بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد الإحتياط الشرعي وهو الأصل العملي الذي بنى الإخباريون على انَّه المرجع في الشبهات الحكمية التحريميَّة وذلك في مقابل مشهور الاصوليين حيث يبنون على جريان أصالة البراءة الشرعية والعقلية في هذا المورد، وفي مقابل ما بنى عليه السيد الصدر (رحمه الله) من جريان خصوص البراءة الشرعية في هذا المورد. فالإخباريون وان كانوا يبنون على جريان البراءة الشرعية - بل وكذلك العقلية كما هو الظاهر - في الشبهات الوجوبية إلا انهم يختلفون عن المشهور في الشبهات التحريمية حيث يدعون انَّ الأدلة من الآيات والروايات تُثبت لزوم مراعاة الإحتياط في خصوص الشبهات الحكمية التحريمية، وهذا هو منشأ التعبير عن هذا الإحتياط بالشرعي، ولذلك ادعى السيد الخوئي (رحمه الله) وهو المستظهر من كلمات الشيخ الانصاري بل وسائر الاصوليين انَّ النزاع بين الاخباريين والاصوليين في المقام صغروي وان كانت كبرى قاعدة قبح العقاب بلا بيان مسلمة عند الجميع. فالنزاع انما هو في صلاحية أدلة الإحتياط لرفع موضوع البراءة العقلية وعدم صلاحيتها لذلك، فالإخباريون يقولون: انَّ البراءة العقلية انَّما تجري مع عدم البيان وأدلة الإحتياط في الشبهات التحرمية بيان فلا موضوع لأصالة البراءة العقلية. وأما الاصوليون فحيث ادعوا انَّ أدلة الإحتياط غير تامة إما من جهة السند أو من جهة الدلالة فلا موجب لانتفاء موضوع أصالة البراءة العقلية، فلا فرق بين الشك في الوجوب (الشبهة الوجوبية) أو الشك في الحرمة (الشبهة التحريمية) من جهة انهما جميعاً مجرى لاصالة البراءة العقلية وكذلك الشرعية. أقول: يمكن دعوى انَّ الخلاف بين الاصوليين والاخباريين في المقام كبروي ولكن في خصوص البراءة الشرعية، وذلك حينما نفترض انَّ الإخباريين يرون انَّ موضوع أدلة البراءة الشرعيَّة في الشبهات التحريميَّة هو عينه موضوع الإحتياط الشرعي في الشبهات التحريميَّة، فمنشأ الإختلاف هو دعوى التعارض بين الأدلة وترجيح أدلة الإحتياط الشرعي، فالنزاع لو كان كذلك - كما هو ليس ببعيد في بعض الأدلة - فهو كبروي، إذ انَّهم حينئذ يبنون على عدم جريان البراءة الشرعية في الشبهات التحريمية لسقوط دليلية أدلتها بالتعارض وترجيح أدلة الإحتياط الشرعي لا انَّ المنشأ لذلك هو انَّ الإحتياط الشرعي ينفي موضوع البراءة كما أفاد السيد الخوئي (رحمه الله). تقبلوا تحيتي |
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد الإحتياط العقلي وهو أحد الاصول العملية العقلية أي المدركة بواسطة العقل العملي، ولم يختلف أحدٌ من العلماء في انَّ أصالة الإحتياط العقلي جارية في كل مورد تتسع له حدود حق الطاعة للمولى جلَّ وعلا، وانَّما وقع الخلاف في حدود حق الطاعة فهو الذي نشأ عنه الإختلاف فيما هو مجرى أصالة الاحتياط العقلي. فالسيد الصدر (رحمه الله) حيث بنى على انَّ حدود حق الطاعة للمولى تتسع لتشمل التكاليف المظنونة والمحتملة ذهب إلى انَّ أصالة الاحتياط العقلي تجري في موارد الظن بالتكليف بل وفي موارد احتماله. وأما المشهور فحيث بنوا على تمامية قاعدة قبح العقاب بلا بيان ذهبوا إلى انَّ أصالة الاحتياط العقلي لا تجري في موارد الظن أو احتمال التكليف، وهذا ناشئ - كما هو مقتضى الإستدلال بقاعدة قبح العقاب بلا بيان - عن انَّ حدود حق الطاعة للمولى جلَّ وعلا بنظرهم لا تشمل التكاليف غير المعلومة، ولذلك بنوا على جريان أصالة البراءة العقلية في حالات عدم العلم بالتكليف. والظاهر انهم لا يختلفون عن السيد الصدر (رحمه الله) في انَّ التكليف المحتمل موجب للإحتياط عقلا، وذلك دفعاً للضرر الاخروي المحتمل، واحتمال الضرر لا يأتي لو كانت حدود حق الطاعة غير شاملة للتكاليف المحتملة، إذ انَّ ذلك موجب للقطع بعدم الضرر. فالخلاف بين المشهور والسيد الصدر (رحمهم الله) هو انَّ المشهور يقولون انَّ المؤمِّن عن الضرر المحتمل هو العقل والذي هو قاعدة قبح العقاب بلا بيان والذي يظهر من عبائر السيد الصدر (رحمه الله) هو انَّ مورد أصالة البراءة هو عينه مورد أصالة الإحتياط العقلي، فإما ان يُدرك العقل البراءة أي قاعدة قبح العقاب بلا بيان أو يُدرك الاحتياط العقلي ولزوم التحفُّظ على التكاليف المحتملة، إذ من المستحيل ان يُدرك العقل حكمين متنافيين لموضوع واحد في رتبة واحدة. فالخلاف بينهما في رتبة المُدرك العقلي القاضي بالاشتغال والإحتياط، فالمشهور يقولون انَّ ما يُدركه العقل من لزوم التحفظ على التكاليف المحتملة هو المدرك الاولي وهو معلَّق على عدم وجود مؤمِّن عن التكليف المحتمل، فإذا ما جاء المؤمن لم يلزم مراعاة التكليف المحتمل، وهذا المؤمن قد يكون شرعياً - كما يؤمن بذلك السيد الصدر (رحمه الله) - وقد يكون عقلياً كأصالة البراءة العقلية المستندة إلى القاعدة، ومن هنا لو منع مانع عن جريان البراءة العقلية فالمرجع هو أصالة الإشتغال العقلي. مثلا: في مورد العلم الإجمالي تسقط البراءة العقلية والشرعية عن الطرفين بسبب التعارض وعندها يتنجَّز العلم الإجمالي، فلو اضطر المكلف بعد ذلك إلى أحد الطرفين أي بعد تنجُّز العلم الإجمالي اضطر إلى أحد الطرفين المعين أو غير المعين فإن أصالة البراءة العقلية والشرعية لا تجري فيبقى إرتكاب ذلك الطرف محتملا للمخالفة الواقعية ولا مؤمِّن عن هذا الإحتمال لسقوط المؤمِّن العقلي والشرعي بالتعارض فيجب الإحتياط عقلا، وهذا الاحتياط في الواقع يرجع إلى انّ حق الطاعة للمولى يتسع للتكاليف المحتملة لكن غير المؤمَّن عنها لا شرعاً ولا عقلا. وكذلك الكلام في الشبهات الحكميَّة البدويَّة قبل الفحص، فحيث لا مؤمِّن عنها لعدم جريان البراءة العقلية والشرعية فالمرجع هو أصالة الاحتياط العقلي. وحاصل كلام السيد الصدر (رحمه الله) انَّ التأمين العقلي غير ممكن، وذلك لأنَّ موضوعه المفترض هو عينه موضوع أصالة الاحتياط العقلي فلا يمكن ان يُدرك العقل لزوم الطاعة في موارد التكاليف المحتملة وفي نفس الوقت يُدرك انَّ المكلَّف غير مسئول عن التكاليف المحتملة، نعم المؤمن الشرعي وهو أصالة البراءة الشرعية ينفي موضوع لزوم الاحتياط العقلي في التكاليف المحتملة، وذلك لأن ما يُدركه العقل من لزوم الإحتياط معلَّق من أول الامر على عدم الترخيص الشرعي فإذا ما جاء الترخيص الشرعي انتفى موضوع الاحتياط العقلي. وأما المشهور فيدعون انَّ المؤمِّن الشرعي والمؤمن العقلي كلاهما في رتبة واحدة وان الذي هو في رتبة متقدمة هو الاحتياط العقلي، وهذا هو معنى قولهم انَّ التكاليف المحتملة غير مشمولة لحق الطاعة للمولى جلَّ وعلا. والمتحصَّل انَّ المشهور يذهبون إلى ان موضوع المدرك العقلي بلزوم طاعة المولى هو التكليف المحتمل غير المؤمن عنه عقلا وشرعاً والسيد الصدر (رحمه الله) يذهب إلى موضوعه هو التكليف المحتمل غير المؤمَّن عنه شرعاً فحسب. هذا ما نفهمه من الخلاف الواقع بين المشهور والسيد الصدر (رحمه الله) ثم انَّ المقدار المتفق عليه في الجملة هو انَّ أصالة الاحتياط العقلي تجري في موارد الشك في المكلف به إذا كان الاحتياط ممكناً. تقبلوا تحيتي |
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد الإحتياط حسن على أيِّ حال والمراد من هذه القاعدة التي أطبق العلماء على تماميتها هو انَّ العقل يستقلُّ بإدراك حسن الإحتياط مهما أمكن ولم يلزم من مراعاته محذور. ومنشأ إدراك العقل لحسن الإحتياط هو ما يترتب على الإحتياط من التحفُّظ على أغراض المولى جلَّ وعلا لو اتفقت، وهو من أكمل مصاديق الشكر لوليِّ النعمة جلّ وعلا، واذا كان كذلك فالإحتياط محبوب للمولى جلَّ وعلا ولو بنحو المحبوبيَّة الطريقية، ولا ريب انّ تحرّي ماهو محبوب للمولى من أكمل صور العبودية والتي يستقلُّ العقل برجحانها وبهذا يثبت المطلوب. وبذلك يتضح انَّ الاحتياط حسن سواء امكن الامتثال التفصيلي أو لم يكن ممكناً وسواء استلزم الاحتياط التكرار أو لم يستلزم ذلك، وسواء كان في التوصليّات أو كان في التعبديَّات، وسواء كان الإحتياط منتجاً للتحفُّظ على الأغراض اللزومية للمولى أو الأغراض الغير البالغة حد الإلزام. نعم لو ترتَّب على مراعاة الإحتياط محذور علم من الشارع عدم قبوله باهماله كما لو استوجب الاحتياط اختلال النظام فإن حسن الإحتياط حينئذ ينتفي، وذلك لانتفاء الحيثية التعليليَّة لحسنه والتي هي التحفُّظ على الملاكات الواقعية الغير المزاحمة بما هو أهم. وهكذا الكلام لو كان الإحتياط مستوجباً للوقوع في العسر والحرج فإنَّ المعلوم من الشارع اهتمامه بعدم وقوع المكلفين في العسر والحرج، وهذا ما ينفي الحسن عن الإحتياط لانتفاء الحيثيَّة التعليليَّة لحسنه. ومع ذلك لا يسقط الإحتياط بتمام مراتبه بمجرَّد استلزام الإحتياط التام لاختلال النظام أو العسر والحرج فإنَّ سقوط الإحتياط انَّما هو لمزاحمته لهذين الملاكين فالساقط عندئذ هو المزاحِم لهما لا مطلقاً، ومن هنا يظلُّ العقل مُدركاً لحسن الإحتياط في المرتبة التي لا تكون مزاحِمة لأحد هذين الملاكين، وهذه المرتبة هي المعبَّر عنها بالتبعيض في الإحتياط أو الإمتثال الظني إن لم تكن هذه المرتبة مزاحمة أيضاً للملاكين المذكورين وإلا فمع مزاحمتها لهما فإنَّ ما يُدركه العقل عندئذ من حسن الإحتياط هو مرتبة الإمتثال الإحتمالي. تقبلوا تحيتي |
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد الإحتياط في التعبديات والغرض من عقدهم هذا البحث هو ما وقع من اشكال في امكان الإحتياط في الاحكام التعبديَّة وإلا فالأحكام التوصليَّة - والتي لا يكون الغرض منها سوى تحقق متعلَّقها في الخارج - فلا مسرح للإشكال في امكان الإحتياط في موردها، فلو وقع الشك في وجوب دفن هذا الميت لإحتمال إسلامه وعدم وجوبه لإحتمال كفره فلا ريب في انَّ مقتضى الإحتياط هو ايقاع الدفن وليس من محذور يترتب على هذا الإحتياط، وذلك لتوفُّره على الحيثية التعليلية القاضية بحسنه والتي هي التحفُّظ على الواقع، إِذ لعلَّ الواقع هو وجوب الدفن. انَّما الكلام في الاحكام التعبديَّة المتقومة بقصد الوجه وقصد الامر المولوي، وهنا صورتان: الصورة الاولى: لو دار الأمر بين وجوب الشيء واستحبابه فهل الإحتياط في هذه الصورة ممكن لو كان مورد الشك من سنخ الامور العبادية أو انَّ الاحتياط غير ممكن ؟ قد يُقال بعدم الإمكان، وذلك لتعذُّر قصد الوجه في المقام، إذ لا يتأتى للمكلَّف قصد الإستحباب أو الوجوب لافتراض الشك فيما هو سنخ المطلوب المتوجِّه اليه، وهل هو الوجوب أو الإستحباب، فقصد أحدهما تشريع محرَّم. والجواب عن هذا الإشكال مبني على عدم اعتبار قصد الوجه - أي قصد سنخ الطلب من وجوب أو استحباب - وعندها ينتفي المحذور من الإحتياط، وهذا هو ما استقرَّ عليه المحققون وانَّ امتثال الاوامر العبادية ليس منوطاً بأكثر من قصد التقرب للمولى جلَّ وعلا، وقصد التقرب للمولى في هذه الصورة ممكن بلا ريب بعد احراز الأمر المولوي الأعم من الوجوبي والإستحبابي. الصورة الثانية: مالو دار الأمر بين الوجوب والإباحة أو بين الاستحباب والإباحة. والإشكال على امكان الإحتياط في هذه الصورة ينشأ عن عدم امكان قصد الأمر المولوي، وذلك لعدم إحرازه اِذ من المحتمل ان يكون الواقع هو الاباحة وعندئذ إما ان يأتي بالفعل المردد بقصد الأمر وحينها يكون مشرِّعاً، لأنَّ البناء على الوجوب او الاستحباب مع عدم الجزم به من أنحاء التشريع المحرَّم، وان أتى بالفعل دون قصد الأمر فهذا ليس من الإحتياط بشيء، وذلك لأن الإحتياط يعني التحفُّظ على الواقع بحيث يحصل الجزم بعد الإحتياط بالاتيان بالواقع لو كان، والحال انَّه في الفرض الثاني ليس كذلك، إذ لو كان الواقع هو الوجوب أو الاستحباب فإن المكلَّف لم يأتِ به، لأن امتثال الواجب العبادي وكذلك المستحب العبادي متقوِّم بقصد الأمر. والجواب عن هذا الإشكال هو انَّه لا دليل على اعتبار قصد الأمر بخصوصه في التعبديات وانما المعتبر في موردها هو الاتيان بالفعل مضافاً للمولى بنحو من أنحاء الإضافة كقصد التقرُّب والتحبُّب للمولى جلَّ وعلا، واذا كان كذلك فالاحتياط في هذه الصورة ممكن بلا ريب، وذلك بأن يأتي المكلَّف بالفعل المردد برجاء ان يكون مطلوباً للمولى وهو نحو من أنحاء الإضافة للمولى جلَّ وعلا بل هو أدعى للتقرُّب من بعض الإضافات. تقبلوا تحيتي |
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد أخواني /أخواتي ..اعتذر منكم منذ فترة أنقطعت عن وضع الدروس بسبب انشغالي . ونتيجة لتأخري أتيتكم اليوم بدرسين اتمنى ان تعم الفائده عليكم بقراءتهم .. نسألكم الدعاء اختكم / الحوزوية الصغيرة الاحتياط قبل الفحص والمراد من هذا الإحتياط هو الاحتياط العقلي وكذلك الشرعي احتمالا، وذلك بقرينة انَّهم تارة يستدلون عليه بعدم شمول قاعدة قبح العقاب بلا بيان لهذه الصورة، وهذا ما يناسب الاحتياط العقلي، وتارة يستدلون عليه بانصراف الادلة الشرعية اللفظية - الدالة على البراءة الشرعية - عن هذه الصورة وعليه لا مانع من التمسك بأدلة الاحتياط الشرعي لو تمَّت ولم تكن إرشاديَّة وإلا فلزوم الإحتياط قبل الفحص عقلي لقاعدة لزوم دفع الضرر المحتمل غير المؤمَّن عنه. وعلى أيِّ حال فالمراد من الاحتياط قبل الفحص هو لزوم الامتثال الاجمالي القطعي - أي المنتج لإحراز المطابقة للواقع - قبل مراجعة الادلة الإجتهادية القطعية والظنيَّة المعتبرة أي التي قام الدليل القطعي على حجيتها. وموضوع قاعدة الإحتياط قبل الفحص هو خصوص الشبهات الحكمية إذا كانت الشبهة بدويَّة، أما إذا كانت إجمالية فالإحتياط معها لازم سواء كانت الشبهة حكمية أو موضوعية على انّ لزوم الاحتياط في موردها لا يختص بما قبل الفحص بل يظلَّ الاحتياط لازماً حتى بعد الفحص لو اتفق عدم العثور على ما يُوجب انحلال العلم الإجمالي. وأما الشبهات الحكمية البدويَّة فالمرجع بعد الفحص وعدم العثور على الدليل المثبت للتكليف بل والنافي للتكليف المرجع هو أصالة البراءة العقلية والشرعية كما هو مسلك المشهور أو الشرعية فحسب كما هو مسلك السيد الصدر (رحمه الله)، وأما الاخباريون فمبناهم التفصيل بين الشبهات الحكمية التحريمية والشبهات الحكمية الوجوبية، فالثانية مجرى لأصالة البراءة بعد الفحص، وأما الاولى فالجاري في موردها هو الإحتياط الشرعي في حال عدم العثور على ما ينفي الحرمة. وأما الشبهات الموضوعية فالظاهر انَّه لم يختلف أحد في انها مجرى لأصالة البراءة سواء قبل الفحص أو بعده وعدم إرتفاع الشك. ثم ان البحث عمَّا هو مقدار الفحص الذي يرتفع معه موضوع أصالة الاحتياط العقلي ويُصحح جريان البراءة، وقد ذكر السيد الخوئي (رحمه الله) انَّ الاحتمالات الثبوتية في المقام ثلاثة: الإحتمال الاول: ان يكون مقدار الفحص موجباً للعلم بعدم وجود الدليل. الإحتمال الثاني: ان يكون مقدار الفحص موجباً للظن بعدم الدليل. الإحتمال الثالث: ان يكون مقدار الفحص موجباً للإطمئنان بعدم الدليل. أما الإحتمال الاول فساقط جزماً، وذلك لأنَّ الدليل على لزوم الفحص لا يقتضي ذلك، إذ انَّ الأدلة على لزوم الفحص هي إما دعوى انَّ ما يُدركه العقل من قبح العقاب بلا بيان لا يشمل حالات عدم الفحص، فلو كان هذا هو الدليل على لزوم الفحص قبل إجراء البراءة فإنَّه لا يقتضي ان يكون مقدار الفحص هو الموجب للعلم بعدم الدليل، إذ انَّ الفحص المصحح لإدراك العقل لقبح العقاب بلا بيان هو الفحص المتعارف والذي هو البحث عن الأدلة في مظانِّها وهو لا يوجب القطع بعدم الدليل. وأما لو كان دليل لزوم الفحص هو دعوى الاجماع فهو لا يقتضي أكثر من لزوم الفحص في الجملة امَّا ماهو مقدار الفحص فهو خارج عن معقد الإجماع. وأما لو كان الدليل هو العلم الاجمالي بوجود تكاليف إلزامية في الشريعة فالعلم الاجمالي يمكن انحلاله ولو حكماً بالفحص المتعارف، فلا يلزم ان يكون الانحلال حقيقياً كي يقال بلزوم ان يكون مقدار الفحص موجباً للعلم بعدم الدليل. وأما لو كان دليل لزوم الفحص هو انصراف أدلة البراءة الشرعية عن حالات عدم الفحص فهذا الانصراف لا يكون مع الفحص المتعارف. هذا أولا وثانياً انَّ دعوى لزوم ان يكون مقدار الفحص موجباً للقطع بعدم الدليل لا تعدو عن كونها وهميَّة لتعذُّر حصول القطع بعدم الدليل، وهذا ما يستوجب انسداد باب الإستنباط، لأنَّ الفقيه مهما بذل من جهد فإنَّ القطع بعدم الدليل لا يحصل، إلا ان يقال بأن غاية ما يلزم من شرطية حصول القطع بعدم الدليل هو عدم إمكان إجراء البراءة وهذا لا يلزم منه انسداد باب الإستنباط، لانَّ هذه الدعوى لا تقتضي عدم جواز العمل بالادلة الإجتهادية الغير الموجبة للعلم إذا كانت معتبرة. وأما الإحتمال الثاني فمنشأ سقوطه هو انَّ الظن بعدم الدليل ليس حجة لعدم حجية الظن في نفسه إلا مع قيام الدليل القطعي على حجيته وهو مفقود في المقام، إذ انَّ وجوب الفحص لا ينتهي بحصول الظن بعدم الدليل كما هو مقتضى أدلته. وأما الإحتمال الثالث: فهو المتعين، وذلك لانَّ الاطمئنان حجة شرعاً لقيام السيرة العقلائية الممضاة على ذلك. ومن هنا فحصول الإطمئنان بعدم الدليل - والذي ينشأ عن الفحص عنه في مظانِّه - كاف في انتفاء موضوع أصالة الإحتياط العقلي ومصحح لجريان البراء العقليَّة والشرعية. تقبلوا تحيتي |
