللّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَـئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا ) ) النساء : 69 .
ثُمَّ قال ( عليه السلام ) : ( لَيْسَ هَؤلاَء المُنعَم عَلَيهِم بالمَال وصِحَّة البَدَن ، وإنْ كَانَ كُلُّ هَذا نِعْمَةٌ مِن اللهِ ظَاهِرَة ) .
المورد الرابع :
لقد تفشَّتْ آنذاك فكرة عدم علمه سُبْحانه بالأشياء قبل أن تُخلق ، تأثُّراً بتصوِّرات بعض المدارس الفكرية الفلسفية الموروثة عن اليونان .
فيقول محمد بن صالح : سألتُه عن قول الله : ( يَمْحُو اللّهُ مَا يَشَاء وَيُثْبِتُ وَعِندَهُ أُمُّ الْكِتَابِ ) الرعد : 39 .
فقال الإمام العسكري ( عليه السلام ) : ( هَلْ يَمحُو إلاَّ مَا كَانَ ، وَهَلْ يُثبِتُ إلاَّ مَا لَمْ يَكُنْ ) .
فقلتُ في نفسي : هذا خلاف ما يقوله هشام الفوطي : أنه لا يعلم الشيء حتى يكون .
فنظر ( عليه السلام ) إليَّ شزراً ، وقال : ( تَعَالَى اللهُ الجَبَّارُ العَالِمُ بالشَّيءِ قَبلَ كَونِهِ ، الخَالِقُ إذْ لا مَخْلُوق ، والرَّبُّ إذْ لا مَرْبوب ، والقَادِرُ قَبْل المَقْدُورِ عَلَيه ) .

صدرية.حكيمية 23-08-2006 05:38 AM

رسالة الإمام الحسن العسكري ( عليه السلام ) حول أهمّية الإمامة
أرسل الإمام الحسن العسكري ( عليه السلام ) رسالة إلى إسحاق بن إسماعيل النيسابوري ـ أحد أصحابه الثقاة ـ بيّن فيها ( عليه السلام ) مدى أهمّية الإمامة ، جاء فيها :
( سترنا الله وإيّاك بستره ، وتولاّك في جميع أمورك بصنعه ، فهمت كتابك يرحمك الله ، ونحن بحمد الله ونعمته ، أهل بيت نرق على أوليائنا ، ونسرُّ بتتابع إحسان الله إليهم ، وفضله لديهم ، ونعتدّ بكل نعمة ينعمها الله تبارك وتعالى عليهم .
فأتم الله عليك يا إسحاق وعلى من كان مثلك - ممّن قد رحمه الله وبصّره بصيرتك - نعمته وقدر تمام نعمته دخول الجنّة ، وليس من نعمة ، وإن جل أمرها وعظم خطرها ، إلاّ وتقدّست أسماؤه عليها ، مؤدٍ شكرها .
وأنا أقول : الحمد لله أفضل ما حمده حامد إلى أبد الأبد ، بما منّ الله عليك من رحمته ، ونجّاك من الهلكة ، وسهّل سبيلك على العقبة ، وأيم الله أنّها لعقبة كؤود ، شديد أمرها ، صعب مسلكها ، عظيم بلاؤها ، قديم في الزبر الأولى ذكرها .
ولقد كانت منكم في أيّام الماضي ( عليه السلام ) إلى أن مضى لسبيله ، وفي أيّامي هذه ، أمور كنتم فيها عندي غير محمودي الرأي ، ولا مسدّدي التوفيق .
فاعلم يقيناً يا إسحاق : أنّه من خرج من هذه الدنيا أعمى فهو في الآخرة أعمى وأضل سبيلاً .
يا إسحاق ليس تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور ، وذلك قول الله في محكم كتابه حكاية عن الظالم إذ يقول : ( رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيراً قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ ءَايَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى ) ـ طه : 125 – 126 ـ .
وأي آية أعظم من حجّة الله على خلقه ، وأمينه في بلاده ، وشهيده على عباده ، من بعد من سلف من آبائه الأوّلين النبيين ، وآبائه الآخرين الوصيين ( عليهم أجمعين السلام ورحمة الله وبركاته ) .
فأين يتاه بكم وأين تذهبون كالأنعام على وجوهكم ، عن الحق تصدفون ، وبالباطل تؤمنون ، وبنعمة الله تكفرون ، أو تكونون ممّن يؤمن ببعض الكتاب ، ويكفر ببعض ، فما جزاء من يفعل ذلك منكم ومن غيركم إلاّ خزي في الحياة الدنيا ، وطول عذاب في الآخرة الباقية ، وذلك والله الخزي العظيم .
إنّ الله بمنّه ورحمته لمّا فرض عليكم الفرائض ، لم يفرض ذلك عليكم لحاجة منه إليكم ، بل رحمة منه - لا إله إلاّ هو - عليكم ليميز الخبيث من الطيّب ، وليبتلي ما في صدوركم ، وليمحّص ما في قلوبكم ، لتسابقوا إلى رحمة الله ، ولتتفاضل منازلكم في جنّته ، ففرض عليكم الحج والعمرة ، وإقام الصلاة ، وإيتاء الزكاة ، والصوم والولاية ، وجعل لكم باباً تستفتحون به أبواب الفرائض مفتاحاً إلى سبيله ، لولا محمّد ( صلى الله عليه وآله ) ، والأوصياء من ولده ، لكنتم حيارى كالبهائم لا تعرفون فرضاً من الفرائض ، وهل تدخل مدينة إلاّ من بابها ، فلمّا منَّ عليكم بإقامة الأولياء بعد نبيكم ، قال الله في كتابه : ( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً ) ـ المائدة : 3 ـ .
ففرض عليكم لأوليائه حقوقاً أمركم بأدائها ليحلّ لكم ما وراء ظهوركم من أزواجكم وأموالكم ومأكلكم ومشاربكم ، قال : ( لآ أَسْاَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى ) ـ الشورى : 23 ـ واعلموا أنّ من يبخل فإنّما يبخل عن نفسه ، والله الغني وأنتم الفقراء ، لا إله إلاّ هو ، ولقد طالت المخاطبة فيما هو لكم وعليكم .
ولولا ما يحب الله من تمام النعمة من الله عليكم ، لما رأيتم لي خطاً ولا سمعتم منّي حرفاً ، من بعد مضي الماضي ( عليه السلام ) ، وأنتم في غفلة مما إليه معادكم ، ومن بعد إقامتي لكم إبراهيم بن عبدة ، وكتابي الذي حمله إليكم محمّد بن موسى النيسابوري ، والله المستعان على كل حال ، وإيّاكم أن تفرطوا في جنب الله فتكونوا من الخاسرين ، فبعداً وسحقاً لمن رغب عن طاعة الله ، ولم يقبل مواعظ أوليائه ، فقد أمركم الله بطاعته ، وطاعة رسوله ، وطاعة أولي الأمر .
رحم الله ضعفكم وغفلتكم ، وصبركم على أمركم ، فما أغر الإنسان بربّه الكريم ، ولو فهمت الصم الصلاب بعض ما هو في هذا الكتاب لتصدعت قلقاً وخوفاً من خشية الله ، ورجوعاً إلى طاعة الله ، واعملوا ما شئتم ( فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون ، ثم تُردّون إلى عالم الغيب والشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون ) والحمد لله رب العالمين ، وصلى الله على محمّد وآله أجمعين ) .

صدرية.حكيمية 23-08-2006 05:39 AM

شهادة الإمام العسكري ( عليه السلام )
أصبَحَت قيادَة الإمام الحسن العسكري ( عليه السلام ) وامتِدَادُها الجماهيري بين أوساط الأمَّة الإسلامية مصدر خَطَرٍ على السلطة العباسية .
فأخذَ الخليفة المُعتَمِد يفكّر جدِّياً بتصفية شخص الإمام العسكري ( عليه السلام ) ، فدسَّ إليه السُم .
ومضى الإمام العسكري ( عليه السلام ) إلى رَبِّهِ مسموماً شهيداً ، في الثامن من ربيع الأوّل 260 هـ ، وعمره الشريف ثمان وعشرون سنة .

صدرية.حكيمية 23-08-2006 05:39 AM

عبادة الإمام العسكري ( عليه السلام )
لا شك أن أئمة أهل البيت ( عليهم السلام ) هم قدوة الامة في العبادة ، والإخلاص لله عزّوجل ، وواضح أن من أبرز العناصر المقوّمة للإمامة هو عنصر الإخلاص لله سبحانه ، والتعلق به دون سواه ، وإن من أبرز معالم هذا الإخلاص والعبودية لله في حياة البشرية ، هو العبادة والتسليم لإمر الله سبحانه .
وقد ورد في كثير من الروايات التي وصلتنا أنها تتحدث عن عبادة الإمام العسكري ( عليه السلام ) كما تحدثت عن عبادة آبائه ( عليهم السلام ) ، ومن أهمها ، الروايات التي تحدثت عن عبادته ( عليه السلام ) وكيفية تعلقه بالله عزّوجلّ حتى عندما كان في السجن .
وفي الحقيقة ان هذه الصورة تعيد الى الاذهان صورة جدّه الإمام موسى الكاظم ( عليه السلام ) عندما كان في سجن هارون الرشيد ، وهو يقول : ( إني دعوت الله أن يفرغني للعبادة ففعل ) .
وقد روي عن الإمام العسكري ( عليه السلام ) عندما أودع السجن أيام الحكم العباسي ، أنّه كان يصوم نهاره ويقوم ليله ، لا يتكلم ولا يتشاغل بغير عبادة الله سبحانه .

صدرية.حكيمية 23-08-2006 05:40 AM

علم الإمام العسكري ( عليه السلام )
عاش الإمام العسكري ( عليه السلام ) في القرن الثالث الهجري ، وهو قرن كانت المدارس الفكرية قد اكتملت فيه شخصيتها ، خصوصاً في مجال الفقه ومذاهبه ، والتفسير والكلام واصول الفقه ، والفلسفة والحديث وغيرها .
وقد تحددت معالم مدرسة أهل البيت ( عليهم السلام ) من خلال النشاطات العلميّة للإمام العسكري ( عليه السلام ) إذ قام بإعداد ثلة من الرواة والتلاميذ ، وما قام به من مراسلات ومحاورات واجوبة على المسائل المختلفة ، وما روى من أحاديث ، وبث من علوم ومعارف ، فقد نقلت عنه ( عليه السلام ) ذلك كتب الاحاديث والتفسير ، والمناظرة وعلم الكلام وغيرها .