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد أخبار من بلغ تُبحث تحت هذا العنوان قاعدة (التسامح في أدلة السنن) من حيث تماميتها وعدم تماميتها وماهي حدود هذه القاعدة لو تمت. والمدار في البحث عن ذلك هو ما يُستظهر من مجموعة من الروايات تبلغ حدَّ الإستفاضة وفيها ماهو معتبرٌ سنداً، هذه الروايات معنونة بعنوان (أخبار من بلغ) وهو مقتبس من بعض هذه الروايات، مثل رواية محمد بن مروان قال: سمعت أبا جعفر (ع) يقول: (من بلغه ثواب من الله على عمل فعمل ذلك العمل إلْتماس ذلك الثواب اُوتيه وان لم يكن كما بلغه) ([1]). وسوف نتعرض بشيء من التفصيل لهذا البحث تحت عنوان (التسامح في أدلة السنن) في الدروس القادمة . [1]- الوسائل: باب 18 من أبواب مقدّمات العبادات. تقبلوا تحيتي |
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد الإختيار الإختيار قد يطلق فيكون في مقابل الجبر، وقد يطلق فيكون في مقابل الاضطرار، وقد يطلق في مقابل الإكراه، وقد يكون بمعنى الانتخاب عندما يُواجه العاقل الملتفت مجموعة من الخيارات فينتخب أحدها ويُهمل سائر الخيارات. وتفصيل ذلك انَّ الاختيار يُستعمل في أربع حالات: الاولى: ان يكون الفعل ناشئاً عن رغبة ودون انْ يكون هناك قاسر أو قاهر خارجي ألْجئه على القيام بالفعل، والإختيار هنا في مقابل الجبر والذي يكون الفعل معه ناشئاً عن قاسر خارجي، ولا فرق في مثل هذه الحالة بين ان يكون الفعل القسري محبوباً أو مبغوضاً كما لا فرق بين ان يكون الفاعل شاعراً وملتفتاً حين صدوره عنه أو ذاهلا وغافلا عن صدوره عنه، ففي تمام هذه الحالات يكون الفاعل مجبوراً وذلك لصدور الفعل عنه قهراً. الثانية: ان لا يكون الفعل ناشئاً عن خوف الوقوع في محذور لا يُحتمل أو يكون تحمُّله شاقاً، على ان يكون المحذور من سنخ الامور التكوينية الغير المتصلة بإنسان آخر، والاختيار هنا يقابل الاضطرار، ومثاله مالو شرب الإنسان السائل الخمري حتى لا يقع في الهلكة لعدم وجود ما يسدُ به الرمق. وهذا الاضطرار وان كان ينافي الاختيار بالمعنى المذكور إلا انه لا يُنافي الإختيار بمعان اخرى. الثالثة: ان لا يكون الفعل ناشئاً عن ضغط يُمارس ضده من قبل شخص آخر بل يكون ناشئاً عن رغبة نابعة عن إدراكه للمصلحة المترتبة على الفعل، ويقابل هذا النحو من الإختيار الإكراه، بمعنى ان يكون الفعل ناشئاً عن ملاحظة المضاعفات المترتبة على ترك الفعل وكونها أسوء مما سيترتب على صدور الفعل عنه. وهنا لا يكون الإكراه منافياً لتمام معاني الاختيار. الرابعة: ان يكون الفعل ناشئاً عن ترجيح لأحد الخيارات، وكان بوسعه ترجيح خيار آخر. هذه حالات أربع يطلق على الفعل في موردها الفعل الإختياري، وحتى يتبلور معنى الاختيار نذكر ما يتقوّم به مفهوم الإختيار حتى يكون تعريفه بعد ذلك واضحاً. المقوِّم الاول: الوعي والإلتفات وذلك في مقابل الغفلة والذهول التام كما لو صدر الفعل عن النائم فإنَّه لا يُتعقل في مورده الإختيار، وهذا ما يُعبِّر عن انَّ الإختيار لا يكون إلاّ مع مرتبة من الوعي والإدراك. المقوم الثاني: العلم والإلتتفات إلى انَّ ما يصدر عنه متطابقاً مع العنوان المقصود على ان يكون الواقع متطابقاً مع المعلوم، فلو قصد المكلَّف شرب السائل المتعنون بعنوان الخمر وصدر عنه شرب ذلك السائل الملتفت إلى انه خمر وكان ذلك السائل خمراً واقعاً، فهذا الفعل الصادر عنه اختياري إذا توفرت معه سائر الشروط. وبهذا يتضح انَّ العلم المعتبر في تحقق الاختيار ليس هو تلك الصفة النفسانية المعبَّر عنها بالقطع بل المعتبر هو العلم المطابق للواقع، فلو كان قاصداً لشرب الخمر ومعتقداً ان ما يشربه خمر إلا انَّ الواقع انَّ ذلك السائل الذي صدر عنه شربه لم يكن خمراً بل كان عصيراً عنبياً فهنا لا يكون شرب العصير العنبي بعنوانه اختارياً، وكذلك لو شرب المكلَّف خمراً معتقداً انَّه ماء فإن شرب الخمر بعنوانه ليس اختيارياً لانَّه لا يعلم بخمريته وانما كان يقطع بكونه ماء ولم يكن قطعه واقعياً. وبما ذكرناه يتضح انَّ العلم المعتبر في صدق الإختيار هو العلم بعنوان الفعل الصادر على ان يكون الفعل منطَبق العنوان - المعلوم والمقصود - واقعاً. ثم انَّ المقصود من العلم المقوِّم للإختيار هو العلم الإجمالي في مقابل الجهل التام بعنوان الفعل، فيكفي في صدق الإختيار علم المكلف اجمالا بعنوان الفعل الصادر عنه ولا يلزم ان يكون عالماً بحقيقة العنوان وبحدِّه التام بل ولا برسمه، فلو كان المكلف يعلم بخمرية هذا السائل - إلا انه يجهل ماهيته وممَّ يتركب وماهي مضاعفاتته - فإنَّ ذلك كاف في صدق الإختيار عند اقدامه على شربه، فلا يلزم العلم بتفاصيل العنوان كما هي دعوى الاشعري، حيث استدل على عدم اختيارية ما يصدر عن المكلَّف بدعوى تقوُّم الاختيار بالعلم بتفاصيل عنوان الفعل الصادر وهذا لا يتفق لأحد، فالنتيجة انَّ صدور الأفعال عن المكلَّفين ليس اختيارياً. ولا تخفى سماجة هذا الدليل لمنافاته للوجدان القطعي القاضي بكفاية العلم بالمميِّز لعنوان الفعل الصادر عن سائر العناوين، وهذا لا يستوجب أكثر من العلم اجمالا بعنوان الفعل الصادر، فهذا المقدار هو الذي يقضي العقل باستحقاق فاعله للمدح أو الذم. المقوِّم الثالث: القدرة على الفعل الصادر عنه، ولا تكون ثمة قدرة على فعل حتى تكون هناك قدرة على تركه، ولهذا قالوا انَّ القدرة تعني انّ له ان يفعل وله ان لا يفعل اما لو كان صدور الفعل عنه حتمياً فإنَّه لا يكون قادراً عليه لعدم قدرته على تركه. المقوِّم الرابع: وجود مرتبة من الرضا والرغبة في الفعل الصادر عن اختيار فلا يكون الفعل اختيارياً لو تجرَّد عن الرضا بتمام مراتبه، فلو اُلجأ المكلَّف على ايجاد فعل لم يكن له أدنى رغبة في صدوره عنه بحيث أصبح بمثابة الأداة فإنَّ الفعل الصادر عنه لا يكون عندئذ اختيارياً. وبهذا يتضح انَّ صدور الفعل في ظرف الإكراه وكذلك في ظرف الاضطرار - بالمعنى الذي ذكرناه هنا - يكون من قبيل الافعال الإختيارية، إذ انَّ صدور الفعل في ظرف الاكراه والإضطرار يكون ناشئاً عن رغبة المكلَّف في التخلُّص من المحذور الأشق، فهو وإن كان لو خلِّي وطبعه لما اختار ذلك الفعل إلاّ انَّ ذلك لا يسلب عن فعله صفة الإختيار بعد ان كانت مرتبة من الرغبة منحفظة في مورد فعله، فالمريض الذي يدعو الطبيب لبتر عضو من أعضائه يعدُّ مختاراً وذلك لرغبته في قطع مادة المرض. المقوِّم الخامس: انَّ الفعل لا يكون اختيارياً إلا مع تصوره وتصور فائدته في الجملة ثم التصديق والإذعان بالفائدة وعندها ينقدح الشوق النفساني والرغبة في تحصيله. هذا هو حاصل المقومات التي لا يكون الفعل اختيارياً إلا مع التوفُّر عليها. ولا يخفى تداخل هذه المقومات فيما بينها إلاّ انّ الغرض من بيانها بهذه الصورة هو تيسير فهمها. تقبلوا تحيتي |
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أشكركم اختي العزيزة / الحوزوية الصغيرة على جهودكم المتواصلة والرائعة على هذه الدروس التي توضح بعض المطالب الاصولية بشكل وآخر من حيث الاسلوب والبيان كما أعتذر عن هذا الانقطاع المتكرر عن هذا المنتدى لظروف خاصة وعامة فنحتاج الى دعائكم لدفع هذه الظلمة عنا في البحرين . تحياتي لكم أخوكم جنابكم ( موسوي البحراني ) |
بسم الله الرحمن الرحيم اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم والعن واهلك اعدائهم اسعدني تواجدك استاذي الفاضل , قلوبنا معكم دائما نسأل الله الكريم ان يحفظكم من كل سوء و يبعد عنكم كيد الكائدين و بغي الحاقدين و جور الظالمين بحق محمد و آل محمد الطيبين الطاهرين نصر من الله وفتح قريب ان شاء الله تحيتي لكم |
بسم الله الرحمن الرحيم اللهم صل على محمد وآل محمد أخذ القطع بحكم في موضوع حكم آخر والمراد من هذه الفرضية هو ان يكون الحكم الذي أخذ العلم به قيداً في ترتُّب الحكم الآخر مبايناً ومغايراً للحكم الواقع في رتبة المحمول، كما لو قيل: (إذا علمت بنجاسة العصير العنبي حرم عليك شربه)، فالعلم بنجاسة اللعصير العنبي قطع موضوعي لافتراض وقوعه في رتبة الموضوع للحرمة، كما انَّ العلم بالنجاسة قطع طريقي لافتراض طريقيته وكاشفيته عن ثبوت النجاسة للعصير العنبي. فالقطع الطريقي صار قطعاً موضوعياً في هذه القضية، ومن هنا يكون ثبوت الحرمة متولِّداً عنه، إذ انَّ هذا هو مقتضى علاقة الموضوعات بأحكامها. أخذ القطع بحكم في موضوع... وكيف كان فلا ريب في امكان هذه الفرضية. ومن هنا يتضح الحال في أخذ العلم بمرتبة من الحكم في موضوع مرتبة اخرى، كما لو قال المولى: (إذا علمت بإنشاء الحرمة للخمر فإنَّ الحرمة تصبح فعلية في حقك)، فإنَّ الحكم بمرتبة الإنشاء غير الحكم بمرتبة الفعلية، فأخذ العلم بالاول في موضوع الثاني نظير أخذ العلم بحكم في موضوع حكم آخر. إلا ان يقال انَّ العلم بالجعل ملازم للعلم بالمجعول أي انَّ العلم بالإنشاء ملازم للعلم بالفعلية، وحينئذ يكون أخذ العلم بالجعل في موضوع الحكم بمرتبة المجعول معناه أخذ العلم بالحكم المجعول في موضوع نفس الحكم المجعول وهذا هو الدور المحال. تقبلوا تحيتي نسألكم الدعاء |
بسم الله الرحمن الرحيم اللهم صل على محمد وآل محمد أخذ القطع بحكم في موضوع حكم آخر مثله والمراد من هذه الفرضية هو اعتبار قيدية العلم بحكم في موضوع حكم آخر إلاّ انَّ هذا الحكم الآخر مسانخ للحكم الذي وقع العلم به قيداً في ترتب الحكم الآخر. وبتعبير آخر: انَّ الحكم الواقع في رتبة الموضوع غير الحكم الواقع في رتبة المحمول إلاّ انهما متسانخان ومتماثلان، نعم الحكم الواقع في رتبة الموضوع ثابت لموضوعه ابتداء، أما الحكم الواقع في رتبة المحمول فهو مترتِّب على موضوعه بقيد العلم بثبوت الحكم الأول. والمصحح لهذه الفرضية هو انَّ الحكم الاول الواقع في رتبة الموضوع غير الحكم الثاني، فهما وان كانا متحدين جنساً أو نوعاً إلا انهما مختلفان شخصاً، فشخص الحكم الاول غير شخص الحكم الثاني، مثلا: لو قيل (إذا علمت بوجوب الصلاة وجبت عليك بوجوب ثان)، فالوجوب الثابت للصلاة في رتبة الموضوع غير الوجوب المترتِّب على العلم بوجوب الصلاة، فهما وان كانا متحدين جنساً إلا انهما متغايران شخصاً، وهذا ما يميِّز هذه الفرضية عن فرضية أخذ العلم بحكم في موضوع نفس ذلك الحكم. وباتضاح ذلك يقع البحث عن استحالة هذه الفرضية أو امكانها، فقد يقال باستحالتها وذلك بملاك آخر غير ملاك الدور، إذ انَّ محذور الدور لا يأتي في المقام بعد افتراض انَّ الحكم الواقع في رتبة الموضوع غير الحكم الواقع في رتبة المحمول، فمنشأ القول باستحالة هذه الفرضية هو دعوى لزوم اجتماع المثلين، إذ انَّ موضوع أو متعلَّق كل من الحكمين المتسانخين واحد واهو الصلاة، ودعوى انَّ موضوع الحكم الثاني هو الصلاة بقيد العلم بوجوبها بخلاف الحكم الاول حيث ان موضوعه هو الصلاة فحسب غير تامة، وذلك لما ذكرناه من انَّه في ظرف العلم يكون كلا الحكمين فعليين أما الثاني فلافتراض تحقق موضوعه وأما الاول فلأنَّ العلم طريق محض لثبوته، فيكون كلا الحكمين المتماثلين ثابت في ظرف القطع بالحكم الاول. إلا انَّ السيد الخوئي (رحمه الله) نفى هذا المحذور عن هذه الفرضية وادعى امكانها وانَّ الوجوب الثاني يكون مؤكداً للوجوب الاول في ظرف تحقق موضوع الوجوب الثاني. فالوجوب قد يكون ثابتاً للصلاة دون ان يكون قطع، فهنا لا يوجد إلاّ الحكم الاول وقد يكون الحكم الاول (وجوب الصلاة) مقطوعاً به دون ان يكون مطابقاً للواقع فهنا يكون الوجوب الثاني متحققاً دون الاول، وقد يكون الوجوب الاول مقطوعاً به ومطابقاً للواقع فهنا يترتب الوجوب الثاني لتحقق موضوعه إلاّ انَّ وظيفته هي تأكيد الوجوب الاول فحسب. وهذا نظير مالو ورد دليلان أحدهما مفاده حرمة أكل الميتة والآخر مفاده حرمة أكل النجس، فلو كانت الميتة غير نجسة فالحرمة الثابتة لها هي الحرمة الاولى، ولو اتفق وجود النجس من غير الميتة فهو حرام بالحرمة الثانية، أما لو اتفق وجود الميتة النجسة - كميته ذي النفس السائلة - فالحرمة الثابتة للميتة بمناط النجاسة مؤكدة للحرمة الثابتة بمناط الميتة. تقبلوا تحيتي نسألكم الدعاء |
بسم الله الرحمن الرحيم اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم أخذ القطع بحكم في موضوع ضده والمراد من هذه الفرضية هو ان يكون الحكم الواقع في رتبة المحمول منافياً للحكم الذي أخذ العلم به موضوعاً أو جزء موضوع لذلك الحكم (المحمول). مثلا: لو قيل (اذا علمت بحرمة الميتة وجب عليك تناولها) فالحكم في هذه القضية هو وجوب أكل الميتة وموضوعها هو العلم بحكم مضاد ومناف للوجوب، ومنشأ التنافي هو افتراض وحدة موضوع الحكمين، إذ لو افترضنا انَّ موضوع الحرمة غير موضوع الوجوب لما لزم من ذلك أيُّ تناف. هذا وقد ذكر لاستحالة هذه الفرضية وجهان: الوجه الاول: انَّه يلزم من هذه الفرضية اجتماع الضدين، وذلك لأنَّ افتراض العلم بحرمة الميتة موضوعاً لثبوت الوجوب لأكل الميتة معناه انَّ أكل الميتة في الوقت الذي يكون فيه حراماً يكون واجباً، وهو من اجتماع الضدين. وبيان ذلك: انَّ العلم بحرمة أكل الميتة طريق محض لثبوت الحرمة لأكل الميتة فهو يكشف عن انَّ أكل الميتة حرام واقعاً بنحو مطلق، فإذا كان أكل الميتة واجباً في ظرف القطع بالحرمة فهذا معناه انَّه في ظرف القطع بالحرمة يكون أكل الميتة واجباً وحراماً، أما انَّه واجب فلأنَّ موضوع الوجوب هو القطع بالحرمة والمفروض انَّ ذلك متحقق، وأمَّا انَّه حرام فلأن المفترض انَّه قاطع بالحرمة والتي هي طريق لثبوت الحرمة. فالقاطع بحرمة أكل الميتة - بناء على هذه الفرضية - يكون أكل الميتة في حقه واجب لتحقق موضوع الوجوب وحرام الافتراض قطعه بذلك والذي هو طريق لثبوت الحرمة، وهذا هو اجتماع الضدين. وما يقال من انَّ موضوع الحرمة مغاير لموضوع الوجوب، إذ انَّ موضوع الوجوب هو أكل الميتة المعلوم الحرمة، وموضوع الحرمة هو خصوص أكل الميتة دون قيد العلم، وهذا ما يستوجب إرتفاع التضاد. إلا انَّه يتضح الجواب عن ذلك بما ذكرناه من ان التنافي إنَّما يقع في ظرف العلم بالحرمة حيث يكون موضوع الوجوب معه متحققاً، فباعتبار انَّ العلم طريق لثبوت الحرمة وموضوع لثبوت الوجوب يكون ظرف القطع هو الحالة التي يتحقق معها التنافي والتضاد، وأما مع عدم العلم بالحرمة كما لو كان تنجُّز الحرمة عليه بوسيلة غير القطع كالأصل العملي مثلا فإنَّه لا تنافي أصلا، وذلك لعدم تحقق موضوع الوجوب بعد افتراض ان موضوعه القطع بالحرمة، هذا حاصل ما أفاده السيد الخوئي (رحمه الله). الوجه الثاني: انَّه يلزم من هذه الفرضية تعذر الإمتثال، وذلك لأنَّ الحرمة تبعث نحو ترك تناول الميتة والوجوب يبعث نحو تناول الميتة، وواضح استحالة الإنبعاث عن هذين الحكمين. موفقين تقبلوا تحيتي |
بسم الله الرحمن الرحيم اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم أخذ القطع بحكم في موضوع نفس الحكم المراد من هذه الفرضية هو اعتبار العلم بحكم موضوعاً لنفس ذلك الحكم، وهذا معناه إناطة ثبوت الفعلية للحكم بالعلم بثبوت الفعلية له، وذلك لأنَّ افتراض العلم بالحكم موضوعاً يقتضي ترتُّب ثبوت الحكم على تنقُّح وتحقق موضوعه في رتبة سابقة كما هو مقتضى علاقة الموضوعات بأحكامها، فأولا يتحقق الموضوع وعندئذ يترتب عليه الحكم، فحينما يقال (اذا استطعت وجب عليك الحج) فهذا معناه اناطة فعلية الوجوب للحج بتحقق الإستطاعة فما لم تتحقق الإستطاعة لا يكون الحج واجباً. ومثال الفرضية المذكورة هو اعتبار العلم بحرمة الخمر موضوعاً لحرمة الخمر، وهذا معناه انَّ ثبوت الفعلية لحرمة الخمر منوط بتحقق العلم بثبوت الفعلية لحرمة الخمر، وذلك لافتراض العلم بفعلية الحرمة موضوعاً لثبوت الفعلية لحرمة الخمر. وباتضاح ذلك يتضح استحالة هذه الفرضية لاستلزامها الدور. وبيان ذلك يتم بواسطة الإلتفات إلى هذه المقدمات: المقدمة الاولى:انَّ افتراض شيء موضوعاً أو جزء موضوع لحكم يقتضي تأخر ثبوت الحكم عن وجود الموضوع المفترض، فالحكم عدم مالم يتقرَّر موضوعه المفترض خارجاً، ولهذا قالوا انَّ الموضوع مولِّد للحكم وانَّ نسبته للحكم نسبة العلة لمعلولها، فالموضوع يقع في رتبة العلة والحكم يقع في رتبة المعلول. المقدمة الثانية: انَّ العلم بالحكم إذا افترضنا أخذه موضوعاً لنفس ذلك الحكم فمعنى ذلك انَّ العلم بالحكم لابدَّ وان يوجد قبل وجود نفس الحكم، إذ انَّ هذا هو مقتضى كون العلم بالحكم واقعاً في رتبة الموضوع للحكم، ومعنى ذلك انَّ العلم بالحكم هو المولِّد والعلة للحكم. المقدمة الثالثة:انَّ العلم والقطع بشيء معناه ثبوت ذلك الشيء المقطوع في نفس الأمر بغض النظر عن القطع به، وان القطع به ليس له سوى دور الكشف عن المقطوع، فلا هو سابق على المقطوع ولا هو مولِّد له بل هو متأخر عنه تأخُّر الكاشف عن منكشفه. وباتضاح هذه المقدمات يتضح استلزام الفرضية المذكورة للدور، إذ انها تفترض انَّ الحكم مترتب على العلم به، وهذا يعني انَّ الحكم متأخر عن العلم بالحكم تأخر الحكم عن موضوعه، ولمَّا كان الموضوع هو العلم بنفس الحكم - كما هو المفترض - فهذا معناه وجود الحكم في رتبة سابقة عن وجود الموضوع، وهذا لأنَّ العلم متأخر عن معلومه، وذلك يعني انَّ الحكم يكون متأخراً ومتقدماً، اما انّه متأخر فلأنه واقع في رتبة الحكم واما انَّه متقدم فلافتراض ان موضوع الحكم هو العلم به والعلم بشيء فرع وجود المعلوم في رتبة سابقة عن العلم به. موفقين تقبلوا تحيتي |
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أشكركم اختي الفاضلة الحوزوية الصغيرة على مجهودكم الفريد الذي اجاده قلمكم وخطه على صفحة الناظرين وكان من جملة مجهودكم الابحاث الاصولية التي لا غنى عنها للفقيه في تحريرها في مقام استنباط الاحكام الشرعية . اخوكم جنابكم ( موسوي البحراني ) |
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم أسعدني تواجدك استاذي في متصفحي المتواضع .. فأهلا وسهلا بكم لك مني اجمل التحايا دمتم بود |
بسم الله الرحمن الرحيم اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم اخطارية المعاني الإسميَّة ذهب المحقق النائيني (رحمه الله) إلى انَّ المفاهيم الإسميَّة مفاهيم اخطارية، أي انّ لها تقرُّر وثبوت في الذهن، فهي نظير الوجودات العينية في الخارج، فكما انَّ الوجودات العينية - وهي الجواهر - وجودات متقررة ومستقلة في عالم الخارج ولا يُناط وجودها بوقوعها في اطار موضوع بل هي موجودة في نفسها لنفسها فكذلك المعاني الاسمية في عالم الذهن، فإنَّها وجودات استقلالية ولا يُناط وجودها في عالم الذهن بموضوع من قبيل المركب اللفظي بل تنقدح في الذهن ابتداء وان تجردت عن كل مركب، فالمفاهيم الإسمية - بقطع النظر عن مداليلها وهل انّ مدلولها من قبيل الجواهر أو الأعراض أو الإعتبارات أو الإنتزاعيات - كلها مفاهيم استقلالية غير مفتقرة لموضوع يؤهلها لأنْ تنخطر في الذهن، ولهذا لو افترض جدلا ان لا مفهوم في عالم الوجود إلاّ مفهوم واحد فإنَّه مؤهل لأنْ ينخطر في الذهن، مما يُعبِّر عن انَّ المفاهيم الإسمية كالوجودات العينية من حيث انَّها موجودة لا في موضوع، غايته انَّ الوجودات العينية متقرِّرة في وعاء الخارج وأما المفاهيم الإسمية فهي متقررة استقلالا في وعاء الذهن. ولتوضيح ماذكرناه نمثل بهذه المفاهيم، وهي مفهوم الماء والبياض والعلية والبيع، فإنَّها جميعاً مفاهيم اسميَّة، ونلاحظ انَّها معاني متصورة ومدركة ولها تقرُّر وثبوت بنحو مستقل في وعاء الذهن، ونلاحظ انَّ إدراكها ليس منوطاً بوجود ألفاظ موضوعة ومستعملة لغرض الدلالة عليها بل ان تصوّر وإدراك هذه المعاني متحقق بقطع النظر عن ألفاظها. كما نلاحظ انَّ اختلاف هوية هذه المعاني - من حيث انَّ الاول منها من قبيل الجواهر والثاني من قبيل الأعراض والثالث من قبيل المفاهيم الإنتزاعية والرابع من قبيل المفاهيم الإعتبارية - لا يمنع من كون تعقُّلها وتصورها في الذهن استقلالياً، بمعنى انَّ هذه المعاني وان اختلفت هوياتها إلاّ انَّ لها تقرُّر وثبوت في حدِّ نفسها في وعاء الذهن. ومع اتضاح ذلك يتضح ان الألفاظ الاسمية ليس لها إلاَّ دور إخطار مداليها في ذهن السامع فهي لا تُوجد المعاني المدلولة لها في الذهن وانَّما توجب حضورها وانخطارها في الذهن بعد ان كانت مخبوءة. الإرادة وهي تطلق على معنيين: المعنى الاول: هو الحبُّ والشوق البالغ مرتبة تستدعي سعي المريد لتحقيق المراد، وهذا المعنى يقتضي البناء على ان الإرادة من الكيفيات النفسانية المتخلقة في النفس بسبب مقدمات مرحلية تنشأ الإرادة عند آخر مرحلة منها، فأولا يتصور الذهن الفعل ثم يتصوَّر فائدته وحين يحصل التصديق والإذعان بالفائدة تنقدح الرغبة والشوق للفعل وهذا الشوق هو المعبَّر عنه بالإرادة. والإرادة بهذا المعنى لا تستتبع وجود المراد بل يتوسط بينها وبين المراد الاختيار. ولهذا فالإرادة بهذا المعنى قد تتعلَّق بالمستحيل. المعنى الثاني: وهو إعمال القدرة والسلطنة المعبَّر عنه بالمشيئة، وهي تعني إحداث الفعل وإيجاده من العاقل الملتفت، وهذا المعنى للإرادة هو أحد معاني الإختيار. ولا تخفى الطوليَّة بين المعنيين، فإنَّ إعمال القدرة مرحلة متأخرة عن الشوق الأكيد، على انَّ بين المعنيين عموم من وجه، فقد يتحقق الشوق ولا يترتب عليه إعمال القدرة والسلطنة كما انَّه قد يتحقق إعمال القدرة والإحداث والإيجاد ولا يكون منشاؤه الشوق كما هو في المشيئة الإلهية، فإنَّ المشيئة الإلهيَّة تعني الإرادة واعمال القدرة - والتي هي من صفات الأفعال - ولا يناسب ساحته المقدسة إنسباق المشيئة بالشوق أو تكون إرادته بمعنى الشوق والذي قلنا انه من الكيفيات أو الافعال النفسانية. ومن هنا ذكر بعض الأعلام انَّ الإرادة المناسبة للإنسان تتمحض في المعنى الاول وأما المعنى الثاني فهو الإختيار المسبوق بالإرادة بالمعنى الاول. اتمنى ان تستفيدوا من هذه الدروس موفقين تقبلوا تحيتي |
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم الإرادة الإستعماليَّة لا يخفى إنَّ الإرادة الإستعمالية غير الدلالة الإستعماليَّة فالاولى تتصل بالمتكلم والثانية تتصل بالمخاطب. والكلام هنا عن الإرادة الإستعماليَّة وقد ذكر لها خمسة معان: المعنى الاول: هي انْ يقصد المتكلم من استعمال اللفظ تفهيم المعنى بواسطته. وأورد السيد الصدر (رحمه الله) على هذا التفسير للإرادة الإستعمالية، بأنه يلزم منه عدم شمول الإرادة الإستعماليَّة لحالات استعمال اللفظ في المشتركات مع قصد الإجمال، ولا ريب في شمول الإرادة الإستعمالية لمثل هذه الحالات، إذ انّ المستعمل للفظ المشترك مريد للإستعمال رغم عدم إرادته للتفهيم، فإرادة التفهيم ليست مقومة للإرادة الإستعمالية. المعنى الثاني: ان يقصد المتكلم من استعمال اللفظ ايجاد المعنى في عالم الإعتبار بنحو التنزيل، فالغرض من استعمال اللفظ هو التوصل لإيجاد المعنى بنحو الإيجاد التنزيلي، فكأنَّه أوجد المعنى باللفظ وأراد من ايجاد اللفظ ايجاد المعنى. وأورد السيد الصدر على هذا المعنى بأنَّه نشأ عما هو المبنى في تفسير حقيقة الوضع وماهو منشأ العلاقة الدلالية بين اللفظ والمعنى، وهذا المبنى لو تم فإنَّه يُفسِّر العلاقة الواقعة بين اللفظ والمعنى إلا انَّه لا يقتضي ان يكون الإستعمال مرتبطاً بالكيفية التي انخلقت عنه العلاقة بين اللفظ والمعنى، فحيثية الإستعمال لا تتطابق بالضرورة مع حيثية العلاقة الوضعية المختارة من قبل الواضع. وبتعبير آخر: لا يلزم المستعمل ان يحتفظ بنفس الكيفية التي نشأت عنه العلاقة الوضعية، فقد لا يقصد من الإستعمال ايجاد المعنى تنزيلا. المعنى الثالث: انَّ المراد من الإرادة الاستعمالية هي إرادة التلفظ باللفظ المعين، وذلك إلتزاماً بتعهده، حيث انه قصد إخطار معنىً معين وقد التزم بأنّه متى ما أراد إخطار هذا المعنى فإنَّه ياتي بهذا اللفظ المخصوص. وهذا المعنى إنَّما يتناسب مع مسلك التعهد في الوضع، على انّه لا يُفسِّر معنى الإرادة التي هي محل البحث، نعم هو يتحدث عن منشأ الإرادة الإستعمالية، والحديث عن المنشأ غير الحديث عما هو المراد منها كما أفاد ذلك السيد الصدر (رحمه الله). المعنى الرابع: ان يقصد المتكلِّم إفناء اللفظ في المعنى، فتكون الإرادة الإستعمالية بمعنى إرادة لحاظ اللفظ لحاظاً آلياً فانياً في المعنى. وهذا مبني على انَّ الإستعمال يعني افناء اللفظ في المعنى فتكون الإرادة الاستعمالية هي إرادة الإفناء أي إرادة جعل اللفظ فانياً في المعنى. ومن هنا تكون تمامية هذا التفسير للإرادة الاستعمالية مبني على تمامية المسلك المذكور في تفسير الإستعمال والذي هو مسلك المشهور. المعنى الخامس: وهو الذي تبنَّاه السيد الصدر (رحمه الله) وحاصله: انَّ الإرادة الإستعمالية تعني قصد التلفظ بماله أهلية إخطار المعنى، فالمتكلم يقصد الإتيان باللفظ المعد للكشف عن المعنى، وتبقى في البين عوامل اخرى لابدَّ من تحصيلها أو حصولها حتى تترتب عن مجموعها الدلالة، فالإرادة الإستعمالية لا تساوق الإرادة التفهمية بل انَّ إرادة التفهيم مرحلة متأخرة أو مباينة لإرادة الإستعمال، فهي متأخرة لو كان مريداً للإستعمال ومريداً كذلك للتفهيم، وهي مباينة لو انضم للإرادة الاستعمالية إرادة الإجمال، وفي كلا الصورتين تكون الإرادة الاستعمالية غير إرادة التفهيم والإجمال. والمتحصَّل انَّ الإرادة الاستعمالية هي إرادة استعمال اللفظ الذي له صلاحية الدلالة على المعنى وهذا يجامع إرادة الإجمال لكنه مع ذلك قصد اللفظ الذي له الصلاحية للدلالة على المعنى. تقبلوا تحيتي موفقين |
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم الإرادة الإلهيَّة إنَّ البحث عن الإرادة الإلهيَّة من المباحث الشائكة جداً، فقد وقع الخلاف في ماهيتها وحقيقتها، وما يهمنا في المقام هو المقدار الذي وقع في كلمات الاُصوليين، فقد اختلفوا فيما هو المراد من الإرادة الإلهية، وهنا ثلاثة معان أساسية: المعنى الاول: وهو الذي تبناه صاحب الكفاية (رحمه الله) وبعض الاصوليين تبعاً لما هو المشهور بين الفلاسفة وحاصله: انَّ الإرادة الإلهية تعني العلم بالنظام الكامل والأصلح، بمعنى انَّه يعلم الخير والصلاح والكمال وأيَّ الأفعال التي تكون متناسبة مع الكمال والنظام الأتم. وقد فسَّر الحكيم السبزواري هذا المعنى بما حاصله: انَّ الإرادة الالهية تعني وجود الداعي لفعل الخير والنظام الأحسن والأكمل، وهذا الداعي هو عين علمه تعالى بالنظام الأتم والأكمل، ولمَّا كان علمه تعالى هو عين ذاته فالإرادة الإلهية بهذا المعنى هي عين ذاته، فالفرق بين الإرادة الإنسانيَّة والإرادة الإلهية هو انَّ الإرادة الإنسانية تعني الشوق المؤكد الناشئ عن الداعي والذي هو إدراك الشيء الملائم، أما الإرادة الإلهيَّة فهي عين الداعي والذي هو إدراك الأصلح والأكمل. وبتعبير آخر: هي عين علمه والذي هو عين ذاته المقدسة، فيكون الداعي للإيجاد هو عين ذاته، إذ لا يُتعقل في ساحته تعالى كون إرادته بمعنى الشوق والذي هو كيف نفساني حادثٌ وعارض على الذات، فإرادته ليست حالة منتظرة كما انَّها ليست متخلِّقة عن تصوُّر الشيء الملائم كما هو الحال في الإرادة الإنسانية. وأورد المحقِّق النائيني (رحمه الله) على تفسير الإرادة بهذا المعنى بأنَّه من خلط المفهوم بالمصداق، إذ انَّ البحث في المقام عن مفهوم الإرادة وعن اتِّصاف المولى جلَّ وعلا بها، ومن الواضح انَّ صفات الله جلَّ وعلا متغايرة وليس أحدها عين الآخر، فالقدرة غير العلم كما انَّها غير الحياة كما انَّ العلم غير الإرادة، فلكلِّ واحدة منها معنىً مستقل عن الآخر، غايته انَّ مطابَق هذه الصفات واحد، إذ انَّ صفات الله تعالى عين ذاته، فهو كما قيل (قدرة كلَّه وحياة كلُّه وإرادة كلُّه وعلم كلُّه) فهو بسيط من تمام الجهات فليس كل واحدة من هذه الصفات يمثل جزء ذاته أو انّ صفاته زائدة على ذاته فهو صرف الوجود وصرف القدرة وصرف الإرادة وهكذا، إلاّ انَّ العينية في الخارج لا يعني اتحاد هذه الصفات مفهوماً، ومن هنا لا تصح دعوى انَّ الإرادة هي العلم بالنظام الاصلح. المعنى الثاني: وهو الذي تبنَّاه المحقِّق النائيني (رحمه الله) وادعى انَّه مبنى أكابر الفلاسفة، وحاصله: انَّ الإرادة الالهية تعني الابتهاج والعشق والرضا بذاته تعالى، وذلك لأنَّ ذاته أتمُ وأكمل مُدرَك، فذاته حينما تُدرك ذاته فإنَّه تمام الإدراك لأتم مُدرَك، فهي كل الخير والكمال والبهاء والجمال، وهذا ما يقتضي ابتهاج الذات المقدَّسة بذاتها - تقدَّست وجلَّت ـ، ثم انَّ ذلك يستوجب ابتهاجها بما يصدر عنها، إذ انَّ الذات المقدسة لمَّا كانت في أعلى مراتب الكمال فما يصدر عنها يكون مسانخاً لكمالها، وهو تعالى لمَّا كان مبتهجاً بكمال ذاته يكون مبتهجاً بآثارها وهو المعبَّر عنه بالإبتهاج في مرحلة الفعل أو بالمشيئة بحسب تعبير الروايات. فهناك ابتهاج يكون من صفاته الذاتية وهو الابتهاج بالذات لكونها أتمُّ مُدرَك، وهي الإرادة الذاتية الأزلية، وهناك ابتهاج في مرحلة الفعل وهو الرضا عن آثار الذات، إذ حينما تكون الذات مرضية ومعشوقة تكون آثارها كذلك، والرضا المتعلِّق بآثار الذات هي الإرادة التي من صفات الفعل المعبَّر عنها بالإرادة الفعليَّة. وأورد السيد الخوئي (رحمه الله) على هذا المعنى بأنَّه لا يتناسب مع مفهوم الإرادة لا لغة ولا عرفاً، ولا يبعد ان يكون منشأ هذا التكلُّف هو دعوى ان إرادة الله جلَّ وعلا ذاتية، وهو ما لا يلزم الإلتزام به، فنحن وان كنَّا نلتزم بأنَّ الإرادة ليست بمعنى الشوق الأكيد إلاَّ انَّ ذلك لا يُعيِّن المعنى المذكور. ثم ادعى السيد الخوئي (رحمه الله) انَّ الرضا من الصفات الفعليَّة كالسخط، فهو ليس كالعلم والقدرة، والدليل على ذلك صحة سلبه عن الذات، وهو أمارة كونه من صفات الفعل، ولو سلمنا انَّه من صفات الذات فإنَّه لا دليل على انَّ الرضا هو الإرادة. أقول: لا تخفى غفلة السيد الخوئي (رحمه الله) عن مراد المحقِّق النائيني (رحمه الله) فإنَّ الرضا الذي هو من صفات الفعل ليس هو الرضا المقصود عند المحقِّق النائيني وجمع من الفلاسفة كما أوضحنا ذلك. المعنى الثالث:وهو الذي تبنَّاه السيد الخوئي (رحمه الله)، وحاصله: انَّ الإرادة لا تكون إلاّ من صفات الفعل، وذلك لأنَّ المراد منها هو إعمال القدرة والسلطنة المعبَّر عنه في الروايات بالمشيئة. واستدلَّ لذلك بعد اسقاط المعنيين الأولين انَّه لمَّا كان من المستحيل نسبة الإرادة بمعنى الشوق الأكيد إلى الله تعالى وانَّه لا معنى معقول للإرادة غير إعمال القدرة والسلطنة تعيَّن ان يكون المراد من الإرادة هو هذا المعنى خصوصاً وانَّ الروايات لا تُثبت معنىً للإرادة غير هذا المعنى، نعم لمَّا كانت قدرة الله تعالى وسلطنته تامة لا يشوبها نقص فإن المراد الإلهي لا يناط بشيء آخر غير إعمال هذه القدرة والسلطنة. وهذا هو معنى قوله (ع) في معتبرة صفوان (الإرادة من الخلق الضمير وما يبدوا لهم بعد ذلك من الفعل، وأما من الله تعالى فإرادته إحداثه لا غير ذلك، لأنه لا يروى ولا يهم ولا يتفكَّر، وهذه الصفات منفية عنه وهي صفات الخلق، فإرادة الله الفعل لا غير ذلك، يقول له كن فيكون بلا لفظ ولا نطق بلسان ولا همة ولا تفكُّر ولا كيف كما انَّه لا كيف له) ([1]). ثم لا يخفى انَّ إعمال القدرة والتي هي المشيئة والإرادة ليست ناشئة عن إعمال القدرة وإلاّ لزم التسلسل، فالإرادة إذن متخلِّقة عن غير إعمال القدرة، وهذا هو معنى قوله (ع) في معتبرة عمرو بن اذينة (خلق الله المشيئة بنفسها ثم خلق الأشياء بالمشيئة) ([2]). [1]- اصول الكافي: 1/109 الحديث 3. [2]- اصول الكافي: 1/130 الحديث 4. موفقين ان شاء الله تقبلوا تحيتي |
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم والعن واهلك عدوهم الإرادة التفهيميّة وهي تعني قصد تفهيم المعنى بواسطة اللفظ، فهي تختلف عن الإرادة الإستعماليَّة من جهة انَّ المراد في الإرادة التفهيمية هو ايجاد او قل اخطار صورة المعنى في ذهن المخاطب عن طريق استعمال اللفظ، وأمَّا المراد في الإرادة الإستعمالية فهو - كما أفاد السيد الصدر - ليس أكثر من قصد الإتيان بما يمهِّد للدلالة دون ان يستلزم ذلك قصد التفهيم، إذ قد لا يكون مراد المستعمل تفهيم المعنى كما أوضحنا ذلك في بحث الإرادة الاستعمالية. الإرادة التكوينيَّة والتشريعيَّة المراد من الإرادة التكوينية - بحسب نظر صاحب الكفاية (رحمه الله) - هي العلم بالنظام الاصلح، وهذا هو المعنى الاول الذي ذكرناه للإرادة الإلهية، وهذه الإرادة تقتضي إفاضة الوجود على الاشياء بما يتناسب مع علمه تعالى بما هو الأكمل والأتم. وأما الإرادة التشريعية فهي بمعنى علمه تعالى بمصلحة فعل إذا صدر عن مكلَّف بمحض اختياره، فالفعل في علم الله تعالى انَّما يكون واجداً للمصلحة عندما يصدر بواسطة المكلَّف ويكون عن اختيار. وهذا المعنى للإرادة التكوينية والتشريعية هو ما تبنَّاه مشهور الفلاسفة. المعنى الثاني: هو انَّ الإرادة لمَّا كانت بمعنى الحب والرغبة فهي تارة تتعلَّق بالافعال الصادر عن المريد مباشرة، كما لو كان الحب والإرادة متعلِّقة بأن يُحيي ويميت وفي الإنسان بأن يتزوج، فهذه الإرادة هي المعبَّر عنها بالإرادة التكوينية، وتارة تتعلَّق الإرادة والرغبة بأن يصدر الفعل عن آخر، على ان يكون صدوره عنه باختياره، وهذه هي الإرادة التشريعية، كما في تعلَّق إرادة المولى بأن تصدر الواجبات عن المكلَّف عن اختيار منه. هذا إذا بنينا على انَّ الإرادة تعني الحب والرغبة، وأما لو بنينا على انَّ الإرادة بمعنى العزم على الإنجاز والتي هي مرتبة متأخرة عن الحب فإنَّه لا توجد في هذه الحالة إلاّ إرادة تكوينيَّة وهي العزم على انجاز فعل، غايته انَّ هذا الفعل قد يكون تكوينياً وقد يكون تشريعياً، بمعنى انَّه قد يكون من سنخ الافعال التي لا تتصل بشخص آخر مختار وهذا هو المراد من الفعل التكويني، وقد يكون من سنخ الافعال التي تتصل بشخص آخر مختار، إلاّ انَّ الجامع بينهما ان الإرادة لهما تتعلَّق بفعل المريد مباشرة، إذ انَّ ايجاد الفعل وافاضته أو ايجاد التشريع كلاهما فعل مباشري للمريد. ومن هنا لا توجد إرادة تشريعية بالمعنى المتقدم، نعم يوجد - بناء على هذا المعنى - (إرادة التشريع) أي إرادة فعل التشريع والتي هي فعل مباشري للمريد. وهذا المعنى ذكره بعض الفلاسفة، والظاهر من كلمات السيد الخوئي (رحمه الله) اختيار هذا التفصيل حيث أفاد انَّ الإرادة لما كانت بمعنى البناء القلبي فإنَّها دائماً تكون تكوينية، نعم يمكن تقسيمها إلى تكوينية وتشريعية بلحاظ المتعلَّق، أما لو كانت الإرادة بمعنى الشوق فإنَّ تقسيمها إلى إرادة تكوينية وإرادة تشريعية تام. المعنى الثالث: انَّ الإرادة التكوينية تعني الإحداث والايجاد أو قل افاضة الوجود للأشياء، وأما الإرادة التشريعية فتعني الاوامر والنواهي المولوية. وهذا التقسيم للإرادة ذكره بعض الأعلام، وهو يتناسب مع القول بأن الإرادة هي إعمال القدرة والسلطنة. موفقين تقبلوا تحيتي |
الله يبارك بكم يا تلاميذ مدرسة اهل البيت عليهم السلام ...........