صدرية.حكيمية 23-08-2006 05:40 AM

كرامات الإمام الحسن العسكري ( عليه السلام )
يتميّز الأئمة ( عليهم السلام ) بارتباطٍ خاصٍّ بالله تعالى وعالَم الغيب ، بسبَبِ مقامِ العصمة والإمامة ، ولَهُم - مثل الأنبياء - معاجزٌ وكرامَاتٌ تؤيِّد ارتباطهم بالله تعالى ، وكونَهم أئمة ، وللإمام العسكري ( عليه السلام ) معاجزٌ وكراماتٌ كثيرةٌ ، سجَّلَتْها كتبُ التاريخ ، ونذكر هنا بعضاً منها :
الكرامة الأولى :
عن أبي هاشم الجعفري قال : لما مضى أبو الحسن ( عليه السلام ) صاحب العسكر ، اشتغل أبو محمّد ابنه بغسله وشأنه ، وأسرع بعض الخدم إلى أشياء احتملوها من ثياب ودراهم وغيرها .
فلمّا فرغ أبو محمّد ( عليه السلام ) من شأنه ، صار إلى مجلسه فجلس ، ثمّ دعا أولئك الخدم ، فقال لهم : ( إن صدّقتموني عمّا أحدثكم فيه ، فأنتم آمنون من عقوبتي ، وإن أصررتم على الجحود دللت على كل ما أخذه كل واحد منكم ، وعاقبتكم عند ذلك بما تستحقونه منّي ) .
ثمّ قال : ( أنت يا فلان ، أخذت كذا وكذا ، أكذلك هو ؟ ) قال : نعم يا ابن رسول الله ، قال : ( فردّه ) .
ثمّ قال : ( وأنت يا فلانة أخذت كذا وكذا ، أكذلك هو ؟ ) قالت : نعم ، قال : ( فردّيه ) .
فذكر لكل واحد منهم ما أخذه وصار إليه حتّى ردّوا جميع ما أخذوه .
الكرامة الثانية :
قال أبو هاشم الجعفري : إنّ أبا محمّد ( عليه السلام ) ركب يوماً إلى الصحراء فركبت معه ، فبينا نسير وهو قدّامي وأنا خلفه ، إذ عرض لي فكر في دين كان عليّ قد حان أجله ، فجعلت أفكر من أي وجه قضاؤه .
فالتفت إلي فقال : ( يا أبا هاشم الله يقضيه ) ، ثمّ انحنى على قربوس سرجه ، فخطّ بسوطه خطّة في الأرض ، وقال : ( انزل فخذ واكتم ) .
فنزلت فإذا سبيكة ذهب ، قال : فوضعتها في خفي وسرنا ، فعرض لي الفكر ، فقلت : إنّ كان فيها تمام الدين وإلاّ فإنّي أرضي صاحبه بها ، ويجب أن ننظر الآن في وجه نفقة الشتاء ، وما نحتاج إليه فيه من كسوة وغيرها .
فالتفت إليّ ثمّ انحنى ثانية ، وخطّ بسوطه خطّة في الأرض مثل الأولى ، ثمّ قال : ( انزل فخذ واكتم ) .
قال : فنزلت ، وإذا سبيكة فضّة فجعلتها في خفي الآخر ، وسرنا يسيراً ، ثمّ انصرف إلى منزله وانصرفت إلى منزلي ، فجلست فحسبت ذلك الدين وعرفت مبلغه ، ثمّ وزنت سبيكة الذهب فخرجت بقسط ذلك الدين ما زادت ولا نقصت ، ثمّ نظرت فيما نحتاج إليه لشتوتي من كل وجه ، فعرفت مبلغه الذي لم يكن بد منه على الاقتصاد ، بلا تقتير ولا إسراف ، ثمّ وزنت سبيكة الفضة ، فخرجت على ما قدرته ما زادت ولا نقصت .
الكرامة الثالثة :
روي عن علي بن زيد بن علي بن الحسين بن زيد بن علي ( عليهم السلام ) ، قال : صحبت أبا محمّد ( عليه السلام ) من دار العامّة إلى منزله ، فلمّا صار إلى الدار وأردت الانصراف ، قال : ( أمهل ) ، فدخل ثمّ أذن لي .
فدخلت فأعطاني مائة دينار ، وقال : ( صيّرها في ثمن جارية ، فإنّ جاريتك فلانة ماتت ) ، وكنت خرجت من منزلي وعهدي بها أنشط ما كانت ، فمضيت فإذا الغلام قال : ماتت جاريتك فلانة الساعة .
قلت : ما حالها ؟ قال : شربت ماء ، فشرقت فماتت .
الكرامة الرابعة :
قال أبو هاشم الجعفري : كنت محبوساً مع أبي محمّد ( عليه السلام ) في حبس المهتدي بن الواثق ، فقال لي : ( إنّ هذا الطاغي أراد أن يتعبث بالله في هذه الليلة ، وقد بتر الله عمره ، وساء رزقه ) .
فلمّا أصبحنا شغب الأتراك على المهتدي فقتلوه ، وولي المعتمد مكانه ، وسلّمنا الله .
الكرامة الخامسة :
قال الحسن بن ظريف : اختلج في صدري مسألتان أردت الكتابة بهما إلى أبي محمّد ( عليه السلام ) ، فكتبت أسأله عن القائم ( عليه السلام ) بم يقضي ؟ وأين مجلسه ؟ وكنت أردت أن أسأله عن شيء لحمى الربع ، فأغفلت ذكر الحمى .
فجاء الجواب : ( سألت عن القائم إذا قام ، يقضي بين الناس بعلمه كقضاء داود ، ولا يسأل البينة ، وكنت أردت أن تسأل لحمى الربع فأنسيت ، فاكتب في ورقة وعلّقه على المحموم : يا نارُ كُونِي بَرْداً وَسَلاماً عَلى إِبراهِيمَ ) ، فكتبته وعلّقته على المحموم فبرأ .
الكرامة السادسة :
قال علي بن زيد بن علي بن الحسين بن زيد بن علي ( عليه السلام ) : كان لي فرس كنت به معجباً ، أكثر ذكره في المجالس ، فدخلت على أبي محمّد ( عليه السلام ) يوماً ، فقال : ( ما فعل فرسك ؟ ) قلت : هو ذا على بابك الآن .
فقال : ( استبدل به قبل المساء إن قدرت على مشتر لا تؤخّر ذلك ) ، ودخل داخل فانقطع الكلام ، فقمت مفكّراً ومضيت إلى منزلي ، فأخبرت أخي بذلك ، فقال : ما أدري ما أقول في هذا ، وشححت به ، ونفست على الناس به ، فلمّا صلّيت العتمة جاءني السائس .
فقال : نفق فرسك الساعة فاغتممت ، وعلمت أنّه عنى هذا بذلك القول .
فدخلت على أبي محمّد ( عليه السلام ) من بعد ، وأنا أقول في نفسي ليته أخلف عليّ دابة ، فقال قبل أن أتحدّث بشيء : ( نعم ، نخلف عليك ، يا غلام أعطه برذوني الكميت ) ، ثمّ قال لي : ( هذا خير من فرسك ، وأوطأ وأطول عمراً ) .
الكرامة السابعة :
روي عن أبي حمزة نصير الخادم قال : سمعت أبا محمّد ( عليه السلام ) غير مرّة يكلّم غلمانه وغيرهم بلغاتهم ، وفيهم روم وترك وصقالبة ، فتعجّبت من ذلك ، وقلت : هذا ولد هنا ، ولم يظهر لأحد حتّى مضى أبو الحسن ، ولا رآه أحد ، فكيف هذا ؟ أحدث بهذا نفسي .
فأقبل عليّ فقال : ( إنّ الله بيّن حجّته من بين سائر خلقه ، وأعطاه معرفة كل شيء ، فهو يعرف اللغات والأسباب والحوادث ، ولولا ذلك لم يكن بين الحجّة والمحجوج فرق ) .
الكرامة الثامنة :
قال ابن الفرات : كان لي على ابن عم عشرة آلاف درهم ، فكتبت إلى أبي محمّد ( عليه السلام ) أسأله الدعاء لذلك ، فكتب إليّ أنّه راد عليك مالك ، وهو ميّت بعد جمعة ، قال : فردّ عليّ ابن عمّي مالي ، فقلت له : ما بدا لك في ردّه وقد منعتنيه ؟
قال : رأيت أبا محمّد ( عليه السلام ) في النوم ، فقال : ( إنّ أجلك قد دنا ، فردّ على ابن عمّك ماله ) .
الكرامة التاسعة :
قال علي بن الحسن بن سابور : قحط الناس بسر من ‏رأى في زمن الحسن الأخير ( عليه السلام ) ، فأمر المعتمد بن المتوكّل الحاجب وأهل المملكة أن يخرجوا إلى الاستسقاء .
فخرجوا ثلاثة أيّام متوالية إلى المصلّى يستسقون ويدعون ، فما سقوا ، فخرج الجاثليق في اليوم الرابع إلى الصحراء ومعه النصارى والرهبان ، وكان فيهم راهب ، فلمّا مد يده هطلت السماء بالمطر .
وخرج في اليوم الثاني ، فهطلت السماء بالمطر ، فشكّ أكثر الناس ، وتعجّبوا وصبّوا إلى النصرانية ، فبعث الخليفة إلى الحسن ( عليه السلام ) ، وكان محبوساً فاستخرجه من حبسه ، وقال : ألحق أمّة جدّك فقد هلكت .
فقال له : ( إنّي خارج في الغد ، ومزيل الشك إن شاء الله ) .
فخرج الجاثليق في اليوم الثالث والرهبان معه ، وخرج الحسن ( عليه السلام ) في نفر من أصحابه ، فلمّا بصر بالراهب ، وقد مدّ يده ، أمر بعض مماليكه أن يقبض على يده اليمنى ، ويأخذ ما بين إصبعيه ففعل ، وأخذ من بين سبابته والوسطى عظماً أسود ، فأخذ الحسن ( عليه السلام ) بيده ، ثمّ قال له : ( استسق الآن ) ، فاستسقى وكانت السماء متغيّمة فتقشّعت ، وطلعت الشمس بيضاء ، فقال الخليفة : ما هذا العظم يا أبا محمّد ؟
فقال ( عليه السلام ) : ( هذا رجل مر بقبر نبي من أنبياء الله ، فوقع في يده هذا العظم ، وما كشف عن عظم نبي إلاّ هطلت السماء بالمطر ) .
الكرامة العاشرة :
قال محمّد بن عبد الله : وقع أبو محمّد ( عليه السلام ) ـ وهو صغير ـ في بئر الماء ، وأبو الحسن ( عليه السلام ) في الصلاة ، والنسوان يصرخن ، فلمّا سلّم قال : ( لا بأس ) ، فرأوه وقد ارتفع الماء إلى رأس البئر ، وأبو محمّد على رأس الماء يلعب بالماء .