وفقكم الله لكل خير ومعرفة وسرور |
اللهم كن لوليك الحجة بن الحسن (صلواتك عليه وعلى آبائه)في هذه الساعة وفي كل ساعة ولياً وحافضاً وقائداً وناصراً ودليلاً وعيناً حتى تسكنه أرضك طوعاً وتمتعه فيها طويلاً وهب لنا رأفته ورحمته ودعائه وخير برحمتك يا أرحم الراحمين
|
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم الإرادة الجدِّيَّة وهي ان يكون الداعي من استعمال الألفاظ هو قصد الحكاية أو قصد الإنشاء واقعاً وحقيقة، وذلك في مقابل قصد الكذب أو الهزل أو السخرية. ومن هنا لا تكون الإرادة الجدِّية إلاّ في موارد استعمال الجمل التامة الإنشائية والخبريَّة، إذ هي التي يُتعقل فيها الجد والهزل، وأما استعمال الجمل الناقصة والمفردات اللفظية فلا يكون استعمالها إلاّ لغرض الإستعمال أو إرادة التفهيم، وأما الإرادة الجدِّية فهي غير متصوَّرة في موارد الجمل الناقصة والمفردات اللفظية، إذ ليس لها أهلية الكشف عن واقع النفس بعد ان كانت مجرَّد مفردات أو مركبات ناقصة. الإستثناء وهو إخراج بعض أفراد موضوع عن الحكم المجعول على ذلك الموضوع ولولا الإستثناء لكانت الأفراد الخارجة مشمولة للحكم كما هو الحال في سائر أفراد الموضوع، فخروجها بالإستثناء انَّما هو من جهة عدم شمول الحكم المجعول للموضوع لها وإلاّ فهي من أفراد الموضوع حقيقة. مثلا حينما يقال (أكرم العلماء إلاّ الفساق منهم) يكون خروج الفساق من جهة عدم مشموليتهم للحكم المجعول للمستثنى منه (الموضوع) وإلا فهم من أفراد الموضوع حقيقة، نعم هم خارجون عنه حكماً. وهذا النحو من الإستثناء يُعبَّر عنه عند النحاة بالإستثناء المتصل، ويعبَّر عن هذا النحو من الإخراج والاقتطاع عند الاصوليين بالتخصيص أو بالخروج التخصيصي. وفي مقابل هذا النحو من الاستثناء هناك استثناء عند علماء العربية يُعبَّر عنه بالإستثناء المنقطع وهو المعبَّر عنه بالخروج الموضوعي أو التخصُّصي عند الأصوليين وهو لا يتصل روحاً بالإستثناء والذي هو التخصيص. والمقصود من الإستثناء المنقطع هو إخراج موضوع عن الحكم المجعول لموضوع آخر بأحد أدوات الاستثناء، ومثاله قوله تعالى (فَسَجَدَ الْمَلآئِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ * إِلاَّ إِبْلِيسَ) ([1]) فالخارج عن الحكم المذكور للمستثنى منه هو موضوع آخر لا صلة له بالموضوع المستثنى منه، فالمستثنى منه هم الملائكة والمستثنى هو ابليس وهو من غير جنس الملائكة، ومن هنا كان الاستثناء منقطعاً ظاهراً. وهذا النحو من الاستثناء يُعبَّر عنه - كما ذكرنا - بالخروج الموضوعي التخصُّصي عن حكم المستثنى منه، فليس هو إخراج وانما هو خروج، فحتى لو لم يتصدَ المتكلِّم لإخراجه عن حكم الموضوع فإنَّه خارج من اول الأمر، إذ انَّ شخص الحكم إذا كان مجعولا لموضوع فإنَّ عدم شموله لموضوع آخر لا يحتاج إلى بيان، نعم قد يتصدى المتكلم لبيان خروجه لغرض يقتضيه الحال أو نكتة بلاغية. فالإستثناء - إذن - المبحوث عند الاصوليين من حيث افادته للمفهوم وعدم افادته انما هو الاستثناء المتصل. ثم انَّ الإستثناء تارة يكون راجعاً للموضوع واخرى يكون راجعاً للحكم، بمعنى انَّه تارة يكون من قيود الموضوع واخرى يكون من قيود الحكم. أما الاستثناء الراجع للموضوع فهو ما يؤتى فيه بأداة الإستثناء قبل الإسناد أي قبل الحكم على الموضوع المستثنى منه، كما لو قيل (العلماء إلاّ الفساق يجب اكرامهم) أو (العلماء غير الفساق يجب اكرامهم)، فالاستثناء هنا ضيق من دائرة الموضوع قبل اسناد الحكم له. وهذا الإستثناء يُعبَّر عنه بالإستثناء الصفتي، إذ انَّه يؤول روحاً إلى توصيف الموضوع بغير المستثنى أو قل يؤول إلى تضييق دائرة الموضوع وتحصيصه بحصة خاصة، فكأنَّ أداة الاستثناء حصَّصت الموضوع إلى حصتين فكانت احدى الحصتين هي المسند اليها الحكم دون الحصة الاخرى، ولهذا لو كنا نبحث عن المفهوم في مثل هذه الجملة الاستثنائية لكان البحث عنها داخلا تحت البحث عن المفهوم في الجمل الوصفية. وأما الإستثناء الراجع للحكم فهو ما تكون فيه أداة الإستثناء واقعة بعد الإسناد أي بعد عروض الحكم على موضوعه كما لو قيل (العلماء يجب إكرامهم إلاّ الفساق منهم)، فإنَّ الاستثناء هنا من قيود الحكم باعتباره واقعاً بعد الإسناد. والمقصود من كونه من قيود الحكم انَّ الإستثناء هو المتصدي لإخراج المستثنى من الحكم الواقع على المستثنى منه أي موجباً لاختصاص الحكم بالمستثنى منه. وبهذا يتضح انّ الإستثناء الراجع للموضوع ليس استثناء حقيقة وإنما هو صورة استثناء بسبب استعمال أداة الإستثناء لغرض تضييق دائرة الموضوع فهو أشبه بالقيد النعتي الذي يضاف للموضوع لغرض تحديده. ثم انَّ هنا كلاماً يُنسب إلى نجم الأئمة حاصلة: انَّ الإستثناء دائماً يكون راجعاً للموضوع، فسواءً جيء بأداة الإستثناء قبل الإسناد أو بعده فإنَّه يكون موجباً لتضييق دائرة الموضوع. واستدل لذلك بدعوى انَّ المصير إلى غير ما ذُكر يستوجب التناقض، إذ انَّ الحكم بعد ما يعرض على الموضوع بتمامه الشامل للمستثنى يكون إخراج المستثنى بعد ذلك عن الحكم من التناقض، فكأنَّه أثبت له الحكم ثم نفاه عنه. وأجاب المحقِّق النائيني (رحمه الله) عن ذلك بما حاصله: انَّ الظهور التصديقي للكلام انَّما ينعقد بعد تماميته أما قبل ان يُتم المتكلِّم كلامه فلا يصح التعويل على ما يظهر بدواً منه، واذا كان كذلك فلا تناقض فيما لو جاء المتكلم بحكم لموضوع ثم أخرج بعض أفراد الموضوع عن الحكم قبل ان يتم كلامه، إذ لم ينعقد لكلامه قبل الإخراج والإستثناء ظهور تصديقي في انَّ الحكم شامل لتمام أفراد الموضوع، والظهور البدوي ليس له استقرار قبل اتمام الكلام كما هو أوضح من ان يخفى، بل وحتى لو نصب المتكلم قرينة منفصلة على انَّ مراده الجدِّي لم يكن هو استيعاب الحكم لتمام أفراد الموضوع فإن ذلك لا يكون من التناقض بين القرينة وذي القرينة، هذا هو الجواب الحلِّي. وقد أجاب المحقِّق (رحمه الله) على دعوى نجم الأئمة بجواب آخر نقضي وحاصله: انَّ هذا الإشكال سيَّال ومطرِّد في تمام الحالات التي يكون فيها الكلام مشتملا على قرينة موجبة لإخراج بعض أفراد موضوع الحكم عن ان تكون مشمولة للحكم، كالقرائن الموجبة للتقييد والتخصيص، وكذلك لو تم الإشكال لكانت القرينة على المجاز - والتي تصرف ذي القرينة عن ظهورها الاولي إلى الظهور المناسب للقرينة - تقتضي التناقض بين القرينة وذي القرينة. [1]- سورة الحجر: 30. موفقين لكل خير تقبلوا تحيتي |
تصحيح
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
ارجو تصحيح العنوان مصطلحات وليس مصطلاحات |
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم وفرجنا بهم ياكريم الإستحباب وهو أحد الأحكام التكليفية الخمسة، وقد ذكروا انَّ تعريفه هو عبارة عن (طلب الشيء مع الإذن في تركه)، وهذا ما يقتضي تركُّب الإستحباب من جزئين. ومن هنا لم يقبل جمع من الأعلام بهذا التعريف، وذلك لأنَّ الاستحباب من المفاهيم البسيطة، وهذا ما أوجب العدول عنه إلى تعريف آخر وهو انَّ الإستحباب (هو الطلب غير الإلزامي). وكيف كان فإنَّ نظر هذين التعريفين انما هو لمقام الإثبات، وثمة تعريف آخر للإستحباب يتصل بمقام الثبوت حاصله انَّ الإستحباب عبارة عن الحكم التكليفي الناشئ عن ملاك غير بالغ حدَّاً يستوجب تعلُّق الإرادة الملزمة بتحقيق متعلَّقه، فالإرادة الموجبة لجعل الحكم الإستحبابي لم تكن شديدة تبعاً للملاك الذي تولدت عنه الإرادة حيث لم يكن تاماً. إستحباب الإحتياط يمكن ان يُراد من الإستحباب في المقام الإستحباب الطريقي، بمعنى انَّ الأمر به نشأ عن تعلُّق إرادة المولى بالتحفُّظ على الأحكام الواقعية، فالإحتياط ليس مطلوباً للمولى بنفسه بل انَّ مطلوبيته باعتباره وسيلة للتحفُّظ على الأحكام الواقعية. ويمكن ان يُراد من استحباب الإحتياط الإستحباب النفسي، بمعنى انَّ إرادة المولى قد تعلَّقت بنفس الإحتياط وبقطع النظر عما يترتَّب عليه من التحفُّظ على الواقع. ويمكن ان يكون الإحتياط مستحباً بالإستحباب الطريقي وكذلك النفسي كما مال إلى ذلك السيد الصدر (رحمه الله). وكيف كان فمشهور الاصوليين ذهبوا إلى استحباب الإحتياط، وذلك للروايات الكثيرة الآمرة بالاحتياط، ولمَّا كان حملها على الوجوب يواجه مجموعة من الإشكالات فإنَّ المتعين حينئذ حملها على الإستحباب، إلاّ انَّه في مقابل هذه الدعوى ادعى البعض استحالة الإستحباب المولوي للإحتياط، ولذلك لابدَّ من حمل الروايات الآمرة بالاحتياط على انَّها أوامر إرشادية بمعنى انَّها متصدية للتنبيه على ما يُدركه العقل من حسن الإحتياط. واستدلَّ لهذه الدعوى بدليلين: الأول: انَّه يلزم من جعل الإستحباب المولوي للإحتياط اللغوية، وذلك لانَّه إن كان الغرض من جعل الإستحباب هو بعث المكلَّف نحو الإحتياط فهذا تحصيل للحاصل، إذ انَّ إدراك العقل لحسن الإحتياط وحسن التحفُّظ على الاوامر المولوية الواقعية المحتملة كاف في بعث المكلَّف نحو الاحتياط فلا مبرِّر لجعل الإستحباب، مما يُعبِّر عن انَّ غرض الاوامر الباعثة نحو الإحتياط هو الإرشاد إلى الحكم العقلي. وقد أجاب الأعلام عن هذا الدليل بما حاصله: انه قد يفترض انَّ الأمر بالإحتياط مولوياً ومفيداً للإستحباب ومع ذلك لا تلزم اللغويَّة، وذلك فيما لو كان الإستحباب نفسياً أي مطلوب بنفسه للمولى لكونه موجباً لتأكيد التقوى وترويض النفس على الطاعة وهذا الملاك بنفسه مطلوب للمولى وبقطع النظر على متعلَّق الإحتياط، وحينئذ يكون الباعث العقلي مؤكداً بالباعث المولوي فلا يكون الباعث المولوي تحصيلا للحاصل. ثم انَّه لو فرض انَّ استحباب الاحتياط طريقي فلا يلزم منه اللغوية أيضاً، وذلك لانَّه حينئذ يكشف عن تعلُّق إرادة المولى بالتحفظ على الواقع ولو بنحو الإرادة الغير الملزمة، وهذا ما يمنع من تهاون المكلَّف بالتكاليف الواقعية المحتملة بدعوى انَّها موهومة وانَّ التحفظ عليها من الوسوسة كما ربما ينقدح ذلك في بعض الأذهان، فيكون استحباب الإحتياط نافياً لهذه الدعوى ومؤكداً لما يحكم به العقل من حسن التحفظ على الواقع - وهذا الجواب ملفق من كلام المحقق النائيني (رحمه الله) والسيد الصدر (رحمه الله). الدليل الثاني: انَّ حكم العقل بحسن الإحتياط واقع في سلسلة معلولات الحكم الشرعي وكلما كان الحكم العقلي واقعاً في سلسلة معلولات الاحكام الشرعية فإنَّ الامر به من قبل الشارع يكون إرشادياً، هذا ما أفاده المحقق النائيني، وبيانه: ان حكم العقل بحسن الإحتياط معناه إدراك العقل لحسن التحفظ على الاوامر الواقعية المجهولة، فهو إذن مترتب على وجود الأحكام الشرعية فما لم يكن في الواقع أحكام شرعية فإنَّ العقل لا يحكم بحسن الاحتياط، إذ لا أوامر في الواقع حتى يحكم العقل بحسن التحفُّظ عليها، إذن حكم العقل بحسن الإحتياط معلول لوجود الاحكام الواقعية، وكلّما كان كذلك فالامر من الشارع بما يقتضيه الحكم العقلي لا يكون مولوياً. ولتوضيح المطلب أكثر نمثِّل بهذه الآية الشريفة وهي قوله تعالى (أَطِيعُواْ اللّهَ) ([1]) فإنَّ الأمر فيها لابدَّ من حمله على الإرشاد لما يُدركه العقل من لزوم طاعة المولى جلَّ وعلا، ومنشأ ذلك هو انَّ حكم العقل بلزوم طاعة المولى جلَّ وعلا واقع في رتبة المعلول للأحكام الشرعية، فلو لم يكن هناك أحكام شرعية فإنَّ العقل لا يُدرك لزوم طاعة المولى، إذ المفترض انَّ لا أوامر للمولى حتى يُدرك العقل لزوم طاعتها، إذن إدراك العقل للزوم الطاعة معلول لوجود الأوامر الشرعية او قل واقع في سلسلة معلولات الاوامر الشرعية، وحينئذ يكون الأمر بطاعة هذه الاوامر إرشادياً وإلاّ لزم التسلسل، إذ ماهو الملزم لطاعة المولى بأمره بالطاعة، فإن كان الملزم هو أمر آخر للمولى ينسحب الكلام لذلك وهكذا، أما لو كان القاضي بلزوم الطاعة هو العقل فإنَّ التسلسل لا يلزم، إذ انَّ ثمة أوامر شرعية يُدرك العقل لزوم طاعتها. وبهذا يثبت انَّ الأمر الصادر من الشارع إذا كان متناسباً مع ما يقتضيه الحكم العقلي وكان ذلك الحكم واقعاً في رتبه المعلول للحكم الشرعي فإنَّ المتعين هو حمل الأمر الصادر عن الشارع على الإرشادية، والمقام من هذا القبيل، إذ انَّ الأمر بالإحتياط يتناسب مع الحكم العقلي وهو حسن التحفُّظ على الحكم الشرعي الواقعي المجهول. وبه تسقط دعوى الاستحباب الشرعي بالاحتياط. وأجاب عنه السيد الخوئي (رحمه الله) بما حاصله: انَّه وان كنا نسلِّم انَّ حكم العقل بحسن الإحتياط واقع في سلسلة معلومات الحكم الشرعي إلاّ انَّه مع ذلك يمكن ان يكون الأمر به أمراً مولوياً شرعياً، وذلك لأنَّ مقدار ما يُدركه انما هو حسن الإحتياط وهذا لا يمنع من أن يأمر الشارع بوجوب الإحتياط الشرعي تحفُّظاً على أغراضه التي قد تفوت لولا حكمه بوجوب الإحتياط، فالأمر بالاحتياط يكون مولوياً رغم انّ ما يُدركه العقل من حسن الإحتياط واقع في سلسلة معلولات الحكم الشرعي. ثم انَّ الجواب الذي ذكره السيد الصدر (رحمه الله) على الدليل الأول يصلح للجواب عن هذا الدليل مع شيء من التعديل فتأمل. [1]- سورة الأنفال: 20. موفقين لكل خير تقبلوا تحيتي |
هل الأخت الكريمة تنقل من كتاب ( المعجم الأصولي ) لسماحة العلامة الشيخ محمد صنقور ؟
|
اللهم صل على محمد وآل محمد
نعم أخي الكريم (كفاية الأصول) ... انه كتاب مفيد جدا اتمنى ان يستفيد الجميع منه. موفقين تقبل تحيتي |
وفقكِ الله أختي الكريمة ، وأعزّكِ الله ، جهدٌ مبارك .