صدرية.حكيمية 23-08-2006 05:41 AM

كلمات الإمام الحسن العسكري ( عليه السلام ) القصار
وردت عدّة كلمات قصار للإمام الحسن العسكري ( عليه السلام ) ، نذكر بعضاً منها :
1ـ قال ( عليه السلام ) : ( خير إخوانك من نسي ذنبك ، وذكر إحسانك إليه ) .
2ـ قال ( عليه السلام ) : ( أضعف الأعداء كيداً من أظهر عداوته ) .
3ـ قال ( عليه السلام ) : ( حسن الصورة جمال ظاهر ، وحسن العقل جمال باطن ) .
4ـ قال ( عليه السلام ) : ( أولى الناس بالمحبّة منهم من أمّلوه ) .
5ـ قال ( عليه السلام ) : ( من آنس بالله استوحش الناس ، وعلامة الأنس بالله الوحشة من الناس ) .
6ـ قال ( عليه السلام ) : ( جعلت الخبائث في بيت ، والكذب مفاتيحها ) .
7ـ قال ( عليه السلام ) : ( إذا نشطت القلوب فأودعوها ، وإذا نفرت فودّعوها ) .
8ـ قال ( عليه السلام ) : ( اللحاق بمن ترجو خير من المقام مع من لا تأمن شرّه ) .
9ـ قال ( عليه السلام ) : ( الجهل خصم ، والحلم حكم ، ولم يعرف راحة القلوب من لم يجرّعه الحلم غصص الصبر والغيظ ) .
10ـ قال ( عليه السلام ) : ( من ركب ظهر الباطل نزل به دار الندامة ) .
11ـ قال ( عليه السلام ) : ( المقادير الغالبة لا تدفع بالمغالبة ، والأرزاق المكتوبة لا تنال بالشره ، ولا تدفع بالإمساك عنها ) .
12ـ قال ( عليه السلام ) : ( نائل الكريم يحببّك إليه ويقرّبك منه ، ونائل اللئيم يباعدك منه ويبغضك إليه ) .
13ـ قال ( عليه السلام ) : ( من كان الورع سجيته ، والكرم طبيعته ، والحلم خلّته كثر صديقه ، والثناء عليه ، وانتصر من أعدائه بحسن الثناء عليه ) .
14ـ قال ( عليه السلام ) : ( السَهر ألذّ للمنام ، والجوع أزيد في طيب الطعام ) .
15ـ قال ( عليه السلام ) : ( المؤمن بركة على المؤمن ، وحجّة على الكافر ) .
16ـ قال ( عليه السلام ) : ( قلب الأحمق في فمه ، وفم الحكيم في قلبه ) .
17ـ قال ( عليه السلام ) : ( لا يشغلك رزق مضمون عن عمل مفروض ) .
18ـ قال ( عليه السلام ) : ( من تعدّى في طهوره كان كناقضه ) .
19ـ قال ( عليه السلام ) : ( ما ترك الحقَ عزيزٌ إلاّ ذلّ ، ولا أخذ به ذليل إلاّ عزّ ) .
20ـ قال ( عليه السلام ) : ( صديق الجاهل تعب ) .
21ـ قال ( عليه السلام ) : ( خصلتان ليس فوقهما شيء : الإيمان بالله ونفع الإخوان ) .
22ـ قال ( عليه السلام ) : ( جرأة الولد على والده في صغره تدعو إلى العقوق في كبره ) .
23ـ قال ( عليه السلام ) : ( ليس من الأدب إظهار الفرح عند المحزون ) .
24ـ قال ( عليه السلام ) : ( خير من الحياة ما إذا فقدته بغضت الحياة ، وشر من الموت ما إذا نزل بك أحببت الموت ) .
25ـ قال ( عليه السلام ) : ( رياضة الجاهل وردّ المعتاد عن عادته كالمعجز ) .
26ـ قال ( عليه السلام ) : ( التواضع نعمة لا يحسد عليها ) .
27ـ قال ( عليه السلام ) : ( لا تكرم الرجل بما يشقّ عليه ) .
28ـ قال ( عليه السلام ) : ( من وعظ أخاه سرّاً فقد زانه ، ومن وعظه علانية فقد شانه ) .
29ـ قال ( عليه السلام ) : ( ما من بلية إلاّ ولله فيها نعمة تحيط بها ) .
30ـ قال ( عليه السلام ) : ( ما أقبح بالمؤمن أن تكون له رغبة تذلّه ) .

صدرية.حكيمية 23-08-2006 05:43 AM

الامام الحجة عجل الله تعالى فرجه وسهل مخرجه وجعلنا الله واياكم من انصاره واعوانه ومن المستشهديين بين يديه

صدرية.حكيمية 23-08-2006 05:43 AM

أدعية لتعجيل فرج الإمام المهدي ( عليه السلام )
وردت عدّة أدعية لتعجيل فرج الإمام المهدي ( عليه السلام ) ، نذكر منها :
1ـ دعاء بعد صلاة الفجر : ( اللهم بلّغ مولاي صاحب الزمان - صلوات الله عليه - عن جميع المؤمنين والمؤمنات , في مشارق الأرض ومغاربها , وبرّها وبحرها وسهلها وجبلها , حيّهم وميّتهم , وعن والدي وولدي , وعنّي من الصلوات , والتحيّات زنة عرش الله , ومداد كلماته ، ومنتهى رضاه , وعدد ما أحصاه كتابه , وأحاط به علمه به .
اللهم أُجدّد له في هذه اليوم وفي كل يوم , عهداً وعقداً وبيعة له في رقبتي ، اللهم فكما شرّفتني بهذا التشريف , وفضّلتني بهذه الفضيلة , وخصصتني بهذه النعمة ، فصل على مولاي وسيّدي صاحب الزمان , واجعلني من أنصاره وأشياعه والذابين عنه , واجعلني من المستشهدين بين يديه ، طائعاً غير مكره , في الصف الذي نعت أهله في كتابك ، فقلت : ( صفاً كأنّهم بنيان مرصوص ) على طاعتك وطاعة رسولك وآله ( عليهم السلام ) ، اللهم هذه بيعة له في عنقي إلى يوم القيامة ) .
2ـ دعاء الحكمة : ( بسم الله الرحمن الرحيم ، اللهم إنّي أسألك أن تصلّي على محمّد نبي رحمتك ، وكلمة نورك ، وأن تملأ قلبي نور اليقين ، وصدري نور الإيمان ، وفكري نور الثبات ، وعزمي نور العلم ، وقوّتي نور العمل ، ولساني نور الصدق ، وديني نور البصائر من عندك ، وبصري نور الضياء ، وسمعي نور وعي الحكمة ، ومودّتي نور الموالاة لمحمّد وآله ( عليهم السلام ) حتّى ألقاك وقد وفيت بعهدك وميثاقك ، فلتسعني رحمتك يا ولي يا حميد .
اللهم صل على حجّتك في أرضك ، وخليفتك في بلادك ، والداعي إلى سبيلك ، والقائم بقسطك ، والثائر بأمرك ، ولي المؤمنين ، وبوار الكافرين ، ومجلي الظلمة ، ومنير الحق ، والساطع بالحكمة والصدق ، وكلمتك التامّة في أرضك ، المرتقب الخائف ، والولي الناصح ، سفينة النجاة ، وعلم الهدى ، ونور أبصار الورى ، وخير من تقمّص وارتدى ، ومجلي العمى ، الذي يملأ الأرض عدلاً وقسطاً ، كما ملأت ظلماً وجوراً ، إنّك على كل شيء قدير .
اللهم صل على وليك وابن أوليائك الذين فرضت طاعتهم ، وأوجبت حقّهم ، وأذهبت عنهم الرجس ، وطهّرتهم تطهيراً .
اللهم انصر وانتصر به أولياءك وأولياءه ، وشيعته وأنصاره واجعلنا منهم ، اللهم أعذه من كل باغ وطاغ ، ومن شر جميع خلقك ، واحفظه من بين يديه ومن خلفه ، وعن يمينه وعن شماله ، واحرسه ، وامنعه من أن يوصل إليه بسوء ، واحفظ فيه رسولك وآل رسولك ، وأظهر به العدل ، وأيدّه بالنصر ، وانصر ناصريه ، واخذل خاذليه ، واقصم به جبابرة الكفرة ، واقتل به الكفّار والمنافقين وجميع الملحدين ، حيث كانوا في مشارق الأرض ومغاربها ، برّها وبحرها ، واملأ به الأرض عدلاً ، وأظهر به دين نبيّك ، واجعلني اللهم من أنصاره وأعوانه ، وأتباعه وشيعته ، وأرني في آل محمّد ما يأملون ، وفي عدوّهم ما يحذرون ، إله الحق آمين ، يا ذا الجلال والإكرام ، يا أرحم الراحمين ) .
3ـ الصلاة والدعاء له : ( اللهم وصل على وليك المحيي سنّتك ، القائم بأمرك ، الداعي إليك ، الدليل عليك ، حجّتك على خلقك ، وخليفتك في أرضك ، وشاهدك على عبادك ، اللهم أعز نصره ، ومد في عمره ، وزيّن الأرض بطول بقائه ، اللهم أكفه بغي الحاسدين ، وأعذه من شر الكائنين ، وأزجر عنه إرادة الظالمين ، وخلّصه من أيدي الجبّارين .
اللهم أعطه في نفسه وذرّيته وشيعته ورعيته وخاصّته وعامّته وعدّوه وجميع أهل الدنيا ما تقر به عينه ، وتسر به نفسه ، وبلّغه أفضل ما أمله في الدنيا والآخرة إنّك على كل شيء قدير .
اللهم جدد به ما محي من دينك ، وأحي به ما بدّل من كتابك ، وأظهر به ما غيّر من حكمك حتّى يعود دينك به وعلى يديه غضّاً جديداً خالصاً مخلصاً لا شك فيه ، ولا شبهة معه ، ولا باطل عنده ، ولا بدعة لديه .
اللهم نوّر بنوره كل ظلمة ، وهدّ بركنه كل بدعة ، واهدم بعزّه كل ضلالة ، واقصم به كل جبّار ، واخمد بسيفه كل نار ، واهلك بعدله جور كل جائر ، وأجر حكمه على كل حكم ، وأذل بسلطانه كل سلطان .
اللهم أذل كل من ناواه ، وأهلك كل من عاداه ، وامكر بمن كاده ، واستأصل من جحده حقّه ، واستهان بأمره ، وسعى في إطفاء نوره ، وأراد إخماد ذكره .
اللهم صل على محمّد المصطفى ، وعلي المرتضى ، وفاطمة الزهراء ، والحسن الرضا ، والحسين المصفى ، وجميع الأوصياء مصابيح الدجى ، وأعلام الهدى ، ومنار التقى ، والعروة الوثقى ، والحبل المتين ، والصراط المستقيم ، وصل على وليك وولاة عهدك ، والأئمّة من ولده ، ومد في أعمارهم ، وزد في آجالهم ، وبلغهم أقصى آمالهم ديناً ودنياً وآخرة ، إنّك على كل شيء قدير ) .