|
اللهم صل على محمد وآل محمد أخي الفاضل شاكرة لك مرورك الرائع ودعاؤك الميمون دمتم في رعاية المولى |
بسم الله الرحمن الرحيم اللهم صل على محمد وآل محمد الإستحسان المتبادر بدْواً من معنى الإستحسان هو اعمال الذوق ومقتضيات الطبع في مقام التعرُّف على الحكم الشرعي، فمتى ما وجد المجتهد انَّ هذا الفعل ملائماً لما يقتضيه الطبع فهذا يكشف عن ان حكم هذا الفعل الواقعي هو الإباحة، وبخلافه مالو كان الفعل مستبشعاً تمجُّه الطباع وتشمئز له النفوس ويتنافى مع الذوق فهذا يعبِّر عن انَّ حكمه الواقعي هو الحرمة لو كانت مرتبة الإشمئزاز والإستقذار شديدة جداً، أما لو كانت مرتبة الاستقذار والإستبشاع بمستوىً أدنى من الحالة السابقة فإنَّ هذا يكشف عن ان حكم هذا الفعل عند الله تعالى هو الكراهة. وهذا المعنى للإستحسان يمكن ان يُستفاد من كلام الشافعي - والذي لا يرى حجية الإستحسان - حيث قال في مقام الرد على دعوى حجية الإستحسان: (أفرأيت اذا قال المفتي في النازلة ليس فيها نص خبر ولا قياس وقال استحسن، فلابدَّ ان يزعم انّ جائزاً لغيره، ان يستحسن خلافه فيقول كل حاكم في بلد ومفت بما يستحسن، فيقال في الشيء الواحد بضروب من الحكم والفتيا، فإن كان هذا جائزاً عندهم فقد أهلموا أنفسهم فحكموا حيث شاءوا وان كان ضيقاً فلا يجوز ان يدخلوا فيه). فإنَّ هذا النص كما تلاحظون صريح في انَّ الشافعي يفهم من الإستحسان المعنى الذي ذكرناه، وذلك لأنَّ ملاحظته في مرتبة متأخرة عن فقدان النص يُعبِّر عن انَّ الاستحسان ليس بمعنى تقديم أقوى النصين ظهوراً أو سنداً - كما ذكر البعض - وملاحظته مترتباً على القياس يُعبِّر عن ان الإستحسان ليس بمعنى العدول عن قياس إلى قياس أقوى - كما ذكر البعض - كما يُعبِّر عن انَّ الإستحسان لا يدخل تحت أيِّ وجه من وجوه القياس المذكورة، ومن هنا يتمحض معنى الإستحسان - بحسب فهم الشافعي - في مجموعة من المحتملات. منها انَّ مراد الشافعي من الإستحسان هو المصالح المرسلة، وهذا الاحتمال غير مراد جزماً، وذلك لانَّ المصالح المرسلة تخضع لضوابط عقليَّة أو عقلائية أو شرعية كما سيتضح ذلك في الحديث عن المصالح المرسلة، فلو كان مراده ذلك لكان إشكاله - وهو انَّه يلزم من القول بحجية الإستحسان (ان يقول كل حاكم في بلد ومفت بما يستحسن) - غير وارد، إذ انَّ الضوابط العقلية والعقلائية وكذلك الشرعية مطردة والإختلاف انما هو في موارد تطبيقها وهذا حاصل حتى في الكتاب والسنة وكذلك القياس، وهذا ما يُعبِّر عن انَّ الشافعي لا يقصد بالإستحسان المصالح المرسلة. وبما ذكرناه يتضح عدم إرادته للحسن والقبح العقليين أو العقلائيين، وكذلك يتَّضح عدم إرادته من الإستحسان ما يعبَّر عنه بحجية العرف. وبسقوط تمام المحتملات يتعيَّن كون المراد من معنى الإستحسان هو ما ذكرناه، إذ هو الذي يرد عليه إشكال الشافعي، فالذوق وما يلائم الطبع وكذلك الإشمئزاز والإستقذار والإستبشاع كلها حالات نفسانية تخضع لعوامل تربوية أو اجتماعية أو ثقافية، وهي تختلف من بلد لآخر ومن بيئة لاخرى، بل قد يتفاوت المجتمع الواحد في ذلك فتجد انَّ طبقة معينة أو شريحة خاصة تنفر من بعض الأطعمة وتستقذرها والحال انَّ نفس هذه الأطعمة تستهوي طبقة اخرى من المجتمع أولاْ أقل لا تكون مستقذرة عندهم، كما نلاحظ ان بعض المجتمعات تمارس بعض الأعمال وترى انها ملائمة للذوق والتحضُّر، ونجد مجتمعات اخرى تستبشع هذه الأعمال وترى انها من التخلُّف والتسافل إلى مستوى الحيوان، وما ذلك إلاّ لاختلاف التربية والثقافة. ثم انَّ المجتمع الواحد قد يمرُّ بأطوار وظروف تتغيَّر معها طبائعه ومذاقاته. وبهذا اتضح انَّ ما يفهمه الشافعي من معنى الاستحسان هو ماذكرناه. ويمكن تأكيد هذا الفهم ببعض التعريفات المذكورة للإستحسان فقد نقل صاحب محاضرات في اسباب اختلاف الفقهاء عن المبسوط - كما ذكر ذلك السيد الحكيم - انَّ الاستحسان (هو الأخذ بالسماحة وانتفاء مافيه الراحة). وكذلك نقل عن ابن قدامة انَّ الاستحسان (دليل ينقدح في نفس المجتهد لا يقدر على التعبير عنه). والتعريف الاول يُعبِّر عن الحكم بمناط الإستحسان لابدَّ وان يكون متناسباً مع السماحة والسهولة، فلو كان فعل من الأفعال متناسباً مع انس النفس ومتناغماً مع مذاقها وموجباً لراحتها واستجمامها فهذا يقتضي الحكم بإباحته بل وباستحبابه، لأنَّه هو مقتضى الأخذ بالسماحة وانتفاء مافيه الراحة، فلو حكمنا بحرمته لأخذنا بما فيه التعب وأوردنا المكلَّف موارد النصب وهو ما ينافي مآرب النفس في الطرب. وأما التعريف الثاني فنتساءل ماهو الدليل الذي ينقدح في نفس المجتهد ويتعذَّر عليه التعبير عنه، فحتماً ليس هو من قبيل النصوص الشرعية ولا هو من قبيل البراهين العقلية ولا هو قياس من الأقيسة وإلاّ لأجاد التعبير عنه، ولو كان من قبيل المصالح المرسلة أو سدِّ الذرايع أو ما إلى ذلك فما هو الموجب لانتفاء القدرة على التعبير عنه، نعم لو كان الذوق هو الدليل فإنَّ من الصعب التعبير عنه إلاّ ان يكون المجتهد شاعراً. المعنى الثاني للإستحسان: هو (ما يستحسنه المجتهد بعقله)، وهذا التعريف منقول عن ابن قدامة، وهو يحتمل معان ثلاثة: الإحتمال الاول: انَّ مراده من الإستحسان العقلي هو خصوص مدركات العقل القطعية الأعم من مدركات العقل العملي - كإدراك العقل لحسن العدل وقبح الظلم - ومدركات العقل النظري كإدراكه للملازمة بين وجوب الشيء ووجوب مقدمته أو انَّ مراده مختص بالاول. الإحتمال الثاني: انّ مراده من الإستحسان العقلي هو مطلق ما يستحسنه العقل الأعم من العقل النظري والعملي والقطعي والظني. والظاهر من التعريف انَّ المتعين هو الإحتمال الثاني، وذلك لعدم وجود ما يُوجب اختصاصه بالاول، ومن هنا يكون الإستحسان شاملا للقياس والاستقراء وسدِّ الذرايع، لانها جميعاً من صغريات ما يستحسنه العقل الاعم من القطعي والظني، وعليه فليس الإستحسان - بناء على هذا المعنى - دليلا مستقلا في مقابل الدليل العقلي، وذلك حتى بناء على الاحتمال الاول، وهذا ما يُعبِّر عن وجود خلل في التعريف. المعنى الثالث: انَّ الإستحسان هو (العدول بحكم مسألة عن نظائرها لدليل خاص من كتاب أو سنة). وهذا التعريف نقله ابن قدامة أيضاً. واحتمالات المراد من هذا التعريف ثلاثة: الاول: انَّ الإستحسان يعني تقديم الدليل المخصص من الكتاب والسنة على عمومات الكتاب واطلاقاته وكذلك عمومات السنة واطلاقاتها. مثلا قوله تعالى (أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ) ([1])، فالاية الكريمة تدلُّ باطلاقها على حلِّية أكل طعام البحر، فلو ورد دليل من السنة مفاده (حرمة أكل ما لا فلس له) فإنَّ هذا الدليل يكون مقدماً بالإستحسان أي بقاعدة حمل المطلق على المقيد والعام على الخاص. الثاني: انَّ المراد من الإستحسان هو تقديم الآيات والروايات - في مقام التعرُّف على الحكم الشرعي - على سائر الأدلة الاُخرى سواء كان من قبيل الإجماع أو العقل أو القياس أو ما إلى ذلك فكل ما سوى الكتاب والسنة يكون في مرحلة متأخرة عنهما في مقام المرجعية، أي لا يُلجأ إلى غير الكتاب والسنة في موارد اشتمالهما أو أحدهما على حكم المسألة المبحوث عنها. الثالث: انَّ الاستحسان يعني الخروج عمَّا يقتضيه القياس بسبب وجود دليل خاص من الكتاب والسنة، بمعنى انَّه في فرض التعارض بين ما يدلُّ عليه الكتاب والسنة وبين ما يقتضيه القياس فإنَّ الإستحسان يقتضي تقديم ما يدلُّ عليه الكتاب والسنة. والظاهر إرادة هذا المعنى من التعريف بقرينة قوله (العدول بحكم مسألة عن نظائرها)، فإنَّ هذا التعبير يناسب القياس والذي يعني إسراء حكم من مسألة إلى نظائرها من المسائل، فلو كانت احدى هذه المسائل مما قام الدليل الخاص من الكتاب والسنة على انَّ حكمها مناف لحكم نظائرها من المسائل فإنَّ مقتضى الإستحسان هو تقديم الدليل الخاص من الكتاب والسنة. [1]- سورة المائدة: 96. يتبع |
والذي يؤكد ماذكرناه انَّ التعبير بالعدول لا يُناسب التخصيص - والذي هو الاحتمال الاول - إذ انَّ العدول يستبطن وجود قاعدة كلية متبناة تقتضي حكماً معيناً إلاّ انَّ ثمة شيئاً أوجب العدول عن هذه القاعدة، والتخصيص ليس من هذا القبيل، وذلك لأنَّ المخصص لو كان متصلا فإنَّ حكم المسألة المستفاد من المخصِّص ثابت بنفس الخطاب المفيد للعموم، فليس من قاعدة تقتضي حكماً مغايراً وتكون المسألة الخارجة بالتخصيص مشمولة له أولا ثم تخرج بواسطة الدليل الخاص حتى يصدق العدول، إذ انَّ العموم من أول الأمر لا يشمل المسألة الخارجة بالمخصص المتصل، وأمَّا لو كان المخصِّص منفصلا فكذلك لا يكون التعبير بالعدول دقيقاً لو كان المراد منه التخصيص، إذ ان التعويل على الاطلاق أو العموم قبل الفحص عن المخصِّص أو المقيِّد غير صحيح، وذلك للعلم الإجمالي بوجودات مخصِّصات ومقيّدات منفصلة في الخطابات الشرعية، فمع الفحص والعثور على المخصِّص المنفصل لا يكون العمل بمقتضى المخصص أو المقيد عدولا عن العموم والاطلاق، وذلك لانّ الاطلاق وكذلك العموم لم يكونا مرادين بالإرادة الجدية من أول الأمر بل المراد الجدِّي منهما هو غير ما يقتضيه المخصِّص المنفصل. وبهذا يتنقح ان لا قاعدة كلية مبتبناة تم العدول عنها في موارد التخصيص بل انَّ المخصِّص يثبت في عرض العموم والاطلاق وانما قد يتفق العثور على العموم قبل العثور على المخصّص وقد ينعكس الأمر فنعثر على المخصّص قبل العثور على العموم أو الاطلاق وحينئذ فما معنى التعبير بالعدول. وأما الاحتمال الثالث فيناسبه التعبير بالعدول، وذلك لأنَّ القياس ضابطة عقلية كلية محددة المعالم لا يقال في موردها انَّ بعض مواردها خارج من أول الأمر بل انَّ كل ما يخرج عنها يكون عدولا عن مقتضاها إلى شيء آخر. هذا ما يناسب سقوط الإحتمال الاول، وأما الإحتمال الثاني فهو أبعد من الإحتمال الأول، وذلك لأنَّ الإستحسان فيه بمعنى تقديم الكتاب والسنة على سائر الادلة، ولا نجد مناسبة للتعبير بالعدول لو كان هذا المعنى هو المراد، إذ انَّ هذا المعنى لا يعني أكثر من بيان الترتيب المرحلي للأدلة في مقام المرجعية والإستنباط للأحكام الشرعية. والمتحصَّل انَّ حمل التعريف على الدقة يقتضي كون المراد منه ما ذكرناه وهو الخروج عن القاعدة الكليَّة المستلهمة بواسطة القياس في موارد وجود الدليل الخاص من الكتاب والسنة، وهذا ما تؤكده مقتضيات القياس، إذ ان القياس العقلي لا يفرق بين مسألة واخرى بل يُعطي ضابطة كلية لنظائر المسألة المقيس عليها إلاّ انَّ المجتهد يعدل عمَّا يقتضيه القياس بسبب وجود الدليل الخاص من الكتاب والسنة. والذي يُعزِّز ما استظهرناه من التعريف ما نقل عن البزودي - وهو من الاحناف - قال: ان الإستحسان هو (العدول عن موجب قياس إلى قياس أقوى أو هو تخصيص قياس بدليل أقوى منه). والمناسب لما ذكرناه هو قوله (أو هو تخصيص قياس بدليل أقوى منه) حيث اعتبر المعدول عنه هو القياس وليس هو دليل آخر كعمومات الكتاب والسنة. ثم انَّ هذا التعريف أوسع دائرة من التعريف السابق حيث جعل الموجب للعدول عن القياس مطلق الدليل الأقوى، فلو اعتبرنا انَّ الإجماع وكذلك المصالح المرسلة أقوى دليليَّة من القياس كان ذلك موجباً للعدول عما يقتضيه القياس، وكذلك لو كان هناك قياس أقوى دليليَّة من قياس آخر فلابدَّ من العدول عن القياس المرجوح بمقتضى الإستحسان، إلاّ انَّ هذا التعريف لم يُشر إلى ماهي الضابطة لتشخيص اقوائية أحد القياسين على الآخر، والمحتمل في ضابطة الأقوائية أحد امور: الأمر الاول: مناسبة القياس الأقوى للمصلحة. ولو كانت هذه هي الضابطة لما صحَّ عدُّ الإستحسان دليلا برأسه، فهو حينئذ يرجع إلى المصالح المرسلة فهي المائز - بناء على هذا الاحتمال - بين القياس الأقوى من القياس الأضعف، وهذا ما يُوجب استبعاد هذا الإحتمال، إذ انَّ الظاهر منهم هو اعتبار الإستحسان دليلا مستقلا في عرض الأدلة الاخرى. الأمر الثاني:مناسبته لسدِّ الذرايع أو العرف وهذا الإحتمال أيضاً ساقط لعين ماذكرناه في الأمر الاول. الأمر الثالث: انَّ الضابطة في أقوائية قياس على آخر هو الذوق وملائمات الطبع، وهذا الإحتمال هو المتعين، إذ لا يرد عليه الإشكال الوارد على الاحتمال الاول والثاني، كما لا يتصوَّر ان تكون ضابطة الاقوائية هو موافقة القياس الأقوى للكتاب والسنة والإجماع، إذ انَّ ظاهر التعريف هو انَّ الدليل على حكم المسألة هو أحد القياسين لا غير، إلاّ انَّه لمَّا كان أحد القياسين منافياً لما يقتضيه الآخر كان ذلك مستوجباً للبحث عن الأقوى منهما. هذا بالاضافة إلى انَّ الثالث من الامور المحتملة متناسب مع مجموعة من التعريفات المذكورة للإستحسان كما بينا ذلك. المعنى الرابع: ما نُقل عن الشاطبي من المالكية انَّ الإستحسان هو (العمل بأقوى الدليلين). ولم نتبين المراد من هذا التعريف، فهل المراد منه هو إعمال الإستحسان لتشخيص ماهو الدليل الأقوى أو انَّ المراد من الإستحسان هو نفس الأخذ بالدليل الأقوى والأقوائية تثبت بواسطة اخرى غير الإستحسان، فنفس الأخذ بما يقتضيه الكتاب الكريم وطرح ما يقتضيه الخبر الواحد المنافي هو الإستحسان، أو انَّ الإستحسان معناه هذه القاعدة الكليَّة وهي كلما تعارض دليلان فالحجيَّة تكون في طرف الأقوى منهما، وهذا المعنى أيضاً لا يشخِّص لنا ضابطة الأقوائية. فبناءً على الإحتمال الثاني لا يكون الإستحسان من الأدلة على الحكم الشرعي وانما يكون مجرَّد اصطلاح يُطلق على هذه الحالة التي يعمل فيها المجتهد بالدليل الأقوى. وأما الإحتمال الثالث: فهو خلاف ظاهر التعريف، إذ انَّ هذه القاعدة لا تعدو إما ان تكون قاعدة عقلية منشاؤها إدراك العقل لاستحالة ترجيح المرجوح واستحالة التخيير بين المرجوح والراجح، وإمّا انَّها قاعدة مستفادة من الشرع أو من دليل آخر، وإطلاق عنوان الإستحسان عليها مجرَّد اصطلاح وهو ينافي دعوى دليليته على الحكم الشرعي، ولو سلمنا استفادتها من الإستحسان فهذا لا يقتضي أكثر من كونها من موارد ما يكشف عنه الإستحسان لا أنها هي الإستحسان نفسه، وحينئذ لا يصلح تعريف الإستحسان بها فلابدَّ من الْتماس تعريف للإستحسان لو كان هذا الإحتمال هو المتعيَّن، وهذا ما يؤكد سقوط هذا الإحتمال، على انَّه لا معنى محصَّل من هذا الإحتمال، وذلك لأن الظاهر من التعريف انَّ المجتهد إنَّما يلجأ للإستحسان في حالة تعارض الأدلة مع إحراز دليلية كل واحد منهما على الحكم الشرعي لولا التعارض، وحينئذ لا معنى لأن يُقال خذ بما هو الأقوى منهما، لان ذلك لا يعالج المشكلة، فهو أشبه بما لو سألك سائل عن أي الطرقين أسلك وكان غرضه التعرُّف على الطريق الاقرب فتجيبه بقولك (اسلك أقرب الطريقين) فهنا لا يكون السائل قد تحصَّل على الجواب الناجع، لأنَّه انَّما يسأل عن الطريق الأقرب. نعم لو كان يعلم بالطريق الأقرب إلاّ انَّه لا يعلم أهو ملْزَم بسلوك الطريق الاقرب أو هو مخير مثلا فإنَّ الجواب بالقول (اسلك الطريق الأقرب) يكون ناجعاً، إلاّ انَّ ذلك خلاف الظاهر من مرجعية الإستحسان في ظرف التعارض، لأن الظاهر انَّه لا يُلجأ للإستحسان للتعرُّف على هذه القاعدة فحسب بل يُلجأ اليه لتشخيص الدليل الأقوى من الدليل الأضعف. ومن هنا يكون المتعيَّن من الإحتمالات هو الإحتمال الأول، وبهذا يكون تعريف الإستحسان - بناء على هذا الإحتمال - هو المشخِّص للدليل الأقوى الذي يلزم العمل به، فيكون التعريف من قبيل التعريف بالفائدة والنتيجة، فهذا وان كان خلاف الظاهر من التعريفات إلاّ انَّ ذلك مألوف في التعريفات التي يكون الغرض منها إعطاء صورة عن المعرَّف كما يقال في تعريف الخمر انَّه المسكر، فهو تعريف بما ينتج عنه. والمتحصَّل انَّ هذا الإحتمال وان كان خلاف الظاهر من التعريف إلاّ انَّه لمّا كان الإحتمال الثاني - والذي هو أقرب بحسب الصياغة اللفظية للتعريف - بعيد جداً كما ذكرنا والإحتمال الثالث ساقط لابتلائه بما ذكرناه من إشكال فيدور التعريف بين الإجمال وعدم انفهام معنى محصل له وبين الإحتمال الأول، والظاهر تعيُّنه لمناسبته مع تعريفات اخرى ومناسبته كذلك مع مرجعية الإستحسان في مقام التعارض. ومع تمامية هذا الإحتمال يبقى السؤال عن الآليَّة المعتمدة للإستحسان لتشخيص الدليل الأقوى والتي هي جوهر الإستحسان، حيث قلنا انَّ هذا التعريف - بناء على الإحتمال الاول - لا يكشف لنا سوى عن النتيجة المترتبة على الإستحسان، وهي تشخيص الدليل الأقوى وأما الآلية المعتمدة لذلك فلابدَّ من استفادتها من مورد آخر. وهنا مجموعة من الإحتمالات نوردها لغرض البحث عمَّا هو المتعيَّن منها: الاحتمال الاول: إنَّ الآلية المعتمدة لتشخيص الدليل الأقوى هو الكتاب المجيد أو السنة أو العقل القطعي والظني أو مناسبة أحد الدليلين لما تقتضيه المصلحة العامة أو مناسبة أحدهما للمرتكزات العرفية أو تناسب أحدهما لسدِّ الذرايع المفضية للحرام فهو حينئذ يكون الاقوى أو تناسب أحدهما لفتح الذرايع المفضية للواجب فهو الاقوى من الدليل الفاقد لهذه الخصوصية. الاحتمال الثاني: ملائمة أحد الدليلين للطبع أو منافاة أحدهما للمذاقات العامة فيكون ما يقابله هو الأقوى. الاحتمال الثالث: هو مجموع هذه المرجحات. أمَّا الترجيح بالكتاب أو بالسنة أو بالعقل أو بالمصلحة أو بسدِّ الذرايع أو فتحها أو بالمرتكزات العرفية فمن غير المناسب أن يُطلق عليها الترجيح بالإستحسان بل المناسب ان يقال ترجيح أحد الدليلين بالكتاب أو بالعقل وهكذا. وما قد يقال انَّه مجرَّد اصطلاح ولا مشاحة في الاصطلاح. نقول انَّ هذا الكلام صحيح إلاّ اننا لا نُحرز انَّ ترجيح أحد الدليلين بالكتاب مثلا يُصطلح عليه بالاستحسان حتى نقول لا مشاحة في الاصطلاح وانما نبحث عن ان مصطلح الاستحسان على أيِّ شيء يطلق، وحينئذ لابدَّ من ملاحظة الإعتبارات والمناسبات بين المصطلح والمصطلح عليه، ومن الواضح عدم التناسب بين ترجيح أحد الدليلين بالكتاب المجيد وبين مصطلح الإستحسان. وأما الاحتمال الثالث فيضعفه ما نجده في كلمات القوم من عدم انحصار الترجيح وتشخيص الاقوى بالإستحسان، فلو كان الاحتمال الثالث هو المتعين لكان جامعاً لتمام المرجحات وهذا ما لا يمكن قبوله لملاحظة انَّ الاستحسان في كلماتهم يكون في عرض مرجحات اخرى وفي حالات يكون في طولها مما يُعبِّر عن انَّ الإحتمال الثالث ليس هو المقصود. ومن هنا يتعين الإحتمال الثاني، إذ هو الذي لا يرد على الإشكال الوارد على الإحتمال الاول كما لا يرد عليه الإشكال الوارد على الإحتمال الثالث، فمن المناسب جداً ان يُقال حين ترجيح أحد الدليلين بما يُلائم الطبع والمذاقات العامة من المناسب انَّ يقال انَّ الترجيح تم بالإستحسان، على انَّ هذا الإحتمال هو المناسب لبعض التعريفات المذكورة للإستحسان. ثم انَّه لو افترضنا جدلا ان الإحتمال الثالث هو المتعيِّن لكان علينا ان نمارس عملية الاستذواق لغرض تشخيص الدليل الاقوى ولو في الحالات التي لا يكون معها مرجح آخر، كما لو تعارض خبران ولم يكن ثمة مرجح من المرجحات الاخرى فإنَّ علينا ان نلاحظ ماهو الدليل المناسب لمقتضيات الذوق وملائمات الطبع، وهذا هو المستفاد مما ذكره السرخسي في مبسوطه، حيث ذكر ان من تعريفات الإستحسان هو (طلب السهولة في الاحكام مما يبتلي به الخاص والعام) وكذلك ما نقله عن بعض من انَّ الإستحسان هو (الأخذ بالسماحة وانتفاء مافيه الراحة) (والأخذ بالسعة وابتغاء الدعة)، فإنَّ هذه التعريفات تعبِّر عن انَّه يحوم في حمى الإحتمال الذي رجَّحناه أو يكون الإستحسان متضمناً للمعنى الذي ذكرناه. وأما احتمال ان تكون الآلية لتشخيص الدليل الأقوى هو مجموع المرجحات باستثناء ما ذكرناه في الاحتمال الثاني فهو وان كان معقولا إلاّ انَّه يتنافى - كما ذكرنا - مع عدِّ الإستحسان مرجحاً في عرض المرجحات الاخرى وفي حالات يكون في طولها مما يؤكد عدم إرادة هذا الإحتمال. المعنى الخامس: وهو ما نُقل عن المالكيَّة من انَّ الإستحسان هو (الإلتفات إلى المصلحة والعدل). وهنا لم يُحدِّد لنا التعريف متى يلجأ المجتهد للإلتفات إلى المصلحة والعدل، وهل انَّ الالتفات لذلك يكون في ظرف التعارض بين الأدلة، فيكون الإستحسان من وسائل علاج التعارض أو ان الإلتفات يكون ابتدائياً، بمعنى انَّه يكون وسيلة للكشف عن الحكم الشرعي فيكون في عرض الأدلة الاخرى، أو انَّ الإلتفات يكون لغرض محاكمة الأدلة الشرعية والعقلية وغيرها فما كان منها مناسباً للمصلحة والعدل فهي صالحة للدليلية، أما مع منافاتها للمصلحة والعدل فهي لا تصلح للدليلية والكاشفية عن الحكم الشرعي فتكون للإستحسان فوقية على سائر الأدلة، إذ هو المشخص - بناء على هذا الإحتمال - للحجَّة منها من غير الحجة حتى في ظرف عدم التعارض. على انَّ التعريف لم يُشخِّص لنا مرتبة المصلحة الموجبة للترجيح لو كان الإحتمال الاول هو المراد، كما انَّه لم يُبيِّن لنا مقدار المصلحة المؤثرة في الكشف عن الحكم الشرعي لو كان الإحتمال الثاني هو المقصود، كما انَّه لم يُوقفنا على ماهية وحدود المصلحة الموجبة لثبوت الحجية لبعض الأدلة وانتفائها عن أدلة اخرى لو كان الإحتمال الثالث هو المراد. ومن هنا لا ندري ماهو العلاج في حالة تعارض المصلحتين أو تزاحمهما وبأيِّ وسيلة يتوسَّل المجتهد لترجيح احدى المصلحتين، ثم ماذا لو تعارض أو تزاحم العدل مع المصلحة بأن كان أحد الدليلين مناسباً للمصلحة وكان الآخر مناسباً لمقتضيات العدل أو كان أحد الفعلين مناسباً للمصلحة والآخر للعدل ولم يكن ثمة مرجح من المرجحات الاُخرى. مثلا لو كان هناك رجل يحرق في كل ليلة بيتاً من بيوتات البلدة وكان قطع مادة الفساد الذي يُحدثه هذا الرجل يتوقف على حبس مجموعة من الرجال وتعذيبهم لغرض التعرُّف على الجاني منهم ولم يكن ثمة وسيلة اخرى لقطع مادة الفساد. فهنا يكون حبس هؤلاء الرجال وتعذيبهم متناسباً مع المصلحة العامة إلاّ انَّه مناف للعدل، إذ لا إشكال انّ حبس غير الجاني وتعذيبه من الظلم، فهذه الحالة لا يجيب عليها التعريف المذكور أيضاً. على انَّه يمكن الإيراد على التعريف بأن الإستحسان لا يكون - بناء عليه - دليلا مستقلا بل هو راجع إلى المصالح المرسلة والى ما يُدركه العقل من حسن العدل وقبح الظلم، وحينئذ لا يكون الإستحسان إلاّ تكثيراً للمصطلحات بلا مغزى، وهذا يتنافى مع الصناعة العلمية، هذا بالإضافة إلى انَّ الظاهر من كلمات الاُصوليين وفقهاء القوم انَّ الإستحسان دليل مستقل في عرض الأدلة كالمصالح المرسلة والدليل العقلي وليس هو مصطلح ثان للمصالح المرسلة والدليل العقلي. ومن هنا يكون التشكيك في دقة هذا التعريف كبيراً جداً. هذا تمام الكلام في معنى الإستحسان، ولا بأس ببيان الأدلة التي استدلَّ بها على حجية الإستحسان. ذكر السيد الحكيم في كتابه الاصول العامة انَّه استدلَّ على ذلك بآيتين من الكتاب المجيد وبرواية من السنة الشريفة وبالإجماع، ونحن نعرض لهذه الأدلة تباعاً. الدليل الاول: قوله تعالى (الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ) ([1]). وتقريب الإستدلال بهذه الآية الكريمة لصالح القول بحجية الإستحسان، انَّ الله تعالى امتدح عباده اللذين يتبعون أحسن القول، وهذا ما يُعبِّر عن حجية الإستحسان وإلاّ لما امتدح الله تعالى عباده المتصفين بالعمل بالإستحسان. وقبل الجواب عن الإستدلال بالآية الشريفة نقول: انَّ المراد من عنوان الأحسن يحتمل ثلاثة احتمالات: الإحتمال الأول: انَّه عنوان اضافي نسبي، وحينئذ يكون معنى الآية هو حجية كل قول أو رأي إذا اُضيف ونُسب إلى رأي آخر كان أحسن منه بقطع النظر عن كون القولين واجدين للحجيَّة في نفسيهما أو لا، فمحض الأحسنية هي المناط في ثبوت الحجية للقول المتصف بها. وواضح انَّ هذا الإحتمال غير مراد جزماً، إذ من غير المعقول ان يكون القول أو الرأي غير واجد للحجية وبمجرَّد ان يُضاف إلى رأي آخر ويتفوق عليه نسبياً يكون ذلك موجباً لاتصافه بالحجيَّة، فالرأي حينما يكون منافياً لنظر الشارع لا يكون رجحانه على رأي آخر مناف أيضاً للشارع موجباً لثبوت الحجيَّة للرأي الراجح وإلاّ لما صحَّ ان تكون للشارع متبنيات خاصة تثبت بموجبها حجية بعض الأقوال وعدم حجية أقوال اخرى، إذ انَّ الاقوال التي لم تثبت لها الحجيَّة متفاضلة بلا ريب، وحينئذ يكون الافضل منها حجة يلزم التعبُّد به وهذا خلاف بناء الشارع على عدم حجيتها، هذا لو كان المراد من الأحسنية هو الأحسنية الواقعية وإلا لو كان المراد من الأحسنية هو الأحسنية بنظر كل أحدد للزم الهرج والمرج، إذ انَّ الأحسنية بهذا المعنى تخضع لعوامل نفسية وملاحظة المصالح الشخصية وهي متفاوتة من شخص لآخر ومتزاحمة في غالب الأحيان، وعندئذ يجرُّ كل واحد النار إلى قرصه، وتكون لغة الغاب هي المحكمة في المجتمعات وبها يختلُّ النظام، وهذا ما يورث الجزم بعدم إرادة الآية الشريفة لهذا المعنى. [1]- سورة الزمر: 18. يتبع |
الإحتمال الثاني: انَّ المراد من عنوان الأحسنية هي الأحسنية الواقعية في إطار الأقوال الواجدة للحجية في نفسها وبقطع النظر عن تفاضلها، وحينئذ يكون المراد أحد احتمالات ثلاثة: الاول: ان يكون كل واحد من القولين واجداً للحجية في حدِّ نفسه مالم يتعارضا أو يتزاحما واذا تعارضا أو تزاحما فإنَّ الحجية تسقط عن القول المفضول وتبقى الحجية للقول الأحسن. فما يقتضيه القياس مثلا حجة في حدِّ نفسه وكذلك ما يقتضيه النص القرآني إلاّ انَّه حينما يتعارضان أو يتزاحمان فإنَّ الحجيَّة تسقط عن المفضول منهما وهو ما يقتضيه القياس. الثاني: ان يكون كل واحد من القولين واجداً للحجيَّة ولا يكون التفاضل بينهما موجباً لسقوط المفضول حتى في ظرف التعارض أو التزاحم نعم الارجح هو الأخذ بالقول الفاضل. الثالث: ان تكون الآية بصدد بيان راجحية اختيار القول الفاضل وليست متصدية لحالات التعارض أو التزاحم. والإحتمال الراجح من هذه الإحتمالات هو الأول وذلك بقرينة ذيل الآية اللشريفة (أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ) ([1]) هذا لو كنا نبني على حجية مفهوم الوصف فيكون المتبع للأحسن هو الذي هداه الله عزّ وجلّ، وبمفهوم الوصف يكون غيره من أهل الضلال، إلاّ أنَّ المعروف بين الاعلام هو عدم حجية مفهوم الوصف، وعليه لا يكون الإتصاف بالهداية لمتَّبع الأحسن ملازماً لانتفائها عن غير المتَّبع للأحسن خصوصاً مع ملاحظة المعطوف على وصف الهداية وهي قوله (وَأُوْلَئِكَ هُمْ أُوْلُوا الاَْلْبَابِ) أي أولوا العقول الراجحة، فإنَّ هذا الوصف يُشعر بأن الأخذ بالأحسن من صفات الكمال وليس هو الفيصل بين الحق والباطل والهداية والضلال، فالهداية والتعقُّل من المفاهيم المشككة، فمن الناس من يأخذ منهما بحظ وافر فهذا هو الأهدى والأعقل، ومنهم من يكون حظه منهما أقل وهذا لا يقتضي انسلاب صفة الهداية والتعقل عنه. ومن هنا لا يمكن استظهار المعنى الاول، ولا يبعد ان يكون المعنى الثالث هو المتعين من هذا الإحتمال، وذلك لأنَّه بعد عدم دلالة الجملة الوصفية على المفهوم لا يكون ثمة مبرِّر لاستظهار تصدِّي الآية الشريفة لعلاج حالات التعارض والتزاحم، إذ المبرِّر لاستظهار تصدِّي الآية لذلك هو مفهوم الوصف، إذ به يثبت انَّ متّبع غير الأحسن لا يكون مهديّاً وهذا معناه سقوط الحجية عن القول غير الأحسن وذلك يقتضي انَّ الآية متصدية لعلاج حالات التعارض والتزاحم، إذ لا معنى لسقوط أحد القولين عن الحجية بمجرَّد أنَّ أحدهما أحسن من الآخر إذا لم يكونا متعارضين أو متزاحمين، وعليه وبعد عدم حجية مفهوم الوصف تكون الآية بصدد بيان راجحية اختيار القول الأحسن من القولين الواجدين للحجيَّة وليست متصدِّية لعلاج حالات التعارض والتزاحم أصلا، لا أقل انَّ هذا المعنى محتمل جداً وليس المعنى الاول مترجح عليه فتكون الآية الشريفة مجملة من هذه الجهة. على انَّه لو كان المعنى الاول من هذا الإحتمال هو المتعيّن لما كانت الآية الشريفة صالحة للإستدلال بها على حجية الإستحسان، وذلك لأن المعنى الاول لا يقتضي أكثر من حجيَّة القول الاحسن وسقوط الحجية عن غير الاحسن اما كيف نشخِّص الأحسن من القولين فهذا مالم تتصدَ الآية الشريفة لبيانه. فالتعريف الاول والثاني والثالث والخامس كلها متصدية لتشخيص الأحسن من الأقوال والبحث إنما هو عن ثبوت الحجية لهذه المشخصات ولا يمكن إثبات حجية ذلك بالكبرى الكلية المستفادة من الآية الشريفة، إذ من الواضح ان القضايا لا تنقح موضوعاتها، فحينما يقول المولى أكرم العلماء فإنه ليس متصدياً لإثبات انَّ زيداً عالماً وان بكراً عالماً، وهنا أيضاً حينما يقول (الأحسن هو الحجة) لا يكون ذلك موجباً لإثبات انَّ الأحسن هو المستفاد بواسطة الذوق وملائمات الطبع أو العقل أو المصلحة أو ما إلى ذلك، نعم لو ثبت من خارج الآية الشريفة انَّ الأحسن يتشخص بواسطة الذوق أو المصلحة أو العقل فإنَّه يمكن التمسُّك بالآية الشريفة لإثبات الحجية لهذه الصغريات، إذن فلابدَّ من إلتماس دليل آخر على حجية الإستحسان في إثبات ماهو أحسن. نعم يبقى الكلام في التعريف الرابع وهو انَّ الإستحسان يعني (العمل بأقوى الدليلين)، وقد احتملنا للمراد منه ثلاثة احتمالات ورجحنا الإحتمال الاول وبناء عليه يكون التعريف متصدياً أيضاً لتشخيص القول الأحسن وبذلك يكون مشمولا للإشكال الوارد على التعريفات الاخرى، وأما بناء على الإحتمال الثاني فالإستحسان ليس من أدلة الحكم الشرعي، وأما بناء على الإحتمال الثالث فهو مطابق للآية بناء على المعنى الاول من الاحتمال الثاني لها إلاّ انَّه لا ينفع لإثبات المطلوب بعد ان كان مفاده حجية الدليل الأقوى دون تشخيص ماهو الدليل الاقوى من الدليل الأضعف. الاحتمال الثالث: لمعنى الآية الشريفة انَّ المراد من عنوان الأحسن هو الأحسن الواقعي إلاّّ انَّه في مقابل القول الباطل، فالآية الشريفة تمتدح اللذين يأخذون بالقول الحق، وذلك بقرينة السياق. ولكي تتضح الدعوى نذكر الآية الشريفة بتمامها وكذلك التي سبقتها والتي تليها (وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَن يَعْبُدُوهَا وَأَنَابُوا إلى اللَّهِ لَهُمُ الْبُشْرَى فَبَشِّرْ عِبَادِ * الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُوْلَئِكَ هُمْ أُوْلُوا الاَْلْبَابِ * أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذَابِ أَفَأَنتَ تُنقِذُ مَن فِي النَّارِ * لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ غُرَفٌ...) ([2]). فالآية الشريفة واقعة في هذا السياق وهي تُعبِّر عن انَّ المهديين واولي الألباب واللذين لهم البشرى هم اللذين اجتنبوا الطاغوت وأنابوا لربهم واتَّبعوا أحسن القول، وفي مقابلهم من حقت عليه كلمة العذاب وليس من سبيل لإنقاذهم من النار. والذي يؤكد ماذكرناه انَّ الآية الشريفة رتبت البشارة على اجتناب عبادة الطاغوت والإنابة لله جلَّ وعلا ثم عطفت ذلك ببيان العلة من البشارة وهي اتباع أحسن القول، فأحسن القول هو اجتناب الطاغوت والإنابة لله جلَّ وعلا، فالتوصيف هنا باتباع أحسن القول سيق لغرض التعليل أو لغرض الإحتراز وكلاهما يصبان في صالح المطلوب كما هو واضح. ثم لم تكتفِ الآيات بزفِّ البشرى للذين يتبعون أحسن القول أي اللذين اجتنبوا الطاغوت بل أوضحت مصير غيرهم فقالت (أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذَابِ) فليس هنا حالة برزخية فاما اتباع أحسن القول وهو المستوجب للبشرى وإمَّا اتباع الطرق الاخرى وهو المستوجب للعذاب. وبهذا اتضح انَّ الأحسنية في الآية الشريفة ليست في مقابل الحسن وانَّما هي في مقابل سَيّء القول وباطله فهي على غرار قوله تعالى (أَفَمَن يَهْدِي إلى الْحَقِّ أَحَقُّ أَن يُتَّبَعَ أَمَّن لاَّ يَهِدِّيَ إِلاَّ أَن يُهْدَى) ([3]) فأحقية الذي يهدي للحق بالإتباع ليست في مقابل استحقاق من لا يهدي للإتباع، فالذي لا يهدي لا يستحق الإتباع بل يحرم اتباعه. وبتمامية استظهار هذا الإحتمال تكون الآية غير نافعة لاثبات ما يروم القوم إثباته من حجية الإستحسان، وما قد يقال من انَّه يمكن إثبات حجية الإستحسان بواسطة التمسُّك باطلاق اللذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه. نقول انه لو تم الإطلاق - بناء على هذا الإحتمال - فإنَّ الإشكال الوارد على المعنى الاول من الاحتمال الثاني لمعنى (الاحسن) وارد هنا أيضاً فراجع. الدليل الثاني: قوله تعالى: (وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُم) ([4]). وهذه الآية الشريفة تحتمل عدة احتمالات نذكر أهمها: الإحتمال الاول: انَّ الآية الشريفة في صدد التأكيد على اتباع التكاليف الإلزامية، فإنها أحسن ما اُنزل من الله جلَّ وعلا، وذلك في