صدرية.حكيمية 23-08-2006 05:44 AM

أدعية الإمام المهدي ( عليه السلام )
هناك أدعية مذكورة في الكتب ، ربما تدل على صدورها من الإمام المهدي ( عليه السلام ) ، نذكر منها :
1ـ قال ( عليه السلام ) : ( إلهي بِحَقِّ مَنْ ناجاكَ ، وَبِحقِّ مَنْ دَعاكَ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ ، تَفَضَّلْ عَلَى فُقَراءِ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ بالْغناءِ وَالثَّرْوَةِ ، وَعَلَى مَرْضَى الْمُؤْمِنينَ وَالْمُؤْمِناتِ بِالشِّفاءِ وَالصِّحَّةِ ، وَعَلَى أحْياءِ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنات ِبِاللُّطْفِ وَالْكَرَامة ، وَعَلَى أَمْوَاتِ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ بِالْمَغْفِرَةِ وَالرَّحْمَةِ ، وَعَلَى غُرَباءِ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ بِالرَّدِّ إِلَى أَوْطانِهِمْ سَالِمِينَ غَانِمِينَ ، بِمُحَمَّد وَآلِهِ أَجْمَعِينَ ) .
2ـ قال ( عليه السلام ) : ( وأسئلُكَ باسمك الذي خلقتَ به خلقَكَ ورزقتَهم كيفَ شئتَ وكيفَ شاؤوا ، يا مَنْ لا يُغيّرُه الأيّام والليالي أدعُوكَ بِمَا دَعاكَ به نُوحٌ حينَ ناداكَ فأنْجَيتَهُ ومَن مَعهُ وأهلكتَ قومه ، وأدعوك بِمَا دَعاكَ إبراهيمُ خَليلكَ حينَ ناداكَ فأنْجَيْتَهُ وَجعلتَ النّار عَليهِ بَرداً وَسَلاماً ، وأدعوكَ بِمَا دَعاكَ بِه موسى كَليمُكَ حينَ ناداكَ فَفَلَقْتَ لَهُ البَحرَ فَأَنْجَيْتَهُ وَبَنِي إِسْرائِيلَ ، وَأَغْرَقْتَ فِرْعَونَ وَقَوْمَهُ فِي الْيَمِّ ، وَأَدْعوكَ بِما دَعاك بِهِ عِيسَى رُوحُكَ حِينَ نَاداكَ ، فَنَجَّيْتَهُ مِنْ أَعْدائِهِ وَإلَيْكَ رَفَعْتَهُ ، وَأَدْعُوكَ بِما دَعاكَ به حَبِيبُكَ وصَفِيُّكَ وَنَبِيُّكَ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ ، فَاستَجَبْتَ لَهُ وَمِنَ الأَحْزَابِ نَجَّيْتَهُ ، وَعَلَى أَعْدَائِكَ نَصَرْتَهُ ، وَأسْئَلُكَ بِاسْمِكَ الَّذِي إِذَا دُعِيتَ بِهِ أَجَبْتَ ، يا مَنْ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ ، يا مَنْ أَحاطَ بِكُلِّ شَيْء عِلْماً ، يا مَنْ أَحْصَى كُلَّ شَيْء عَدَداً ، يا مَنْ لا تُغَيِّرُهُ الأَيَّامُ وَاللَّيالِيُّ ، وَلا تَتَشابَهُ عَلَيْهِ الأَصْوَاتُ ، وَلا تَخْفَى عَلَيْهِ اللُّغَاتُ ، وَلا يُبْرِمُهُ إِلْحَاحُ الْمُلِحِّينَ .
أَسْئَلُكَ أَنْ تُصَلِّيَ عَلَى مُحَمَّد وَآلِ مُحَمَّد خَيْرَتِكَ مِنْ خَلْقِكَ ، فَصَلِّ عَلَيْهِمْ بِأَفْضَلِ صَلَواتِكَ ، وَصَلِّ عَلَى جَمِيعِ النَّبِيِّينَ وَالْمُرْسَلِينَ الَّذِينَ بَلَّغوا عَنكَ الْهُدَى ، وَعْقَدُوا لَكَ الْمَواثِيقَ بِالطَّاعَةِ ، وَصَلِّ عَلَى عِبادِكَ الصَّالِحِينَ ، يا مَنْ لا يُخْلِفُ الْمِيعادَ أَنْجِزْ لِي ما وَعَدْتَنِي ، وَاجْمَعْ لِي أَصْحابِي ، وَصَبِّرْهُمْ ، وَانْصُرْنِي عَلَى أَعْدَائِكَ وَأَعْداءِ رُسولِكَ ، وَلا تُخَيِّبْ دَعْوَتِي ، فَإِنِّي عَبْدُكَ وَابْنُ عَبْدِكَ ، ابْنُ أَمَتِكَ ، أَسِيرٌ بَيْنَ يَدَيْكَ ، سَيِّدِي أَنْتَ الَّذِي مَنَنْتَ عَلَيَّ بِهذَا الْمَقامِ ، وَتَفَضَّلْتَ بِهِ عَلَيَّ دُونَ كَثِير مِنْ خَلْقِكَ ، أَسْئَلُكَ أَنْ تصَلِّيَ عَلَى مُحَمَّد وَآلِ مُحَمَّد ، وَأَنْ تُنْجِزَ لِي ما وَعَدْتَني ، إِنَّكَ أَنْتَ الصَّادِقُ ، وَلا تُخْلِفُ الْمِيعادَ ، وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْء قَدِيرٌ ) .
3ـ قال ( عليه السلام ) : ( اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّد سَيِّدِ الْمُرْسَلِينَ ، وَخَاتِمِ النَّبِيِّينَ ، وَحُجَّةِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ، الُمْنَتجَبِ فِي الْمِيثاقِ ، الْمُصطَفَى فِي الظِّلالِ ، الْمُطَهَّرِ مِنْ كُلِّ آفَة ، الْبَريءِ مِنْ كُلِّ عَيْب ، الْمُؤَمَّلِ لِلنَّجاةِ ، الْمُرْتَجى لِلشَّفاعَةِ ، الْمُفَوَّضِ إَِلْيهِ فِي دَينِ اللهِ ... ) .
4ـ قال ( عليه السلام ) : ( لا إله إلاّ الله حقاً حقاً ، لا إله إلاّ الله صدقاً صدقاً ، لا إله إلاّ الله تعبّداً ورقّاً ، اللهم معز كل مؤمن وحيد ، ومذل كل جبّار عنيد ، أنت كنفي حين تعييني المذاهب ، وتضيق عليّ الأرض بما رحبت .
اللهم خلقتني وكنت غنيّاً عن خلقي ، ولولا نصرك إيّاي لكنت من المغلوبين ، يا منشر الرحمة من مواضعها ، ومخرج البركات من معادنها ، ويا من خصّ من نفسه بشموخ الرفعة ، فأولياؤه بعزّه يتعزّزون ، يا من وضعت له الملوك نير المذلّة على أعناقهم فهم من سطوته خائفون ، أسألك باسمك الذي فطرت به خلقك فكل لك مذعنون ، أسألك أن تصلّي على محمّد وعلى آل محمّد ، وأن تنجز لي أمري وتعجّل لي الفرج ، وتكفيني وتعافيني وتقضي حوائجي ، الساعة الساعة ، الليلة الليلة ، إنّك على كل شيء قدير ) .
5ـ قال ( عليه السلام ) : ( اللهم إن أطعتك فالمحمدة لك ، وإن عصيتك فالحجّة لك ، منك الروح ومنك الفرج ، سبحان من أنعم وشكر ، سبحان من قدّر وغفر ، اللهم إن كنت قد عصيتك فإنّي قد أطعتك في أحب الأشياء إليك وهو الإيمان بك ، لم اتخذ لك ولداً ولم أدع لك شريكاً ، مناً منك به عليّ ، لا مناً منّي به عليك ، وقد عصيتك يا إلهي على غير وجه المكابرة ، ولا الخروج عن عبوديتك ، ولا الجحود لربوبيّتك ، ولكن أطعت هواي وأزلّني الشيطان ، فلك الحجّة عليّ والبيان ، فإن تعذّبني فبذنوبي غير ظالم ، وإن تغفر لي وترحمني فإنّك جواد كريم ، يا كريم يا كريم ... [ حتّى ينقطع النفس ] .
يا آمناً من كل شيء ، وكل شيء منك خائف حذر أسألك بأمنك من كل شيء ، وخوف كل شيء منك أن تصلّي على محمّد وآل محمّد ، وأن تعطيني أماناً لنفسي وأهلي وولدي ، وسائر ما أنعمت به عليّ ، حتّى لا أخاف أحداً ولا أحذر من شيء أبداً ، إنّك على كل شيء قدير ، وحسبنا الله ونعم الوكيل ، يا كافي إبراهيم نمرود ، يا كافي موسى فرعون ، أسألك أن تصلّي على محمّد وآل محمّد ، وأن تكفيني شر فلان بن فلان ) .
6ـ قال ( عليه السلام ) : ( إلهي عظم البلاء ، وبرح الخفاء ، وانكشف الغطاء ، وانقطع الرجاء ، وضاقت الأرض ، ومنعت السماء ، وأنت المستعان وإليك المشتكى ، وعليك المعوّل في الشدّة والرخاء .
اللهم صل على محمّد وآل محمّد أولي الأمر الذين فرضت علينا طاعتهم ، وعرفتنا بذلك منزلتهم ، ففرّج عنّا بحقّهم فرجاً عاجلاً قريباً كلمح البصر أو هو أقرب .
يا محمّد يا علي ، يا علي يا محمّد ، اكفياني فإنّكما كافيان ، وانصراني فإنّكما ناصران ، يا مولانا يا صاحب الزمان ، الغوث الغوث الغوث ، أدركني أدركني أدركني ، الساعة الساعة الساعة ، العجل العجل العجل ، يا أرحم الراحمين بحق محمّد وآله الطاهرين ) .
7ـ قال ( عليه السلام ) : ( اللهم أرزقنا توفيق الطاعة ، وبعد المعصية وصدق النية ، وعرفان الحرمة ، وأكرمنا بالهدى والاستقامة ، وسدّد ألسنتنا بالصواب والحكمة ، واملأ قلوبنا بالعلم والمعرفة ، وطهّر بطوننا من الحرام والشبهة ، واكفف أيدينا عن الظلم والسرقة ، واغضض أبصارنا عن الفجور والخيانة ، وأسدد أسماعنا عن اللغو والغيبة ، وتفضّل على علمائنا بالزهد والنصيحة ، وعلى المتعلمين بالجهد والرغبة ، وعلى المستمعين بالاتباع والموعظة .
وعلى مرضى المسلمين بالشفاء والراحة ، وعلى موتاهم بالرأفة والرحمة ، وعلى مشايخنا بالوقار والسكينة ، وعلى الشباب بالإنابة والتوبة ، وعلى النساء بالحياء والعفّة ، وعلى الأغنياء بالتواضع والسعة ، وعلى الفقراء بالصبر والقناعة ، وعلى الغزاة بالنصر والغلبة ، وعلى الأسراء بالخلاص والراحة ، وعلى الأمراء بالعدل والشفقة ، وعلى الرعية بالإنصاف وحسن السيرة ، وبارك للحجّاج والزوّار في الزاد والنفقة ، واقض ما أوجبت عليهم من الحج والعمرة ، بفضلك ورحمتك يا أرحم الراحمين ) .
8ـ قال ( عليه السلام ) : ( اللهم صلّ على محمّد سيّد المرسلين وخاتم النبيين ، وحجّة رب العالمين ، المنتجب في الميثاق المصطفى في الظلال ، المطهّر من كل آفة ، المبرئ من كل عيب ، المؤمّل للنجاة ، المرتجى للشفاعة ، المفوّض إليه دين الله ، اللهم شرّف بنيانه ، وعظَّم برهانه ، وافلح حجّته ، وارفع درجته ، وأضئ نوره ، وبيّض وجهه ، وأعطه الفضل والفضيلة والمنزلة والوسيلة ، والدرجة الرفيعة ، وابعثه مقاماً محموداً يغبطه به الأوّلون والآخرون ) .
9ـ قال ( عليه السلام ) : ( الحمد لله الذي يؤمن الخائفين ، وينُجي الصالحين ، ويرفع المستضعفين ، ويضع المستكبرين ، ويهلك ملوكاً ، ويستخلف آخرين ، والحمد لله قاصم الجبّارين ، مبير الظالمين ، مدرك الهاربين ، نكال الظالمين ، صريخ المستصرخين ، موضع حاجات الطالبين ، معتمد المؤمنين ) .
10ـ قال ( عليه السلام ) : ( اللهم إنّا نرغب إليك في دولة كريمة تعز بها الإسلام وأهله ، وتذل بها النفاق وأهله ، وتجعلنا فيها من الدعاة إلى طاعتك ، والقادة إلى سبيلك ، وترزقنا بها كرامة الدنيا والآخرة ) .
11ـ قال ( عليه السلام ) : ( اللهم ما عرّفتنا من الحق فحمّلناه ، وما قصرنا عنه فبلّغناه ) .
12ـ قال ( عليه السلام ) : ( اللهم إنّا نشكو إليك فقد نبينا صلواتك عليه وآله ، وغيبة وليّنا ، وكثرة عدوّنا ، وقلّة عددنا ، وشدّة الفتن بنا ، وتظاهر الزمان علينا ، فصل على محّمد وآله ، وأعنّا على ذلك بفتح منك تعجّله ، وبضر تكشفه ، ونصر تعزّه ، وسلطان حق تظهره ، ورحمة منك تجللناها ، وعافية منك تلبسناها برحمتك يا أرحم الراحمين ) .