مقابل الأحكام التكليفية الغير الإلزامية، فهي وان كانت حسنة إلاّ التكاليف الإلزامية أحسن، ولعل منشأ الأحسنية هو ان الملاكات في موردها تامة، فالأحسنية بلحاظ ما يعود على المكلَّف من نفع وما يندفع عنه من ضرر، أو بلحاظ انّ اتباعها هو المنجي من النار، وأما التكاليف غير الإلزامية فهي بالإضافة إلى انَّ ما يعود منها على المكلَّف ليس بمستوى ما يعود عليه من اتباع التكاليف الإلزامية، فهي بالإضافة لذلك فإنَّ اتباعها لا يوجب النجاة من النار والفوز بالجنة لو كان المتبع لها تاركاً للتكاليف الإلزامية. الإحتمال الثاني: انَّ الآية الشريفة متصدِّية لعلاج حالات التعارض والتزاحم وان المكلَّف ملزم بالأخذ بأحسن ما اُنزل، ولمَّا كان التعارض فيما انزل غير معقول فيتعين القول إما باختصاص تصدِّي الآية الشريفة لحالات التزاحم أو انَّ المراد مما انزل هم الأعم من القرآن الكريم وسائر الأدلة - فإن التعارض حينئذ معقول، وذلك كما لو تعارض خبر ثقة مع ظهور آية - أو يكون المراد من التعارض هو التعارض الصوري بين متشابهات الآيات ومحكماتها فالأحسن حينئذ هو الأخذ بالمحكمات، والأحسنية هنا بلحاظ المكلَّف لجهله بالمراد من المتشابهات. الإحتمال الثالث: انَّ الآية تخاطب الكفار أو العصاة وتعظهم باتباع أحسن ما اُنزل اليهم، فقد انزل اليهم التهديد والوعيد بالنار والعذاب كما انزلت اليهم البشرى بالمغفرة عندما يُنيبون إلى ربهم ويتوبون اليه من قبل ان يُباغتهم العذاب. والأحسنية هنا بلحاظهم حيث انَّ الاوفق بحالهم هو التوبة والإنابة لانها تستوجب المغفرة. ويمكن ان يستظهر هذا المعنى بواسطة سياق الآية الشريفة (وَأَنِيبُوا إلى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لاَ تُنصَرُونَ * وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ العَذَابُ بَغْتَةً وَأَنتُمْ لاَ تَشْعُرُونَ * أَن تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَى علَى مَا فَرَّطتُ فِي جَنبِ اللَّهِ...) ([5])، وهذا المعنى استظهره الشيخ محمد جواد مغنية (رحمه الله) وأوفق احتمال يناسب دعوى دليلية الآية الشريفة على حجية الإستحسان هو الإحتمال الثاني إلاّ انَّه مع مخالفته لظهور الآية الشريفة لا تثبت به الدعوى. أما مخالفته لظهور الآية الشريفة فواضح بملاحظة سياق الآية وسابقتها والتي تليها، فهي تأمر بالإنابة والرجوع إلى الله تعالى قبل فوات الأوان ومباغتة العذاب، وهذه اللغة لا تناسب أهل الطاعة واللذين يبحثون عن حكم الله تعالى ويتحرُّون مظانه، فهل من المناسب لو جاءك طالب الحق يبحث عن وظيفته الشرعية أترى من المناسب أن تهدده وتزجره وأي أحد من أهل المحاورة يقبل بهذا النحو من البيان حتى نقبل ذلك على الله جلَّ وعلا، ولو تنزلنا وقلنا انَّ المعنى المتعين من الآية الشريفة هو الإحتمال الثاني فإنَّه لا ينفع لإثبات الدعوى وذلك لامور: أولا: لانَّه أجنبيٌ عما يُراد اثباته من حجية الإستحسان - بناء على التعريف الاول والثاني والثالث والخامس - فإنها جميعاً بصدد تحديد صغرى الدليل الاقوى، وهذا مالم تتصدَ الآية الشريفة لبيانه حتى بناء على الإحتمال الثاني، إذ انها - بناء عليه - بصدد بيان حجية الدليل الاقوى اما ان تشخيص الدليل الاقوى يتم بواسطة الذوق وملائمات الطبع أو ما يستحسنه العقل أو ما يدلُّ عليه الكتاب والسنة أو ما يناسب المصلحة أو العدل فهذا مالا يمكن استفادته من الآية الشريفة حتى بناء على الاحتمال الثاني. واما التعريف الرابع فكذلك يرد عليه نفس الإشكال بناء على ما استظهرنا وهو الاحتمال الاول، وأما الاحتمال الثالث للتعريف فهو صياغة ثانية للآية بناء على احتمالها الثاني، وعليه لا يكون الإستحسان أكثر من لزوم العمل بالدليل الأقوى أما ماهو الدليل الاقوى فهذا ما لا يتصدى التعريف الرابع - بناء على احتماله الثالث - لبيانه. ثانياً:الآية - بناء على احتمالها الثاني - أخص من المدعى في بعض التعريفات كالتعريف الاول حيث لا تختص حجية الإستحسان - بناء عليه - بحالات التعارض أو التزاحم بل هو حجة حتى في غير مورديهما وكذلك الكلام في التعريف الثاني بل وحتى الخامس لو كان الالتفات إلى المصلحة والعدل مطرداً حتى في غير حالات التعارض والتزاحم كما هو مقتضى اطلاق التعريف. الدليل الثالث: وهو من السنة الشريفة وهو ما رواه أحمد بن حنبل في مسنده عن ابن مسعود انَّه قال (انَّ الله نظر في قلوب العباد فوجد قلب محمد (ص) خير قلوب العباد فاصطفاه لنفسه فبعثه برسالته ثم نظر في قلوب العباد بعد قلب محمد (ص) فوجد أصحابه خير قلوب العباد فجعلهم وزراء نبيِّه يقاتلون على دينه فما رآه المسلمون حسناً فهو عند الله حسن وما رأوه سيئاً فهو عند الله سَيء) ([6]). والإشكال على الإستدلال بهذه الرواية من جهتين: الجهة الاولى: تتصل بالسند حيث انَّ ابن مسعود (رحمه الله) لم يُسند الرواية إلى الرسول (ص) فهي مقطوعة، وهذا ما يوهن الإستدلال بها على المطلوب إذ لعلها كلاماً لابن مسعود نفسه، نعم بناء على حجية قول الصحابي يمكن الإستدلال بهذا النص إلاّ انَّ الإستدلال حينئذ يكون بقول الصحابي لا بالسنَّة الشريفة، وعندئذ يكون الدليل مبنائياً، فمن لا يرى حجية قول الصحابي لا يصلح هذا الدليل لإلزامه، وذلك لا يمثل طعناً في الصحابي الجليل ابن مسعود إذ فرق بين عدالة الرجل وبين حجية قوله واجتهاده. الجهة الثانية: إنَّ لفظ المسلمين في قوله (فما رآه المسلمون حسن فهو عند الله حسن) ظاهر في العموم المجموعي أي ما رآه مجموع المسلمين، وحينئذ تكون الرواية أجنبية عن محلِّ البحث، إذ انَّها انَّما تُثبت حجية الإجماع لا حجية الإستحسان الذي قد يختص به مجتهد أو مجتهدان، على انَّه لا يبعد ان يكون ذلك مختص بالصحابة حيث رتبت الرواية حجية ما يراه المسلمون حسناً على نظر الله جلَّ وعلا إلى قلوب العباد ووجدانه امتياز قلوب الصحابة على سائر قلوب العباد، إذ لا معنى لثبوت حجية استحسان المسلمين بسبب ان قلوب الصحابة خير قلوب العباد إذ لا إرتباط بين السبب ونتيجته مما يوجب استظهار انَّ الذي ثبت لاستحسانه الحجية هو خصوص الصحابة، فتكون الرواية أخص من المدعى - لو بنينا على انَّها في صدد إثبات حجية الاستحسان وإلاّ فهي - كما هو الظاهر من الرواية - أجنبية عن محل البحث، إذ انَّها متصدية لإثبات حجية إجماع الصحابة. ثم انَّ الإنصاف انَّ الرواية ليست متصدية للحديث عما يكشف عن الحكم الشرعي وان رؤية أو إستحسان المسلمين يكشف عن حكم الله الواقعي بل هي تعبِّر عن انَّ قلوب المسلمين أو الصحابة لمَّا كانت على الفطرة لم تتغلَّف بحجب الضلال والكفر أو انَّها تخلَّصت منها بالإيمان والهداية فإنَّ لها حينئذ ان تتعرَّف على موارد الفضيلة والرذيلة والخير والشر، إذ ان ضمير الإنسان إذا خلا من الكفر والعصبية فإنَّه يكون دليل الخير والصلاح. هذا ما يُستظهر من الرواية فهي من الروايات الأخلاقية التي لا صلة لها بالدعوى، والتعبير (بما رآه المسلمون) ناشئ عن انَّ الوقوف على موارد الفضيلة والرذيلة لا يختص بفرد دون آخر بعد افتراض سلامة الفطرة. والذي يؤكد ماذكرناه انَّ الرواية رتَّبت الفقرة الأخيرة وهي قوله (ما رآه المسلمون حسناً) على نظر الله جلَّ وعلا لقلوب العباد ووجدانه انَّ قلوب الصحابة خير قلوب العباد، وواضح انَّ القلب لا يكشف عن الحكم الشرعي وإلاّ فما معنى اختلاف المسلمين في فتاواهم المعتمدة على الإستحسان إلاّ ان يقال ان قلب المسلِّم مشرِّع وليس كاشفاً وحينئذ يجب الإلتزام بأن ما يوحيه قلب كل مسلم من حكم حجة عليه ولو لم يكن هذا المسلم مجتهداً، وذلك لأنَّ الرواية لم تجعل هذه الصفة لمسلم دون آخر حتى تكون صلاحية ذلك منحصرة بالمجتهد، وهذا ما لا يلتزم به القائلون بالإستحسان. الدليل الثالث:دعوى الإجماع على حجية الإستحسان. والظاهر عدم وجود دعوى بهذه السعة وانما هي موارد .. وقليلة أيضاً - ادُّعي انَّ اجماع الأمة عليها نشأ عن الإستحسان، وحينئذ نقول: إن صُرِّح حينئذ في معقد هذه الإجماعات انَّها نشأت عن الإستحسان فإنَّ الاستحسان يثبت في الجملة أي في الموارد التي تجمع الأمة قاطبة على صلاحيته لإثبات حكم أو نفي حكم ولا يصحُّ التعدِّي منها إلى موارد اخرى، كما لابدَّ من ملاحظة أي نحو من الإستحسان الذي أجمعت الأمة على أهليته لإثبات حكم ذلك المورد ومع تشخيصه يكون هو المتعين من أنحاء الإستحسان، إذ انَّ غيره ليس مورداً للإجماع فلا يمكن الإستدلال بالإجماع على حجيته، ومع عدم تشخيصه لا يصح إعمال الحدس لتحديده، وذلك لأنه اجتهاد خاص لا يمكن تحميل اجماع الاُمة عليه وإلاّ فهو خروج عن الإستدلال بالاجماع. هذا كلُّه لو صُرِّح في معقد الإجماع بأن مدركه هو الإستحسان وأما مع عدم التصريح فلا مبرِّر للإستدلال على حجيّته بالإجماع إلاّ الحدس والإجتهاد وهو خروج عن الإستدلال بالإجماع. والظاهر انَّ تمام الموارد القليلة التي ادعي قيام الإجماع عليها وانَّه ناشئ عن الإستحسان هي من هذا القبيل، إذ من المتعذِّر عادة إحراز انَّ المنشأ من تبني كل فرد أو عالم من الامة لهذا الحكم هو الإستحسان، وعدم وجود ما يبرِّر الإجماع من نص لا يقتضي تعين المدرك في الإستحسان فلعلَّ المدرك هو السيرة العقلائية أو المتشرعية، ولعلَّ المناشئ مختلفة فكل فريق نشأ تبنيه للحكم عن مدرك غير الذي نشأ عنه تبني الفريق الآخر فيتكون الإجماع ولكن بمناشئ مختلفة. هذا بالإضافة إلى عدم تمامية دعوى إجماع الأمة على حجية الإستحسان، فإنَّ هذه الدعوى منقوضة بمذهب الامامية حيث يبنون جميعاً على عدم حجيته وكذلك الظاهرية والشافعية. وبهذا يتضح سقوط تمام الأدلة التي استدلَّ بها على حجية الإستحسان، وهو كاف لسقوطه عن الحجية من غير حاجه لإثبات ذلك، فإن الأدلة الظنية التي لم يقم الدليل القطعي على حجيتها باقية على الأصل وهو عدم الحجية. لقوله تعالى (إِنَّ الظَّنَّ لاَ يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً) ([7]). [1]- سورة الزمر: 18. [2]- سورة الزمر: 17 - 20. [3]- سورة يونس: 25. [4]- سورة الزمر: 55. [5]- سورة الزمر: 53 - 56. [6]- مسند أحمد: مسند المكثرين من الصحابة الحديث 3418. [7]- سورة النجم: 28. تقبلوا تحيتي |
بسم الله الرحمن الرحيم اللهم صل على محمد وآل محمد الإستصحاب الظاهر انَّه لم يرد عنوان الإستصحاب في شيء من ألسنة الروايات التي استدل بها على حجية الإستصحاب، وانَّما نشأ هذا العنوان عن التناسب بين ما تعطيه كلمة الإستصحاب بحسب مدلولها اللغوي وبين ما تقتضيه أدلته. فالإستصحاب بحسب مدلوله اللغوي معناه اتخاذ شيء مصاحباً ومرافقاً وملازماً وهو في مقابل مجانية الشيء ومفارقته، وهذا المعنى يتناسب مع ما يقتضيه الإستصحاب بحسب المصطلح الاصولي، حيث يقتضي الإلتزام بالمتيقن في مرحلة الشك، فالمتيقن مستصحب وملتزم به وغير مجانب - بصيغة المفعول - في مرحلة الشك. وكيف كان فالتعريفات المذكورة للإستصحاب تحوم في حمىً واحد، ولذلك ذكر صاحب الكفاية (رحمه الله) انَّ تعريفات الإستصحاب تشير إلى معنىً واحد، إلا انَّ السيد الخوئي (رحمه الله) لم يقبل بهذه الدعوى وأفاد انَّ الإستصحاب لا ينبغي ان يكون له تعريف واحد بل لابدَّ وان يختلف باختلاف المبنى فيما هو المجعول في الإستصحاب، فلو كان المجعول في الاستصحاب هو الطريقية المحضة فهذا يقتضي ان يكون نحواً من الأمارات، وحينئذ لابدَّ من تعريفه بما يتناسب مع كونه أمارة، ولو كان المجعول في الإستصحاب هو الوظيفة العملية فهذا يقتضي ان يكون الإستصحاب أصلا عملياً، وعندئذ لابدَّ من تعريفه بما يتناسب مع كونه أصلا عملياً. ومن هنا نشأ الإختلاف في تعريف الإستصحاب، فهو بناء على كونه أمارة يُناسبه ان يُعرَّف بهذا التعريف الذي نقله الشيخ الانصاري (رحمه الله) عن بعض العلماء من انَّ الإستصحاب هو (كون الحكم متيقناً في الآن السابق مشكوكاً في الآن اللاحق). ومنشأ تناسبه لأمارية الإستصحاب هو انَّ اليقين السابق بالحكم كاشف ظني عقلائي عن بقاء الحكم في مرحلة الشك، فهو تعريف له بمنشأ كاشفيته وهو اليقين السابق بالحكم، وواضح ان الإستصحاب إذا كان كاشفاً عن بقاء الحكم في مرحلة الشك فهو أمارة. وأما بناء على كون الإستصحاب أصلا عملياً - كما هو المعروف - فيناسبه التعريف الذي ذكره الشيخ الانصاري (رحمه الله) وقال انه أسدُّ التعريفات وأخصرها وهو (إبقاء ما كان) وشرحه الشيخ صاحب الكفاية (رحمه الله) بأنَّه الحكم ببقاء حكم أو موضوع ذي حكم شك في بقائه)، وتناسب هذا التعريف مع كون الإستصحاب أصلا عملياً واضح، وذلك لأنَّ الأصل العملي حكم ظاهري مقرَّر على المكلَّف في ظرف الشك في الحكم الواقعي، فقول الشيخ الأنصاري (رحمه الله) بأن الإستصحاب (إبقاء ما كان) معناه حكم الشارع ببقاء المتيقن على حاله في ظرف الشك، وهو تعبير آخر عن جعل الشارع الحكم الظاهري على المكلَّف، غايته انَّ موضوع هذا الحكم الظاهري هو اليقين السابق والشك اللاحق، فاليقين والشك المتواردان على متعلَّق واحد هو المنقح لموضوع الحكم الظاهري وهو الإستصحاب أو قل لزوم البناء على البقاء. ثم لا بأس بشرح ما أفاده صاحب الكفاية (رحمه الله) في تعريفه للإستصحاب، فقوله (هو الحكم ببقاء) معناه انَّ الشارع جعل حكماً ظاهرياً على المكلَّف هو لزوم البناء على البقاء ولزوم ترتيب آثار البقاء والتعامل مع المتيقن السابق وكأنَّه لازال متيقناً، فكما انَّه لو كان متيقناً فعلا يقتضي بعض الآثار من تنجيز أو تعذير فكذلك الحال فيما لو كان متيقناً سابقاً ومشكوكاً لاحقاً. ثم انَّ الإستصحاب لا يختص بلزوم البناء على بقاء الحكم المتيقن سابقاً بل يشمل حالة الشك في الموضوع ذي الحكم إذا كان لذلك الموضوع حالة سابقة متيقنة، وهذا هو معنى قوله (ببقاء حكم أو موضوع ذي حكم) فإنَّ المقصود من الحكم هو مثل الوجوب أو الحرمة أو الطهارة والمقصود من الموضوع ذي الحكم هو كل موضوع يترتب على تنقُّحه أثر شرعي مثل الكُرّ والخمر وعدم زوال الحمرة المشرقية وهكذا، فإنَّ الحكم ببقاء السائل الخمري على الخمرية يترتب عليه أثر شرعي وهو حرمة شربه. ثم انَّ السيد الخوئي (رحمه الله) قال: إنَّ الصحيح في تعريف الإستصحاب - بناء على كونه اصلا عملياً هو (حكم الشارع ببقاء اليقين في ظرف الشك من حيث الجري العملي). والظاهر انَّ الفرق بين هذا التعريف وبين تعريف الشيخ الانصاري وصاحب الكفاية (رحمهما الله) ليست جوهرياً، نعم هو الأنسب بروايات الاستصحاب كما أفاد السيد الخوئي (رحمه الله)، وذلك لأنَّ صحاح زرارة الثلاث أفادت النهي عن نقض اليقين بالشك، وهذا يقتضي تعريفه بلزوم البناء على بقاء اليقين في حالات الشك، إذ هو المنهي عن نقضه وليس المتيقن والذي هو متعلَّق اليقين، غايته انَّ الحكم ببقاء المتيقن هو لازم الحكم بلزوم البناء على بقاء اليقين، إذ ان الحكم ببقاء اليقين يُنتج الحكم ببقاء المتيقن، إذ من غير المعقول ان يبقى اليقين دون متعلَّقه (المتيقن)، وذلك لأن اليقين من العناوين ذات الإضافة فلا يمكن وجود يقين دون ان يكون له متيقن. وعلى أيِّ حال فقد ذكر الشيخ الانصاري (رحمه الله) انَّ للإستصحاب أقساماً ناشئة عن لحاظات ثلاثة: الأول: هو التقسيم بلحاظ المستصحب وهو المتيقن الذي حكم الشارع بلزوم البناء على بقائه في ظرف الشك كالوجوب الذي كان متيقناً ونشك فعلا في بقائه، وكالسائل الخمري الذي كان متيقناً ونشك فعلا في بقائه على صفة الخمرية، فالوجوب في المثال الاول والسائل الخمري في المثال الثاني يُعبَّر عن كلّ واحد منهما بالمستصحب. ونحن إذا لاحظنا المستصحب نجده على أقسام، فالإستصحاب بلحاظ ما ينقسم عليه المستصحب ينقسم على نفس تلك الأقسام. فنقول تاره يكون المستصحب أمراً وجودياً مثل الوجوب والحياة، وتارة يكون أمراً عدمياً مثل عدم الحكم وعدم الرطوبة وعدم الحاجب وعدم الحدث. والأمر الوجودي تارة يكون حكماً شرعياً كالوجوب والطهارة، وتارة يكون من الامور الخارجية مثل الرطوبة والعصير العنبي. والحكم الشرعي تارة يكون حكماً تكليفياً مثل الحرمة وتارة يكون حكماً وضعياً مثل الطهارة والزوجية والملكية، والحكم الشرعي أيضاً قد يكون كلياً مثل الحرمة الثابتة للخمر وقد يكون جزئياً مثل شخص وجوب النفقة على زوجة زيد الثابت على عهدة زيد نفسه. الثاني: التقسيم بلحاظ دليل المستصحب