صدرية.حكيمية 23-08-2006 05:45 AM

الاستدلال على وجود الإمام المهدي ( عليه السلام )
إن فكرة المهدي ( عليه السلام ) بوصفه القائد المنتظر لتغيير العالم إلى الأفضل ، قد جاءت في أحاديث الرسول الأعظم ( صلى الله عليه وآله ) عموماً ، وفي روايات أئمة أهل البيت ( عليهم السلام ) خصوصاً ، وأكَّدت في نصوص كثيرة بدرجة لا يمكن أن يرقى إليها الشك .
وأما تجسيد هذه الفكرة في الإمام الثاني عشر ( عليه السلام ) فهذا ما توجد مبررات كافية وواضحة للاقتناع به .
ويمكن تلخيص هذه المبررات في دليلين :
الدليل الإسلامي :
بالدليل الإسلامي نثبت وجود القائد المنتظر ( عليه السلام ) ، ويتمثّل في مئات الروايات الواردة عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) والأئمة من أهل البيت ( عليهم السلام ) .
والتي تدلُّ على تعيين الإمام المهدي ( عليه السلام ) وكونه من أهل البيت ( عليهم السلام ) ، وأنه ( عليه السلام ) من ولد فاطمة ، ومن ذرية الإمام الحسين ( عليه السلام ) ، وأنه ( عليه السلام ) التاسع من ولد الإمام الحسين .
فإن هذه الروايات تحدِّد تلك الفكرة العامة وتشخيصها في الإمام الثاني عشر ( عليه السلام ) من أئمة أهل البيت ( عليهم السلام ) .
وهذه الروايات بلغت درجة كبيرة من الكثرة والانتشار ، على الرغم من تحفظ الأئمة ( عليهم السلام ) واحتياطهم في طرح ذلك على المستوى العام ، وقايةً لللخلف الصالح من الاغتيال أو الإجهاز السريع على حياته ( عليه السلام ) .
وليست الكثرة العددية للروايات هي الأساس الوحيد لقبولها ، بل هناك إضافة إلى ذلك مزايا وقرائن تبرهن على صحتها .
فالحديث النبوي الشريف عن الأئمة أو الخلفاء أو الأمراء بعده ، وأنهم اثنا عشر إماماً أو خليفةً أو أميراً - على اختلاف متن الحديث في طرقه المختلفة - قد أحصى بعض المؤلفين ـ لعلي محمد علي دخيل في كتابه الإمام المهدي ( عليه السلام ) ـ رواياته فبلغت أكثر من مائتين وسبعين رواية في أشهر كتب الحديث عند الشيعة والسنة .
ويلاحظ أنّ البخاري ـ الذي ذكر حديث الخلفاء الإثنى عشر ، في صحيحه 9 / 101 ـ كان معاصراً للإمام الجواد والإمام الهادي والإمام العسكري ( عليهم السلام ) ، وفي ذلك مغزىً كبير ; لأنه يبرهن على أنّ هذا الحديث قد سُجّل عن النبي ( صلى الله عليه وآله ) قبل أن يتحقق مضمونه ، وتكتمل فكرة الأئمّة الإثني عشر فعلاً .
وهذا يعني أنه لا يوجد أي مجال للشك في أن يكون نقل الحديث متأثراً بالواقع الإمامي الاثني عشري وانعكاساً له ; لأنّ الأحاديث المزيفة التي تنسب إلى النبي ( صلى الله عليه وآله ) ـ وهي انعكاسات أو تبريرات لواقع متأخر زمنياً ـ لا تسبق في ظهورها وتسجيلها في كتب الحديث ذلك الواقع الذي تشكّل انعكاساً له ، فما دمنا قد ملكنا الدليل المادي على أنّ الحديث المذكور سبق التسلسل التاريخي للأئمّة الاثني عشر ، وضبط في كتب الحديث قبل تكامل الواقع الإمامي الإثني عشري ، أمكننا أن نتأكد من أنّ هذا الحديث ليس انعكاساً لواقع ، وإنما هو تعبير عن حقيقة ربانية نطق بها من لا ينطق عن هوى ، فقال : ( إنّ الخلفاء بعدي اثنا عشر ) ، وجاء الواقع الإمامي الإثني عشري ابتداءً من الإمام علي وانتهاءً بالمهدي ، ليكون التطبيق الوحيد المعقول لذلك الحديث النبوي الشريف .
الدليل العلمي :
وبالدليل العلمي نبرهن على أن الإمام المهدي ( عليه السلام ) ليس مجرد أُسطورة وافتراض ، بل هو حقيقة ثبت وجودها بالتجربة التاريخية .
فالغيبة الصغرى ، هي تجربة عاشتها أمة من الناس ، فترة امتدَّت سبعين سنة تقريباً ، وعبَّر عنها السفراء والنواب طيلة سبعين عاماً من خلال تعاملهم من الآخرين ، ولم يلحظ عليهم أحدٌ كل هذه المدة تلاعباً في الكلام ، أو تحايلاً في التصرف ، أو تهافتاً في النقل .
فهل بإمكان أكذوبة أن تعيش سبعين عاماً ، ويمارسها أربعة على سبيل الترتيب ، كلهم يتفقون عليها ، ويظلون يتعاملون على أساسها وكأنها قضية يعيشونها بأنفسهم ، ويرونها بأعينهم ، دون أن يبدر منهم أي شيء يثير الشك ، ودون أن يكون بين الأربعة علاقة خاصة متميزة ، تتيح لهم نحواً من التواطؤ ، ويكسبون من خلال ما يتصف به سلوكهم من واقعية ثقة الجميع ، وإيمانهم بواقعية القضية التي يدعون أنهم يحسونها ويعيشون معها ؟! .
لقد قيل قديماً : إن حبل الكذب قصير ، ومنطق الحياة يثبت أيضاً أن من المستحيل عمليّاً بحساب الاحتمالات أن تعيش أكذوبة بهذا الشكل ، وكل هذه المدة ، وضمن كل تلك العلاقات والأخذ والعطاء ، ثم تكسب ثقة جميع من حولها .
وهكذا نعرف أن ظاهرة الغيبة الصغرى يمكن أن تعتبر بمثابة تجربة علمية لإثبات ما لها من واقع موضوعي ، والتسليم بالإمام القائد ( عليه السلام ) وبولادته ، وحياته وغيبته ، وإعلانه العام عن الغيبة الكبرى التي استتر بموجبها عن المسرح ، ولم يكشف نفسه لأحد .

صدرية.حكيمية 23-08-2006 05:46 AM

الاعتقاد بالإمام المهدي ( عليه السلام ) فكرة عالمية
إن فكرة ظهور المنقذ العظيم الذي سينشر العدل والرخاء بظهوره في آخر الزمان ، ويقضي على الظلم والاضطهاد في أرجاء العالم ، ويحقق العدل والمساواة في دولته ، هي فكرة آمن بها أهل الأديان الثلاثة ، واعتنقها معظم الشعوب .
فقد آمن اليهود بها ، كما آمن النصارى بعودة عيسى ( عليه السلام ) ، وإلى جانب هذا نجد التصريح من عباقرة الغرب وفلاسفته ، بأن العالم في انتظار المصلح العظيم الذي سيأخذ بزمام الأمور ، ويوحِّد الجميع تحت راية واحدة وشعار واحد .
فمن أولئك العباقرة هو الفيلسوف الإنجليزي ( برتراند راسل ) ، حيث يقول : إن العالم في انتظار مصلح يوحِّد العالم تحت علم واحد وشعار واحد .
ومنهم العالم ( آينشتاين ) ، حيث يقول : إن اليوم الذي يَسُود العالم كله الصلح والصفاء ، ويكون الناس مُتَحَابِّينَ مُتَآخِينَ ليس ببعيد .
والأكثر من هذا كله هو ما جاء به الفيلسوف الإنجليزي ( برناردشو ) ، حيث بشَّر بمجيء المصلح في كتابه ( الإنسان والسوبر مان ) .
أما عن المسلمين ، فَهُم على اختلاف مذاهبهم وفِرَقِهِم يعتقدون بظهور الإمام المهدي ( عليه السلام ) في آخر الزمان على طِبق ما بشَّر به النبي الأكرم محمد ( صلى الله عليه وآله ) .
ولا يختص هذا الاعتقاد بمذهب دون آخر ، ولا فِرقة دون أخرى .
وما أكثر المصرِّحين من علماء العامَّة ابتداءً من القرن الثالث الهجري وإلى اليوم بأن فكرة الظهور محلُّ اتفاقهم ، وبل ومن عقيدتهم أجمع .
ويقول ابن خلدون في تاريخه معبِّراً عن عقيدة المسلمين بظهور الإمام المهدي ( عليه السلام ) : إعلم أن المشهور بين الكافة من أهل الإسلام على ممرِّ الأعصار أنه لابد في آخر الزمان من ظهور رجل من أهل البيت ( عليهم السلام ) ، يؤيد الدين ، ويُظهر العدل ، ويتبعه المسلمون ، ويستولي على الممالك الإسلامية ، ويُسمَّى بـ( المهدي ) .
وقد وافقه على ذلك الأستاذ أحمد أمين الأزهري المصري – على الرغم مما عُرف عنهما من تطرُّف إزاء هذه العقيدة – إذ قال في كتابه ( المهدي والمهدوية ) معبِّراً عن رأي العامَّة بها : فأما أهل السُّنة فقد آمنوا بها أيضاً .
ثم ذكر نصَّ ما ذكره ابن خلدون ، ثم قال : وقد أحصى ابن حجر الأحاديث المروية في المهدي ( عليه السلام ) ، فوجدها نحو الخمسين .
فإذن لا فرق بين الشيعة والعامَّة من حيث الإيمان بظهور المنقذ ، ما دام العامَّة قد وجدوا خمسين حديثاً من طرقهم ، وعدُّوا المهدي ( عليه السلام ) من أشراط الساعة ، وأنهم ألَّفوا في الردِّ أو القول بالتواتر كتباً ورسائل .
بل لا فرق بين جميع المسلمين وبين غيرهم من أهل الأديان والشعوب الأخرى من حيث الإيمان بأصل الفكرة ، وإن اختلفوا في مصداقها .
وقد اتفق المسلمون على أن اسمه ( مُحَمَّد ) كاسم النبي الأكرم ( صلى الله عليه وآله ) ، ولقبه عندهم هو ( المهدي ) .
كما أن اعتقاد أهل الكتاب بظهور المنقذ في آخر الزمان لا يبعد أن يكون من تبشير أديانهم بمهدي أهل البيت ( عليهم السلام ) كتبشيرها بنبوَّة نبيِّنا الأكرم محمد ( صلى الله عليه وآله ) ، إلا أنهم أخفوا ذلك عِناداً وتكبُّراً ، إلا من آمن منهم بالله واتَّقى .
ويدل على ذلك وجود ما يشير في أسفار التوراة كـ ( سفر أرميا ) ، وإليكم نصُّه : إصعدي أيتها الخيل وهيِّجي المركبات ، ولتخرج الأبطال : كوش وقوط القابضان المجنّ ، واللوديُّون القابضون القوس ، فهذا اليوم للسيد ربِّ الجنود ، يوم نقمة للانتقام من مبغضيه ، فيأكل السيف ويشبع .. لأن للسيد رب الجنود ذبيحة في أرض الشمال عند نهر الفرات .
وقد تتبَّع أهل الكتاب أخبار الإمام المهدي ( عليه السلام ) كما تتبَّعوا أخبار جدِّه المصطفى ( صلى الله عليه وآله ) .
فدلَّت أخبار ( سفر الرؤيا ) إلى امرأة يخرج من صُلبها إثنا عشر رجلاً ، ثم أشار إلى امرأة أخرى [ أي التي تلد الرجل الأخير الذي هو من صُلب جدته ] .
فقال السفر : إن هذه المرأة الأخيرة ستحيط بها المخاطر .
ورَمَزَ للمخاطر باسم ( التنين ) ، وقال : والتنين وقف أما المرأة العتيدة حتى تلد ليبتلع ولدها ثم ولدت . [ سفر الرؤيا : 12 : 3 ] .
أي أن السلطة كانت تريد قتل هذا الغلام ، ولكن بعد ولادة الطفل .
ويقول ( باركلي ) في تفسيره : عندما هجمت عليها المخاطر اختطف الله ولده وحفظه .
والنص هو : ( واختطف الله ولدها ) . [ سفر الرؤيا 12 : 5 ] .
أي أن الله غيَّب هذا الطفل كما يقول ( باركلي ) .
وذكر السفر أن غيبة الغلام ستكون ألفاً ومئتين وستين يوماً ، وهي مدَّة لها رموزها عند أهل الكتاب .
هذا وإن لم يصحُّ لمسلم الاحتجاج به ، لِمَا مُنيت به كتب العهدين من تحريف وتبديل .
إلا أنه يدل بوضوح على معرفة أهل الكتاب بالإمام المهدي ( عليه السلام ) ، ثم اختلافهم فيما بعد في تشخيصه ، إذ ليس كل ما جاء به الإسلام قد تفرَّد به عن الأديان السابقة .
فكثير من الأمور الكلِّية التي جاء بها الإسلام كانت في الشرائع السابقة قبله .
فقال الشاطبي المالكي في كتابه ( الموافقات ) : وكثير من الآيات أُخبر فيها بأحكام كلِّية كانت في الشرائع المتقدمة وهي في شريعتنا ، ولا فرق بينهما .
وإذا تقرَّر هذا فلا يضرُّ اعتقاد المسلم بصحة ما بشَّر به النبي ( صلى الله عليه وآله ) من ظهور رجل من أهل بيته ( عليهم السلام ) في آخر الزمان ، بأن يكون هذا المعتقد موجوداً عند أهل الكتاب من اليهود والنصارى ، أو عند غيرهم ممَّن سبق الإسلام .
ولا يخرج هذا المعتقد عن إطاره الإسلامي ، بعد أن بشَّر به النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، وبعد الإيمان بأنه ( صلى الله عليه وآله ) : ( وَمَا يَنطِقُ عَنِ الهَوَى * إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوْحَى ) النجم : 3 – 4 .
وأما عن اعتقادات الشعوب المختلفة بأصل هذه الفكرة كما مرَّ فيمكن تفسيرها على أساس أن فكرة ظهور المنقذ لا تتعارض مع فطرة الإنسان ، وطموحاته وتطلُّعاته .
ولو فكَّر الإنسان قليلاً في اشتراك معظم الشعوب بأصل الفكرة لأدرك أن وراء هذا الكون حكمة بالغة في التدبير .
ويستمدُّ عندئذٍ من خلالها قوَّته في الصمود إزاء ما يرى من انحراف وظلم وطغيان ، ولا يُترك فريسة يأسه دون أن يُزوَّد بخيوط الأمل والرجاء بأن العدل لابد له أن يسود .
وأما عن اختلاف أهل الأديان السابقة والشعوب في تشخيص اسم المنقذ المنتظر ، فلا علاقة له في إنكار ما بشَّر به النبي ( صلى الله عليه وآله ) .
وليس هناك ما يدعو إلى بيان فساد تشخيصهم لاسم المنقذ ، ما دام الإسلام قد تصدَّى بنفسه لهذه المهمَّة ، فبيَّن اسمه ، حسبه ، ونسبه ، وأوصافه ، وسيرته ، وعلامات ظهوره ، وطريقة حُكمه ، حتى تواترت بذلك الأخبار ، واستفاضت بكثرة رواتها من طرق الشيعة والعامَّة أيضاً ، كما صرَّح بذلك أعلامهم وحُفَّاظهم وفقهاؤهم ومحدِّثوهم .
وقد رُوي من تلك الأخبار عن النبي ( صلى الله عليه وآله ) ما يزيد على خمسين صحابياً .
وأما عن اختلاف المسلمين فيما بينهم من حيث تشخيص اسم ( المهدي ) كما هو معلوم بين الشيعة والعامَّة .
فليس فيه أدنى حجة للمستشرقين وأذنابهم ، بل هو من الأدلة القاطعة عليه ، وذلك لأنه من قبيل الاختلاف في تفاصيل شيء متحقق الوجود .
فإنه كاختلافهم في القرآن الكريم بين القول بِقِدَمِهِ وحُدُوثِهِ من الله تعالى ، مع اتفاقهم على تَكفِير مُنكره .
وقِسْ عليه سائر اختلافاتهم الأخرى في تفاصيل بعض العقائد دون أصولها .

صدرية.حكيمية 23-08-2006 05:47 AM

إمامة الإمام المهدي ( عليه السلام ) المبكرة
إن الإمام المهدي ( عليه السلام ) خلف أباه في إمامة المسلمين ، وهذا يعني أنه كان إماماً بكل ما في الإمامة من محتوىً فكري وروحي ، في وقت مبكر جداً من حياته الشريفة .
والإمامة المبكرة ظاهرة سبقهُ إليها عددٌ من آبائه ( عليهم السلام ) ، فالإمام محمد الجواد ( عليه السلام ) تولَّى الإمامة وهو في الثامنة من عمره .
والإمام علي الهادي ( عليه السلام ) تولَّى الإمامة وهو في التاسعة من عمره ، والإمام الحسن العسكري ( عليه السلام ) تولَّى الإمامة وهو في الثانية والعشرين من عمره .
ويلاحظ أن ظاهرة الإمامة المبكرة بلغت ذروتها في الإمام المهدي والإمام الجواد ( عليهما السلام ) وهي ظاهرة .
لأنها كانت بالنسبة إلى عدد من آباء الإمام المهدي ( عليه السلام ) تشكل مدلولاً حسيّاً عملياً عاشه المسلمون ، ووعوه في تجربتهم مع الإمام ( عليه السلام ) بشكل وآخر ، ولا يمكن أن نُطالب بإثبات لظاهرة من الظواهر أوضح وأقوى من تجربة أُمة .
الإمامة المبكِّرة ظاهرة واقعية :
إن الإمام الذي يبرز على المسرح وهو صغير فيعلن عن نفسه إماماً روحيّاً وفكرياً للمسلمين ، ويدين له بالولاء والإمامة كلُّ ذلك التيار الواسع ، لابد أن يكون على قدر واضح وملحوظ - بل وكبير - من العلم والمعرفة ، وسعة الأفق ، والتمكن من الفقه ، والتفسير ، والعقائد ، لأنه لو لم يكن كذلك لما أمكن أن تقتنع تلك القواعد الشعبية بإمامته .
مع أنَّ الأئمة كانوا في مواقع تتيح لقواعدهم التفاعل معهم ، وللأضواء المختلفة أن تُسلّط على حياتهم وموازين شخصيتهم .
فهل من المعقول أن صبيّاً يدعو إلى إمامة نفسه وينصب منها علماً للإسلام وهو على مرأىً ومسمع من جماهير قواعده الشعبية ، فتؤمن به وتبذل في سبيل ذلك الغالي ، من أمنها وحياتها ، بدون أن تكلِّف نفسها اكتشاف حاله ، وبدون أن تهزّها ظاهرة هذه الإمامة المبكرة لاستطلاع حقيقة الموقف وتقويم هذا الصبيِّ الإمام ؟ .
ولو فرضنا أنَّ الناس لم يتحركوا لاستطلاع المواقف ، فهل يمكن أن تمرَّ المسألة أياماً وشهوراً ، بل أعواماً دون أن تتكشَّف الحقيقة ، على الرغم من التفاعل الطبيعي المستمر بين الصبي الإمام وسائر الناس ؟ .
وهل من المعقول أن يكون صبياً في فكره وعلمه حقّاً ، ثم لا يبدو ذلك من خلال هذا التفاعل الطويل ؟ .
وإذا افترضنا أن القواعد الشعبية لإمامة أهل البيت ( عليهم السلام ) لم يُتح لها أن تكتشف واقع الأمر ، فلماذا سكتت الخلافة القائمة ولم تعمل لكشف الحقيقة إذا كانت في صالحها ؟ .
وما كان أيسر ذلك على السلطة القائمة لو كان الإمام الصبي صبياً في فكره وثقافته كما هو المعهود في الصبيان ، وما كان أنجحه من أسلوب أن تقدم هذا الصبي إلى شيعته وغير شيعته على حقيقته ، وتبرهن على عدم كفاءته للإمامة والزعامة الروحية والفكرية .
فلئن كان من الصعب الإقناع بعدم كفاءة شخص في الأربعين أو الخمسين قد أحاط بقدر كبير من ثقافة عصره لِتَسَلُّم الإمامة ، فليس هناك صعوبة في الإقناع بعدم كفاءة صبيٍّ اعتيادي مهما كان ذكيّاً وفطناً للإمامة بمعناها الذي يعرفه الشيعة الإماميون .
وكان هذا أسهل وأيسر من الطرق المعقّدة وأساليب القمع ، والمجازفة التي انتهجتها السلطات وقتئذٍ .
إن التفسير الوحيد لسكوت الخلافة المعاصرة عن اللعب بهذه الورقة ، هو أنها أدركت أن الإمامة المبكرة ظاهرة حقيقية وليست شيئاً مصطنعاً .
وهذا معنى ما قلناه من أنَّ الإمامة المبكِّرة ظاهرة واقعية في حياة أهل البيت ( عليهم السلام ) وليست مجرَّد افتراض .
كما أنَّ هذه الظاهرة الواقعية لها جذورها وحالاتها المماثلة في تراث السماء الذي امتدّ عبر الرسالات والزعامات الربانية .
ويكفي مثالاً لظاهرة الإمامة المبكِّرة في التراث الرباني لأهل البيت ( عليهم السلام ) النبي يحيى ( عليه السلام ) ، إذ قال الله سبحانه وتعالى : ( يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا ) مريم : 12 .
ومتى ثبت أن الإمامة المبكرة ظاهرة واقعية ومتواجدة فعلاً في حياة أهل البيت ( عليهم السلام ) لم يعد هناك اعتراض فيما يخصُّ إمامة المهدي ( عليهم السلام ) وخلافته لأبيه وهو صغير .