أو قل بلحاظ منشأ اليقين، إذ قد يكون اليقين في حينه ناشئاً عن المدرك العقلي كما لو حدث اليقين بوجوب شيء بواسطة ادراك العقل اشتماله على المصلحة التامة الغير المزاحمة، وقد يكون اليقين بالمستصحب ناشئاً عن الإجماع، كما قد يكون ناشئاً عن الدليل اللفظي من الكتاب أو السنة، وقد يكون منشاؤه المشاهدة كما لو شاهد المكلَّف النجاسة وهي تسقط في الإناء، وقد يكون ناشئاً عن مناشئ اخرى. الثالث: التقسيم بلحاظ السبب الموجب للشك في البقاء، إذ قد يكون الشك في البقاء ناشئاً من اشتباه الامور الخارجية كالشك في الرطوبة الحادثة من حيث كونها منياً أو مذياً أو الشك في انَّ الدم الخارج هل هو من دم العذْرة أو من دم الحيض والشبهة في المقام موضوعية والتي مآلها دائماً إلى الشك في الحكم الجزئي أو قل الشك في بلوغ الحكم مرحلة الفعلية فحينما يقع الشك في حدوث حدث الحيض بسبب الشك في انَّ الدم الخارج هل هو دم حيض أو دم عُذْرة فإنَّ الشك هنا شك في فعلية الطهارة الحدثية فهو شك في الحكم الجزئي، ولاتِّضاح ذلك راجع الشبهة الموضوعية والشبهة الحكمية. وقد ينشأ الشك في البقاء عن الشك في حدود الحكم الشرعي الكلي كالشك في بقاء الحرمة للعصير العنبي بعد زوال ثلثيه بالشمس وكالشك في حرمة النبيذ بعد ذهاب سَورته بالماء، وهنا تكون الشبهة حكمية باعتبار انَّ متعلق الشك هو الحكم الشرعي الكلِّي أو قل انَّ متعلَّق الشك هو حدود الجعل الشرعي، راجع الشبهة الحكمية. وقد يكون الشك في البقاء ناشئاً عن الشك في استعداد المستصحب للبقاء إلى مدة معينة، وهذا هو المعبَّر عنه بالشك في المقتضي، وقد يكون الشك في بقاء المستصحب ناشئاً عن احتمال طروء الرافع، وهذا هو المعبَّر عنه بالشك في الرافع. والاول مثل الشك في بقاء نهار شهر رمضان باعتبار الشك في قابليته للبقاء إلى هذه الساعة، والثاني مثل الشك في بقاء الزوجية لاحتمال زوالها بسبب الطلاق. كما انَّ الشك في البقاء قد يكون شكاً منطقياً بمعنى ان طرفي الثبوت والإنتفاء متساوية في النفس، وقد يكون بمعنى ترجُّح طرف الثبوت أو طرف الإنتفاء في النفس وقد يكون بمعنى الإحتمال. هذه هي تمام الاقسام التي ذكرها الشيخ الانصاري (رحمه الله)، وبعضها وقع محلا للنزاع من حيث مشموليتها لأدلة الحجية للاستصحاب وبعضها ادعي الاتفاق على شمول أدلة الاستصحاب لها، كما انَّ بعضها ادعي الإجماع على عدم شمول أدلة الإستصحاب لها وسوف نشير إلى بعض هذه الاقسام في سياق استعراض عناوينها (إن شاء الله تعالى). موفقين دمتم في رعاية المولى وحفظه |
بسم الله الرحمن الرحيم اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم وفرجنا بهم يا كريم الإستصحاب الإستقبالي المراد من الإستصحاب الإستقبالي هو ما يكون فيه المتيقن فعلياً ويكون المشكوك استقبالياً، بمعنى ان يكون المكلَّف على يقين بشيء فعلا إلاّ انَّه يشك في استمراره فيما يُستقبل من الزمان، فهو وان كان يشترك مع الإستصحاب الاعتيادي في تأخر المشكوك على المتيقن إلا انَّ الإختلاف بينهما من جهة انَّ الحالة المألوفة هو فعلية متعلَّق الشك وماضوية متعلَّق اليقين، أما الاستصحاب الإستقبالي فإنَّ الحالة الفعليّة للمكلف هي اليقين بالشيء ويكون المشكوك متأخراً. ومثاله مالو كان المكلَّف متيقناً بعجزه عن الوضوء الإختياري إلاّ انَّه يشك في استمرار هذا العجز فيما يُستقبل من الزمان، فاليقين والشك وان كانا فعليين - وكذلك متعلَّق اليقين وهو العجز فعلي أيضاً - إلاّ انَّ متعلَّق الشك وهو بقاء العجز استقبالي. فهنا لو كنَّا نبني على جريان الإستصحاب فإنَّ مقتضاه هو البناء على بقاء العجز فيما يُستقبَل من الزمان. وباتِّضاح ذلك نقول انَّ السيد الخوئي (رحمه الله) ذكر انَّه لم يجد من تعرَّض لهذا النحو من الإستصحاب إلاّ المحقق النائيني (رحمه الله) فإنَّه أشار إلى هذا النحو من الإستصحاب في المقدمات المفوتة ونقل عن صاحب الجواهر (رحمه الله) انَّه يرى عدم جريانه إلا انه لم ينقل المنشأ الذي حدى بصاحب الجواهر (رحمه الله) إلى القول بعدم جريانه. ولعلَّ منشأه - كما أفاد السيد الخوئي (رحمه الله) - هو انَّ أكثر الروايات التي استدلَّ بها على حجية الإستصحاب تفترض فعلية المشكوك وتقدم المتيقن، كما في مضمرة زرارة (لانَّك كنت على يقين من طهارتك فشككت) إلا انَّه مع ذلك يمكن القول بحجية هذا الإستصحاب تمسكاً باطلاق الكبرى التي علَّل بها الامام جريان الإستصحاب وهي قوله (ع) (فإنَّ اليقين لا يُرفع بالشك) ([1]) وقوله (ع) (وليس ينبغي لك ان تنقض اليقين بالشك) ([2]). ومن هنا ذهب السيد الخوئي (رحمه الله) الى جريان الاستصحاب الإستقبالي على ان يكون الأثر الشرعي مترتباً عليه حين جريانه أي في حالة اليقين بالحادث وإرادة اسرائه لما يُستقبل من الزمان، لا أن يكون الأثر مترتباً على وجود الحادث في مستقبل الزمان، إذ انَّ المعتبر في جريان الإستصحاب هو كون الأثر الشرعي مترتباً حين إجراء الإستصحاب، وإجراء الإستصحاب في المقام هو زمان المتيقن. مثلا: لو كان جواز البدار للعاجز في مثالنا السابق مترتباً على إحراز استمرار العجز لآخر الوقت فإنَّ استصحاب استمرار العجز - المتيقن فعلا - إلى آخر الوقت ينقِّح موضوع الأثر الشرعي وهو جواز البدار، أما لو لم يكن الأثر مترتباً حين إجراء الإستصحاب فإنَّ الإستصحاب لا يجري، فلو كنا على يقين فعلا من عدالة زيد ونشك في انَّ عدالته هل ستستمر إلى شهر أولاْ وكان هناك أثر مترتب على اتِّصافه بالعدالة في آخر الشهر وهي صحة الطلاق أمامه في ذلك الوقت مع افتراض عدم وجود أثر شرعي مترتب حين إجراء استصحاب استمرار العدالة المتيقنة فعلا فإنَّ هذا الإستصحاب لا يجري، إذ لا أثر مترتب حين إجرائه كما هو الفرض. الإستصحاب التعليقي ومجرى هذا الإستصحاب - لو تمت حجيته - هو الحكم لا الموضوع كما سيتضح ان شاء الله تعالى، ولأجل التعرُّف على موضوع البحث لابدَّ من تقديم مقدمة، وهي انَّ مناشئ الشك في بقاء الحكم ثلاثة: الاول: ان يكون الشك من جهة بقاء الجعل والتشريع بعد إحرازه في مرحلة سابقة، وهذا النحو من الشك لا يُتصور إلاّ في حالة احتمال النسخ، ولا مبرِّر للشك في انتفاء الجعل إلاّ احتمال ان يكون المولى قد رفع الحكم بعد جعله، وهنا يجري استصحاب عدم النسخ، وتصوير معنى النسخ والبحث عن امكانه وهل يجري الإستصحاب في مورده أو لا ياتي في محلِّه ان شاء الله تعالى. ومثاله مالو علم المكلَّف بحرمة أكل النجس ثم شك في بقاء هذه الحرمة، فهذا شك في نسخ الحرمة. الثاني: ان يكون الشك من جهة بقاء الحكم الكلي المجعول أي الشك في بقاء الفعلية للحكم بعد ان كانت محرزة في مرحلة سابقة، وهذا النحو من الشك يُعبَّر عنه بالشبهة الحكمية وينشأ عن الشك سعة موضوع الحكم في مرحلة الجعل وضيقه. ومثاله وجوب النفقة على الزوجة المطيعة، فقد يقع الشك في الوجوب بعد ان تصبح الزوجة غنية ومنشأ الشك هو الشك في سعة دائرة موضوع الوجوب، وهل ان موضوع الوجوب هو مطلق الزوجة المطيعة أو انَّ موضوعه هو خصوص الزوجة المطيعة الفقيرة. وهنا يجري استصحاب وجوب النفقة على الزوجة ويُعبَّر عن هذا الإستصحاب باستصحاب الحكم التنجيزي، والمراد من الحكم التنجيزي هو الحكم المجعول أي البالغ مرتبة الفعلية بسبب تحقق تمام الموضوع المأخوذ حين الجعل. فالزوجة حينما تكون مطيعة وفقيرة يكون وجوب النفقة ثابتاً لها على الزوج بلا ريب، أي انَّ وجوب النفقة يكون فعلياً وتنجيزياً وعندما ينتفي قيد الفقر عنها والذي نحتمل دخالته في موضوع وجوب النفقة يقع الشك في استمرار الوجوب التنجيزي الفعلي، وعندئذ يجري استصحابه أي استصحاب ذلك الحكم المنجَّز والفعلي بناء على جريان الاستصحاب في الشبهات الحكمية. الثالث: ان يكون منشأ الشك هو انتفاء خصوصية لو قُدِّر لها البقاء لاصبح الحكم فعلياً، وذلك لتحقق خصوصية كانت مفقودة حين وجود الخصوصية المنتفية فعلا أي في ظرف الشك، والخصوصية التي كانت منتفية وتحققت فعلا يُعلم بدخالتها في موضوع الحكم، وأما الخصوصية المنتفية فعلا والتي كانت موجودة فإنَّه لانقطع بدخالتها في موضوع الحكم إلاّ اننا نحتمل ذلك، وهذا الإحتمال هو الذي نشأ عنه الشك في تحقق الفعلية للحكم، إذ انَّ هذه الخصوصية لو كانت دخيلة في موضوع الحكم فإنَّ الحكم لا يكون فعلياً جزماً بسبب انتفائها. وأما لو لم تكن دخيلة في موضوع الحكم فإن الحكم يكون فعلياً جزماً لافتراض تحقق الخصوصية التي نعلم بدخالتها. وبتعبير آخر: لو كان لموضوع الحكم ثلاث خصوصيات، اثنتان منها يُحرز دخالتهما في موضوع الحكم وواحدة يُحتمل دخالتها في موضوع الحكم، فلو اتفق وجود الخصوصيات الثلاث فلا كلام، إذ الحكم يكون فعلياً بلا ريب، أما لو اتفق ان كانت احدى الخصوصيتين اللتين نعلم بدخالتهما في الحكم منتفية والمتحقق هو احدى الخصوصيتين منهما وكذلك الخصوصية الثالثة المحتمل دخالتها في الحكم، فعندئذ نستطيع ان نقول لو كانت الخصوصية المعلوم دخلها متحققة فعلا لاصبح الحكم فعلياً وهذا هو المعبَّر عنه بالحكم المعلَّق، فلو اتفق بعد ذلك ان تحققت الخصوصية المنتفية إلاّ انَّ الخصوصية الثالثة المحتمل دخالتها انتفت عن الموضوع قبل تحقق الخصوصية التي كانت منتفية، فهنا يقع الشك في بقاء الحكم المعلَّق الذي كان معلوماً قبل تحقق الخصوصية الثانية وقبل انتفاء الخصوصية الثالثة. مثلا: لو كان وجوب النفقة مترتب على موضوع هو الزوجة المطيعة مع احتمال دخالة الفقر في موضوع الوجوب، وهنا نقول: لو اتفق ان كانت المرأة زوجة ومطيعة وفقيرة فهنا لا ريب في تحقق الفعلية للوجوب، أما لو اتفق ان كانت المرأة زوجة وفقيرة إلاّ انَّها لم تكن مطيعة، فهنا نستطيع ان نقول: انَّ هذه الزوجة لو كانت مطيعة لوجبت لها النفقة وهذا الوجوب يُعبَّر عنه بالحكم المعلَّق. فلو اتفق ان تحققت الخصوصية الثانية المعلوم دخلها في الحكم وهي الطاعة إلاّ انه وقبل تحقق عنوان (المطيعة) انتفت الخصوصية الثالثة المحتمل دخلها وهو عنوان «الفقيرة)، فهنا يقع الشك في بقاء الحكم المعلَّق الذي كان معلوماً وهو (انَّ هذه الزوجة لو كانت مطيعة لوجبت لها النفقة)، ومنشأ الشك هو انتفاء الخصوصية الثالثة المحتمل دخالتها والتي كانت محرزة حين العلم بوجود الحكم المعلَّق، وحينئذ يقع البحث في امكان الإستصحاب، ولو أمكن إجراء الإستصحاب لكان منتجاً لإثبات بقاء الحكم المعلَّق، أي اثبات انَّ هذه الزوجة لو كانت مطيعة لوجبت لها النفقة. وبهذا البيان اتضح الفرق بين الإستصحاب التنجيزي والاستصحاب التعليقي، وانَّ الاول عبارة عن استصحاب الفعلية التي لو كانت محرزة في مرحلة سابقة ثم طرأ الشك في بقائها بسبب انتفاء خصوصية كانت موجودة ونحتمل انها دخيلة في تحقق الفعلية سابقاً، وهذا يؤول روحاً إلى الشك في سعة دائرة موضوع الحكم. وأما الإستصحاب التعليقي فهو عبارة عن استصحاب الحكم المعلَّق والذي لم يبلغ مرتبة الفعلية بسبب عدم تحقق أحد قيوده الذي لو قدِّر له ان تحقق سابقاً لأصبح الحكم حينها فعلياً، فالمستصحب في الاستصحاب التنجيزي هو الحكم الفعلي وأما المستصحب في الاستصحاب التعليقي فهو الحكم المعلَّق. ومنشأ عروض الشك على بقاء الحكم المعلَّق هو انتفاء خصوصية كانت موجودة نحتمل دخالتها في موضوع الحكم وهذا الإنتفاء وقع قبل تحقق الخصوصية المعلوم دخالتها في موضوع الحكم، وهذا الشك يؤول روحاً إلى الشك في سعة دائرة موضوع الحكم إلاّ انَّ الفرق بين الاستصحابين انَّ الأول كان متوفراً على تمام الخصوصيات المعلوم دخالتها والمحتمل دخالتها في موضوع الحكم، وهذا اما أوجب الجزم بتحقق الفعلية في المرحلة السابقة. أما الثاني فلم تكن تمام الخصوصيات المعلوم دخالتها متوفرة بل انَّ المتحقق منها هو بعض الخصوصيات المعلوم دخالتها في الموضوع والخصوصية المحتمل دخلها في الموضوع وهذا ما أوجب الجزم بالقضية التعليقيَّة وهي انَّ الخصوصية المفقودة لو تحققت لأصبح الحكم فعلياً. وتصوير جريان الإستصحاب في الحكم المعلَّق هو انَّ الحكم المعلَّق كان معلوماً قبل انتفاء الخصوصية المحتملة الدخل في موضوع الحكم وبعد انتفائها وتحقق الخصوصية المفقودة نشك في بقاء الحكم المعلَّق فحينئذ يجري استصحاب الحكم المعلَّق، وذلك لليقين بالحدوث والشك في البقاء. وباتِّضاح ذلك نقول: انَّ السيد الصدر (رحمه الله) ذكر انَّ المشهور قبل المحقق النائيني (رحمه الله) هو حجية الإستصحاب التعليقي إلاّ انَّ الشهرة انقلبت بعد المحقق النائيني (رحمه الله) إلى على عدم حجية الاستصحاب التعليقي، وذلك تأثراً بالمحقق النائيني (رحمه الله). ومقصودنا من الاستصحاب التعلقي الذي كانت الشهرة مع جريانه ثم تحولت إلى البناء على عدم جريانه هو الاستصحاب التعليقي في الأحكام، وأما الإستصحاب التعليقي في الموضوعات أو متعلَّقات الأحكام فهو بحث آخر، وتصويره لا يختلف عن تصوير الإستصحاب التعليقي في الأحكام، إذ كلاهما متقوم بإحراز قضية تعليقية في مرحلة سابقة ثم وقوع الشك ففي بقائها بسبب انتفاء خصوصية محتملة الدخل في موضوع القضية التعليقية، غايته انَّ الجزاء في القضية التعليقية تارة يكون حكماً شرعياً وحينئذ يكون استصحابها استصحاباً للحكم المعلَّق، وتارة يكون موضوعاً لحكم شرعي أو متعلقاً لحكم شرعي وعندئذ يكون الاستصحاب التعليقي موضوعياً. مثلا: لو كان المكلَّف لابساً ثوباً يُحرز انها ليست من أجزاء ما لا يؤكل لحمه، فعندئذ يتمكن من تشكيل قضية تعليقية حاصلها (لو وقعت الصلاة منه لكانت في غير ما لا يؤكل لحمه). ثم لو صلَّى في ثوب مشكوك فهل له ان يستصحب تلك القضية التعليقية وهي (انَّه لو وقعت منه الصلاة لكانت في غير ما لا يؤكل لحمه). وتلاحظون ان منشأ الشك هو انتفاء خصوصية هو انتفاء خصوصية كانت محرزة وهي انَّ الثوب التي كان متلبساً بها لم تكن من أجزاء ما لا يؤكل لحمه، واما ماهو متلبس به فعلا فهي ثوب لا يُحرز انَّها مما لا يوكل لحمه. وحينئذ لو كنا نقول بجريان الإستصحاب التعليقي في الموضوعات فإن النتيجة هي ببقاء القضية التعليقية في ظرف الشك. [1]- مستدرك الوسائل: باب 1 من أبواب نواقض الوضوء، الحديث 4. [2]- الوسائل: باب 44 من أبواب النجاسات الحديث 1. تقبلوا تحيتي |
بسم الله
اختي الكريمة السلام عليكم ورحمة الله صحيح ان هذا المنتدى باسم الحوزة ولكن يدخله الجميع فكان ينبغي عليكم حين الكتابة لا تكتبون بلغة العلماء الجافة وخصوصا ان موضوعكم بصدد التعريف وينبغي ان يكون المعرف اجلى من المعرف فلو بسطتم الموضوع وضربتم الامثلة بطريقتكم لا بطريقة العلماء الاختصاصية علما اني قرءت الشئ اليسير ولم استقضي الموضوع فلم اتابعة من البداية وهو الان طويل تقبلو نصحي ومروري |
اقتباس:
أخي الكريم ( معد ) .. شكرا لمرورك بمتصفحي المتواضع , وأود ان اوضح لك لقد ذكرت في مشاركه سابقه ان هذا الموضوع ليس من كتاباتي الشخصيه أنما هو مجرد نقل ما ورد في كتاب المعجم الأصولي لشيخ صنقور .. حيث انه كتاب مهم لطلاب العلوم الأسلامية والباحثين فيها ليستفيدوا منه . مبارك لكم ميلاد سبط الرسول الإمام المجتبى عليه السلام نسألكم الدعاء |
يسم الله
وفقتم لكل خير والدال على الخير كفاعله |
الله يوفق كل السادة والعلماء ويجعلنا الله معاهم دنيا وآخرة تحياتي
|
اللهم كن لوليك الحجة بن الحسن (صلواتك عليه وعلى آبائه)في هذه الساعة وفي كل ساعة ولياً وحافظاً وقائداً وناصراً ودليلاً وعيناً حتى تسكنه أرضك طوعاً وتمتعه فيها طويلاً وهب لنا رأفته ورحمته ودعائه وخير برحمتك يا أرحم الراحمين بارك الله فيكم وجزاكم الله خير جزاء المحسنين ووفقكم الله لما هوخير وصلاح ولكل من يتفقه في الدين |
وفقكم الله وسدد خطاكم على الموضوع الجيد والمفيد ، لكي تعم الفائدة نشرناه في منتدى مدرسة الامام الحسين (ع)
http://alhussain-sch.org/forum/showt...=2479#post2479 |
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم وفرجنا بهم ياكريم
الأخوة الكرام / معد - خادم الشيعة - أبو هبه - خادم الزهراء2 شكرا لمروركم الطيب ولتعقيبكم . أخي خادم الزهراء لا بأس بنشر الموضوع موفقين لكل خير ان شاء الله تحيتي |
الشبكة: أحد مواقع المجموعة الشيعية للإعلام الساعة الآن: 10:10 PM. بحسب توقيت النجف الأشرف |
Powered by vBulletin 3.8.14 by DRC © 2000 - 2024