صدرية.حكيمية 23-08-2006 05:48 AM

انتظار الإمام المهدي ( عجل الله تعالى فرجه ) بين السلب والإيجاب
قد يظن بعض الناس أن الظهور يتوقف على امتلاء الأرض ظلماً وجوراً انطلاقاً من النصوص التي تفيد بأن الإمام ( عليه السلام ) يملأ الأرض قسطاً وعدلاً بعد أن ملئت ظلماً وجورا .
وبالتالي فإنهم يعتقدون بأن تطور الظلم والجور في حياتنا السياسية والاقتصادية والعسكرية والإدارية والقضائية شرط وعامل مؤثر في الظهور وتعجيل الفرج .
فإذا امتلأت الأرض ظلماً وجوراً ظهر الإمام ( عليه السلام ) ، وأعلن ثورته ضد الظالمين ، وفرّج عن المظلومين والمعذبين والمقهورين .
ومن الواضح أن هذا الاعتقاد إن لم يؤَدِّ إلى المساهمة في توسيع رقعة الفساد والظلم والجور في الأرض ، فهو يؤدي في الحد الأدنى إلى عدم مكافحة الظلم والجور ، والخضوع للأمر الواقع الفاسد ، لأن العمل خلاف ذلك يؤدي إلى إطالة زمن الغيبة وتأخير الفرج .
ولا شك في أن ذلك مخالف لمفاهيم القرآن الذي يدعو إلى رفض الظلم ، وعدم الركون إلى الظالمين ، فقال الله تعالى : ( وَلا تَركَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ ) هود : 113 .
كما إن ذلك يعني تعطيل أهم فرائض الإسلام وأحكامه وتشريعاته ، كفريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، والدعوة إلى الله والجهاد في سبيله ، وهي تكاليف عامة لا تختص بزمان دون زمان ، أو مكان دون آخر .
على أنه ليس معنى ( تمتلئ الأرض ظلماً وجوراً ) الواردة في بعض النصوص هو أن تنعدم قيم الحق والتوحيد والعدل على وجه الأرض ، ولا يبقى موضع يُعبد الله فيه ، فهذا الأمر مستحيل ، وهو على خلاف سنن الله .
وإنما المقصود بهذه الكلمة طغيان سلطان الباطل على الحق في الصراع الدائر بين الحق والباطل .
ولا يمكن أن يزيد طغيان سلطان الباطل على الحق أكثر مما هو عليه الآن ، فقد طغى الظلم على وجه الأرض وبلغ ذروته .
فالذي يجري على مسلمين العراق وفلسطين بأيدي الظلمة أمر يقل نظيره في تاريخ الظلم والإرهاب .
كما إن ما تمارسه الولايات المتحدة الأميركية في مواجهة الإسلام والمسلمين وما تفرضه على العالم الإسلامي بلغ الذروة في الاستكبار والطغيان ، والهيمنة وفرض النفوذ والسيطرة على دول المنطقة وشعوبها ومواردها الحيوية .
وقد كانت غيبة الإمام المهدي ( عجل الله تعالى فرجه ) بسبب طغيان الشر والفساد والظلم ، فكيف يكون طغيان الفساد والظلم شرطاً وسبباً لظهور الإمام ( عليه السلام ) وخروجه ؟
على أن الموجود في النصوص هو : ( يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما مُلئت ظلماً وجوراً ) ، وليس : ( يملأ الأرض قسطاً وعدلاً بعد أن ملئت ظلماً وجورا ) .
فليس معنى ذلك أن الإمام ( عليه السلام ) ينتظر أن يطغى الفساد والظلم أكثر مما ظهر إلى اليوم ليخرج .
وإنما معنى النص أن الإمام ( عليه السلام ) إذا ظهر يملأ الأرض عدلاً ، ويكافح الظلم والفساد في المجتمع حتى يطهر المجتمع البشري منه ، كما امتلأ بالظلم والفساد من قبل .
وخلاصة القول : إن سيطرة الظلم والجور ليست سبباً في تأخير فرج الإمام ( عليه السلام ) أو شرطاً في تعجيله .
ولعل من أهم العوامل المؤثرة في تحقيق ظهوره ( عليه السلام ) ، بل وتقريبه وتعجيل فرجه هو توافر العدد الكافي من الأنصار والموطئين ، الذين يعدون المجتمع والأمة لظهور الإمام ( عليه السلام ) .
فإنهم لابد أن يوطِّئون الأرض ويمهدونها لثورته الشاملة ، ويدعمون حركة الإمام ( عليه السلام ) ويسندونها .
ومن دون هذا الإعداد وهذه التوطئة لا يمكن أن تحصل هذه الثورة الشاملة في سنن الله تعالى في التاريخ ، وذلك انطلاقاً من الحقائق التالية :
الأولى : إن الإمام ( عليه السلام ) لا يقود حركة التغيير الشاملة بمفرده ، لأن الفرد الواحد مهما أوتي من قوة وكمال عقلي وجسمي وروحي ، لا يمكن أن يحقق إنجازاً كبيراً بحجم الإنجاز الضخم الذي سيحققه الإمام ( عليه السلام ) على امتداد الأرض .
خصوصاً إذا تجاوزنا الفرضية الآتية وهي استخدام المعجزة من قبله ( عليه السلام ) من أجل تحقيق النصر .
الثانية : إن الإمام ( عليه السلام ) لا يحقق الإنجازات الكبيرة التي ادخره الله لأجل تحقيقها في آخر الزمان عن طريق المعجزة والأسباب الخارقة .
وقد نفت الروايات استخدام الإمام ( عليه السلام ) المعجزة في ثورته ، وأكدت دور السنن الإلهية في التاريخ والمجتمع في تحقيق هذه الثورة الكونية الشاملة وتطويرها
وإكمالها .
ولا يعني ذلك أن الله سبحانه وتعالى لا يتدخل إلى جانب هذه الثورة بألطافه وإمداده الغيبي .
فإن ثورة الإمام ( عليه السلام ) في مواجهة الطغاة والأنظمة والمؤسسات الاستكبارية الحاكمة والمتسلطة على رقاب الناس لا تحصل من دون إمداد غيبي ، وإسناد وتأييد من قبل الله سبحانه .
والنصوص الإسلامية تؤكد وجود هذا الإمداد الإلهي في حركة الإمام ( عليه السلام ) ، وتصف كيفيته .
إلا أن هذا المَدَد الإلهي أحد طرفي القضية ، والطرف الآخر هو دور الأسباب الطبيعية والوسائل المادية في تحقيق هذه الثورة وحركتها .
فإن الاعتماد على هذه الأسباب لا يتعارض مع المدد والإسناد الإلهيين ، فقال عزَّ وجل : ( وَأَعِدُّوا لَهُم مَا استَطَعتُم مِن قُوَّةٍ وَمِن رِبَاطِ الخَيلِ تُرهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللهِ وَعَدُوَّكُم وَآَخَرِينَ مِن دُونِهِم لا تَعلَمُونَهُمُ اللهُ يَعلَمُهُم ) الأنفال : 60 .

صدرية.حكيمية 23-08-2006 05:48 AM

الإيمان بالإمام المهدي ( عليه السلام ) إلهام فطري
إن ظهور الإيمان بفكرة حتمية ظهور المنقذ العالمي في الفكر الإنساني عموماً ، يكشف عن وجود أسس متينة قوية تستند إليها تنطلق من الفطرة الإنسانية ، بمعنى أنها تعبر عن حاجة فطرية عامة يشترك فيها بنو الإنسان عموماً .

وهذه الحاجة تقوم على ما جبل عليه الإنسان ، من تَطَلُّعٍ مستمر للكمال بأشمل صورة ، وإن ظهور المنقذ العالمي وإقامة دولته العادلة في اليوم الموعود ، يعبر عن وصول المجتمع البشري إلى كماله المنشود .

فليس الإمام المهدي ( عليه السلام ) تجسيداً لعقيدة إسلامية ذات طابع ديني فحسب ، بل هو عنوان لطموح اتَّجَهت إليه البشرية بمختلف أديانها ومذاهبها ، وصياغة لإلهام فطري أدرك الناس من خلاله - على تنوع عقائدهم ووسائلهم إلى الغيب - أن للإنسانية يوماً موعوداً على الأرض تحقَّق فيه رسالات السماء مغزاها الكبير وهدفها النهائي ، وتجد فيه المسيرة المكدودة للإنسان على مَرِّ التاريخ استقرارها وطمئنينتها بعد عناء طويل .

بل لم يقتصر هذا الشعور بهذا الشعور الغيبي والمستقبل المنتظر ، على المؤمنين دنيا بالغيب ، بل امتدَّ إلى غيرهم أيضاً ، وانعكس حتى على أشدِّ الأيدلوجيات والاتجاهات الغيبية رفضاً للغيب .

كالمادية الجدَليَّة التي فسرت التاريخ على أساس التناقضات ، وآمنت بيوم موعود تصفى فيه كل التناقضات ، ويسود فيه الوئام والسلام .

وهكذا نجد أنَّ التجربة النفسية لهذا الشعور التي مارستها الإنسانية على مرِّ الزمان ، من أوسع التجارب النفسية وأكثرها عموماً بين بني الإنسان .

إذن ، فالإيمان بالفكرة التي يجسدها الإمام المهدي الموعود ( عليه السلام ) هي من أكثر الأفكار انتشاراً بين بني الإنسان كافة ، لأنها تستند إلى فطرة التطلع للكمال بأشمل صورة ، أي إنها تعبِّر عن حاجة فطرية ، لذلك فتحققها حتمي ، لأن الفطرة لا تطلب ما هو غير موجود كما هو معلوم .

صدرية.حكيمية 23-08-2006 05:49 AM

تتويج الإمام المهدي ( عليه السلام )
الإمام المهدي ( عليه السلام ) هو آخر أئمة أهل البيت ( عليهم السلام ) ، وقد بشَّر به جَدُّه محمد ( صلى الله عليه وآله ) في أحاديث متواترة ، بأنه يملأ الأرض قسطاً وعدلاً بعد ما مُلِئَت ظلماً وجوراً .
وهو المولود الذي صدر الأمر من قبل السلطة العباسية بإلقاء القبض عليه قبل ولادته ، وكان الجواسيس يراقبون كل شاردة وواردة عن مولده .
ولكنَّ الله عزَّ وجَلَّ نجَّاه كما نجَّى النبي موسى ( عليه السلام ) من فرعون ، ونبي الله إبراهيم ( عليه السلام ) من قبضة النمرود ، وقد تَجَرَّع الشيعة عبر التاريخ الغصص فنوناً وألواناً .
فمن الإرهاب الفكري لأنهم حَمَلوا فكر أهل البيت ( عليهم السلام ) ، إلى الحرمان الاقتصادي لأنهم عاشوا قِيَم أهل البيت ( عليهم السلام ) ، إلى الاضطهاد السياسي لأنهم اتَّبعوا منهج أهل البيت ( عليهم السلام ) .
وبالرغم من ذلك عاش في أعماق الشيعة أمَلٌ يستقطب حركتهم ، ويُلَمْلِمُ طاقاتهم ، ويجمع قِيَادَتهم ، لِتَكونَ المسيرة واحدة في خدمة الإسلام والمسلمين .
وقد غدا في اليوم التاسع من ربيع الأول 260 هـ الأمل الذي عاشوه حقيقة ، والأمنية واقعاً ، حين تمَّ تتويج الإمام المهدي ( عليه السلام ) ، بعد شهادة أبيه الإمام العسكري ( عليه السلام ) ، وسيملأ ( عليه السلام ) الأرضَ قسطاً وعدلاً كما مُلِئَتْ ظُلماً وجَوراً .

صدرية.حكيمية 23-08-2006 05:50 AM

حكم من أنكر الإمام المهدي ( عليه السلام )
لا ريب في أن أحاديث خروج الإمام المهدي ( عليه السلام ) متواترة بإجماع من يعتدُّ به من أهل العلم ، وأئمة الحديث .
فإنكار هذا الأمر المتواتر جُرأة عظيمة في مقابل النصوص المستفيضة المشهورة ، البالغة إلى حدِّ التواتر .
وقد سُئل ابن حجر المَكِّي - من علماء السُنَّة - عَمَّن أنكر الإمام المهدي ( عليه السلام ) الموعود به ، فأجاب : ( إنَّ ذلك إنْ كان لإنكار السُنَّة رأساً فهو كفر ، يُقضى على قائله بسبب كفره وردّته ، فَيُقتل .
وإن لم يكن لإنكار السُنَّة وإنَّما هو مَحض عناد لأئمَّة الإسلام فهو يقتضي التعزير البليغ ، والإهانة ، بما يراه الحاكم لائقاً بعظيم هذه الجريمة ، وقبح هذه الطريقة ، وفساد هذه العقيدة ، من حبس ، وضرب ، وصَفْعٍ ، وغيرها من الزواجر عن هذه القبائح .
ويرجعه إلى الحقِّ راغماً على أنفه ، ويردُّه إلى اعتقاد ما ورد به الشرع ردعاً عن كفره ) .
وقد وقفنا على فتوىً للشيخ البهائي ( قدس سره ) في هذه المسألة ، قال – مجيباً على من سأله عن خروج الإمام المهدي ( عليه السلام ) بقول مطلق ، هل هو من ضروريَّات الدين ، فمنكره مرتدُّ ، أم ليس من ضروريَّاته ، لِما يُحكى من خلاف بعض المخالفين فيه ، وأنَّ الذي يخرج إنَّما هو عيسى ( عليه السلام ) ، وهل يكون خلافهم مانعاً من ضروريَّته ؟ - :
( الأظهر أنَّه من ضروريَّات الدين ، لأنه ممَّا انعقد عليه إجماع المسلمين ، ولم يخالف فيه إلاَّ شرذمة شاذَّة لا يعبأ بهم ، لا يعتمد عليهم ولا بخلافهم ، ولا يَقدَحُ خروج أمثال هؤلاء من ربقة الإجماع في حُجِّيَّته ، فلا مجال للتوقف في كفرهم ، إن لم تكن لَهم شبهة محتملة ) .
ونقول : تكفير المنكِر عند الفريقين يدور على أحد أمرين :
أوَّلهما :
ما أشار إليه ابن حجر في ( الفتاوى الحديثيَّة ) ، وهو ما أخرجه أبو بكر الإسكاف في ( فوائد الأخبار ) عن محمد بن المنكدر ، عن جابر بن عبد الله الأنصاري ( رضوان الله عليه ) ، عنه ، قال : قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : ( مَن كَذَّبَ بالدجَّال فقد كَفَر ، ومَن كَذَّبَ بالمهديِّ فقد كَفَر ) .
قال ابن حجر في ( القول المختصر ) - كما في ( البرهان ) - : أي حقيقةً ، كما هو المتبادر من اللفظ ، لكن إن كان تكذيبه من السُنَّة ، أو لاستهتاره بها ، أو للرغبة عنها .
فقد قال أئمَّتنا وغيرهم : لو قيل لإنسانٍ : قُصَّ أظفارك ، فإنّه من السُنَّة .
فقال : لا أفعله وإن كان سُنّة ، رغبةً عنها ، فقد كفر ، فكذا يقال بمثله .
وثانيهما :
إجماع أهل الإسلام قاطبة ، واتِّفاقهم على مَرِّ الأعصار والأعوام على خروج المهديِّ المنتظر ( عليه السلام ) ، حتى عُدَّ ذلك من ضروريات الدين ، وهو اتفاق قطعي منهم ، لا يشوبه شك ، ولا يعتريه ريب .
اللهم إلا من شَذَّ ، مِمَّن لا يُعتدُّ بخلافه ، ولايلتفت إليه ، ولا تكون مخالفته قادحة في حُجِّيَّة الإجماع .
مضافاً إلى تواتر أحاديث الإمام المهدي ( عليه السلام ) تواتراً قطعيّاً .
وظاهر أنَّ من أنكر المتواتر من أُمور الشرع والغيب بعد ما ثبت عنده ثبوتاً يقينيّاً فإنّه كافر ، لردِّه ما قُطع بصـدوره ، وتحقَّقَ ثبوته عـنه ( صلى الله عليه وآله ) .
ولا شُبهَة في كفر من ارتكب ذلك بإجماع المسلمين ، لأنّ الرادَّ عليه ( صلى الله عليه وآله ) كالرادُّ على الله تعالى ، والرادُّ على الله كافر باتِّفاق أهل المِلَّة ، وإجماع أهل القبلة .
ودعوى التواتر صحيحة ثابتة ، كما صَرَّح بذلك جمهور أهل العلم من الفريقين .
ولا نعلم رادّاً لها إلا بعض مَن امتطى مطيَّة الجهل ، واتَّخذ إلهه هواه ، وكابر الحق ، فكان حقيقاً بالإعراض عنه .
ونحن نقتصر في هذا المختصر على نقل كلام جماعة من محقِّقي العلماء في تحقّق التواتر لِتَتَبيَّن جليَّة الحال .
قال الآبري في كتاب ( مناقب الشافعي ) : قد تواترت الأخبار واستفاضت بكثرة رُوَاتها عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) بذكر المهدي ، وأنه من أهل بيته ، وأنه يملك سبع سنين ، وأنه يملأ الأرض عدلاً ، وأنَّ عيسى يخرج فيساعده على قتل الدجَّال ، وأنه يَؤمُّ هذه الأمَّة ، ويصلّي عيسى بن مريم خلفه .
وقال بن حجر في ( الصواعق ) : الأحاديث التي جاء فيها ذكر ظهور المهدي كثيرة متواترة .
وقال السفاريني الحنبلي في ( اللوائح ) : الصواب الذي عليه أهل الحق أن المهدي غير عيسى ، وأنه يخرج قبل نزول عيسى ( عليه السلام ) .
وقد كثرت بخروجه الروايات حتى بلغت حدّ التواتر المعنوي ، فلا معنى لإنكارها .
وقال الشوكاني في ( التوضيح في تواتر ما جاء في المهدي المنتظر والدجَّال والمسيح ) : الأحاديث الواردة في المهدي التي أمكن الوقوف عليها منها خمسون حديثاً ، فيها الصحيح ، والحسن ، والضعيف ، والمنجبر .
وهي متواترة بلا شكٍّ ولا شبهة ، بل يصدق وصف التواتر على ما هو دونها على جميع الاصطلاحات المحرَّرة في الأصول .
وأما الآثار عن الصحابة المصرَّحة بالمهدي فهي كثيرة أيضاً ، لها حكم الرفع ، إذ لا مجال للاجتهاد في مثل ذلك .
خلاصة القول :
إن إنكار مسألة الإمام المهدي ( عليه السلام ) وإنكار خروجه ، أمر عظيم ، لا ينبغي التفوُّه به ، بل رُبَّما أفضى بصاحبه إلى الكفر والخـروج عن المِلَّة ، والعياذ بالله تعالى .
والواجب تلقِّي ما قاله رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) بالقبول ، والإيمان التام ، والتسليم به .
فمتى صحَّ الخبر عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فلا يجوز لأحدٍ أن يعارضه برأيه واجتهاده ، بل يجب التسليم ، كما قال الله عزَّ وجلَّ : ( فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا ) النساء : 65 .
وقد أخبر النبي ( صلى الله عليه وآله ) بهذا الأمـر عن الدجَّال ، وعن الإمام المهدي ( عليه السلام ) ، وعن النبي عيسى بن مريم ( عليهما السلام ) .
ووجب تلقِّي ما قاله ( صلى الله عليه وآله ) بالقبول والإيمان ، والحذر من تحكيم الرأي ، والتقليد الأعمى ، الذي يضرُّ صاحبه ولا ينفعه ، لا في الدنيا ولا في الآخرة .
ولا يسع المجال هنا لاستقصاء كلام الأئمّة ( عليهم السلام ) والعلماء في تواتر أحاديث المهدي المنتظر ( عليه السلام ) ، والتحذير من إنكار شأنه ، لكنَّ ما ذكرناه فيه كفاية إن شاء الله تعالى ، والله الهادي إلى سواء السبيل .


الشبكة: أحد مواقع المجموعة الشيعية للإعلام

الساعة الآن: 11:57 AM.

بحسب توقيت النجف الأشرف

Powered by vBulletin 3.8.14 by DRC © 2000 - 2025